مدينة الصدر: تجسيد للعذابات العراقية المتوالية

شبكة النبأ: مع استمرار الاشتباكات اليومية منذ اكثر من شهر بين جيش المهدي والقوات المشتركة، يلاقي المدنيون العالقون في المواجهات في مدينة الصدر شرق بغداد تهديدا جديدا هو رصاص القنص، الذي اكد بعضهم ان جنودا اميركيين يقفون وراءه بينما رأت القيادة الاميركية انه اتهام "غير ممكن". ويأتي هذا التهديد ليقضي على فرص تناول المواطن لحاجته من السوق او الشارع فضلا عن انقطاع الماء والكهرباء وتوقف العمل واحجام الطلبة عن الدراسة على خلفية استمرار العنف في هذه المدينة التي كانت ولا تزال محطاً للظلم والتجاوز والانتهاكات.

ترتسم على وجه الطفل علي مرتضى الذي يرقد داخل احد مستشفيات مدينة الصدر ابتسامة رغم الآلام التي تسببها اصابته برصاصة مصدرها مجهول وانبوب بلاستيكي يخرج من انفه ويعيق تنفسه.

ومرتضى الذي يبلغ من العمر ثلاث سنوات يحيط ضماد ببطنه اثر اصابته امام منزله في هذه المدينة التي تشكل معقل جيش المهدي التابع للتيار الذي يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر.

وقد جرح مرتضى كغيره من كثيرين من الاطفال والفتية الذين اصيبوا برصاص في البطن والساقين اطلق من اسطح مبان اصيبت بدمار خلال المواجهات الدائرة منذ اكثر من اسبوعين في المدينة التي تضم اكثر من مليوني نسمة. بحسب فرانس برس.

وتدور هذه المواجهات منذ اطلاق عملية "صولة الفرسان" في البصرة بين الجيش الاميركي وقوات عراقية من جهة وجيش المهدي من جهة اخرى.

واندلعت الاشتباكات في اطار عملية عسكرية اشرف عليها في البداية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في البصرة في 25 اذار/مارس لملاحقة "المجرمين" وبينهم عناصر من ميليشيا جيش المهدي وامتدت لاحقا الى بغداد ومدن جنوبية اخرى.

وانشغل عدد من الاطباء بمتابعة حالة مرتضى بينما يرقد جرحى آخرون بالرصاص في المستشفى. وقال ثروت عباس (26 عاما) الذي اصيب برصاصتين في بطنة وفخذه الايسر لوكالة فرانس برس "كانت هناك اشتباكات عنيفة في محلتنا توقفت بعد حين فخرجت من البيت لاستدعاء اخي الاصغر فاصبت فجأة برصاصة في بطني وساقي".

وقتل نحو 321 شخصا واصيب مئات اخرين بجروح خلال الاشتباكات المتقطعة في مدينة الصدر منذ 25 اذار/مارس حسب حصيلة اعدتها فرانس برس استنادا الى مصادر امنية وطبية.

ووصل مئات اخرون مثل مرتضى الى مستشفيات مدينة الصدر اثر اصابتهم برصاص لم تعرف مصادره ما دفع اقارب هؤلاء وقادة محليين الى صب كامل غضبهم على الجنود الاميركيين الذين ينتشرون في مدينتهم.

واتهمت والدة مرتضى "القناص الاميركي" باطلاق الرصاص على ولدها الوحيد. وقالت لوكالة فرانس برس وهي تقف قرب سرير ولدها "من يطلق النار على ابني؟ محلتنا متوترة والجنود الاميركيين ينتشرون حولنا".

من جهته قال عباس "لا اعرف من اصابني بالرصاص لكنني واثق انه جندي اميركي". واضاف وهو يشير الى نافذة قريبة "حتى المستشفى لم يسلم من رصاصهم فقد اصابت رصاصة هذا الشباك القريب من سريري" في اشارة الى استهداف المستشفى برصاص جنود اميركيين.

لكن القوات الاميركية تنفي هذه الاتهامات. وقال الكولونيل ستيفن ستوفر المتحدث باسم القوات الاميركية في بغداد لوكالة فرانس برس "ليس هناك جندي اميركي يستهدف المدنيين الابرياء من اي سن  نحن لا نفعل ذلك".

واضاف ان "الاتهامات باننا نستهدف المراهقين الابرياء والاطفال والنساء والرجال غير ممكنة. ابلغ الام التي جرح ابنها ان قلوبنا معها لكن ابنها لم يستهدف من قبل قناص اميركي".

لكن النائب عن التيار الصدري فلاح شنشل اكد لوكالة فرانس برس ان "القناصة الاميركيين ينتشرون على سطوح المباني" موضحا انه "من الصعب التنقل الان (في المدينة) وخصوصا في المساء".

وتبدو آثار رصاص على المنازل والمباني والسيارات بما فيها مقر التيار الصدري في المدينة بينما تعرضت احدى سيارات اسعاف الجرحى التابعة لمستشفى الصدر لعشرات العيارات النارية حسبما ذكر مراسل لوكالة فرانس برس.

من جهته اكد الطبيب علاء حيدر من مستشفى الصدر ان "عددا كبيرا من الاشخاص اصيب برصاص يبدو انه رصاص قناص" موضحا ان بين العيارات النارية "رصاص اميركي". واضاف ان "الرصاص العشوائي يصيب اي مكان (في الجسم) لكن هؤلاء الناس اصيبوا بمناطق محددة في البطن والساق".

وتابع "خلال العمليات الجراحية عثرنا على رصاص داخل اجسامهم بينها رصاصات اميركية. نستطيع تمييز الرصاص الاميركي من الرصاص العراقي". الا ان المستشفى لم يعرض هذه الرصاصات لمراسل فرانس برس.

بدوره قال ستوفر ان "الاصابات قد تكون نتيجة اطلاق نار غير دقيق من قبل الميليشيا". واضاف "اطلاق نار كهذا يصيب ويشوه ويقتل الابرياء". وتابع "لا يبدو ان احدا سأل المجرمين القتلة والارهابيين حول ما يشعرون به ازاء ما يقع للعراقيين الابرياء". واضاف ان "قلبي ينفطر لكل الضحايا الابرياء في مستشفى الصدر والمستشفيات الاخرى في بغداد". واكد ان "الجنود الاميركيين لا علاقة لهم بذلك".

وتؤكد القوات الاميركية انها تقاتل "مجرمين" يستهدفون المنطقة الخضراء حيث مقار السفارة الاميركية والحكومة العراقية بالصواريخ.

وقال قائد عسكري اميركي "نرد على التهديدات التي تستهدفنا وتستهدف القوات الامنية العراقية" في اشارة الى قذائف الهاون والصواريخ التي تطلق على المنطقة الخضراء. واشار الى "سقوط نحو 596 قذيفة هاون وصاروخ بين 23 آذار/مارس و 12 نيسان/ابريل الحالي على المنطقة الخضراء" مؤكدا ان "سبعين بالمائة منها اطلقت من مدينة الصدر".

القمامة تملأ الشوارع وبرك مياه المجاري في كل مكان

فيما تقاتل فيه القوات الأميركية والعراقية للسيطرة على مدينة الصدر، تواجه الحكومة العراقية مشاكل في استعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمجاري وجمع القمامة، مما يؤثر على الجهود الرامية لجذب سكان المنطقة الى جانبها.فقد ترددت لأسابيع بعض التقارير، بأن رئيس الوزراء نوري المالكي يستعد لتطبيق برنامج يكلف عدة ملايين من الدولارات لإعادة بناء القطاع الجنوبي من مدينة الصدر، الذي تسيطر عليه القوات الأميركية والعراقية. ولكن وبعد مرور شهر تقريبا ودخول القوات العراقية في المنطقة، لا توجد أية اشارات على إعادة إعمار المنطقة. وبدلا من ذلك تتراكم القمامة في الشوارع وتنتشر برك المجاري. ولا تزال العديد من الأحياء بلا كهرباء، بينما يخشى العديد من السكان الخروج للعلاج خوفا من اطلاق النار. بحسب صحيفة الـ نيويورك تايمز.

 كما ان المسؤولين العراقيين في مجال الاشغال العامة، نادرا ما يذهبون الى مقرات اعمالهم خوفا من المعارك، وتصر الحكومة العراقية على ان المنطقة ليس آمنة بدرجة كافية لبدأ الاصلاحات.

والسبت الماضي، اقترب ثلاثة من سكان مدينة الصدر من موقع للجيش الأميركي لتسليم تحذير: اذا لم تقم الحكومة العراقية او شريكتها الاميركية بشيء ما لاستعادة الخدمات الضرورية وازالة اكوام القمامة، فإن جماعات المتطرفين ستكسب المزيد من الدعم.

تجدر الاشارة الى ان الحكومة العراقية تواجه صعوبات في تحسين الخدمات المقدمة لمواطنيها، ولكن التأخير في تطبيق جهود اعادة الأعمار في مدينة الصدر يعقد الاستراتيجية الاميركية الهادفة لإضعاف الميليشيات ووقف قذائف الهاون والصواريخ التي تطلق من شوارعها على المنطقة الخضراء. لتقسيم المنطقة، ووصلت مع القوات العراقية الى منطقتي الثورة وجميلة، جنوب الحاجز. بحسب تقرير لـ الحياة.

إلا أن واحدة من تكتيكات الجماعات المسلحة الفاعلة هي اكتساب شعبية بعد انتهاء المعارك في المنطقة باستعادة وتحسين الخدمات الاساسية. وقال السيرجنت اليكس بليتساس من فصيلة العمليات النفسية رقم 312، الذي التقى مع ممثلي مدينة الصدر، من ينجح في تحسين المرافق العامة، يمسك بمفتاح المملكة فيما يتعلق بكسب تأييد الشعب العراقي، وبالتالي ينهي النزاع. ولا شك ان ميليشيات جيش المهدي ظلت على مدى فترة طويلة تستغل تقديم المساعدات والخدمات الأساسية كوسيلة لكسب النفوذ. وتشغل مدينة الصدر مساحة شاسعة ويسودها الفقر والإهمال، كما ان القتال في مناطقها ألحق المزيد من الأضرار. وكان سكانها قد طلبوا مرارا من القوات الاميركية خلال الدوريات التي تقوم بها إزالة النفايات والقيام بأعمال الصيانة في المناطق تسير فيها القوات الاميركية دورياتها، خصوصا منذ زوال حدة القتال في هذه المناطق. إلا ان أفراد القوات الاميركية أكدوا انهم لا يقفون في طريق مثل هذه الجهود، وانهم يريدون هذه الأعمال ان تبدأ.

وفيما أبدت الحكومة نبتها في الشروع في إصلاح خدمات المياه والمجاري وخطوط الكهرباء في وقت سابق، قال مسؤولون ان الوضع لا يزال خطرا، على نحو لا يسمح ببدء العمل في هذا الجانب. ويبدو تأخير إعادة الخدمات الأساسية واضحا للقوات الاميركي التي تقوم بدوريات في المنطقة. فقد سار أفراد دوريات عسكرية اميركية راجلة يوم الأحد عبر سحب من الدخان الرمادي اللون بفعل النفايات المحروقة، كما بدت برك مياه الصرف الصحي في بعض الشوارع. إدارة الإطفاء من الجهات التي تعمل في الوقت الراهن، إلا أن هناك شكاوى إزاء إغلاق المدارس. والبعض لا يزال يخاف من السير في الشوارع خوفا من العنف.

وقال مسؤولون اميركيون، ان تغطية تكلفة العمل في إصلاح أنابيب الصرف الصحي أو خطوط الكهرباء أمر سهل، إلا ان السياسة الاميركية تقوم على أساس تحويل مثل أعمال إعادة الإعمار هذه إلى السلطات العراقية. وقال الكابتن أليكس كارتر، ضابط الشؤون المدنية في السرية الأولى التابعة لفوج الفرسان سترايكر الثاني، المرتبط بالكتيبة القتالية الثالثة، وهي جزء من فرقة المشاة الرابعة، نحاول أن نظهر بعض الصبر هنا.

غير ان تحفيز العراقيين على التقدم غالبا ما كان تجربة محبطة. ومكتب الأشغال العامة العراقي المحلي يقع في بناية قريبة من التقاطع الرئيسي في الثورة. ويقول مسؤولون أميركيون، انه يبدو ان الكثير من الموظفين توقفوا عن المجيء. وقال الكابتن كارتر انه ليس هناك الكثير من المسؤولية في الوقت الحالي على الحكومة العراقية. وكان مواطنو مدينة الصدر الثلاثة، الذين اتصلوا بالأميركيين يخشون من مراقبتهم وهم يتحدثون الى الجنود. وقد أدخلوا الى المجمع سريعا والتقوا بمفردهم بالسيرجنت بليتساس.

وقال العراقيون انهم كانوا قد اتصلوا بمكتب الأشغال العامة المحلي بوزارة الكهرباء، ولكن الجواب كان نفسه. فقد قال المسؤولون العراقيون انهم لا يعتزمون الوصول الى هناك ما لم تكن المنطقة آمنة. واذا لم تكن الحكومة بمستوى المهمة حسب ما قاله المقيمون فإن من واجب الأميركيين ان يتصرفوا طالما انهم في حرب مع الميليشيات. وابلغ السيرجت بليتساس العراقيين، ان عليهم أن يقوموا بدورهم بجعل المنطقة آمنة لإعادة الاعمار عبر تقديم معلومات عن نشاط الميليشيا، ورفع اهتماماتهم الى الجهات المعنية.

وفي بديل مؤقت لسد الفراغ ينفذ الأميركيون برنامجا بقيمة 400 ألف دولار لتوزيع صناديق القمامة الكبيرة، وتشغيل 200 من العراقيين المحليين. وقد جرى تشغيل ما يزيد على تسعين، ولكن بعض العمال أخفقوا في المجيء كما أن بعض النتائج كانت بائسة، وفقا لاعتراف الكابتن كارتر. وقد أعطي جامعو النفايات بدلات صفراء. وفي صباح يوم أول من أمس، طلب احد الجنود تقريرا عبر جهاز الارسال عن عدد الأشخاص الذين يرفعون النفايات من الطرق الرئيسية. لم يكن الجواب عبر الجهاز مشجعا: بدأوا بعشرين، ولكن العدد انخفض الى أربعة.

مقتل 400 مدني واستخدام أسلحة محرمة

وقال فلاح شنشل عضو مجلس النواب عن الكتلة الصدرية إن 400 مدني قتلوا وأصيب 1720 آخرون بينهم نساء وأطفال منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة في مدينة الصدر شرقي بغداد أواخر شهر آذار مارس الماضي وحتى اليوم بين قوات عراقية وأمريكية مشتركة ومسلحين.

وأضاف شنشل في اتصال هاتفي مع وكالة أصوات العراق أن عدد القتلى الذي سقطوا منذ اشتباكات مدينة الصدر في الشهر الماضي بلغت "400 مدني واصابة 1720 آخرين بينهم نساء وأطفال". مشيرا إلى ان أهالي المدينة يعيشون "أوضاعا إنسانية مزرية" بسبب الحصار الذي تفرضه القوات الأمريكية والقوات الحكومية منذ أكثر من ثلاثة أسابيع.

كما اتهمت عضو لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب العراقي لقاء آل ياسين القوات الأمريكية باستخدام الأسلحة "المحرمة دوليا" خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها في مدينة الصدر شرقي بغداد، فيما وصف المستشار الإعلامي للجيش الأمريكي تلك الاتهامات بانها عارية عن الصحة.

وقالت النائبة آل ياسين عن الكتلة الصدرية لوكالة أصوات العراق "لقد ثبت بالدليل القاطع استخدام قوات الاحتلال للأسلحة الانشطارية خلال قصفهم لمدينة الصدر، حيث أثبتت الأدلة الجنائية وتحقيقات الطب العدلي ذلك".

وأوضحت النائبة أن "القنابل الانشطارية عند انفلاقها تصيب أعدادا كبيرة من الضحايا، كما تنتشر على جسم المصاب وهذا ما ظهر على جثث الشهداء والمصابين من أبناء مدينة الصدر".

من جانبه، قال المستشار الإعلامي للجيش الأمريكي عبد اللطيف ريان إن "هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة لان ما نقوم به في مدينة الصدر هو استهداف جماعات مسلحة تقوم باطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء وسط بغداد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28 نيسان/2008 - 21/ربيع الثاني/1429