السكن قبل المتنزه يامعالي الوزير !!!

محمد حسن الموسوي

يقسم علماء النفس والاجتماع حاجات الانسان الى قسمين اساسية وثانوية ومن الاولى الحاجة الى المأوى والسكن. ولقد أجمعت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية على ضرورة حصول كل انسان على مأوى محترم يليق به ويحفظ آدميته. وفي الدستور العراقي الجديد  جاءت الاشارة الى ذلك في المادة (30 ثانيا) بالقول "تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين... وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينظم ذلك بقانون".

  بيد ان وزارة الاشغال والبلديات لا علاقة لها بكل ذلك وبدلا من توفيرها السكن لمن يفتقر اليه تراها تعمل على خلق أزمة سكن اضافية في العراق من خلال ماتقوم به من عمليات ازالة لأحياء سكنية بكاملها في مدينة كربلاء بحجة انها تجاوز على املاك الدولة.

وحتى لا يسئ البعض بنا الظن ويعتقد اننا بمطالبتنا لاحترام آدمية المواطن العراقي نشجعه على (التمرد) على القانون او (الخروج) على تعليمات الدولة نقول اننا مع فرض القانون وتطبيقه على الجميع بالعدل والانصاف. فمن المهم  عدم التجاوز على املاك الدولة   لكن الاهم منه هو احترام كرامة المواطن وعدم معاملته وكأنه عدو للنظام الجديد او للدولة وهذا ماتقوم به الوزارة المذكورة ومعها السلطات المحلية مع سكان احياء التجاوز في مدينة كربلاء والبالغ عددهم المائة وخمسة الآف مواطن يعيشون في خمسة وثلاثون حيا منذ اكثر من ثلاث عقود من الزمن , مساحة كل بيت فيها لا تتجاوز المائة متر مربع.

ترجع قصة احياء التجاوز في مدينة كربلاء الى منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم حينما اضطر بعض العراقيين الى ترك دورهم ومدنهم لأسباب مختلفة واللجوء الى مدينة كربلاء للسكن تيمنا بمرقد الامام الحسين (ع)  وأغلب هؤلاء هم من معارضي النظام السابق او من الذين تعرضت دورهم الى الخراب نتيجة الحرب العراقية الايرانية وينحدر معظمهم من مدن الجنوب التي نالت نصيبها من القصف اثناء الحرب مما اضطرهم الى البحث عن ملجأ  آمن في وطنهم فلاذوا بكربلاء.

هذا التجمع بدأ يقلق النظام البائد مما اضطره لأصدار قرار عن ماكان يعرف بمجلس قيادة الثورة المنحل برقم 154 يخول فيه سلطات مدينة كربلاء هدم بيوت المتجاوزين, لكن بعد مناشدة الاهالي  واستغاثاتهم المتكررة اوقف النظام البائد العمل بقرار التهديم واصدر قرارا جديدا برقم 156 ملكَّ بموجبه السكان دورهم. هذا مافعله نظام صدام الذي نصفه بالديكتاتور. فتعالوا لنرى ما فعله النظام الديمقراطي الجديد الذي جاء لنصرة المستضعفين.

قبل ايام من كتابة هذه السطور أمر وزير الاشغال والبلديات مجلس محافظة كربلاء بأزالة احياء التجاوز, وفعلا تحركت (الشفلات) وساوت البيوت مع الأرض أمام أعين ساكنيها في مشهد تراجيدي اشبه بما تفعله قوات الاحتلال الاسرائيلي مع سكان الاراضي الفلسطينية واما الحجة التي برر بها معالي وزير الاشغال والبلديات فعلته هذه فهي رغبته بأقامة (متنزه) بدلا عن الدور التي يشغلها مواطنون عراقيون صرف.

يبدو لي ان معالي الوزير من انصار البيئة ومن رواد (حزب الخضر) فهو حريص على ان يرى الخضرة والمتنزهات تملأ كربلاء لكنه غير مكترث بمصير المائة الف مواطن الذين سيفترشون الارض ويلتحفون السماء ولم يكلف نفسه عناء التفكير بإيجاد البديل لهؤلاء علما ان السلطات المحلية في كربلاء تكون  بفعلتها هذه قد تجاوزت على الدستور العراقي وارتكبت مخالفة قانونية لأنها اصدرت تعليماتها بازالة احياء التجاوز بالاعتماد على قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 154 لسنة  2001 وهذا القرار قد تم نقضه بقرار 156 من نفس السنة.

 أخيراً ظاهرة احياء التجاوز تنتشر في العديد من المحافظات العراقية, والإصرار على  إزالتها الآن  سيخلق مشكلة وسيثير سخط المواطنين ونقمتهم على الحكومة  التي لديها ما يكفي من المشاكل , فهل من الحكمة يامعالي وزير البلديات ويامجلس محافظة كربلاء إثارة ألمشاكل في وقت نحن بامس الحاجة فيه الى التهدئة وتطييب الخواطر ؟.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26 نيسان/2008 - 19/ربيع الثاني/1429