شبكة النبأ: رغم ان العلاقة بين مصر والولايات المتحدة شهدت
تذبذبا كبيرا ايام حكم عبد الناصر إلا ان الامور تغيرت كثيرا بعد
ولوج السادات سدة الرئاسة، حيث تحولت تلك العلاقة الى تعاون
استراتيجي ضمنت عن طريقه امريكا مصالحها في المنطقة وسلامة اسرائيل،
مقابل بعض المساعدات المادية السنوية والدعم السياسي والاقتصادي
لمصر.
ويرى أستاذ للتاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس بمصر أن
علاقة بلاده بالولايات المتحدة شهدت في الخمسينيات تذبذبا واضحا
بين تقارب في مصالح الدولتين وتباعد بسبب اتهام أمريكا للرئيس
الاسبق جمال عبد الناصر بتهديد المصالح الغربية لدرجة اعتبار مصر
من الدول المارقة.
ويقول محمد عبد الوهاب سيد أحمد في كتابه (العلاقات المصرية
الأمريكية من التقارب إلى التباعد.. 1952-1958) ان "صغار ضباط
الجيش" كانت لهم اتصالات مبكرة بالأمريكيين فبعد ما يحدده بأنه
ساعات على "انقلابهم" الذي استولوا فيه على السلطة فجر يوم 23
يوليو تموز 1952 بدأوا التقرب "علانية" إلى السفارة الأمريكية في
مصر. بحسب رويترز.
ويقع الكتاب في 172 صفحة كبيرة القطع وأصدرته (دار الشروق) في
القاهرة ضمن سلسلة تعنى باعادة قراءة التاريخ المصري.
ويقول سيد أحمد ان الجيل الذي لم يعاصر الحقبة الناصرية "خدع"
بمظاهر أدت إلى تكوين صورة ذهنية ملخصها أن علاقة أمريكا "كقوة
عالمية ومصر كقوة اقليمية" شابها توتر ونفور منذ بداية الثورة حتى
وفاة عبد الناصر عام 1970.
ويضيف أن أمريكا "عضدت" موقف الضباط المصريين الشبان الذين
قاموا بالثورة وقضوا على الحكم الملكي وأنهوا الاحتلال البريطاني
للبلاد أملا في ترحيب الثوار بمشاريع الدفاع الغربية واستجابتهم
للانضمام إلى الاحلاف "من أجل احتواء الخطر السوفيتي" وبعد رفض عبد
الناصر ما يصفه بالاملاءات الأمريكية "والسلام تبعا للشروط
الإسرائيلية.. أصبحت مصر في نظر صانعي القرار في واشنطن من الدول
المارقة."
ويسجل أن السفارة الأمريكية بالقاهرة "لم تكن مهتمة فقط بتأمين
الانقلاب بل ان أمريكا لم تتوقف عن التلميح لبريطانيا منذ البداية
بأن التدخل الاجنبي سيتسبب في كارثة" كما رفض الأمريكيون التدخل
لصالح الملك فاروق اخر من حكم البلاد من أسرة محمد علي.
ويضيف أن أمريكا رجحت أن يكون الحكم العسكري "أكثر نفعا في
مشاريع الدفاع الغربية خاصة مشروع قيادة الشرق الاوسط" كما حصلت من
الضباط على "تأكيدات" أنهم لا ينوون شن حرب على إسرائيل واستراحت
لرغبة "أكيدة" أبداها الحكم الجديد في القضاء على الشيوعية حتى وصل
التنسيق بين مصر وأمريكا خلال أول عامين للثورة "إلى ذروته" في
مجال مناهضة الشيوعية.
ويصف سيد أحمد التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية لبلاده بعد
الثورة بأنه لا يختلف كثيرا عن "تورط البريطانيين" في شؤون مصر على
مدى أكثر من 70 عاما.
فيقول مثلا ان أمريكا عارضت تولي الدكتور عبد الرزاق السنهوري
رئاسة الوزراء عام 1953 بسبب خلفيته الدينية اذ "كان من أشد
المعارضين للمد الثقافي الاجنبي مما كان سببا في الصدام بينه وبين
البعثات الأمريكية التبشيرية" مضيفا أن النفوذ الأمريكي "تفوق على
النفوذ البريطاني" في مصر.
ثم يستعرض المؤلف أسباب التباعد بين البلدين في منتصف
الخمسينيات بعد رفض عبد الناصر الانضمام إلى أحلاف أو تكتلات
عسكرية أجنبية "باعتبار أن الخطر المباشر على المنطقة العربية هو
إسرائيل" ثم حصول مصر على صفقة أسلحة من الاتحاد السوفيتي عام 1955
والتي اعتبرها مسؤول أمريكي بأنها "تعادل خسارة الصين.. وقد أظهر
عبد الناصر بهذه الصفقة.. أن القوى الصغرى تستطيع أن تحدد مصائر
سياسات القوى الكبرى وليس العكس في بعض الاحيان."
ويضيف أنه "حفاظا على هيبة الغرب" أعلنت أمريكا يوم 19 يوليو
تموز 1956 سحب عرض لتمويل مشروع السد العالي في جنوب مصر فأعلن عبد
الناصر بعد أسبوع تأميم شركة قناة السويس وترتب على ذلك تعرض
البلاد لعدوان ثلاثي بريطاني-فرنسي-اسرائيلي في أكتوبر تشرين الاول
1956.
لكن أمريكا التي عارضت العدوان رأت أن تحافظ على دورها بألا
تعطي الاتحاد السوفيتي فرصة "الصيد في الماء العكر... وضح
للأمريكيين أن الاتحاد السوفيتي هو وحده المستفيد في حالة تأييد
الولايات المتحدة للعمل العسكري (العدوان الثلاثي") فبدأ التقارب
من جديد بين القاهرة وواشنطن.
ويشير إلى أن الموقف الأمريكي لم يكن يعني تأييد مصر في تأميم
شركة قناة السويس بل كان يميل إلى أن "عبد الناصر لا بد أن يتخلى
عن تأميم شركة القناة بوسائل دولية وليس بالقوة" بل ان عبد الناصر
في نظر الأمريكيين أصبح "يمثل نفوذا شريرا" على حد تعبير وزير
الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت جون فوستر دالاس الذي رأى أن
الزعيم المصري استفاد من السياسة الأمريكية في أزمة السويس لكنه لم
يتخذ خطوات ايجابية نحو تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
ويقول سيد أحمد ان عام 1957 شهد انقضاء "شهر العسل. وهنا تبدأ
مرحلة جديدة من التباعد بين القوى العظمى والقوى الاقليمية التي
اتهمت صراحة بأنها تهدد مصالح الغرب ومن يلوذون بفلكه في
المنطقة...وفي النهاية سلمت الولايات المتحدة بضرورة التقارب ولو
مرحليا مؤمنة بأن التباعد في هذا الوقت الذي تتصاعد فيه حمى
القومية العربية لا يخدم المصالح الأمريكية بقدر ما يهددها. وكان
عبد الناصر من خلال ما أحرزه من انتصارات ولو على المستوى السياسي
مدركا أبعاد اللعبة فهو لم يتباعد كلية ولم يتقارب بصورة فجة." |