العالم على أبواب مجاعة دائمة وثورة الجياع قد تطيح بحكومات

علي الطالقاني*

شبكة النبأ: يبدو ان ثورة الغذاء أخذت تجتاح العالم وتتوسع منافذها لتصل إلى حد القلق والخوف من تداعيات هذه الأزمة،  ومع إطلالة من قبل المهتمين والباحثين تبشر باستيعاب هذه المشكلة التي أصبحت فيما بعد كابوسا يراود العالم أثناء اليقظة، وفي متابعة لأهم مجريات هذا الحدث، رصد "المركز الوثائقي والمعلوماتي" في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام آخر المستجدات وأهم الوقائع والتصريحات بخصوص هذه الأزمة.

أزمة الغذاء التي تكاد تعصف بعدد من دول العالم في الوقت الحالي قد تجبر حكومات تلك البلدان على التدخل لصالح الفقراء بعد أن بات من غير المحتمل أن ينجح النظام الرأسمالي في إيجاد حلول لها، بسبب المخاطر السياسية المصاحبة للأزمة.

وأشارت مجلة" تايم" الأميركية في مقال بعنوان "كيف يمكن أن يطيح الجوع بالأنظمة" للكاتب "توني كارون"، إلى أن ما قام به مسؤولون على شاكلة روبرت زوليك رئيس مجموعة البنك الدولي من قرع لناقوس الخطر، يوحي بأن أزمة الغذاء وما يصاحبها من مخاطر سياسية لن يتسنى على الأرجح حلها أو احتواؤها بتدخل قوى السوق في إطار النظام الرأسمالي.

وأضافت المجلة في عددها الأخير قائلة "يبدو أن تدخل الحكومات لمصلحة الفقراء وهو أسلوب عفا عليه الزمن إبان حقبة التسعينيات المزدهرة وفي العقد الراهن يوشك على العودة من جديد.

ومضت إلى القول إن الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية يهدد استقرار عدد متزايد من الحكومات في كافة أرجاء العالم.

ولعله من السخرية أن الرأسمالية التي نجحت في إحداث تحولات في مناطق من العالم كانت مكبلة في السابق بقيود الاشتراكية هي نفسها التي ساهمت في خلق الأزمة الجديدة, على حد رأي المقال.

وضرب الكاتب أمثلة على ما قاله بما جرى في هاييتي ومصر من أعمال عنف بسبب جموح أسعار المواد الغذائية.

وقال "إن النظام المستبد في مصر يواجه تهديدا سياسيا متعاظما لعجزه عن توفير الخبز المدعوم على نحو منتظم لمواطنيه المعوزين"، مضيفا أن ساحل العاج والكامرون وموزمبيق وأوزبكستان واليمن وإندونيسيا شهدت هي الأخرى أعمال شغب أو مظاهرات عنيفة مماثلة.

وكان زوليك قد أشار في الأسبوع المنصرم إلى أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 80% خلال السنوات الثلاث الماضية، وحذر من أن 33 دولة على الأقل ستشهد اضطرابات اجتماعية جراء ذلك.

وذكرت المجلة أن أعمال الشغب المرتبطة بالأزمات الغذائية تطرح معادلة في غاية البساطة، وهي أن السواد الأعظم من المواطنين الفقراء قد يرضخون لحكم أنظمة فاسدة وقمعية لأنهم ينشغلون بتوفير لقمة العيش لأطفالهم ولأنفسهم, "لكن عندما يصبح من المستحيل عليهم، بفعل الظروف، إطعام أطفالهم الجائعين فسرعان ما يتحول أولئك المواطنون الذين اعتادوا على الفعل السلبي إلى متطرفين ليس لديهم ما يخسرونه".

وأردفت تايم أن هذا هو بالضبط ما يحدث حينما لا يكون مبعث جوع الناس هو انعدام الإمدادات الغذائية بل عدم قدرتهم على شراء ما يتوفر من مواد غذائية, وهو بالضبط ما نراه بسبب موجة التضخم في أسعار الغذاء التي تجتاح العالم.

وكثيرا ما كان الجوع على مر التاريخ محرضا للثورات والحروب الأهلية، لكنه ليس شرطا كافيا لاندلاع مثل هذا العنف حسب المجلة.

لكن المجلة ختمت بالقول إنه "لكي تترجم ثورة الجماهير الجامحة بفعل الجوع إلى تحد معقول لنظام قائم فإن ذلك يتطلب قيادة سياسية منظمة قادرة على تسخير تلك الثورة ضد الدولة."

العالم مقبل على مجاعة دائمة  

و حذر المقرر الخاص للأمم المتحدة من أجل الحق في الغذاء جان زيغلر من اتجاه العالم نحو فترة اضطرابات طويلة جدا ونزاعات مرتبطة بارتفاع الأسعار ونقص المواد الغذائية.

ففي جوابه عن: هل تشكل "فتن المجاعات" عامل عدم استقرار عالمي؟ أكد جان زيغلر أن ما يحدث ليس أزمة عارضة بل هو أزمة هيكلية غير مرتبطة مباشر بمظاهر الطبيعية من جفاف في أستراليا مثلا، أو نمو مطرد للطبقة المستهلكة الجديدة كما يحدث في الهند والصين. بحسب صحيفة ليبراسيون الفرنسية الاثنين 14 أبريل/نيسان 2008.

وعلل ذلك بأنه إذا ارتفعت أسعار الأرز بنسبة 52% خلال شهرين وارتفعت أسعار الحبوب بنسبة 84% خلال أربعة أشهر وزاد سعر النقل وصعدت أسعار النفط، فإن مليارين من البشر سيصبحون تحت خط الفقر.

ولما سألته الصحيفة عن نتائج الأزمة الغذائية الراهنة قال زيغلر إن بواكير تلك النتائج بدأت تظهر فنحن نرى الجيش التايلندي يحرس حقول الأرز ونشاهد أزمة الخبر في مصر وقتلى بالسلاح في هاييتي.

فالعالم أمام فتن متعلقة بالمجاعة مستمرة وأمام صراعات وموجات عدم استقرار إقليمية لا تمكن السيطرة عليها تجسد كلها خيبة أمل الناس.

وقبل ارتفاع الأسعار كان يموت طفل تحت عشر سنوات كل خمس ثوان، والآن هناك 854 مليون شخص يعانون من سوء التغذية بشكل خطير. إنها كارثة معلنة. فهذه مجزرة معلنة.

فالأسر في الدول الغربية تخصص من 10 إلى 20% من ميزانيتها للغذاء في حين تخصص الأسر في الدول الفقيرة من 60 إلى 90% من ميزانيتها للغذاء.

وعن المسؤولية يذكر زيغلر أنه في حين يلاحظ عدم اهتمام بالأمر من طرف قادة العالم والفاعلين البارزين، فإن الرأي العام العالمي جذبته أخبار المجاعة في شمال الهند منذ سنتين وما يحدث للسكان في دارفور.

وحين تقوم الولايات المتحدة بضخ ستة مليارات دولار للاستثمار في سياسة الوقود الحيوي مستنزفة 138 مليون طن من الذرة خارج السوق الغذائية، فإنها بذلك تقوم بجريمة ضد الإنسانية.

وأضاف زيغلر "قد نفهم رغبة حكومة الرئيس بوش في التخلص من سيطرة الطاقة النفطية المستوردة، لكن تحقيق هذه الرغبة يوشك أن يهدد بقية العالم".

وإذا ما لاحظنا أن الاتحاد الأوروبي قد قرر أن يرفع حصة الوقود الحيوي إلى 10% سنة 2020 فإن هذا سيشكل أكبر عبء على المزارع الأفريقية.

ويؤكد زيغلر أن الدول الفقيرة تقضي ديون البنك الدولي، وعلى الرغم من تخفيف تلك الديون فإن 122 دولة لا يزال لها حساب مديونية يبلغ 2100 مليار دولار كلها ديون متراكمة في سنة 2007.

والخطط الهيكلية التي يطالب بها البنك الدولي حسب زيغلر تفرض دائما إنجاز زراعة للتصدير تمكن من الحصول على عملات صعبة تسمح للدول الفقيرة بتسديد فوائد ديونها لبنوك الشمال، وتمويلات هذه الزراعة التصديرية تضر الأسواق الزراعية المحلية، ولذلك وصلنا إلى هذه الأزمة المتفجرة.

قلق من ارتفاع اسعار المواد الغذائية

و قال رئيس البنك الدولي روبرت زوليك ان ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يزيد مستوى الفقر لـ 100 مليون شخص .

وجاء هذا التحذير عقب تصريح لمدير صندوق النقد الدولي يعبر فيه عن مخاوفه أن تؤدي زيادة الأسعار الى أن يموت مئات الآلاف جوعا.  واقترح زوليك خطة عمل لتشجيع الانتاج الزراعي على المدى البعيد. وقد حصلت احتجاجات مرتبطة بالغذاء في عدة بلدان منها هاييتي والفلبين ومصر. بحسب وكالة BBC

وقال زوليك ان التحليلات تشير الى ان ارتفاع أسعار المواد الغذائية الى الضعف خلال السنوات الثلاث الماضية قد يزيد في فقر 100 مليون شخص من ذوي الدخل المنخفض.

وقد أقر اقتراح زوليك للوصول الى اتفاقية جديدة لمعالجة أزمة الغذاء العالمية من قبل اللجنة القيادية المؤللفة من وزراء المالية والتنمية المجتمعين في واشنطن.

وكان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد عقدا سلسلة اجتماعات في نهاية الأسبوع لمناقشة ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومصادر الطاقة في العالم.

تضخم متصاعد

وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد في الشهور الأخيرة بسبب زيادة الطلب وسوء الأحوال الجوية التي أتلفت المحاصيل في بعض البلدان وزيادة مساحة الأراضي المستخدمة لزراعة محاصيل لاستخدامها كوقود لوسائل المواصلات.

وقد ارتفعت اسعار القمح والأرز والذرة مما أدى الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام بنسبة 83 في المئة في السنوات الثلاث الأخيرة، كما قال البنك الدولي.

أفواه جائعة

وقد فرض حظر على تصدير الأرز في كبار الدول المنتجة مثل الهند والصين وفيتنام ومصر.

وعانت الدول المستوردة مثل بنغلاديش وأفغانستان والفلبين كثيرا بسبب هذا الحظر.

ودعا زوليك الى ارسال معونات غذائية الى الدول المحتاجة ومساعدة صغار المزارعين، وحث الدول المانحة على ملئ النقص في صندوق التمويل التابع لصندوق النقد الدولي وقيمته 500 مليون دولار.

وحذر مدير صندوق النقد الدولي السبت من انتشار المجاعة اذا استمرت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع الحاد وحذر من ان التجارب أثبتت أن أوضاعا كهذي قد تنتهي بالحروب.

وقال ان المشكلة قد تؤدي الى كسر التوازن التجاري العالمي مما سيكون له أثر سلبي على الدول المتطورة ايضا وقال "من الواضح أن ما نتحدث عنه ليس فقط قضية انسانية".

ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمعدل 40 %

لم يكن قد مضى على جون بيدنجتون، المستشار العلمي البريطاني المميز، سوى شهرين في عمله، حتى صاغ مشهداً مثيراً لأعصاب أصحاب عمله الجدد. وجادل في أوائل هذا الشهر بأن العالم يواجه مشكلة هائلة لا تقل عن مشكلة التغيير المناخي، إذ إن صانعي السياسة يتجاهلونها، وهي تأمين الإمدادات الغذائية.

بينما تصاعدت أسعار السلع الزراعية من القمح إلى الحليب، بصورة شديدة على النطاق العالمي، وبسرعة لم يسبق لها مثيل، كما برزت القلاقل الاجتماعية والجوع في أجزاء مختلفة من العالم، فإن ذلك يعتبر تحدياً لكل من البلدان الغنية والفقيرة، وإرغاما للحكومات على دراسة إجراءات متعددة لتخفيض أسعار هذه السلع. ووجد المنتجون الذين اعتادوا لفترات طويلة على الخضوع لانضباط الأسواق وحده، أنفسهم يكافحون، بصورة متزايدة، رسوماً استيرادية أعلى، وحظراً للصادرات، وتجميدات للأسعار.بحسب صحيفة "الفاينانشال تايمز"

أثارت التكاليف المرتفعة للأغذية كذلك أسئلة حول الدعم الحكومي لمشاريع الوقود الأحيائي التي تحول الأرض القابلة للزراعة بعيداً عن إنتاج الطعام، بينما تضع تلك التكاليف ضغوطاً على كثير من الحكومات المتشككة لإعادة النظر في معارضتها للمنتجات المعدلة وراثياً التي تعمل على زيادة المحاصيل، وتخفض أسعار الأغذية.

يقول لينارت باج، رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة التي تم تأسيسها لتمويل مشاريع التنمية الزراعية "هذه قضية سياسية رئيسية تعني جميع البلدان".

بينما يقول باج إن وجهة نظر مشتركة حول حل لهذه المشكلة ما زالت في طور الانتظار، فإن حكومات كثيرة توافق على ضرورة تخفيف تأييد مشاريع الوقود الأحيائي، وتخفيف معارضة المنتجات المعدلة وراثياً، نظراً لأن أسعار المواد الغذائية وصلت مستويات تبلغ حد الأزمة. وهو ما يشير إلى توافق حول ضرورة زيادة الاستثمار في الاقتصاد الزراعي، هذا الأمر الذي كان منسياً إلى حد كبير خلال العقدين الماضيين، إذا كان العالم يريد أن يشهد تكراراً "للثورة الخضراء" في الستينيات من القرن الماضي، حيث قفزت كميات المحاصيل المنتجة بفضل زيادة استخدام الري، والأسمدة، والحبوب المحسنة، مما أدى إلى تخفيض الأسعار، ونجاة الملايين من الجوع.

يرى كثير من الخبراء أن الخطر يكمن في أن لدى السياسيين نظرة قصيرة المدى للأزمة، وبالتالي فإنهم يلجأون إلى حلول قصيرة المدى يمكن أن تكون مسببة للأذى على المدى الطويل. وعلى الرغم من التحذيرات الصادرة عن مؤسسات مثل برنامج الغذاء العالمي الذي يستنفذ ما لديه من أموال لإطعام الناس الأشد فقراً في العالم، فإن حكومات كثيرة، ولا سيما تلك التي تواجه الانتخابات، حاولت لغاية الآن مجرد شراء الوقت.

لجأت الدول المستوردة للمواد الغذائية مثل روسيا والصين إلى فرض تجميد على أسعار بيع التجزئة بالنسبة للمواد الغذائية الأساسية مثل الحليب، والخبز، والبيض، بينما لجأت فرنسا وأستراليا إلى إجراء تحقيقات وطنية في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ووجهت ضغوطاً على أكبر متاجرها الكبرى وعلى منتجي المواد الغذائية لكي يمتصوا القفزات الكبرى في أسعار هذه المواد. وتتخذ الدول المصدرة للأغذية مثل الأرجنتين، وكازاخستان إجراءات كذلك، من خلال ضرائب مرتفعة على المبيعات للخارج، أو حظر مباشر على الصادرات، سعياً منها إلى ضمان وفرة تزويد أسواقها المحلية بالمواد الغذائية.

مصدر الخوف هو أن إجراءات مثل حظر التصدير يمكن أن تسبب أذى أكثر مما تجلبه من نفع، لأن الدول التي تخفض الأسعار بصورة مصطنعة تجعل الاستثمارات الزراعية أقل ربحاً، مما يؤدي إلى تخفيض الإنتاج في المستقبل . ومن المحتمل أن يفقد المستثمرون في المزارع الجديدة، على سبيل المثال، الثقة نتيجة لتزايد السياسات التي لا يمكن توقعها، كما يقول جيليس ميتيتال، مدير الشركات الزراعية في البنك الأوروبي للإعمار والتنمية.

مع توافق معظم الحكومات في الوقت الراهن على أن الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية العام الماضي الذي بلغ نحو 40 في المائة، واستمر خلال هذا العام، وفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة الدولية التابعة للأمم المتحدة، إنما هو ارتفاع هيكلي، فإن ذلك يعني أن الأسعار لن تعود إلى مستوياتها السابقة. ويعود ذلك إلى زيادة عدد المستهلكين الجدد الذين زادت ثرواتهم في بلدان من الصين والهند، وأصبحوا قادرين على تحسين مستوى أغذيتهم بصورة مستمرة، وكذلك بسبب صناعة الوقود الأحيائي، مما يبقي مستوى الطلب مرتفعا على السلع الغذائية الأساسية مثل القمح، والذرة، وفول الصويا.

يقول يواخيم فون براون، المدير العام للمعهد الوطني لأبحاث السياسات الغذائية في واشنطن: "أزمة ارتفاع أسعار الغذاء الحالية أشد قسوة من تلك التي شهدتها أوائل السبعينيات من القرن الماضي، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب الصدمة النفطية، وتراجع المحاصيل العالمية. وسوف تكون هذه الأزمة أسوأ وأطول من تلك التي شهدها العالم عام 1974".

كان لجاك ديوف، المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية في روما، دور قيادي في زيادة الوعي بين الحكومات بالحاجة إلى حل طويل المدى، حيث حذر من أنه إذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة، فإن العالم سوف يشهد قلاقل اجتماعية، وزيادة في الجوع العالمي.

تأمل منظمة الأغذية والزراعة العالمية في تشجيع استجابة تتمثل في سياسات منسقة في النصف الثاني من هذا العام، على الأقل بالنسبة لآثار كل من الوقود الأحيائي والتغير المناخي. وتعد هذه المنظمة لمؤتمر على مستوى رفيع في روما في حزيران (يونيو) المقبل، حيث يتوقع أن يجمع بين صانعي السياسة في المنطقة. ويقول ألكساندر مولر، مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة الدولية في روما: "عادت الزراعة مرة أخرى إلى الأجندة السياسية. ونحن نريد أن نتناول مثلث تأمين الطعام، والوقود الأحيائي ، والتغير المناخي معاً، لأن هذه الزوايا الثلاثة مرتبطة مع بعضها بصورة وثيقة".

هناك قبل ذلك المؤتمر إشارات على ظهور توافق جديد بين صانعي السياسة. ويقول باج إننا نرى على سبيل المثال: "هنالك رأي متزايد الشك فيما يتعلق بالوقود الأحيائي، بأكثر مما كان الوضع عليه قبل ستة أشهر، أو سنة،" ويضيف أنه حتى إذا كانت المحاصيل المعدلة وراثياً ما زالت تواجه معارضة" " هنالك إدراك متزايد لحاجتنا إلى استخدام العلم في الزراعة".

بينما لا يزال النقاش حول المحاصيل المعدلة وراثياً في بدايته، حيث يتراجع المؤيدون لهذه التقنية في مواجهة معارضة عامة قوية، فإن رد الفعل السياسي القوي إزاء الوقود الأحيائي يكتسب قوة دافعة جديدة، ولا سيما في أوروبا. ويقول باج "هنالك إدراك متزايد بأن الوقود الأحيائي لا يمثل العلاج الشافي الذي كان الناس يعتقدون به سابقاً".

هنالك إدراك متزايد للمشكلة، حتى في واشنطن التي ما تزال لغاية الآن مؤيدة قوية لاستخدام الوقود الأحيائي بهدف تخفيض الاعتماد على النفط الخام المستورد من منطقة الشرق الأوسط. وبعد أن بلغت أسعار الذرة، الشهر الماضي، مستوى قياسياً لا سابق له، حين تجاوزت 5.70 دولاراً للبوشل، قال الرئيس الأمريكي بوش: "إذا نظرت إلى ما يحدث بالنسبة إلى الذرة، فإنك ترى الاصطدام الحاصل بين قضيتي الغذاء والطاقة".

على الرغم من أن بوش لم يرتق إلى مستوى تحول سياسات كامل، فإن المحللين يقولون إن تعليقاته تفيد بأن واشنطن قريبة من تخفيض الدعم الضريبي البالغ 51 سنتاً فيما يتعلق بالإنتاج المحلي من الإيثانول، أو تخفيض الرسوم البالغة 54 سنتاً على جالون الإيثانول المستورد من البرازيل. ويمكن لهذين الإجراءين إبطاء سرعة نمو صناعة الوقود الأحيائي في الولايات المتحدة.

جاءت تعليقات بوش بعد أن حذرت وزارة الزراعة الأمريكية من أن صناعة الوقود الأحيائي لهذا العام يمكن أن تستهلك نحو ثلث محصول البلاد من الذرة، مقابل 25 في المائة منه عام 2007. وحذر جوزيف جلاوبر، كبير الاقتصاديين في وزارة الزراعة الأمريكية، من أن "التوسع غير المسبوق" في صناعة الوقود الأحيائي سوف يبقي على شحة العرض في أسواق المنتجات الزراعية، وأضاف "سوف تحافظ الأسعار على ارتفاعها خلال العامين، أو الأعوام الثلاثة المقبلة".

قال صانعو السياسة إن ردود الفعل القوية لن توقف صناعة الوقود الأحيائي، بل سوف تعمل على إبطاء توسعها في الولايات المتحدة، وأوروبا، بينما يتركز الإنتاج في الدول النامية مثل البرازيل، حيث إن صناعة الوقود الأحيائي هناك أكثر كفاءة. ونجد في ألمانيا، على سبيل المثال، أن إنتاج الديزل الأحيائي تراجع بالفعل بعد أن بدأت الحكومة في زيادة الضرائب على هذا القطاع في أواخر عام 2006، كما أنها فرضت ضرائب جديدة أعلى في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي.

يعتقد الاقتصاديون، والمسؤولون التنفيذيون في الصناعات الغذائية كذلك أنه سوف يكون على الحكومات تخفيف بعض شكوكها إزاء المحاصيل المعدلة وراثياً إذا أرادت الإبقاء على انخفاض أسعار الأغذية. وتمت مواجهة استخدام المحاصيل الأمريكية المعدلة وراثياً بالشك من جانب المستهلكين في أغلب البلدان الغربية، وفي بعض البلدان الآسيوية، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية.

يقول هاردي فييرا، الاقتصادي في الصندوق المشترك للسلع في أمستردام، التابع للأمم المتحدة، إن المحاصيل المعدلة وراثياً يمكن أن تمثل حلاً لعجز المواد الخام الزراعية الناجمة عن زيادة الطلب العالمي على الأغذية. ويضيف أن: "على الحكومات أن تستجيب للارتفاع في أسعار الأغذية بالسماح باستيراد وإنتاج المحاصيل المعدلة وراثياً".

زرعت 23 دولة محاصيل باستخدام التقنية الأحيائية العام الماضي، بما في ذلك 12 بلداً نامياً، حيث تزايدت الزراعة العالمية بهذا الأسلوب بنسبة 12 في المائة عما كانت عليه عام 2006، وبلغت المساحات المزروعة بالطريقة المتطورة 114.3 مليون هكتار، مما يمثل زيادة بعشرة أضعاف خلال العقد الماضي. وزرعت الولايات المتحدة محاصيل متعددة معالجة وراثياً مثل الذرة، وفول الصويا، خلال العقد الماضي، الأمر الذي زاد تلك المحاصيل بنسبة 15 في المائة.

في هذا الأثناء، يزداد قبول بلدان رفضت لمدة طويلة هذه المحاصيل المعدلة وراثياً. واتففت مجموعة رائدة من شركات الأغذية في كوريا الجنوبية، الشهر الماضي، على استيراد ذرة معالجة وراثياً من الولايات المتحدة لاستخدامها في المنتجات الغذائية للمرة الأولى، محطمة بذلك تحريماً اجتماعيا في هذا البلد الآسيوي.

تقول ماري كريستين ريبيرا، كبيرة مستشاري السياسات في مجموعة المزارعين الأوروبيين "كوجيكا"، إن المزارعين في الاتحاد الأوروبي يريدون أن يكونوا في الملعب ذاته: "مع المزارعين في أمكنة أخرى من العالم، وأن تكون لديهم حرية اختيار ما إذا كانوا يرغبون في زراعة المحاصيل المعدلة وراثياً أم لا". وتضيف: "إننا نعتمد بشدة على الاستيراد لتغذية حيواناتنا، وإن المشكلة الفورية، والملحة هي كيفية التأكد من قدرتنا على ضمان توفير المواد الغذائية".

أما ياين فيرجسون، الرئيس التنفيذي لشركة تكرير الذرة، "تيت آند لايل"، ورئيس اتحاد الأغذية والمشروبات في بريطانيا، وهو عبارة عن مجموعة صناعية، فيقول إن من المتوقع أن يعاني المستهلكون الأوروبيون مالياً إذا استمروا في رفض المحاصيل المعدلة وراثياً، ويضيف: "إن سوقاً منفردة تسعى إلى عزل نفسها عن الأسواق العالمية، سوف تضطر إلى دفع المزيد، وإن ميزة المحاصيل المعدلة وراثياً يمكن أن تتمثل في أسعار أدنى، مع تحسن في الوفرة".

تتعرض الحكومات، وبالذات في العالم النامي، إلى ضغوط لاستثمار المزيد من الأموال في الزراعة لتخفيض اعتمادها على الواردات الزراعية. ويقول دونالد ميتشيل، الاقتصادي في البنك الدولي، أن ارتفاع أسعار الأغذية يعزز رغبة البلدان في ضمان إمداداتها المحلية، ويضيف: "إذا كنت بلداً يعتمد على واردات غذائية كبيرة، فإن المخزونات العالمية المتدنية، والاستخدام المتزايد لحظر الصادرات، سوف يكون مصدر قلق لك".

قال بيتر كندال، رئيس اتحاد المزارعين الوطني في بريطانيا للمؤتمر السنوي لهذه المجموعة، الشهر الماضي، إنه لا يستطيع تصور "تحد أكبر" من إيجاد وسائل يستطيع من خلالها العالم إطعام نفسه، وإنه لا بد من مضاعفة الإنتاج الغذائي العالمي، أو جعله ثلاثة أضعاف المعدل السنوي الحالي خلال الـ 40 عاماً المقبلة لسد الاحتياجات العالمية. ودعا الحكومة البريطانية إلى إيجاد "رؤية جديدة للزراعة" كصناعة تقنية متقدمة قائمة على العلم.

أما ما إذا كانت هذه "الرؤية الجديدة للزراعة" سوف تزود صانعي السياسة بالقدرة على مواجهة هذه المشكلة، فإنه لا يزال غير واضح، ولكن المحللين، والمسؤولين التنفيذيين في هذه الصناعة يرون أن ذلك يمكن أن يكون بداية لحل سياسي للزيادة في أسعار الأغذية .

..........................................................................................................

*المركز الوثائقي والمعلوماتي مركز يقدم الخدمات الوثائقية التي تتضمن موضوعات مختلفة  من دراسات وبحوث وملفات متخصصة. للاشتراك والاتصال:www.annabaa.org /// [email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16 نيسان/2008 - 9/ربيع الثاني/1429