موانئنا أولى بالمعروف

كاظم فنجان الحمامي

موانئ وموانع.. المانع الأول

كانت الموانئ العراقية أولى المراكز التجارية التي أقامها الإنسان على شواطئ كوكب الأرض. وانطلق منها نحو بحار الله الواسعة.. موانئ تألقت في فضاءات التجارة البحرية الدولية. وحفرت اسمها في ذاكرة التاريخ. وتسلقت سلم المجد حتى تفوقت في ستينيات القرن الماضي على أشهر الموانئ العالمية.. فهي الرئة البحرية الوحيدة التي يتنفس منها العراق , والنافذة الملاحية اليتيمة التي يطل من خلالها على الخليج العربي.. ثم تدهورت أحوالها ومزقتها أنياب الحروب , وخنقتها رياح الحصار , واغتالتها خناجر الجهل والتخلف...

لكنها لم تمت, ولن تفقد الأمل في استعادة مكانتها الدولية المرموقة بجهود المبدعين من أبناء الرافدين , على الرغم من كل الموانع التي تقف في طريقها. وهذه قصة إحدى هذه الموانع التي ليس لها وجود في الموانئ العالمية الأخرى..

في كوكب الأرض دول كثيرة تموقعت جغرافياً في أماكن بعيدة عن الشواطئ. وليست لديها أية منافذ بحرية, مثل النيجر, وتشاد, وبوركينا فاسو, ومالي, التي تعتبر من البلدان المقفلة. لكنها تدير أساطيل بحرية ضخمة. وتمتلك موانئ متطورة. شيدتها على أرض مسجلة باسمها في بلدان أخرى مجاورة لها. وحرصت على توريد وتصدير منتجاتها وبضائعها عبر موانئها الواقعة خارج حدودها..

وفي كوكب الأرض أيضا دول أخرى تمتلك موانئ كثيرة. لكنها راحت تبحث خارج أرضها عن اقتناء موانئ جديدة تضمها إلى مجموعتها المينائية المتنامية.

فالموانئ في نظر تلك الدول قواعد وطنية وسيادية عملاقة , ومنافذ بحرية يرتكز عليها الكيان الاقتصادي في جميع بلدان العالم..

أما في العراق فالنظرية مختلفة تماماً. لأنها قائمة على نظرية إبرام عقود التبادل التجاري عبر الموانئ البديلة في (طرطوس), و(اللاذقية), و(العقبة), وبعض الموانئ الخليجية..

ولو بحثت في شبكة (الأسكوا) وهي المنظمة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (www.escwa.org), لوجدت أن مستقبل الموانئ السورية والأردنية قائم على حجم الضرر والدمار, الذي أصاب موانئنا جراء الحروب الساحقة التي مر بها العراق.. فقد نفذت في ميناء (العقية) عدة مشاريع لبناء أرصفة جديدة بكلف إجمالية بلغت 425 مليون دينار أردني. والهدف هو استيعاب البضائع القادمة إلى العراق عبر ميناء العقبة.. إما بالنسبة للموانئ السورية. فيكفي أن نذكر, أن نسبة حجم تجارة الترانزيت القادمة إلى العراق عبر الموانئ السورية ازدادت من 20% إلى 70%. وفي ضوء هذه المكاسب, التي حققتها الموانئ السورية, سارعت سوريا إلى تطوير موانئها لكي تكون قادرة على استيعاب 12 مليون طن, وتلبية متطلبات تجارة الترانزيت إلى العراق..

وقد ورثت الدولة العراقية هذه السياسة المينائية البديلة, منذ عام 1980 , حينما اضطرت, في الفترة من 1980 إلى 1988, إلى توريد بضائعها عبر الموانئ البديلة.. ثم ترسخت هذه السياسة, التي ما زالت مستشرية حتى الآن في السياقات التي تنتهجها معظم الوزارات العراقية بذرائع وحجج واهية..

وبدلاً من أن نسعى إلى دعم وإسناد موانئنا , نجد فينا من يتحامل عليها , ويسيء إلى سمعتها , ويطعنها في السر والعلن. ناعتاً إياها بالعجز والقصور والفشل. ومن دون أن يحاول, ولو لمرة واحدة دعمها ومؤازرتها , ومدها بمستلزمات الارتقاء والتطور والنجاح والانتعاش.. فالاقربون أولى بالمعروف..

 وللحديث بقية...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 23 نيسان/2008 - 16/ربيع الثاني/1429