الشاعر حسين أبو سعود: لم أنجز بعد ما يجب إنجازه

شبكة النبأ: الكلمة التي يؤمن بها الكاتب معتبرا إياها المغير الاول للحياة، والمحرك الأساس لقيم الجمال الإنساني، هذه الكلمة التي ستغير وجه العالم حسب رؤية الأديب والمثقف.

في حوار مع الشاعر حسين أبو سعود اجراه صابر الفيتوري ، يدلي بتصوراته عن شكل المثقف العربي وحالة الإحباط التي تتلبسه، وماهية مرجعية المثقف العربي الفكرية وميوله وإتجاهاته، مع كيفية توظيفه لفلسفته من خلال طرحه الشعري الفكري، ورؤيته الخاصة عن حاضر ومستقبل النقد العربي، ومهمة الأدب في التجلي لعقد آمال التغيير الإنساني ومدى تأثيره في الذات الإنسانية.

ففي معرض حديثه عن حياته وبداياته وكيف يجد نفسه الآن فيما أنجزه يقول ابو سعود: بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على ولادتي التي أخبرتني أمي عنها بالتفصيل ووصفتها بأصعب الولادات، وبالرغم من كتابة عشرات بل مئات من الأعمال على شكل قصيدة أو قصة أو  مقالة، إلا اني أجد نفسي لم أنجز بعد ما يجب إنجازه، ومسيرتي ما زالت لم تكتمل ولن تكتمل لاننا خلقنا لنرحل فجأة، والراحلون فجأة لا يستطيعون أكمال ما ينبغي إكماله ويحضرني هنا بيتا شعريا بالفارسية ما معناه: احترقت أجنحة الفراشة والشمعة انطفأت والليل انقضى وقصتي بقيت دون تكملة.

ولكن بالرغم من حالة الإخفاقات الكبيرة أجد في قاع روحي حالة من الراحة وذلك لرضى الناس عني، واحتفاءهم بي وهذا بحد ذاته كنز لا تراه العين المجردة، وتظل هناك حقيقة واحدة وهي ان الظروف لم تخدمني كما ينبغي، ولعل الترحال المستمر والإمعان في الهجرات لم يدعني ان ابني لي كوخا من ورق استقر  فيه أو ان اكتشف حقيقة نفسي، وأتمنى حين موتي ان لا يستعجل الناس بدفني كي أراهم كيف يقيمون مسيرتي الإبداعية في غيابي.

وعن كيفية تجلي الذاكرة عن رفاق الدرب في الكلمة منذ البداية يتحدث أبو سعود: لم تشأ الأقدار ان يكون لي رفقاء درب لكثرة الترحال كما أسلفت فانا أتذكر عندما كنت في المرحلة المتوسطة  دعانا احد الأصدقاء إلى منزله مع مجموعة من الشباب المبدعين لكي يلقي كل منا إنتاجه أمام الآخرين، كنت مترددا لأول وهلة ولكن قصيدتي الأولى (الامل) نالت استحسان الحضور  فاطربني ثناءهم ثم نشرت في واحة الشعر والأدب بمجلة النهضة الكويتية.

بعد فترة اضطرتني الظروف إلى مغادرة البلاد وظللت اترك في كل مدينة  عددا من كتبي وبعضا من أوراقي فصارت لي في كل ارض ذكرى وأصدقاء وصور وهموم، حتى خيّل الي باني استقر الآن في مدينة لندن  نعم لأني لست متأكدا  من هذا الاستقرار حيث أقيم فيها منذ

سبع سنوات، علما بان روحي القلقة تجد نفسها غير مستقرة، فانا لم يكن  لي رفاق درب لفترات طويلة إذ كانت فترة الإقامة في مدينة  ما هي التي تحدد العلاقة، غير ان هذا لا يعني باني لا ارتبط بعلاقات صداقة مع المبدعين.

أما عن المنطلقات الفكرية العربية وكيف يتم التعامل معها وتجنب الوقوع في المحاذير فيقول ابو سعود: أنا لن ادخل في تفاصيل هذه الإشكاليات غير ان لي رأي وهو ان التمسك بالقومية العربية وافتخار الشعراء بقومياتهم  معضلة إنسانية  فالفكر لا حدود له ولا جنسية  والمثقف له دور ريادي كبير في بناء الحضارة الإنسانية الكبرى، ولو انشغل في قضايا جانبية كالقومية والقطرية والعشائرية والأسرية والذاتية فسوف يخسر نفسه ويخسره العالم اجمع، فالمثقف يجب ان تكون  له رؤية عالمية للأشياء وعليه ان يقاوم دمامة الأشياء بقلمه  فيكون هو ومن على شاكلته في جبهة واسعة تضم مختلف الأجناس والألوان والثقافات والأديان وتكون المظاهر اللاجمالية كالحروب والأوبئة والظلمات في جبهة أخرى، انها حرب بين الجمال واللاجمال  وعندما يبكي الشاعر أطفال بلاده عليه ان لا ينسى أطفال العالم الآخرين وان اختلفت ألوانهم، وحرب بلاده مع دولة أخرى يجب ان لا  تلغي الاعتبارات الإنسانية الأخرى، اذن المثقف للبناء  لا للهدم  والمثقف للجمال لا للقبح، للنور لا للظلام.

ولو أدرك المثقف موقعه الحقيقي لتخلص من إشكاليات كثيرة أحاطت به من كل جانب.

من جهة أخرى يصور أبو سعود حالة الإحباط للشعراء العرب المتكررة واصفا اياها بالقول: الإحباط حالة تختلف في تأثيراتها من شخص إلى آخر، فهو قد يؤدي إلى إعلان الإفلاس والفشل التام والكآبة الموجعة والضياع  المحزن  لدى البعض وقد يؤدي إلى الإبداع والسمو  والمحاولة من جديد لدى بعض آخر، وكم وجدنا مبدعين يعانون من حالات إعاقة فعلية، وهناك أناس حرموا نعمة النظر، فلم يمنعهم العمى من الإبداع وتقديم الشيء المفيد للإنسانية، فالإحباط الذي يتلازم مع الحزن يصنع العجائب وأنا شخصيا أنجزت كل مشاريعي بدافع الحزن فانا معجون بالحرمان منذ الطفولة، وقد وصفني ناقد عراقي مرة بالشاعر الذي ولد وفي فمه ملعقة من حزن، فالحزن طابعي  منذ الصغر، ابحث عنه  ليلهمني، وأنا بالرغم من حبي للفرح الا اني لا أستطيع العيش معه طويلا  وكلما احتاج لجرعات من الحزن افتعله واخلقه أحيانا، وأريد دائما ان أشرك الآخرين بحزني وقد تلقيت الكثير من رسائل الإعجاب  بطريقتي في الحزن.

وعن فلسفة الشاعر وتجليها في أعماله الأدبية، متبنيا وجهات نظره بيّن ابو سعود قائلا: انا أؤمن بالحب بلا شروط والإنسانية جامع قوي للبشر، فكلنا من ادم وادم من تراب او كما قال  الامام علي عليه السلام: الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق، وأنا أعجب لقوم يحبون الجماد و النبات  والطبيعة  ولا يحبون الناس، وأعجب لمن يقيم علاقات مودة مع الحيوانات ولا سيما مع القطط والكلاب ويفشل في حب البشر.

ومن جهة اخرى لا استطيع ان اجزم بان الأدب والفن يستطيع ان يصنع تغييرا لان الأدب موجود  منذ وجد الإنسان والفن مازال يتطور  وتتعدد أغراضه دون ان يرى العالم تغييرا  حقيقيا نحو الأحسن، فالأمور 

تسير من سيئ إلى أسوأ، ويبدو ان القوى الأخرى التي تريد السيطرة على كل شئ هي أقوى من الأدب والفن  وسائر مجالات الثقافة، وعند أولئك زمام الأمور وأسباب التسلط، ويتراءى لي ان الفن والأدب جاءا لكي يخلقا حالة من التوازن بين الخير والشر وبين الضعف والقوة وبين الفقر والغنى وبين السلم والحرب او لنقل بين جميع المتناقضات، وليس من الضروري ان تنتصر الثقافة في النهاية ولكنها تؤدي دورها وتمضي، والحياة صراع بين المتناقضات  والصراع أزلي كان ومازال وسيظل، والحياة ستظل على ما هي عليه وقد تسير نحو الظلام الكامل، وليس على أرباب الأدب والفن الا ان   يجاهدوا بضراوة للحفاظ على الضوء باقيا والشمعة مشتعلة.

ويتحدث على صعيد المنجز الأدبي العربي وما حققه من شوط بين شعر وقصة ورواية ونقد وفن، قائلا: العرب لم يكونوا في يوم من الأيام في منأى عن الثقافة حالهم في ذلك حال الشعوب الأخرى، وقد أبدعوا مذ وجدوا في جميع مجالات الأدب ومازالوا يبدعون وسيظلون يبدعون، وتظل هناك مشكلة عدم الوصول إلى العالمية، فذاك أمر لا يتحمل وزره أرباب  الثقافة أنفسهم  بل يتحمله أرباب السياسة  والمال، اذ ان توفير الظروف المناسبة للانتشار وما يتطلبه من مال وحرية ودفع هو مسئولية الحكام، ولكني لا أنكر  وجود  معضلة كبرى لدى العرب وهو ولعهم الشديد بالجدل وتضييع الأوقات الثمينة في جدال وسجال عقيم سواء كان ذلك دينيا او قطريا او حزبيا، وقد استهلك الجدل الكثير من الجهود والوقت والمال والطاقات.والأمر المؤسف هو ان المثقف  الذي يستطيع وقف هذا الجدل لصالح الأجيال ومستقبلها نراه هو الذي يطيل عمر هذه المعضلة بالولوغ في وحل الجدل بلا طائل.

وعن سؤاله بخصوص تبني فكرة التخلف النقدي للمدرسة النقدية العربية، وعدم صنع خطابا خاصا بها بيّن ابو سعود بالقول: انا انظر الى النقد والنقاد في العالم العربي نظرة تشاؤمية جدا، وارى ان الناقد هو الاخر يبحث عن الشهرة وأمور أخرى، على اني لا أريد ان ابخسه حقه لأنه أولا وأخيرا إنسان له رغبات، ونزوات وتوجهات، حاله حال الآخرين، ولكني أراه متمادي  في الشللية إلى درجة كبيرة، والشللية من (الشلة) ابتلي بها الناشرون والمشرفون على الصفحات الأدبية والثقافية في الصحف والمجلات العربية، ومهما يكن من أمر فالنقد عندنا  اقل قراءة من الشعر، والنقد لا يقرأه الا طبقة خاصة جدا ولاسيما الأدباء ليقفوا على مكامن القوة والضعف في كتابات الآخرين  بغية تحسين الأداء، والنقد لا يقتصر كونه بذخا حضاريا  وترفا  فكريا بل انه يسلط الأضواء على الأسماء فيرفعها او يخفضها، والنقد في نظري تابع للنص وليس العكس، وأيهما أهم من الثاني الأصل ام التابع؟، فانا أرى ان الناشرين بمختلف توجهاتهم  صاروا يقدمون التابع على المتبوع و يتهافتون على نشر الكتب والمقالات النقدية أكثر من نشر النصوص الأدبية نفسها، والنقد  وان كان إبداعا بحد ذاته  الا اني اعتبره اقل إبداعا من النص الأدبي  لأنه يعتمد  أصلا في كينونته وديمومته  على النص الأدبي  ولولا النص ما وجد النقد ، لأنه يستمد وجوده منه.

اما عن رأيه في مسألة الحداثة الثقافية كمنهج وبديل فيقول: الإصلاح والتغيير نحو الأحسن هو مطلب إنساني قديم وهذا الإنسان  الذي قالت عنه الملائكة بأنه سيفسد في الأرض ويسفك الدماء قتل أخاه هابيل عندما لم يجد شخصا آخر أمامه ليقتله، فالإنسان مجبول على الشر

أصلا، وله أرسل الله تعالى 124 الف نبي ورسول  ووضعت الدول قوانين ودساتير  لتهذيبه وتشذيبه، وما زال هذا الكائن يقوم بممارسات وحشية يوميا، فهو بضغطة زر  يقتل عشرات الالاف في هيروشيما مثلا وبأمر واحد يخنق الآلاف بغازات سامة  في حلبجة مثلا، والإنسان بغض النظر عن دينه وفكره فهو يمارس الوحشية.

إذن فان الإنسانية تحتاج  إلى تغيير وإصلاح، وفنون الكتابة جزء من المعضلة الإنسانية الكبرى وتحتاج إلى إصلاح لتقدر على التغيير فكلنا راعي وكلنا مسئول عن رعيته، وان جيش الأنبياء والمصلحين والصالحين جاءوا وابلغوا رسالات ربهم  لكنهم لم يحققوا تماما ما جاءوا من اجله  وان كانوا قد بذلوا جهدهم  كاملا وما كان عليهم الا البلاغ، وخط الإصلاح مرتبط بالسماء،  ولا ولن  ينقطع، وجاء في الروايات ان الله يبعث على راس كل قرن من يجدد امر هذه الأمة  ويصلح منها ما فسد، وعليه فان الصعود والنزول في القيم هو قدر محتوم والتغيير عملية استمرارية لا تتوقف بحال.

وعن رأي حسين أبو سعود، كمثقف عربي اتجاه القضايا العربية مثلما ما يحدث في العراق وفلسطين، بين الشاعر: ان الموقف إزاء كل قضية يختلف عن القضية الأخرى، وما أراه تجاه موقف معين قد لايراه شخص آخر، وكم اختلف العرب فيما بينهم على فلسطين والعراق وغيرها، ولم تفلح جميع مؤتمرات القمة من جعلهم يتبنون موقفا واحدا موحدا تجاه القضايا التي تواجههم، وهذا الاختلاف الكبير اثبت للعالم بان الشعوب العربية  هي فعلا شعوب  وليسوا شعبا واحدا، وما كان يقال من إن الأمة العربية هي امة واحدة ذات رسالة خالدة كانت شعارات فارغة، وان ما يعانيه العالم العربي اليوم هو مرتبط بما كان يعانيه في سابق أيامه، فالحالة العربية لم تشهد الاستقرار أبدا  لا قبل الإسلام ولا بعده، ففي الجاهلية كانت هناك حروبا  طاحنة بعضها امتدت لأربعين سنة او يزيد، وبعد الإسلام  ولا سيما بعد وفاة النبي  محمد عليه الصلاة والسلام  بدأت أمواج الردة وبدأت الخلافات فقتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين وقتل الحسين  بالصورة المأساوية الشهيرة واستمر مسلسل القتل على السلطة حتى يومنا هذا، وقد نزل ممتهنوا القتل إلى أوطأ درجات الخسة والدناءة فصاروا يفجرون الأبرياء والعزل من المدنيين بشكل يومي، والحصيلة رجال ونساء وأطفال وحتى طيور وحيوانات كما حدث في تفجير سوق الطيور ببغداد مؤخرا، وموقفي إزاء ما يحدث هو نفس موقف الغيارى من أصحاب القلم  والعقل والفكر، ونناشد باستمرار أصحاب السلطة ان يضعوا حدا لما يحدث، ونبكي سوء حالنا بنشيج شجي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5 أيار/2008 - 28/ربيع الثاني/1429