لبنان: فراغ المقاعد وتوتر السياسة

شبكة النبأ: رغم مضي عدة أشهر، مازال مقعد رئيس الجمهورية فارغا اضافة الى بعض المقاعد البرلمانية، في لبنان تحول الوضع إلى مايشبه ترقب محتمل لإيقاد الفتنة القادمة أو كما يعبر عنها البعض هيمنة شبح الحرب الأهلية، فقد أصاب على مايبدو الشعب اللبناني، فقدان ذاكرة جماعي، لما جرّته الحرب الاهلية عليهم من كوارث وأحداث جسام.

(شبكة النبأ) في سياق التقرير التالي تعرض لكم بعض القصص اللبنانية من فراغ المقاعد البرلمانية والرئاسية، إلى قوات اليونفيل الكورية وطريقة زرع السلام لدى الفتيان اللبنانيين، وطرق التهريب وعلاقتها بالقوت والدخل اليومي للفرد اللبناني:

المقاعد السياسية في لبنان تعاني من صداع الفراغ

تكثر المقاعد الشاغرة في المسرح السياسي لبيروت وهي من أعراض وعكة شديدة أصابت المؤسسات الحكومية في لبنان بالشلل وقوضت الاقتصاد وأثارت مخاوف من تجدد الحرب الاهلية.

فمقعد الرئيس شاغر منذ نوفمبر تشرين الثاني. وما من مؤشرات على مجيء رئيس جديد للبنان قريبا ليشغل قصر الرئاسة الشاغر في بعبدا.

أما البرلمان اللبناني الذي هجر النواب معظم مقاعده منذ أكتوبر تشرين الاول عام 2006 فقد فشل مؤخرا وللمرة الثامنة عشرة على التوالي في الاجتماع رسميا وتحقيق النصاب القانوني لانتخاب رئيس جديد للبلاد رغم ان الفرقاء المتنافسين اتفقوا منذ أشهر على ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لمقعد الرئاسة الذي بقي شاغرا منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق المؤيد لسوريا اميل لحود في نوفمبر.

وقد وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري طاولة وحولها 14 مقعدا شاغرا في مبنى البرلمان ليدور حولها حوار وطني، يرى انه الاسلوب الامثل للخروج من الازمة اللبنانية.

وقال علي حمدان المستشار الاعلامي لبري مشيرا الى جلسة حوار مطولة لا تنتهي الا بالاتفاق: انه مستعد لعقد حوار ماراثوني ينتقل بعده الجمع من الغرفة الى القاعة العامة للانتخاب. بحسب رويترز.

ولعلمه ان الفصائل المناهضة لسوريا التي تهيمن على الحكومة قد رفضت عرضه هذا لم يوجه بري بعد الدعوة للسياسيين لشغل هذه المقاعد الخاوية المرصوصة في أناقة شديدة.

وخارج مبنى البرلمان هناك المزيد من المقاعد الشاغرة في مقاهي ومطاعم وسط بيروت التي كانت مليئة بالرواد يوما. بل ان الكثير منها أغلق. اما من قاوم فعادة ما يكون نصيبه قليل من الزبائن مكافأة له على صبره واصراره.

وقال ميشال فرنيني الذي يدير مطعم (ميدي ريستو) الايطالي كما يورد مأكولاته لمنافذ أخرى في المنطقة: في وسط البلد نحقق فقط سبعة في المئة من عائداتنا السابقة.

وأضاف، لا أخجل من أن أقول ذلك بل ان السياسيين الذين أدخلوا لبنان الى هذا الزقاق السد هم الذين يجب ان يخجلوا من النتيجة. أنا واثق من انه في يوم ما سنلقيهم في قمامة التاريخ. خسارتنا هي خسارة لكل لبنان.

ووسط بيروت الذي دمر تماما في الحرب الاهلية التي استمرت 15 عاما ما بين عام 1975 وعام 1990 ثم أعيد بناؤه ببذخ وأناقة كان منطقة جذب للسياح وحتى اندلاع الحرب بين اسرائيل وحزب الله في صيف عام 2006 .

وخبت الامال في جذب الزوار مجددا وانعاش قطاع الاعمال حين بدأ حزب الله وأنصاره يعسكرون في قلب العاصمة اللبنانية في ديسمبر كانون الاول عام 2006 للمطالبة بحق نقض القرارات في حكومة تهيمن عليها أغلبية مناهضة لسوريا.

ومع توالي الشهور فقد الاحتجاج قوة الدفع التي كانت تؤججه وتحولت الخيام الى خيام رثة غير مأهولة لكنها ظلت باقية كرمز للمعارضة التي لا يمكن الاستهانة بها.

وتحدت حكومة فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الذي يدعمه الغرب الضغوط وتحصنت في مبنى أنيق من الحقبة العثمانية لا يفصله عن خيام المعارضة في الميدان الملاصق سوى الاسلاك الشائكة والقوات.

وفي الحكومة اللبنانية مقاعد شاغرة أيضا. فهناك سبعة مقاعد شاغرة من بين 24 مقعدا بعد استقالة ستة من وزراء المعارضة واغتيال بيار الجميل وهو سياسي مناهض لسوريا.

ولا تبدو في الافق نهاية للازمة اللبنانية التي يرتبط أطرافها المحليون مع أطراف اقليمية ودولية منخرطة في صراع أوسع يضع الولايات المتحدة وحلفاءها في جانب في مواجهة ايران وسوريا.

وأدت الازمة السياسية في لبنان في أحيان الى جولات من العنف القاتل في الشوارع في بلد لا يزال يعيد اعمار ما تهدم خلال 15 عاما من الحرب الاهلية وان كان زعماء الفصائل المتناحرة تمكنوا حتى الان من احتوائه. لكن بعض اللبنانيين يخشون من ان تكون دروس الحرب الاهلية قد انمحت بسبب حالة من فقدان الذاكرة الجماعي.

نشاط عمليات التهريب على الحدود اللبنانية السورية

مع ساعات الليل الاولى تتحول تلال عيحا في جنوب شرق لبنان التي حفرت فيها سيارات مهربي المازوت والمواد الاستهلاكية الاخرى طرقا ترابية عدة الى مسرح عمل لنقل "البضاعة" ذهابا وايابا بين لبنان والاراضي السورية المجاورة.

ويروي م.ز. (46 عاما) الذي يقوم بعمليات تهريب بين البلدين منذ سنوات طويلة ان: دوام العمل يبدأ الساعة التاسعة ليلا. نغادر منازلنا بالسيارات او بشاحنات البيك اب الصغيرة المحملة بالمشروبات الكحولية خصوصا والحديد وغيرها ونتوجه الى نقاط جبلية في المناطق الحدودية.

وحكايات التهريب بين لبنان وسوريا قد يكون عمرها من عمر نشوء البلدين كدولتين مستقلتين متجاورتين تملكان حدودا برية مشتركة تمتد على مسافة 170 كلم وتتداخل في بعض مناطق الحدود في غياب اي ترسيم رسمي لها. بحسب فرانس برس.

ويقول استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية فارس اشتي وهو ابن بلدة ينطا المجاورة لعيحا: لطالما كانت تركيبة الاقتصاد اللبناني تعتمد الى حد بعيد على الاقتصاد الرديف. الاجور مزرية في لبنان وهناك دائما مداخيل غير منظورة. في الماضي كان العنصر الاساسي في التهريب الحشيشة. اليوم التهريب لا يتناول الممنوعات لكنه قائم.

وبعد انتهاء الحرب الاهلية (1975-1990) قامت الحكومات اللبنانية المتعاقبة تحت تأثير ضغط دولي بحملات حثيثة لمنع الزراعات المستخدمة في تصنيع المخدرات في سهل البقاع.

من جانبها تروي هالة ي. (25 عاما) ان عمها وهو: اب لخمسة اولاد قتل على يد الهجانة السوريين قنصا سنة 1993 في الجبل قرب بلدته الصويره. كان يحمل سكرا وبلاطا الى سوريا. وقتل في طريق العودة.

في الماضي تقول هالة: كان 90% من اهالي الصويره يعيشون من التهريب. اليوم يقتصر الامر على اشخاص معدودين يستخدمون السيارات والبغال والحمير.

ويقول راعي الماشية محمود اشتي (18 سنة) ان مازوت التدفئة الذي تشتريه عائلته المؤلفة من تسعة اشخاص مصدره سوريا: هناك من يهربه من هناك ويبيعه هنا.

ويبلغ سعر صفيحة المازوت في لبنان 30 الف ليرة لبنانية (20 دولارا). اما في سوريا فثمنها 150 ليرة سورية (حوالى ثلاث دولارات) والمادة مدعومة من الدولة.

ومنذ نهاية آذار/مارس بدأت السلطات السورية تستوفي ضريبة من الشاحنات التي تخرج من اراضيها وقد تزودت بالمازوت من الاراضي السورية او يتم اقفال خزانات الشاحنات الداخلة الى سوريا بالرصاص على ان يتم فك الرصاص لدى خروجها منها.

ومن على سطح منزله في بلدة مقابلة لجبل من سلسلة جبال لبنان الشرقية يشير م.ز الى منطقة قوسايا: هناك توجد انابيب بلاستيكية يبلغ قطرها بين ثلاث واربع انشات تنزل من رأس الجبل حتى الوادي. الى هناك نذهب ليلا لنملأ صفائح المازوت يرسله لنا السوريون الذين نتعامل معهم.

وفي دير العشاير الاراضي متداخلة وكذلك السكان. ويقول مدير المدرسة الرسمية في البلدة احمد نصار: اللبنانيون والسوريون في هذه المنطقة جيران واصدقاء، عاشوا عقودا طويلة جنبا الى جنب. وهناك زيجات كثيرة وصلات قربى بينهم. والناس هنا يصرفون مواسمهم الزراعية في سوريا.

التايكواندو واحدة من فنون خدمة السلام الكورية

في جنوب لبنان بات التايكواندو ينافس كرة القدم في قلوب اللبنانيين بين سبعة وخمسة عشر عاما بفضل الجنود الكوريين الجنوبيين العاملين في اطار قوات الامم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) والساعين الى نشر رسالة سلام وصداقة عبر تدريب الصغار على هذا الفن القتالي.

وتستمع ولاء ايوب (11 عاما) التي غطت رأسها بمنديل احمر وارتدت ثوب التايكواندو الابيض بانتباه الى ارشادات مدربها في بلدة العباسية في قضاء صور ثم تنفذ حركة هجومية بدقة.

وتكرر الحركات التي علمها اياها المدرب وهو جندي من الكتيبة الكورية الجنوبية في اليونيفيل وتسعى كما تقول الى الحصول على الحزام الابيض وهو درجة المبتدئين في هذه الرياضة الاسيوية. ولي سونغ هيوك هو احد الجنود الثلاثة الذين يدربون الفتيان والفتيات وكانوا اعضاء في المنتخب الوطني الكوري الجنوبي للتايكواندو.

ويقول لي الذي شارك في 2006 في عروض للتايكواندو في الولايات المتحدة وروسيا: هناك روابط تجمع بيننا وبين اللبنانيين. فقد عانينا مثلهم من ويلات الحرب.

وانشئت اليونيفيل في 1978 بعد اجتياح القوات الاسرائيلية للبنان ثم تم تعزيز عديدها وصلاحياتها بموجب القرار 1701 الذي وضع حدا للحرب بين اسرائيل وحزب الله في صيف 2006. وتتألف الكتيبة الكورية الجنوبية من 360 عنصرا وتتمركز في بلدة طيردبا في قضاء صور (85 كيلومترا جنوب بيروت). بحسب فرانس برس.

وتوضح المتحدثة باسم اليونيفيل ياسمينة بوزيان ان مهمة القوة الكورية تكمن في دعم القوات المسلحة اللبنانية وصيانة المواقع العسكرية والقيام بنشاطات ضمن وحدة التنسيق المدني في اليونيفيل.

وقالت ان: لدى هذه الكتيبة برنامجا متكاملا للتدريب في لعبة التايكواندو. ومنذ اليوم الاول لوصولهم اكتسبوا صداقة وثقة الجنوبيين. كما اشارت الى انهم يقدمون خدمات طبية: ويستقبلون يوميا عشرات المرضى في خمس قرى شرق صور. ويقول الميجور كيم كي بيكوم: عبر التايكواندو نريد نشر رسالة سلام وصداقة وثقة.

ويبدو ان الكوريين نجحوا في ايصال هذه الرسالة بالنظر الى العدد المتزايد للاطفال الراغبين بالتدرب. وقد بلغ عددهم 400 فتاة وفتى تتراوح اعمارهم بين سبعة اعوام و15 عاما.

ويقول كيم كي "هناك اقبال كثيف. وقد انشأنا ثلاثة صفوف في منطقة صور وهناك صفان آخران سيبدأان قريبا" مضيفا "اننا نقدم الملابس والاحذية الخاصة والتدريب مجانا".

وينتمي معظم لاعبي التايكواندو الصغار الى الطبقة الوسطى في مدينة صور ومحيطها. وتعمل الكتيبة على تجهيز ملعب خاص باللعبة وضعته في تصرفها بلدية العباسية. وتبلغ مساحة العقار حوالى الفي متر مربع يعمل الجنود على تغطية ارضيته بمواد مطاطية عازلة للتخفيف من اثر اي سقوط للاعب خلال التدريب.

وتشكل الفتيات نسبة 10% فقط من المتدربين. ويقول رئيس بلدية العباسية عبدالله فردون انه تمكن من اقناع الاهالي بالسماح لبناتهم بالمشاركة في الصف. وقال: قلت لهم انه فن للدفاع عن النفس وليس محصورا بالذكور.

وتقول ولاء: لتعلم لعبة التايكواندو لا بد من الحفاظ على قوانينها وهي اولا حماية الضعيف والدفاع عن المحتاج وفي الوقت نفسه تساعدنا على الموازنة بين العقل والجسد.

أما حسين فرفور (13 عاما) تحدث: انها رياضة جديدة بالنسبة الينا في الجنوب. ارغب في اتقانها. واتدرب ست ساعات اسبوعيا.

ويقوم بعرض تايكواندو وهو يطلق صرخات تعلمها باللغة الكورية. ويتفاهم المدربون مع تلامذتهم عبر مترجمين ينقلون التوجيهات من الانكليزية الى العربية. ويقول حسين: الكوريون شعب طيب يحب السلام وقوي مثلنا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 4 أيار/2008 - 27/ربيع الثاني/1429