ملف تخصصي: أزمة الغلاء العالمية.. ما أسبابها وما الذي يقف ورائها

إعداد:علي الطالقاني*

شبكة النبأ: مشكلة التزايد المستمر في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتزايد التكاليف المعيشية أصبحت قضية مطروحة على المستوى العالمي، وعلى رأس جداول الأعمال الدولية، وتثير هذه المشكلة مخاوف أطلق عليها تسميةً " تسونامي اقتصادي أنساني، وان هذه المشكلة تولدت اضطرابات ومظاهرات في الكثير من دول العالم.

ومن أحدث هذه  المظاهرات مشاركة تونسيين في احتجاجات على ارتفاع الأسعار في مدينة رديف، حيث تحولت إلى اشتباك بين الشرطة والمحتجين، و إن الشرطة اعتقلت أكثر من 20 شخصاً.

المظاهرات جرت على مدى ثلاثة أيام، كما جرت تظاهرات مماثلة منذ أيام في مصر، ومثلها في الصومال، فيما تعم الشكوى معظم الدول العربية تقريباً، وغيرها من دول العالم.

مائة مليون شخص يهوون الى قاع الفقر

وقال مسؤول كبير بالبنك الدولي ان تضاعف أسعار الغذاء خلال السنوات الثلاث الاخيرة قد يهوي بمئة مليون شخص في دول منخفضة الدخل في أعماق الفقر ويزيد معدلات الفقر في العالم بما يصل الى ثلاث نقاط مئوية الى خمس نقاط.

وقال مارسيلو جيوجيل مدير ادارة خفض الفقر التابعة للبنك الدولي في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي "عندما لا يوجد بديل وبرامج مساعدة اجتماعية فبحسب بيانات أولية يمكن أن ترتفع معدلات الفقر من ثلاث نقاط مئوية الى خمسة". بحسب" ميدل ايست اونلاين"

وأوضح أن البديل يتمثل في استخدام منتجات زراعية وأغذية مزروعة محليا لا يتم تداولها عالميا وبالتالي قد يكون استهلاكها أرخص.

وأضاف جيوجيل "الدراسات التي اطلعت عليها تفيد أن هناك 100 مليون شخص في أنحاء العالم" يواجهون الفقر الشديد.

ورأى أن هناك خمسة عوامل تساهم في تشكل "عاصفة كاملة" بالنسبة لاسعار الغذاء وهي حماية ودعم انتاج الحبوب من أجل انتاج الوقود الحيوي "الذي سحب انتاج السوق لتغذية سوق الطاقة" وارتفاع تكاليف وقود الديزل والاسمدة التي تستخدم لانتاج الغذاء.

وتابع أن من بين تلك العوامل أيضا المناخ السيئ في مناطق كانت في العادة مناطق انتاج كبير مثل استراليا التي واجهت أجزاء منها أسوأ موجة جفاف منذ 100 عام.

وهناك عامل اخر هو المؤشر القوي في اسيا على التحول الى زيادة استهلاك البروتينات من اللحوم والدواجن وهو ما يتطلب انتاج مزيد من الحبوب.

والعامل الاخير هو الاشتباه في أنه خلال الشهور الستة الاخيرة حين زادت البنوك المركزية مستويات الاحتياطيات اللازمة لدى البنوك لمنع حدوث أزمة ائتمان اتجهت الاموال الى التعاملات المالية الاجلة المرتبطة بالاغذية.

وقال جيوجيل "لدينا فكرة طيبة بشأن الدول التي استثمرت في برامج مساعدة اجتماعية أكثر براعة منها في الماضي. المكسيك والبرازيل وكولومبيا وغواتيمالا وبيرو".

وتابع "انها هامة جدا لاننا سنختبر تلك الانظمة الان لنعرف ان كانت فعالة. سنرى الان مدى قوتها واذا كانت مجدية فهذا سيسلط الضوء على كل الدول الاخرى التي ليس لديها نفس النوع من (برامج) المساعدة وستبدأ في التفكير بشأنها".

وتسبب الغضب الناجم عن ارتفاع أسعار الطعام والوقود في تفجر اضطرابات اتسمت بالعنف في مناطق شتى من العالم خلال الستة أشهر الماضية. و ان الأوضاع الانسانية المتدهورة في مناطق مثل الأراضي الفلسطينية والعراق والصومال وكينيا ودارفور، والعواقب الانسانية لارتفاع أسعار الغذاء وتغير المناخ بحاجة إلى استجابة عالمية منسقة وشاملة.

في موريتانيا و موزمبيق نزل المواطنون الغاضبون إلى الشوارع وشهدت المكسيك " احتجاجات رغيف الخبز" واشتبك المزارعون مع الشرطة في شرق الهند وشارك مئات المسلمين في مسيرات مطالبة بخفض أسعار الطعام في اندونيسيا.

ولجأت الحكومات إلى فرض قيود على الأسعار ووضع سقف للتصدير وفي أحيان خفضت الرسوم الجمركية لتهدئة الناس الذين يعطونها أصواتهم في الانتخابات لكن في شوارع أفريقيا كلها طالب الناخبون حكوماتهم ببذل مزيد من الجهد. بحسب رويترز.

وفي مصر والفلبين، يشكل ارتفاع أسعار الغذاء، والنقص الخطير في كمياته المخزونة، تهديدات خطيرة للنظامين الحاكمين في كلا البلدين. ففي مصر، أعادت طوابير الخبز المصطفة أمام المخابز، والزيادات الحادة في أسعار المواد الغذائية إلى الأذهان ذكرى مظاهرات الخبز عام 1977. وبالفلبين، أدى النقص الشديد في المخزون من الأرز، إلى إجبار المطاعم الكبرى في البلاد، على الاكتفاء بتقديم نصف الكمية المطلوبة من وجبات الأرز التي يطلبها الزبائن.

في الوقت الراهن، تكافح الفلبين، وهي أكبر دولة مستوردة للأرز على مستوى العالم، للحصول على كميات تتراوح ما بين 1.8 مليون إلى 2.1 مليون طن من الأرز من السوق العالمية لتغطية النقص في محصولها هذا العام. وكما هو الحال في مانيلا، فإن القاهرة أيضاً، تخشى أن يجبر الجوع الفقراء على الخروج إلى الشوارع في مظاهرات غير منظمة، ويحتمل أن تكون خطيرة.

ودعت الرئيسة الارجنتينية كريستينا فرنانديز المزارعين المضربين لانهاء اغلاق الشوارع خلال إضرابهم المستمر منذ 20 يوما مما تسبب في نقص في الأغذية.

وقالت للالاف من أنصارها الذين احتشدوا أمام قصر الرئاسة في العاصمة بوينس ايرس "لا تؤذوا الناس أكثر من ذلك.. ارفعوا اغلاق الطرق حتى يستطيع الأرجنتينيون الحصول على الطعام."

وكانت الحكومة الأرجنتينية قررت زيادة الضرائب على صادرات فول الصويا مما أثار إضراب المزارعين.

وبدأ الإضراب في 13 مارس آذار مما تسبب في نقص الأغذية وشل صادرات الحبوب وشكل أكبر أزمة سياسية بالنسبة لفرنانديز. وفي الأسبوع الماضي أثار القرار احتجاجات قرع فيها أبناء الطبقة المتوسطة أوعية الطعام تأييدا للمزارعين. بحسب رويترز.

وأعلنت مصادر هايتية إن أربعة أشخاص قتلوا بالرصاص وأحرقت ثلاث آليات تابعة للأمم المتحدة في مدينة كايي جنوب هايتي خلال تظاهرات شهدت أعمال عنف احتجاجا على الفقر وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وقال السناتور غابرييل فورتونيه ان اربعة اشخاص قتلوا وجرح 15 آخرون بالرصاص و16 بالسلاح الأبيض في أعمال عنف تلت نهب شاحنات ومستودعات لمواد غذائية في مدينة كايي التي تبعد 190 كلم جنوب العاصمة. بحسب فرانس برس.

وارتفعت أسعار الغذاء العالمية بناء على سجلات الأمم المتحدة بنسبة 35 في المائة على مدار عام حتى يناير كانون الثاني لتتسارع وبدرجة ملحوظة وتيرة الاتجاه الصعودي الذي بدأ على استحياء في عام 2002.ومنذ ذلك الحين ارتفعت الأسعار بنسبة 65 في المائة.

وفي عام 2007 وحده ارتفعت أسعار منتجات الالبان بنحو 80 في المئة والحبوب بنسبة 42 في المئة وفقا لمؤشر الغذاء العالمي الذي تصدره منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة.

وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية تقريراً في باريس حول “مظاهرات الجوع”، جاء فيه:

تتكثف النداءات الداعية إلى مبادرات من الدول الغنية لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الوقت الذي يشهد فيه العالم تظاهرات ضد الجوع وغلاء الأسعار في العالم وتجتاح حالياً هايتي. ودعا رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون في رسالة إلى نظيره الياباني ياسو فركودا الذي تترأس بلاده مجموعة الثماني، إلى بحث اثر المحروقات على أسعار المواد الغذائية، وذلك خلال قمة مجموعة الدول الثماني الأكثر تصنيعاً في العالم التي ستعقد في يوليو/ تموز في اليابان. وجاء في الرسالة ان ارتفاع أسعار المواد الغذائية يهدد بالغاء التقدم الذي حققناه في السنوات الماضية في مجال التنمية. ولأول مرة منذ عقود يسجل عدد الناس الذين يعانون من الجوع ارتفاعاً”.

ودعت وزيرة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان راما ياد الدول المانحة إلى الاستجابة العاجلة لنداء برنامج الأغذية العالمي لتخصيص 500 مليون دولار لمكافحة النقص في الغذاء. وقالت ياد لإذاعة فرنسا الدولية نحن الفرنسيين نشعر بقلق كبير إزاء تظاهرات الجوع. يجب تصحيح مسار العولمة.

وفي هايتي دعا الرئيس قتل خمسة أشخاص على الأقل منذ بداية هذه الأزمة وأصيب 60 آخرون بجروح، في تظاهرات جديدة بسبب ارتفاع حاد لأسعار المواد الأساسية..

ودعا رئيس البنك الدولي روبرت زوليك في مطلع ابريل/ نيسان إلى عقد غذائي جديد على المستوى العالمي لمواجهة ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية. وأوضح في مقابلة نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية ان هذا العقد الجديد يستهدف في الآن ذاته الأمور الطارئة في مجال الغذاء والتنمية اللازمة على الأمد البعيد للقطاع الزراعي.

وشهدت دول عديدة خصوصاً افريقية منها موريتانيا وجزر القمر وساحل العاج وبوركينا فاسو والسنغال والكاميرون، في الأشهر الأخيرة تظاهرات ضد الجوع. وشهدت بوركينا فاسو اضراباً عاماً للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمطالبة برفع الأجور. وقالت النقابات ان نسبة المشاركة في الاضراب بلغت ما بين 70 و90 في المائة في حين قالت السلطات انها أقل من 20 في المائة.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للزراعة والأغذية (فاو) من تدهور الوضع الغذائي السيئ أصلاً في زيمبابوي وذلك بسبب “استمرار الجفاف الشديد مسيطراً على عدة مناطق من البلاد”.

غير ان افريقيا ليست وحدها المعنية بالأمر، فقد تظاهر آلاف الأشخاص الخميس في شمال غرب العاصمة الرومانية بوخارست للمطالبة بتحسين الأجور.

وحذر المفوض الأوروبي للتنمية لوي ميشال الثلاثاء من أن صدمة غذائية آخذة في الارتسام في الأفق وهي أقل وضوحاً من الصدمة النفطية، غير ان أثرها المحتمل سيشكل تسونامي اقتصادياً وانسانياً حقيقياً في إفريقيا.

ويجد قادة آسيا أنفسهم تحت الضغط بسبب ارتفاع أسعار الأرز في الوقت الذي تتضاعف فيه الاضرابات للمطالبة بزيادات في الرواتب لمواجهة ارتفاع تكلفة العيش.

وزاد النمو الكبير للاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل الطلب على المواد الغذائية.

وزاد من تفاقم هذه الظاهرة سوء الأحوال المناخية في الدول المنتجة مثل استراليا والمضاربة المالية والطلب على الحبوب لانتاج الوقود الحيوي غير الملوث.

ضعف الدولار يفاقم ارتفاع الأسعار

من جانب آخر اعتبر مسؤول في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" أن ضعف الدولار وصناديق الاستثمار العالمية يعزى إليهما إلى حد كبير ارتفاع أسعار الأغذية العالمية. وقال خوسيه جراتسيانو الممثل الإقليمي للفاو لأمريكا اللاتينية والكاريبي "جوهر الأزمة هجوم هدفه المضاربة وسيستمر". وأضاف "هذه ليست نظرية مؤامرة". وفى شتى أنحاء العالم ارتفعت أسعار الأغذية من الخبز حتى الحليب، وفي بعض الدول ساعدت على ارتفاع معدلات التضخم. وأثار ارتفاع أسعار الأرز والفول وسلع غذائية أساسية أخرى حوادث شغب في هاييتي هذا الأسبوع.

وقال جراتسيانو في مؤتمر صحافي في العاصمة البرازيلية "غياب الثقة بالدولار الأمريكي جعل صناديق الاستثمار تبحث عن عوائد أعلى في السلع الأولية.. أولا في المعادن ثم في الأغذية".

وأضاف: إن المستثمرين ضاربوا في السلع الأولية ومنها القمح والذرة والأرز لأن المخزونات في السنوات الأخيرة انخفضت بسبب تزايد الطلب في الأسواق الصاعدة ونقص المعروض بسبب ظروف المناخ المعاكسة في دول منتجة رئيسة.

قال مسؤول رفيع في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" إن صناديق الاستثمار العالمية وضعف الدولار يعزى إليهما إلى حد كبير ارتفاع أسعار الأغذية العالمية. وقال خوسيه جراتسيانو الممثل الإقليمي للفاو لأمريكا اللاتينية والكاريبي "جوهر الأزمة هجوم هدفه المضاربة وسيستمر".

وأضاف "هذه ليست نظرية مؤامرة". وفى شتى أنحاء العالم ارتفعت أسعار الأغذية من الخبز حتى الحليب، وفي بعض الدول ساعدت على ارتفاع معدلات التضخم. وأثار ارتفاع أسعار الأرز والفول وسلع غذائية أساسية أخرى حوادث شغب في هاييتي هذا الأسبوع.

وقال جراتسيانو في مؤتمر صحافي في العاصمة "غياب الثقة بالدولار الأمريكي جعل صناديق الاستثمار تبحث عن عوائد أعلى في السلع الأولية.. أولا في المعادن ثم في الأغذية".

وأضاف: إن المستثمرين ضاربوا في السلع الأولية ومنها القمح والذرة والأرز لأن المخزونات في السنوات الأخيرة انخفضت بسبب تزايد الطلب في الأسواق الصاعدة ونقص المعروض بسبب ظروف المناخ المعاكسة في دول منتجة رئيسة.

ويقول خبراء زراعة برازيليون إن مخزونات بعض المحاصيل الغذائية هوت إلى أدنى مستويات لها في ثلاثة عقود. وتستضيف برازيليا الأسبوع المقبل مؤتمرا للفاو سيتركز على نقص الأغذية في هاييتي والوقود الحيوي ودور المزارع الصغيرة.

من جهة أخرى، حذر رئيس منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة اليوم الجمعة من أن أعمال الشغب في الدول النامية بسبب الغذاء ستتزايد ما لم يتخذ زعماء العالم خطوات رئيسة لتخفيض أسعار الغذاء للفقراء.

وقال جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة إنه رغم توقعات بزيادة نسبتها 2.6 في المائة في الإنتاج العالمي من الحبوب هذا العام فمن غير المرجح انخفاض أسعار الغذاء مما سيرفع تكاليف واردات الغذاء للدول الأشد فقرا بنسبة تصل إلى 56 في المائة ويجبر الجوعى على الخروج إلى الشوارع.

وقالت المنظمة أن أعمال الشغب بسبب الغذاء اندلعت بالفعل في العديد من البلدان الإفريقية وفي إندونيسيا والفلبين وهايتي. وقالت المنظمة في أحدث تقاريرها عن وضع الغذاء العالمي أن 37 دولة تواجه أزمات غذائية.

وقال إن الأولوية يجب أن تعطى "لنقل هائل للبذور" لضمان أن يتمكن المزارعون في الدول الفقيرة من شراء البذور والمخصبات والأعلاف بأسعار في مقدورهم.

وقال ضيوف للمنظمة إن من بين الإجراءات الضرورية الأخرى إنشاء آليات مالية لضمان إمكانية استمرار قدرة الدول الأشد فقرا على استيراد الغذاء الذي تحتاج إليه وتخصيص جزء أكبر من ميزانيات المساعدات للزراعة.

وأشار ضيوف إلى أنه من الطبيعي أن نتوقع أن تفرض البلدان النامية قيودا على الصادرات الغذائية وإن أدى ذلك إلى تفاقم أزمة أسعار الغذاء العالمية. وقال مسؤول في المنظمة إن أسعار الأرز قفزت بنسبة 40 في المائة في غضون ثلاثة أيام في الآونة الأخيرة بعد أن حظرت الهند وفيتنام تصديره.

وقال "حظر الصادرات رد فعل طبيعي لأي حكومة لديها مسؤولية أساسية إزاء شعبها". وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة أن يؤدي التوسع في زراعة الحاصلات هذا العام إلى زيادة بنسبة 2.6 في المائة في إنتاج الحبوب حيث يرتفع إنتاج القمح بنسبة 6.8 في المائة عن العام السابق. ولكنها قالت إن التأثير في الأسعار سيكون هامشيا مع وصول نسبة صغيرة فقط للأسواق العالمية مع بقاء الضغوط الأخرى على الأسعار على حالها.

صراع الحفاظ على الإمدادات

لعدة سنوات، كانت حكومات البلدان الفقيرة ومناصروها في حملات التنمية في البلدان الغنية، مثل منظمة أوكسفام، يتذمرون بمرارة من أن السعر الصافي للمنتجات الزراعية بعد خروجها من المزارع، انخفض بسبب فائض الإنتاج، والإغراق من جانب المزارعين الأمريكيين والأوروبيين.

أما الآن، فإن أسعار الغذاء في ارتفاع. ولكنَّ الحكومات المعنية، بدلاً من الاحتفال، تتخبط لمنع مزارعيها من الاستفادة بدرجة كبيرة على حساب المستهلكين في المدن. بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز"

في بلد تلو الآخر، يتدفق سكان المدن الغاضبون إلى الشوارع، مشتكين من عدم قدرتهم على تحمل تكلفة الغذاء، شهدت مكسيكو سيتي "أعمال شغب خبز التورتيلا بسبب السعر العالي للذرة، واحتج آلاف الإندونيسيين بسبب نقص فول الصويا.

تتعلق المشاكل تحديداً بالحبوب الأساسية مثل الأرز والقمح، التي تشكل الطعام الأساسي للكثيرين في البلدان النامية، غير أنه يوجد في تلك البلدان سوق دولية كبيرة، يمكن للمزارعين الحصول فيها على أعلى الأسعار.

كانت بلدان الشرق الأوسط التي تعاني الجفاف، مثل مصر التي تستورد نحو نصف غذائها الأساسي من القمح والذرة، وبلدان جنوب الصحراء الإفريقية التي لديها ناتج متدنٍ من المحصول، وكميات غير موثوقة من الحصاد، قلقة منذ فترة طويلة بشأن الاعتماد على الغذاء المستورد. تدخلت تلك البلدان مراراً بقوة لضمان توفر غذاء محلي يمكن الاعتماد عليه، مقدمة الإعانات للمزارعين، وفارضة تعرفات جمركية على الواردات، لمنع تخفيضها عندما تكون الأسعار العالمية متدنية.

واعتادت السعودية، التي خفضت التعرفات الجمركية على القمح بالأمس إلى الصفر، تقديم الإعانات بقوة إلى مزارعيها غير الكفوئين، بعد أن كانت إحدى أكبر عشرة بلدان مصدرة للقمح في العالم.

ولكن في الوقت الحاضر، فإن الدول المصدرة الصافية للأغذية وعالية الكفاءة، مثل الأرجنتين وفيتنام، تعيد هيكلة صادراتها.

إن الحكومات تواقة إلى عدم جعل تكاليف المعيشة تخرج عن السيطرة. ويقول أنطوان بويت زميل الأبحاث رفيع المنصب في معهد الأبحاث الدولي لسياسة الغذاء في واشنطن، إن من شأن ردود فعل الحكومات أن تخاطر بجعل الوضع أسوأ: من شأن رد السياسات هذا أن يضخم الصدمات. وفي كل مرة يمنع فيها منتج ضخم التصدير، مثل فيتنام في إنتاج الأرز، فإن لذلك تأثيرا سلبيا على الأسواق العالمية.

إن المعركة بشأن تجارة الغذاء أكثر من مجرد معركة مجموعات المصالح في كل بلد على حدة، وإنما هي معركة بين بلد ضد آخر. وتستذكر السياسات تلك التي تم اتباعها لعدة عقود من قبل العديد من حكومات البلدان النامية، حيث سيطرت على تكلفة الغذاء لحماية نفسها من الاضطرابات المدنية.

لم تتفكك تلك السياسات إلى حد كبير خلال أعوام الثمانينيات والتسعينيات، وعلى الأخص بناء على طلب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين أشارا إلى أن السقف الأعلى الذي فرضته الحكومات على أسعار الغذاء، كان يدفع المزارعين خارج منطقة الريف، وبالتالي مزيد من تخفيض إمدادات الغذاء. وأثارت إزالة تلك الضوابط أعمال شغب تتعلق بالغذاء في البلدان النامية، عندما تظاهر سكان المدن ضد التخفيضات التي شهدتها قوتهم الشرائية.

تتبنى الحكومات الآن كوابح مماثلة، في محاولة منها لمنع حصول احتجاجات متجددة. يقول بويت إن الحكومات، مثل حكومة كريستينا فيرنانديز في الأرجنتين، تمثل مناطق المدن أكثر من المزارعين، مضيفاً أن من الواضح أن هذه الخطوات ذات حافز سياسي.

لكن قلة من الاقتصاديين يعتقدون أن التدخل لمنع الصادرات، وسيلة منطقية لإعادة توزيع الدخل من المزارعين إلى المستهلكين، ليس أقله لأن بإمكان المزارعين – كما هي الحال في الأرجنتين – الرد بالتسبب في نقص الغذاء، برفض توريده إلى الأسواق المحلية. وفي الأجل الأطول، فإن من المحتمل أن يكون الإنتاج الأعلى للغذاء حلاً دائماً أفضل.

وللتأقلم مع الأسعار المرتفعة حسبما يقول بويت، فإن رد السياسات الأفضل سينطوي على زيادة الحكومات للتحويلات النقدية، إلى الأسر الفقيرة لتخفيف التأثير على دخولهم.

على أية حال، يمكن أن تكون مثل تلك الآليات مكلفة ومن الصعب تأسيسها، وغالباً ما تتوصل الحكومات التي تواجه جماهير جائعة، إلى أكثر الحلول فورية.

الأزمة تعصف بالعالم النامي

في نيجيريا تنفق الأسر 73% من ميزانيتها على الأكل وفيتنام 65%، وإندونيسيا النصف ويعيشون في ضنك.

إن فاتورة استيراد الغذاء في الدول النامية عن العام الماضي زادت بنسبة 25% بعدما ارتفعت أسعار الغذاء إلى مستويات لم تشهدها من قرن.

فقد تضاعف سعر الذرة في العامين الماضيين ووصل القمح إلى أعلى سعر له في 28 عاما. وبدأت هذه المشكلة تؤرق هاييتي ومصر، وكثير من الدول فرضت قيودا على أسعار الغذاء أو ضرائب على الصادرات الزراعية.

وقد تحذير رئيس البنك الدولي من أن 33 دولة تقف على حافة بركان اجتماعي بسبب ارتفاع أسعار الغذاء. بحسب صحيفة "نييورك تايمز"

إنه من غير المحتمل أن تنخفض الأسعار قريبا، مشيرة في ذلك إلى ما قالته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بأن مخزونات الحبوب العالمية هذا العام ستصل إلى أدنى مستوياتها منذ 1982.

أن الدول الغنية فاقمت ظاهرة ارتفاع الأسعار بدعمها لإنتاج الوقود الحيوي، حيث قدر صندوق النقد الدولي أن إنتاج غاز الإيثانول من الذرة في الولايات المتحدة مسؤول عن ما لا يقل عن نصف الزيادة في الطلب على الذرة العالمية في السنوات الثلاث الماضية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعارها بالإضافة إلى محاصيل أخرى.

فمن الضروري زيادة الإنتاج الزراعي في العالم النامي ومسارعة الدول الغنية في تقديم المساعدة لتمويل "ثورة خضراء" لزيادة إنتاجية المزارع وزيادة المحاصيل في أفريقيا.

إن المعونة الخارجية للدول الغنية انخفضت بنسبة 8.4% العام الماضي عن 2006. و على الدول المتقدمة أن تزيد ميزانيات معوناتها بنسبة 35% في السنوات الثلاث القادمة للوفاء بالتعهدات التي أبرمتها عام 2005. وكذلك ما لبخل الدول الصناعية عامل مهم في هذه الأزمة.

إن أسعار الغذاء العالمية المتفاقمة جعلت كثيرا من الشعوب في حالة غليان تجسدت آثاره في الصدامات العنيفة في مصر وهاييتي وعدد من الدول الأفريقية، وحذرت من المزيد من الصدامات إذا لم يجر التحرك لإنقاذ الموقف في المنظور القريب.

أن الأسعار قد ارتفعت بنسبة 45% في التسعة أشهر الماضية وأن هناك نقصا خطيرا في الأرز والقمح والذرة.بحسب صحيفة "واشنطن تايمز"

ورصدت منظمة الأغذية والزراعة اضطرابات شعبية بسبب ارتفاع أسعار الغذاء في بوركينا فاسو والكاميرون وإندونيسيا وساحل العاج وموريتانيا وموزمبيق وبوليفيا وأوزبكستان وكثير من الدول الأخرى.

ومن ناحيته قال البنك الدولي إن ما يقارب 36 دولة تواجه اضطرابات اجتماعية بسبب زيادة أسعار الغذاء والوقود. 

أسباب هذه الأزمة وما الذي يقف ورائها

في هذه الأيام يسمع الكثير حول الأزمة المالية في العالم. ولكن هناك أزمة عالمية أخرى قائمة، وهي تلحق الضرر بكثير من الناس.

يقول الكاتب بول كروغمان في جريدة "الشرق الأوسط" العدد" 10726" فأزمة الغذاء. خلال السنوات القليلة الماضية تضاعفت أسعار الحنطة والذرة والرز والمواد الغذائية الأساسية الأخرى بل وزاد سعرها إلى ثلاثة أمثال، وكانت الزيادة الأكبر تجري في الأشهر القليلة الأخيرة. وتفزع أسعار الأغذية المرتفعة حتى الأميركيين الموسرين نسبيا، غير أنها في الواقع تلحق الدمار بالدول الفقيرة حيث الغذاء يشكل ما يزيد على نصف إنفاق العائلة. وكانت هناك أعمال شغب في ما يتعلق بالغذاء في مختلف أنحاء العالم. وتقلص الدول المصدرة للأغذية من أوكرانيا إلى الأرجنتين الصادرات في مسعى لحماية المستهلكين المحليين، مما يؤدي إلى احتجاجات غاضبة من جانب المزارعين، ويجعل الأمور أسوأ في دول بحاجة إلى استيراد الأغذية. ويتساءل "كروغمان" عن كيفية حدوث هذا  ؟

يجيب الكاتب: توليفة من الاتجاهات البعيدة المدى وسوء الحظ والسياسات الخاطئة. لنبدأ بما هو خطأ الجميع.

أولا: هناك مسيرة الصينيين من متناولي اللحوم، أي العدد المتزايد من الناس في الاقتصادات الناشئة ممن هم، للمرة الأولى، أغنياء إلى حد البدء بتناول الغذاء مثل الغربيين.

ثانيا: هناك سعر النفط. فالزراعة الحديثة تعتمد على الطاقة إلى حد كبير. فالكثير من الوقود البديل يذهب إلى إنتاج الأسمدة وتشغيل الجرارات ونقل المنتجات الحقلية إلى المستهلكين. وبسعر النفط الذي تجاوز 100 دولار للبرميل أصبحت تكاليف الطاقة عاملا رئيسيا في رفع التكاليف الزراعية.

وثالثا: هناك موجة من طقس سيئ في مناطق نمو أساسية. وبشكل خاص تعاني أستراليا، التي تعتبر عادة ثاني أكبر مصدر للحنطة في العالم، من جفاف هائل.

إن هذه العوامل التي تقف وراء أزمة الغذاء، هي ليست خطأ يتحمله أحد، ولكن ذلك ليس صحيحا تماما. فصعود اقتصاد الصين واقتصادات ناشئة أخرى هو القوة الرئيسية التي تدفع نحو رفع أسعار النفط. ولكن غزو العراق الذي وعد مؤيدوه بأنه سيؤدي إلى نفط رخيص السعر قد قلص من إمدادات النفط إلى أدنى مما كانت عليه في حالات أخرى.

التحويل المدعوم للمحاصيل إلى وقود، كان من المفترض ان يدعم الاستقلال في مجال الطاقة ويساعد على الحد من الاحتباس الحراري. إلا ان هذا الوعد، كما جاء بصورة مباشرة في مجلة تايم، كان بمثابة احتيال.

وفي نفس الوقت الأراضي المستخدمة في زراعة المحاصيل التي يستخرج منه الوقود، ليست أراضي متوفرة لزراعة الأغذية. بمعنى آخر يمكن القول ان الناس يتعرضون للجوع في أفريقيا لكي يحصل الساسة الأميركيون على أصوات في الولايات التي تعتمد على الزراعة. وهنا يمكن القول أيضا إن كل من تبقى من المتنافسين على انتخابات الرئاسة ليس لديهم ما هو ايجابي من هذه الناحية.

ما الذي يجب فعله؟

دعوة إلى الجميع للعمل لمواجهة الأزمات الإنسانية المنفردة، والتحديات الدولية المعقدة المتعلقة بارتفاع أسعار الغذاء وتأثيرات تغير المناخ.

"ثمة حاجة عاجلة إلى المزيد من المساعدات للدول التي تحتاج إلى ذلك". إذ يجب على برنامج الغذاء العالمي طلب المزيد من الدعم. ثمة حاجة أيضا إلى تراجع الاعتماد المتزايد على الوقود الحيوي، الذي اتضح انه كان خطأ فادحاً. ولكن لم يتضح بعد حجم الجهود التي يمكن ان تبذل. الغذاء الرخيص، مثل النفط الرخيص، ربما يصبح شيئا من الماضي.

ان ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً بدأ في التأثير على الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، وفي بعض الأحيان أدى إلى القلاقل، بينما أدت تغيرات المناخ إلى زيادة في عدد وشدة الكوارث الطبيعية.

..........................................................................................................

*المركز الوثائقي والمعلوماتي مركز يقدم الخدمات الوثائقية التي تتضمن موضوعات مختلفة  من دراسات وبحوث وملفات متخصصة. للاشتراك والاتصال:www.annabaa.org /// [email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14 نيسان/2008 - 7/ربيع الثاني/1429