الوحدة الاوربية: جهود التكامُل تؤتي ثمارها

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: أثمرت جهود اوربية بدأت قبل ما يقارب من ثلاثة عقود بتكامل اقتصادي اولاً، من ثم توحيد السياسة الخارجية والسعي الجاد نحو اعتماد دستور واحد كمرجع لأوربا، وكان الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني في الدول المنظوية تحت الاتحاد الاوربي عامل جذب كبير جعل من دول في شرق اوربا وجنوبها تحث الخطى بالإصلاحات المختلفة لتلبي شروط انضمامها لهذا المارد العالمي الجديد.

ان تجربة اوربا نحو التكامل تقدم انموذجا لسعي الشعوب نحو التوحد والاندماج والتطور ونبذ الخلافات والصراعات بمختلف اشكالها، ويجب ان تكون هذه التجربة مثار اهمتام وإقتفاء للعالمَين العربي والإسلامي لما لها من ايجابيات متشعبة الجوانب تلقي بظلال الازدهار والرقي والاستقرار بمختلف انواعه.

(شبكة النبأ) تعرض لقرّاءها الكرام اخر التطورات على صعيد السعي الاوربي الحثيث نحو الوحدة المتكاملة: 

توسيع مجال شينغن الى مطارات تِسع دول اوروبية اخرى

وسّع "مجال شينغن" مؤخرا ليشمل مطارات ثماني دول في اوروبا الوسطى ومالطا رفعت فيها كل اجراءات التدقيق الحدودية للمسافرين داخل هذه المنطقة.

ويشكل الغاء عمليات المراقبة في حركة النقل الجوي استكمالا لعملية توسيع المنطقة لتشمل تسع دول من الاعضاء الجدد في الاتحاد الاوروبي بعد فتح حدودها البرية والبحرية في 21 كانون الاول/ديسمبر.

وبانضمام مالطا وثماني دول شيوعية سابقة (استونيا ولاتفيا وليتوانيا والمجر وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا والجمهورية التشيكية) اصبح بامكان حوالى 400 مليون شخص السفر بدون جواز سفر في 24 دولة اوروبية.

واقيمت احتفالت بهذا الحدث في الدول المعنية وخصوصا في مطار تالين (استونيا) ووارسو حيث دشنت محطة جديدة في اللحظة الاخيرة في مطار اوكيشي. وقال ميشال مارزيك مدير شركة المطارات البولندية "انه يوم مهم.انجزنا انضمامنا الى مجال شينغن". بحسب فرانس برس.

من جهته انتهز رئيس الوزراء التشيكي ميريك توبولانيك فرصة احتفال اقيم في مطار بوزين في براغ ليدين بشدة عمليات التدقيق التي تخضع لها السيارات التشيكية من قبل رجال الشرطة الالمان والنمساويين على حدود البلدين منذ توسيع منطقة شينغن.

وقال توبولانيك في خطابه ان "هذا الاحتفال يشكل عودتنا النهائية الى اوروبا لكننا لن نتوقف عن العمل لازالة كل اشكال التمييز المتبقية في مجال حركة التنقل لليد العاملة والخدمات".

وكان رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو ترأس منذ الجمعة احتفالا بالمناسبة اقيم في مطار براتيسلافا مؤكدا ان "حرية السفر" في الدول الشيوعية السابقة "لم تكن امرا واقعا حتى الى الدول المجاورة (...) بل كانت مستحيلة في معظم الاحيان".

وانتهزت الدول المعنية فرصة انضمامها الى منطقة شينغن لتحديث مطاراتها الرئيسية التي تستفيد من انتعاش حركة النقل الجوي منذ انضمامها الى الاتحاد الاوروبي.

وتضم منطقة شينغن حاليا 24 دولة (22 من الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد اضافة الى ايسلندا والنروج). ويتوقع ان تنضم قبرص العضو في الاتحاد الاوروبي وسويسرا وليشتنشتاين غير العضوين في الاتحاد الى مجال شينغن في نهاية 2008.

وتعهدت بلغاريا ورومانيا اللتان انضمتا الى الاتحاد الاوروبي في الاول من كانون الثاني/يناير 2007 بالتحضير لانضمامهما الى مجال شينغن في 2011. وترى دول اوروبا الشرقية في توسيع مجال شينغن المرحلة الاخيرة في عملية ازالة الستار الحديدي.

اتفاق تاريخي: تحرير الرحلات الجوية المباشرة عبر الاطلسي

سمح اتفاق جوي تاريخي بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة دخل حيز التنفيذ مؤخرا بربط كل المدن الاوروبية والاميركية برحلات جوية مباشرة عبر الاطلسي دون عراقيل.

وكان 21 اتفاقا ثنائيا على الاقل بعضها يفرض الكثير من القيود تنظم هذه الرحلات دون توقف منذ عقود. الا ان ست دول لم تكن تتمتع بحق القيام برحلات مباشرة عبر الاطلسي انطلاقا من اراضيها الوطنية.

وقد ازيلت كل هذه الخصوصيات الاحد بموجب اتفاق "الاجواء المفتوحة" الذي تخللت التفاوض بشانه صعوبات جمة طيلة اربع سنوات بين بروكسل وواشنطن.

وراى المفوض الاوروبي لشؤون النقل جاك بارو انها "ثورة حقيقية في المجال الجوي عبر الاطلسي" وهي خطوة واعدة "لتكثيف المنافسة وخفض الاسعار". بحسب فرانس برس.

من جهته اعتبر غلين هاونسشتاين نائب رئيس شركة "دلتا ايرلاينز" الاميركية ان الاتفاق سيكون "مفيدا" للمستهلكين. وقال ان "مزيدا من التنافس سيقدم خدمة افضل وتعرفات ادنى ومزيدا من وجهات وتكاثر الرحلات".

والسوق تتمتع بحجم كبير: فالرحلات عبر الاطلسي بين القارتين تمثل 60% من حركة الطيران العالمية بخمسين مليون راكب سنويا وقد يضاف اليهم 25 مليون راكب اخر في السنوات الخمس المقبلة.

ويستبعد المحللون في قطاع النقل الجوي نشوب حرب مفاجئة في الاسعار لكنهم يتوقعون خفض التعرفات بالنسبة الى المسافرين من رجال الاعمال لدى المغادرة من مطار هيثرو اللندني المربح والذي سارعت للعمل فيه ست شركات جديدة حتى الان.

وستبدأ شركة "اير فرانس" اعتبارا من الاثنين تطبيق اتفاق "الاجواء المفتوحة" من المطار نفسه برحلة اولى بين لندن ولوس انجليس.

وكان بامكان الشركات الاوروبية حتى هذا الوقت ان تقوم برحلات الى الولايات المتحدة دون توقف من اراضيها الوطنية فقط: فقد كان على شركة اير فرانس ان تنطلق من فرنسا ولوفتهانزا من المانيا.

الا انه ينبغي على بعض الدول -- ايرلندا واسبانيا وبريطانيا واليونان والمجر -- ان تكتفي اضافة الى ذلك بعدد محدود من الرحلات والمدن او الشركات.

ومع دخول الاتفاق حيز التطبيق سيكون امام المسافرين 8% من الرحلات المباشرة الاضافية من الان وحتى نهاية حزيران/يونيو.

وسيستفيد الايرلنديون من خيار اضافي بنسبة 10% من الرحلات مع رحلات بين دبلن وبوسطن على متن شركة "اير لانغوس" الوطنية على سبيل المثال.

الا ان الظلم الابرز في الاتفاقيات الموقعة لحق بمطار هيثرو حيث كانت شركتان بريطانيتان (بريتش ايرويز وفيرجين اتلانتيك) وشركتان اميركيتان (اميركان ايرلاينز ويونايتد ايرلاينز) تملك ما يشبه الحق الحصري للقيام برحلات مباشرة عبر الاطلسي.

ذلك ان هذا المطار الذي يمثل قمة المردودية بسبب عدد المسافرين من رجال الاعمال الذين يرتادونه ويدفعون تعرفات كاملة يمثل ثلث الرحلات المباشرة بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة.

وقد بات بامكان اي شركة طيران اميركية او اوروبية ان تقلع منه دون توقف الى اميركا شرط حصولها على "حيز من الوقت" يسمح لها بذلك.

وشركة "كونتينتال" الاميركية التي برمجت اعتبارا من اليوم الاحد وصول اول طائرة لها الى مطار هيثرو آتية من نيوارك (نيويورك) تنتظر هذه اللحظة منذ سنوات: "انه يوم عظيم بالنسبة الينا والى كل المسافرين" كما قال رئيسها لاري كيلنر.

بلدة شينغن والهوية الأوربية

 اصبحت بلدة شينغن، تلك البلدة الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن 400 نسمة، مزارا للسياح من جميع أنحاء القارة الأوروبية. وتكتسب هذه البلدة أهمية كبيرة بالنسبة للمواطنين والسياسيين الأوروبيين وذلك كونها المكان التي غرست فيه بذرة أوروبا الحديثة بالشكل الذي نعرفه اليوم. ولا يخفي أهل البلدة بالطبع سعادتهم الغامرة باختيار بلدتهم التي ربما لم يسمع بها أحد من قبل غيرهم، لتكون مسرحا لواحد من أهم الاحداث في تاريخ القارة الاوروبية، بالرغم من اعتبارهم أن اختيار شينغن لم يخرج عن كونه صدفة. اما من الناحية السياسية فان السبب الرئيسي في اختيار هذه البلدة الواقعة على ضفاف نهر الموزل وقتها فقد كان البحث عن نقطة تقاطع بين كل من فرنسا، ألمانيا، هولندا، لكسمبورج وبلجيكا، وبما أن لكسمبورغ كانت آنذاك الرئيس الدوري لمجلس الاتحاد الاوروبي، وقع الاختيار على احدى بلداتها. واليوم أصبحت هذه البلدة الصغيرة رمزا للهوية الاوروبية الموحدة، فالمسافر بين الدول الموقعة على الاتفاقية لا يحتاج لابراز اية اوراق ثبوتيه، الامر الذي يمنحه شعورا بالانتماء الى كل أوروبا وليس فقط لبلده الاصلي. 

ولا يخفي المسؤولون الاوروبيون تخوفاتهم الامنية الناتجة عن فتح الحدود بهذا الشكل بين عدد كبير من الدول. ومن هنا كانت الحاجة ماسة لتطوير نظام معلومات مركزي يُمكن الدول الأعضاء من تبادل المعلومات الأمنية بينها. فولكر املر من قسم مراقبة الحدود في فرانكفورت/أودر يقول في هذا السياق: "ان نظام الحاسوب هذا يحوي على معلومات خاصة بالمجرمين، كذلك على أسماء الأشخاص الذين لا يسمح لهم بعبور الحدود الأوروبية أو الخروج منها، يضاف الى ذلك احتواءه على كم كبير من المعلومات المتعلقة بعمليات سرقة السيارات والأوراق والأموال وغيرها".

الجدير ذكره أيضا ان الاتحاد الأوروبي عمل في الآونة الأخيرة الى بناء "نظام شينغن المعلوماتي 2" والذي من المفترض ان يحوي على اكبر كم من المعلومات التي من شأنها مواكبة توسع الاتحاد الأوروبي الذي وصل عدد أعضاءه الى 25 بلدا الآن. هذا وسيكون باستطاعة مراكز الشرطة والمخابرات الأوروبية بشكل عام استخدام هذا النظام مع بداية العام القادم، الأمر الذي واجه انتقادات من قبل الجهات المنادية بضرورة المحافظة على سرية المعلومات الشخصية. ومن الجدير بالذكر أن المفوضية الأوروبية كانت قد اقترحت أيضا إنشاء نظام الكتروني خاص بتأشيرات الدخول الى دول شينغن بحيث يحوي معلومات متعلقة بالمسافرين منها و إليها. الا ان هذا الاقتراح لم يحظ بعد بموافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد . 

وعلى الرغم من التعاون الأمني وتبادل المعلومات المتعلقة بالمجرمين داخل أوروبا، الا ان عددا من السياسيين في بروكسل يقرون بان هذه الاتفاقية منحت مرتكبي الجرائم والجنح حرية تنقل اكبر داخل دول الاتحاد، خاصة في ظل اقتصار التعاون الامني على الحدود بين عدد قليل من الدول الأوروبية. اما المواطن الأوروبي العادي فيرى في حرية التنقل بين دول الاتحاد تقدما كبيرا على صعيد الحريات الشخصية.

الاتحاد الأوروبي: انفتاح على الشرق وانغلاق على الجنوب

دخل البناء الأوروبي مرحلة جديدة: فقد دعمت العملة الموحدة عام 1998 هذا الاتحاد بينما فتحت دورة هلسنكي للمجلس الأوروبي (1999) الباب أمام دخول جميع دول أوروبا الوسطى والشرقية (PECO) وأطلقت بداية للدفاع المشترك. أما اجتماع كوبنهاغن (2002) فحدّد مواعيد التوسيع وكانت هذه القرارات حاسمة من أجل رسم حدود أوروبا التي تبنى على حساب دول الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.إن لتعريف حدود الاتحاد الأوروبي مغزى كبيراً. ففي نهاية التسعينات كان هناك سيناريو يقترح تعريفا موحدا لدائرة الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو وحلف شمال الاطلسي بعد التوسيع الأول لهذا الحلف (بولونيا والمجر وتشيكيا أي دول أوروبا الوسطى الكاثوليكية). وكان هناك مفهومان مفترضان يدعمان هذه الرؤية: مفهوم "النواة الصلبة الأوروبية" ومفهوم "الحيّز الحضاري" الذي أطلقه صموئيل هنتغنتون ومؤداه فصل أوروبا الكاثوليكية عن أوروبا الأرثوذكسية.وقد رفض المجلس الأوروبي المنعقد في هلسنكي عام 1999 هذا الخيار بإشراكه جميع دول أوروبا الوسطى البلقانية أو الشرقية بما فيها البلدان السلافية الأرثوذكسية. ومع أنه قد تمت الموافقة على قبول ترشيح تركيا أيضا تحت ضغط من الولايات المتحدة إلا أن انتساب هذا البلد المسلم ما زال يلقى معارضة داخل الاتحاد الأوروبي.ويفترض بهذه البلدان قبل انتسابها عام 2004، أن تؤكد على الطبيعة الديموقراطية لأنظمة الحكم فيها وأن تلتحق بقواعد التنافس الاقتصادي الدولي وأن تدخل آلاف الصفحات من التشريعات الأوروبية ضمن قوانينها. وتبرز مرحلة المفاوضات المكثفة هذه تناقضات مواقف مختلف الدول في داخل الدائرة الأولى من الاتحاد والتي تعرضت للانتقاد بسبب النقص في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية. وخير دليل، محاولة بعض المسؤولين البريطانيين الاندماج في منطقة اليورو والدفاع الأوروبي بالرغم من تحالف بريطانيا الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.

جسر وليس جدار

مفهوم الحدود الأوروبية يطرح مسألة اخرى غير تحديدها ألا وهي طبيعة هذه الحدود، سواء أكانت ستستخدم كحواجز (منطق الحماية من الجيران)  أو كحلقات تواصل (منطق التفاعل). وهكذا تبدو استعادة المفاوضات حول "فضاء شنغن"، الذي يقضي بحرية انتقال الاشخاص ضمنه، دقيقة جدا. فإضافة إلى منطقة كالينينغراد الروسية التي ستصبح معقلا داخل الاتحاد، يتمسك البولونيون بحدود مفتوحة مع روسيا البيضاء وأوكرانيا مما يحول الحدود الشرقية إلى جسر وليس إلى جدار.

في الوقت نفسه يشدد البعض الآخر على الخطر الناجم عن الوضعين الديموغرافي والسياسي في بلدان جنوب المتوسط. إن تطور العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وجيرانه يظهر تقدما في التكامل مع بلدان أوروبا الوسطى والشرقية  بينما لا تلقى دول المتوسط انتباها مماثلا. نشهد إذاً انفتاحا على الشرق وانغلاقا تجاه الجنوب. والأمر يصح على التجارة الخارجية كما على الهجرة. فهناك بداية تكامل صناعي بين طرفي أوروبا وخصوصا بين ألمانيا من جهة وبولونيا وتشيكيا والمجر من جهة أخرى. ويمثل ثنائي النمسا-المجر تأكيدا لانبعاث اقتصادي لأوروبا المتوسطة (mittel europa). لكن ليس كل هذا سوى مبادلات ناشئة لا يمكن مقارنتها بالدفق المتبادل بين ضفتي المحيط الأطلسي.

من ناحية المساعدات، يصار إلى إعادة توجيهها نحو الجيران الشرقيين للاتحاد. فإذا نظرنا إلى مجموع برامج المساعدة إلى الدول المرشحة وإلى بلدان أوروبا الوسطى والشرقية وإلى دول جنوب المتوسط (آلية برشلونة)، نلاحظ تغييرا لصالح الدول الجارة الشرقية على حساب الدول النامية في آسيا وخصوصا في أفريقيا جنوب الصحراء وقد تأكد هذا الانقلاب في الأولويات في موازنات 2000 - 2006

وقد بدأ التكامل مع أوروبا الوسطى والشرقية من خلال الدعم المتعدد الوجوه (ثلاثة مليارات يورو سنويا لهذه الدول) المخصص نحو تطبيق المعايير الأوروبية السياسية والإدارية والقانونية أو التقنية في هذه البلاد (تمديد شبكات النقل الأوروبية إلى الشرق، التعاون عبر الحدود، ألخ). باتجاه الجنوب، الخشية هي أن يتحول البحر المتوسط إلى جدار أوروبا الأزرق

 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت  5 نيسان/2008 - 28/ربيع الاول/1429