الأصالة السومرية في صورة

كاظم فنجان الحمامي

أنها مجرد صورة فوتوغرافية نشرتها مجلة (National Geographic News)* لفتاة عراقية من اهوار العمارة في جنوب العراق. وما أكثر الصور التي تنشرها هذه المجلة الجغرافية الأكثر انتشارا في العالم.

 لكن هذه الصورة بالذات تميزت عن غيرها بخصائص فريدة تعكس أصالة الملامح والصفات السومرية العريقة التي كانت تحملها تلك الفتاة القروية.

وأنت عزيزي القارئ اللبيب, لو تمعنت بهذه الصورة المعبّرة, وأطلت التركيز في أبعادها, وغصت عميقا في خباياها, ستصل معي إلى الحقائق المدهشة التي توصلت إليها, وستتوصل أيضا إلى استنتاجات في غاية الأهمية . وأخشى أن يصيبك ما أصاب ذلك الشاب الذي أزاح البرقع عن تمثال إيزيس في أحد هياكلها, فأصابه الذهول, وانعقد لسانه.
فليس في الصورة الملتقطة أي تكلف , وجاءت خالية من كل المؤثرات الفنية المعروفة. ومن المؤكد أن الفتاة ليست رياضية محترفة, ولم يسبق لها أن مارست الألعاب السويدية في صالات الرشاقة حتى تكتسب هذا التماسك البدني الرائع . لكنك ستجد أنها مجبولة على هذا القوام الممشوق, وتتمتع بلياقة بدنية عالية, وبنية جسمانية متفجرة بالطاقة الطبيعية, تفوق بكثير لياقة بطلات الاولمبياد .

أنظر إلى قبضتها وهي تشد بها على العمود الخشبي ( المردي ) الذي لا يقل طوله عن خمسة أمتار, وكأنها لاعبة دولية تروم القفز بالزانة في العاب الساحة والميدان. وراقب خفة حركتها وهي تغرس المردي في قاع الهور, وفي وضع قائم من دون أن تضطر إلى الانحناء. ثم ترتكز على المردي بثبات فتتولد لديها القوة اللازمة لدفع قاربها ( المشحوف ) نحو الأمام , أو المناورة به في منتهى المرونة عبر الأحراش والنباتات المائية, وبمهارة فطرية فريدة. .
ونواصل التحليل فنجد, أن هذه الفتاة تمتلك مقدرة عجيبة في ضبط توازنها, والمحافظة على استقرارها بعفوية مطلقة, ومواصلة التجديف من وضع الوقوف, بينما تشخص ببصرها الثاقب نحو الأفق البعيد في نظرة ممتلئة بالتحدي والثقة والحيوية. .

ثم انظر إلى طولها الفارع , واستقامة جسمها, وبشرتها البيضاء الموشحة بسمرة خفيفة كلون حبة القمح. أنها فتاة مشدودة الجسم. في عنفوان الشباب. تتدفق في عضلاتها الدماء الحارة, وتعمر جسمها بالحيوية والنشاط.  ولا يفوتك أن تلاحظ معي كيفية قيامها بشق طريقها فوق هذا المسطح المائي المترامي الأطراف, وكيفية استدلالها على المسارات والمسالك الصحيحة من دون أن تستعين بأية بوصلة, وبلا اهتداء بأي فنار ملاحي يرسم لها معالم الطريق. ثم أن المشحوف لم يكن فارغا, بل كان محملا بالقصب والبردي, وهذا يعني أنها لم تكن ذاهبة للنزهة, فقد اعتادت على هذه الرحلات الصباحية لكي تجلب العلف والغذاء لأبقارها, ودون أن يتعكّر مزاجها أو تظهر عليها علامات التعب والإرهاق.

ولولا ضيق مساحة الكتابة لمضينا قدما في تحليلاتنا المستمدة من واقع الحياة التي مازالت مستمرة في هذا الفردوس الجميل بالإيقاع نفسه  منذ آلاف السنين, فكل التحليلات تصب في استنتاج واحد, وتؤكد حقيقة لا يمكن إنكارها أو التغافل عنها, وهي أن هذه الفتاة ما هي إلا نسخة من أية فتاة سومرية كانت تعيش في الهور, على الرغم من هذا الفارق الزمني الكبير. ولا نغالي إذا قلنا أنها نسخة مكررة من الملكة عشتار, إلهة الخصب والنماء, فقد كانت عشتار شابة ممتلئة الجسم, ذات قوام جميل, وخدين مفعمين بالحيوية, وعينين مشرقتين, مرهفة الطبع, حانية على الشيوخ والأطفال, يعبق من أعطافها العطر والشذا, غالبا ما كانت تشاهد وهي تجوب الحقول بخفة ورشاقة, فتتفجّر الينابيع خلفها بالماء والعطاء.

تلكم هي عشتار إلهة الخصب عند سكان وادي الرافدين القدماء, ظهرت أول مرة قبل أكثر من 6000 عام, ورسموها على الأختام الأسطوانية والمنحوتات. ويمكن للمتأمل أن يستنتج فورا أن صورة فتاتنا مطابقة تماما لصورة عشتار التي ظهرت في المنحوتات السومرية. وهذا توكيد آخر على أصالة نساء اهوار جنوب العراق . .

..........................................
*  - National Geographic News , (Iraq Marshes Mending, But Full Recovery Uncertain, Study Says ) by Nicholas Bakalar ,  July 7, 2006

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19 نيسان/2008 - 12/ربيع الثاني/1429