كولسترول الأطيان المتراكمة

موانئ وموانع... المانع الثاني

كاظم فنجان الحمامي

كانت الموانئ العراقية أولى المراكز التجارية التي أقامها الانسان على شواطئ كوكب الأرض. وانطلق منها نحو بحار الله الواسعة.. موانئ تألقت في فضاءات التجارة البحرية الدولية. وحفرت اسمها في ذاكرة التاريخ. وتسلقت سلم المجد حتى تفوقت في ستينيات القرن الماضي على أشهر الموانئ العالمية.. فهي الرئة البحرية الوحيدة التي يتنفس منها العراق , والنافذة الملاحية الوحيدة التي يطل من خلالها على الخليج العربي.. ثم تدهورت أحوالها ومزقتها أنياب الحروب , وخنقتها رياح الحصار , واغتالتها خناجر الجهل والتخلف...

لكنها لم تمت , ولن تفقد الأمل في استعادة مكانتها الدولية المرموقة بجهود المبدعين من أبناء الرافدين , على الرغم من كل الموانع التي تقف في طرقها. وهذه قصة احدى هذه الموانع التي ليس لها وجود في الموانئ العالمية الأخرى.

ابتليت الممرات الملاحية المؤدية الى الموانئ العراقية وشرايينها بكولسترول الترسبات الطينية المتراكمة بفعل ظاهرة الارساب والترسيب الملازمة لدلتا شمال الخليج العربي..

وتبنت الموانئ العراقية تكاليف تنفيذ مشاريع الكري والتعميق لقناة (الروكا) منذ بدايات القرن العشرين. وتوسعت في مشاريع الحفر البحري لتشمل مناطق السد الخارجي والسد الداخلي ومدخل الفاو , ثم شملت في ستينيات القرن الماضي قناة خور عبدالله وقناة وربة..

وتعاملت الموانئ العراقية مع جميع أنواع سفن الحفر العملاقة , ابتداءً من السفن البخارية القديمة كالحفارة بصرة , وبغداد , وكركوك , وكربلاء , والسليمانية..الخ. وانتهاءً بالحفارات الحديثة المتطورة , كالحفارة (الحلة) , و(المربد) , و(الصمود) , و(القادسية) ,و(الزبير) , و(التحرير) , و(النجف) , و(الخليج العربي) ,و(غزة) , و(سيناء)..الخ.

وكانت الموانئ العراقية تمتلك أسطولاً كبيراً لسفن الحفر التخصصية , التي ساهمت في تهذيب أعماق جميع القنوات والممرات الملاحية , وواجهات الأرصفة. ولعبت دوراً كبيراً في شق شط البصرة , الذي يربط نهر (كرمة علي) وميناء (خور الزبير) , وتوسعت نشاطات أسطول الحفر على الصعيد الاقليمي من خلال مشاركته في تعميق ميناء (عدن) وميناء (الحديدة) في اليمن..

ثم تعرضت سفن هذا الأسطول العملاق الى الغرق والتدمير والتخريب على أثر الحروب الساحقة والمتلاحقة على مدى (23) عاماً ابتداءً من عام 1980 ولغاية عام 2003. تراكمت خلالها الأطيان والترسبات لتخنق جميع منافذ الموانئ العراقية. ولتتحول فيما بعد الى موانع طبيعية هائلة تقف في وجه السفن التجارية القادمة.

ووجدت ادارات الموانئ نفسها محاطة بموانع وقيود جبارة , لا يمكن تجاوزها إلا باستنفار كل الطاقات والكفاءات التخصصية الواعدة. واصلاح السفن المعطوبة , واعادتها الى العمل.. ولم تكن سوى محاولات ذاتية مخلصة. لكنها محاولات متواضعة , ولم ترتق الى المستوى الذي يؤهلها للتغلب على تداعيات وتراكمات ربع قرن من الزمان...

وهكذا واصلت ادارات الموانئ , وما زالت تواصل مطالباتها المتكررة لاقتناء حفارات جديدة توظفها في مشاريع تهذيب الأعماق , وتوسيع الممرات الملاحية , والتخلص من هذا المانع الطبيعي المتمرد.

وللحديث بقية....

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29 نيسان/2008 - 22/ربيع الثاني/1429