المسيرة التربوية في البصرة: واقع مأساوي وطموح بلا هوادة

النبأ:علي كاظم الخفاجي/البصرة

شبكة النبأ: الأسرة التربوية في البصرة بين واقع مأساوي وطموح بلا هوادة، هذا اقل ما يمكن ان يُذكر بحق المسيرة العلمية المدرسية في المحافظة التي انجبت العباقرة والعلماء والشعراء طيلة القرون الماضية، فهل ستتوقف البصرة عن الإنجاب ويصيبها العقم ام انها كما يقال دائما مجرد مرحلة انتقالية؟!! يكفيك ايها القارئ العزيز ان تقوم بجولة في مدارس البصرة كي تستطيع الاجابة على مايجول بخاطرك من تساؤلات حائرة.

وعلى كل حال يمكننا القول ان الأزمات التربوية التي تعصف بمدارس البصرة كُثُر ليس اولها المستوى العلمي المتدني ولا اخرها اهمال مديرية تربية البصرة لتلك المدارس. ولو اردنا جدولة الهموم التربوية لأمكننا وضع الفهرست التالي، مع ملاحظة ان جميع المصادر رفضت ذكر إسمها لضرورات أمنية على خلفية ما تشهده البصرة من اضطراب وعدم استقرار.

تدني المستوى العلمي للطلبة

يتجلى هذا التدني في الأمّية الأبجدية التي غزت مقاعد الدراسة حيث بلغت نسب عالية تصل في بعض المدارس حسبما قدرها مدير ثانوية "..." الى 20% اما الامية الحاسوبية والتقنية فتصل بحسب تقديره الى 99% لعدم وجود مختبرات علمية في اغلب مدارس البصرة وما كان فيها من ادوات مختبرية قليلة اما سُرق في بداية سقوط النظام البعثي او كان وجودها الحالي بجهود شخصية قام بها مدراء بعض المدارس ومدرسيها كما حدثنا بذلك احد معلمي مدرسة "..." وهي في جميع احوالها قليلة جدا ومقتصرة على مدارس معينة. اما استاذ اللغة العربية في ثانوية "..." فقد قدر نسبة الذين لايجيدون القراءة بصورة صحيحة الى 60%.

ولو استقصينا تدني الواقع العلمي في عموم مدارس البصرة لأمكننا ارجاعه الى عدة اسباب وعوامل.

 مدير ثانوية "..." قال لـ شبكة النبأ: اعتبر كثرة العطل احد تلك الاسباب والتي تصل بعض الاحيان الى اكثر من اسبوع متصل مراعاة - كما هو الظاهر- للتنوع العرقي والاثني في النسيج العراقي المعقد، وكثرة التعطيل هم مشترك بين كافة محافظات العراق سيما الشيعية منها.

والمقترح لعلاج هذه الحالة التعطيلية اللاحضارية كما قال الاستاذ "..." في ثانوية"..." ان تجري في تلك المناسبات سيما الدينية منها احتفالية في الدرس الاول احتراماً لصاحب المناسبة واستمرار الدراسة في ساعات الدوام المتبقية محققين بذلك هدفا مزدوجاً قوامه الاستمرار الدراسي مع الاستفادة من المناسبة المفترضة بدلا من ترك الطلاب متسيبين في الشوارع والازقة .

وفي نفس سياق بيان اسباب ضعف المستوى العلمي يشكو الكثير من المدرسين ومنهم مدير مدرسة"..." من عدم متابعة اولياء امور الطلبة لمستوى ابنائهم العلمي وعدم اتصالهم المباشر بالمدرسة لغرض الاطلاع على ما يمكن ان يحققه ابناءهم من تقدم علمي او تراجع خلال اشهر الدراسة وهذا ما يسبب عدة اشكالات في نهاية السنة الدراسية بسبب تفاجأ ولي الامر برسوب ابناءه وبدرجات متدنية.

اما مجلس الآباء كما يذكر الاستاذ"..." في ثانوية "..." - والذي من المفترض اقامته سنوياً باعتباره بوابة التواصل بين المؤسستين البيتية والتربوية للاطلاع على مجريات المسيرة العلمية والاخلاقية للطلبة – فيغلب عليه حين اقامته طابع الروتين واللامبالاة من الطرفين بل الاكثر من ذلك بعض المدارس لاتكلف نفسها عناء اقامته ولو لمرة واحدة خلال العام الدراسي.

 واضاف الاستا ذ"..." لـ شبكة النبأ: علينا ان لاننسى  تدني المستوى الاقتصادي للمدرسين عموماً والذي يجعلهم ينصرفون عن الاهتمام بالمادة العلمية وتجديدها ومواكبة المتجدد منها.

 وينبغي هنا ان ننبه على بعض حالات القصور العلمي الواضح لبعض الكوادر التدريسية وانعكاساته السلبية على المستوى التعليمي للطلبة.

ومن الاسباب ايضاً كما نوه بذلك الاستاذ"..." في ثانوية "..." عدم صلاحية  البنايات المدرسية لخلق اجواء دراسية مناسبة حيث نلاحظ الكثافة الطلابية العالية في الصف الواحد متجاوزةً في بعض الصفوف "30"  طالباً مما ينعكس على مقدار فهم الطالب للمادة العلمية واستيعابه لها.

وتصل الحالة كما يذكر الاستاذ، الى حدوث فيضانات في فصل الشتاء داخل ادارة تلك الثانوية وصفوفها مما يمنع من استمرار الدراسة لعدة ايام، كون المدرسة واقعة في مستوى ادنى من الاراضي المحيطة بها، ويتسائل، اليس هنالك علاجاً فورياً لمثل هذه الحالات الاستثنائية؟

اما الاستاذ"..." في متوسطة "..." فقد ارجع تدني الطالب علمياً - اضافة لما سبق - الى عدم قدرة بعض المدارس في استيعاب الاعداد المتزايدة للطلبة لصغر حجم البناية المدرسية مما يضطر ادارة تلك المدارس لتثليث الدوام مما يعني تقليص الحصة الدراسية لتوافق الوقت المخصص لكل مدرسة من تلك المدارس الثلاث، وهذا ينعكس اكيداً على قدرة المدرس لمعالجة الضعف العلمي او اكتشاف الموهوبين من الطلبة.

 ومن جانب اخر اشاد الاستاذ نفسه بالجهود المبذولة من قبل بعض ادارات المدارس ومدرّسيها على تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها الواقع التعليمي في البصرة واصرارهم على مواصلة التدريس مهما كلفهم ذلك من جهد ومشقة. 

المستوى الاخلاقي في تراجع

لا تخلو المدارس من مراهقين يفتعلون المشاكل داخلها، وهذا راجع  كما يؤكد الاستاذ "..." الى الدور الفعال للستلايت والموبايل وغيرهما من التقنيات الحديثة  في افساد الشباب الذين ينبهرون بكل جديد مع غياب التوجيه والارشاد من قبل الكثير من اولياء الامور، اضافة الى اهمال هذا الجانب من قبل الكثير من المدرّسين انفسهم واقتصارهم على مهمة التدريس فقط.

من جانب اخر يشكو بعض المدرسين من ضبابية القوانين في هذا المجال وعدم وضوحها بالنسبة لهم كي يتحدد وفقا لها آلية التعامل مع الحالات الشاذة التي تقع بين الحين والاخر سيما مع قصور بعض اولياء الامور في توعية ابناءهم اخلاقياً ، كل هذا ادى الى التغاضي - بعض الاحيان - عن الحلول الجذرية لتك الحالات والاقتصار على المؤقت منها.

التدخلات الحزبية والعشائرية ازمة مستعصية

اشار الاستاذ"..." الى التدخلات العشائرية وغيرها من التدخلات الحزبية والفئوية - كون هذا الطالب من العشيرة الفلانية او الحزب الفلاني "-  في مسير العملية التربوية معتبراً ذلك من اكثر هموم التعليم البصري خطورةً لما يشكله من ارباك للمسارات العلمية، مناشداً الجهات المختصة الحد من تلك التدخلات حفاظاً على استقلالية المؤسسات التربوية.

 وفي اطار هذا الهم اليومي نجد النجاح الاعتباطي للكثير من الطلبة ما أدى الى فوضوية مقاييس التقييم العلمي خوفاً من التهديدات العشائرية والحزبية التي تحصل هنا وهناك، مع خلو بعض المدارس من الحرّاس الامنيين، او غياب الدعم الحكومي "للمدرّس"، بل الاكثر من ذلك  تدخل بعض المسؤولين لصالح هذا الطالب او ذاك كما حدث في ادى المدارس التي تستقبل "الممتحنين الخارجيين" حيث قام احدهم وهو من هيأة النزاهة في محافظة البصرة في تكليف شخص اخر لاداء الامتحان بدلا عنه!!!، وبعد كشفه وطرده من القاعة الامتحانية قام بعض المسؤولين في المحافظة بتدخّل - كون هذا الطالب "النزيه" من المحسوبين عليهم  - مطالبين بحلحلة الازمة بهدوء وبدون ضجة!!.

ضعف الاشراف التربوي

الاشراف هو الحلقة الوسطية بين التربية وبين مدارس المحافظة، ومع هذه الاهمية يشكو اغلب مدراء المدارس من الضعف الحاصل في الاداء الوظيفي للمشرفين من حيث الروتين وعدم المتابعة والذي يعتبر سبب من اسباب قصور العملية التربوية وهذا الضعف الاشرافي انعكس بطبيعة الحال على نوعية وكمية ما يصل الى الجهات التربوية العليا من حالات تجاوز وخلل قد تحصل في هذه المدرسة او تلك.

كما حدث لبعض المدارس الواقعة شمال البصرة من سرقات اجهزة واثاث وعملية احراق - ربما متعمدة - لادارتها وهذا ماصرح به احد اساتذة تلك المدرسة واضاف الاستاذ قائلاً لـ شبكة النبأ: مع هذا فلا وجود لتحقيقات امنية او جنائية في ما يحدث لتحديد المسؤولية ومن ثم معاقبة الفاعلين، ربما يكون سبب ذلك عدم المتابعة من قبل المشرفين او للتكتم الذي تمارسه ادارات المدرسة او مشرفيها لمنع تناهي تلك التجاوزات لاسماع مديرية التربية لاهداف عشائرية او نفعية او غير ذلك.

تخلف المناهج وروتينيتها.. الى متى؟

التغيير الحقيقي لأي بلد لابد ان يمر من خلال تغيير مفردات ومناهج التربية والتعليم، والقضاء على المناهج التقليدية الجمودية وصولاً الى بناء ثقافة تتفق مع الواقع الانساني المعاش وتتماشى مع الاهداف المفترضة للعملية التربوية.

 هنا نلاحظ غياب الرغبة الجدية لدى وزارة التربية في تجديد تلك المناهج مع اتفاق الكل على ضعف المناهج الحالية وروتينيتها واهمية مواكبتها للوسائل الحديثة في التربية والتعليم.

 ضمن هذا الاطار يشكو الاستاذ"..." في مدرسة "..." الابتدائية من ضعف الوسائل المساعدة للطالب في فهم النص المقروء سيما المرحلة الابتدائية التي يعتمد فيها الطالب على ثقافة الصورة اكثر من اعتماده على الافكار النظرية البحتة مع ان التغيير لم يطال تلك الافكار النظرية ايضا، بل بقيت على حالها عدا تغيرات جزئية بسيطة  لا تكفي للوصول الى ثقافة حقيقية كما انتقد اهمال المناهج الاسلامية لسيرة ائمة اهل البيت "ع " وما موجود منها لا يحقق للطالب التواصل الكافي مع النماذج الخالدة لعلمائنا ومفكرينا.

اما الاستاذ"..." فقد تطرق الى وجود ثغرات في بعض المناهج الدراسية كمنهج اللغة العربية في الدرس الانشائي "التعبيري" وعدم ثباته المنهجي من قبل وزارة التربية حيث يستطيع البعض من خلاله التحكم بوعي الطالب واتجاهاته محاولةً منه لتسخير مفرداته بقصد او بدونه لخدمة توجهاته الخاصة، فلابد من وضع مفردات ممنهجة لكل مرحلة تحدد بموجبها المواضيع العامة التي ينبغي للمدرس مراعاتها في درسه الانشائي، ولتحقيق التراتبية المطلوبة منه.

كما اعتبر الاستاذ "..." التهميش الذي يعاني منه درسَي "الفنية" و"الرياضة" والذي يؤدي على المدى البعيد الى ضمور وغياب المواهب الفنية لدى الطلبة، اضافة الى اضطرار الطلبة لتوظيف طاقتهم الرياضية نحو الرياضة اللامنهجية المفضية الى العنف والعدوان لعدم اشباع هذا الجانب من رغباتهم.

واضاف، ان الحل يكمن في امرين: المتابعة الاشرافية لمدرسي المادتين، والعمل على اقامة دورات تدريبية لإشعار مدرسّي الفنية والرياضة بأهمية اختصاصهما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 22 نيسان/2008 - 15/ربيع الثاني/1429