متى يعي الشيعة قضاياهم؟

ياسر محمد/ القطيف

 تنقسم الأمة الإسلامية في قضاياها السياسية والإنسانية بين داعم ومتفرج وناقم فيما يعرضه لنا تكراراً مسرح الأحداث العالمية على شاشات التلفزة والصحافة المحلية راسماً بذلك صورة حية للأحداث يراد لها أن تعمل على هز الضمير الوجداني للكائن البشري. فكثيراً ما نجد أنفسنا طرفاً في حلبة الصراع من خلال وقوفنا إلى جانب المستضعف وصاحب الحق وأحياناً يكون الانتماء المتوافق سبباً كفيلاً لانتصارنا لطرف دون الآخر.

فقد عاشت مجتمعاتنا فترات زمنية في حالة من الوعي والتخدير الفكري في آن واحد في تفاعلها مع قضايا سياسية شغلت الرأي العام سنوات طويلة لم يكن دورنا فيها سوى أبواق إعلامية ومغفلين نتحرك متى ما حركنا الآخر ولا أدل من ذلك ما عايشناه في ما يعرف بقضية فلسطين التي أريد لها أن تكون حالة طبيعية لا قضية. فخلال فترة التخدير الموضعي في جسد الشارع الشيعي – إن صح تسميتها- كان الشارع أشبه ما يكون بدمية تتحرك في المظاهرات اليائسة، تحرق وتكسر وترفع الأعلام والرايات الفلسطينية في الطرقات هنا وهناك دون تقديم شيء يذكر للقضية اللهم سوى بضع وريقات نقدية.

وبعد أن بزغت للساحة العالمية بشائر النصر فيما حققته المقاومة الإسلامية في لبنان مطلع القرن الحالي، وجد الشيعة أنفسهم في حالة من النشوة والاعتزاز النظري بذلك النصر الذي رفع البورصة الشيعية إلى أعلى مستوياتها للمرة الثانية بعد اهتزاز عرش شاه إيران وصعود الإسلاميين للحكم، فكان السياسي ومن لا يفقه السياسة يرى نفسه محللاً للأحداث ووطنياً أكثر من أصحاب الوطن أنفسهم كل ذلك تقاسماً للانتصار الذي يجد الشيعي نفسه منتسباً إليه رغم أنه لم يقاتل بسلاح ولم يدعم بمال إلا في حرب تموز عام  2006 حيث أنها حركت أياد الإنفاق المنقبضة بعدما هزتها مشاهد الضحايا والأبرياء من الأطفال.

فهل قضية لبنان هي الوحيدة التي تجعلنا كشيعة نتفاعل معها بشكل يجعلنا نعيش القلق الدائم لأي رد معاكس قد يضر بها لتكون لبنان هي قبلتنا السياسية ومحط وقوفنا وتحليلاتنا للأحداث؟

إن أبناء الديانات السماوية المُتعبد بها إلى الآن يتطلعون إلى المركز الديني الذي تتواجد فيه زعاماتها وربما بما يرونه من مقدسات تمثل وتحفظ تاريخ الديانة، فالمسيحي ينظر إلى الفاتيكان واليهودي يتطلع إلى فلسطين على أنهما مصدر الإلهام والإشعاع الديني وأهل الإسلام ينظرون إلى مكة قبلة المسلمين وانطلاق حضارتهم الإسلامية. فمن حق المنتمي لمدرسة أو ديانة ومذهب أن يفخر بالتراث الدال على ما يعتقد به ويؤمن، وما العراق إلا واحداً من هذه المعالم والكيانات الدالة والحافظة لمذهب التشيع بما تحمله من أضرحة ومقدسات لأهل البيت (ع) وبما تمثله من ثقل اقتصادي كبير على مستوى النفط جعلها مقصد للقوى العالمية الطامعة.

إننا نعيش في مرحلة يبدو واضحاً فيها تألق الشيعة وتأثيرهم في الرأي العام العالمي والإسلامي سواء بالتأثير الإعلامي أو السياسي، إذ يتجسد المشهد السياسي في أحداث العراق اليومية وهمومه المعيشية بالدرجة الأولى من ضنك العيش الأمني والاقتصادي والتربوي ما يحتم علينا الاصطفاف إلى جانب العراقي بمشاركته في همومه ومساعدته على تجاوزها .

من حق الفرد الشيعي أن يفخر ببلد كالعراق وبشعب تحدى صابراً حمم الظلم السياسي على مدى عقود من الزمن محافظاً وحافظاً للدين والمعتقد، " ورغم توافر البعد الزمني الذي حاول من خلاله تغيير معالم شخصية الإنسان في العراق، حيث كان ممنوعا من كل ممارسة دينية أو تربية قيمية، ابتداء من حيازة القرآن الكريم ومرورا بمطالعة الكتاب الثقافي وانتهاء بزيارة العتبات المقدسة التي يؤمن بها وممارسة شعائر الإمام الحسين عليه السلام، ومع ذلك كله انتفض العراقيون ليمارسوا ما قد منعهم حكم الطائفيين عقودا بعيدة، فرأينا إجماع الشعب على الإقدام بزيارة الإمام الحسين عليه السلام أيام عاشوراء وصفر وليالي الجُمع" (1). وما هذه الملايين التي شاهدناها جميعاً خلال أربعين الإمام الحسين (ع) إلا دلالة على بقاء النهضة الحسينية ترتسم لكل الأجيال كما كانت وبشكل أفضل ما يعني وبوضوح أنها بقية محفوظة ومكفولة بأيد أدت الأمانة كما يراد، فإذا حق لنا الفخر بهذه الأمواج البشرية التي يشاهدها كل العالم والفخر بالمكان الذي يأويها بل ويجذبها ناحيته،  فحق علينا أيضاً أن نساهم في دعم ولو 1% من هؤلاء الناس في جوانب شتى كما كنا داعمين  بالصوت وبالمال بشكل يغلبه الحماس في قضايا عديدة كقضية فلسطين والتي طُعنا فيها بخنجر الغدر عندما كان كل العالم يبدي خلاصه من طاغية العصر بعد تنفيذ حكم الإعدام وابن فلسطين الذي قاسمته رغيف خبزي يعزي ويستنكر ويترحم على الطاغية متجاهلاً الدعم الشيعي بشكل خاص للقضية الفلسطينية من أموال وتضامن شعبي مقدم من جمهورية إيران والمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان.

"لماذا ننتظر غير المسلمين ليقدموا المعونة لأحبتنا في العراق؟ ولماذا ندع الأغيار يساعدونهم؟ فعلى كل واحد وبحسب وسعه أن يعمل في هذا المجال، شخص عنده فيعطي، والآخر ليس عنده فيشجع هذا وذاك.. علينا أن نؤدي مسؤوليتنا فـ" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"(2). إن من واجبناً أن نحفظ مقدساتنا وإن كنا على سفر بعيد عنها، فقد لا يتمكن الفرد أن يكون شرطياً ذائداً عن حرمة المقدسات لكنه يقدر على أن يكون داعماً وموجهاً للأنفس البشرية اليتيمة منها والفقيرة ومن تحدت الإرهاب وتهديد السلاح والقتل لتأتي بقدم راسخة حتى تشارك وتقول للإرهاب إليك عني..

وستكون لنا وقفة قادمة عن طبيعة الدعم والاعمار المطلوبين والذين يعدا جزءً مكملاً للبانوراما المشتركة بين المواطن العراقي وإخوانه خارج الحدود الجغرافية.

...........................

(1) المخزومي، محمد سعيد – مجلة النبأ – العراق وحقيقة الدور القيادي المطلوب.

(2) الأديب، محمد طالب – كتاب: من عبق المرجعية، ص322.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 2 نيسان/2008 - 25/ربيع الاول/1429