لم يكن القرار الذي اتخذته الحكومة العراقية و أجهزتها الأمنية،
باعتقال افراد جيش المهدي بشكل واسع ومارست عمليات التعذيب بحقهم فضلا
عن المداهمات للمنازل مؤخرا موضع تقدير من قبل الشعب العراقي، ومن بعض
المثقفين والمهتمين بالسياسة على وجه الخصوص، وقد وصفت هذه الخطوات
بغير المدروسة على اعتبارات عديدة منها، ان هذه الممارسات غير مشروعة
وتنافي قوانين الديموقراطية وحقوق الإنسان، ومن بين الاعتبارات الاخرى
أن الأجهزة الأمنية كانت على أهبة الاستعداد لمواجهة القاعدة في مدينة
الموصل شمال العراق ومحافظة ديالى وفجأة تغير مسار المعركة نحو الجنوب.
الاعتقالات والإساءات المتكررة لكل من انتمى للتيار الصدري جعلت من
الشعب العراقي يتعاطف أكثر مع التيار بسبب معاناة أبناء الشعب العراقي
الذين يعانون من أزمات نفسية شديدة أثر الحروب المتتالية والمعانات
الإقتصادية وفقدان الجانب الصحي، إضافة لتدهور الخدمات التي أصبحت
كابوس يجثم على صدور العراقيين.
الحكومة العراقية اليوم تواجه مرحلة خطيرة وحساسة وهي تقاتل تيار
كبير له حضوره الجماهيري الذي يتمتع بحالة من الثورية منذ نهضة زعيمه
آية الله السيد محمد صادق الصدر الذي أستشهد على أيدي ازلام النظام
الصدامي.
إضافة لما يمتلكه هذا التيار من حضور برلماني وبالتالي يشكل ضغطا
كبيرا من خلال تحالفه مع القوى البرلمانية الأخرى وغير البرلمانية
المناهضة للحكومة مما يزيد من حدة الضغط على الحكومة، التي تعمل جاهدة
على معالجة أوضاعها الداخلية من تفعيل المصالحة الوطنية ومقاتلة
القاعدة والتصدي للمتطرفين من جانب، وعلى المستوى الخارجي من جانب آخر
فهي تعاني أيضا من ضغوط دولية لايمكن تداركها بسهولة.
وعلى هذا فأن الحكومة العراقية يجب عليها أن تبادر بسحب القوات
الأمنية كخطوة أولى تمهد الطريق لمعالجة هذه الثغرة التي لايسد مكانها
شيء الا عبر حل واحد وهو إبادة التيار الصدري بأجمعه وهذا مالم تستطيع
عليه وليس من مصلحتها على الإطلاق، ومن ثم عليها أن تتفاوض وتفتح باب
الحوار المستمر لوضع حل نهائي ينهي هذه الحرب، و ان تفهم أنه ليس
بامكانها ان تضع حل خلال الثلاثة أيام التي أمهلها المالكي للتيار
الصدري بأن يلقوا السلاح ويسلموا انفسهم.
كذلك يجب أن تراجع خططها في استيعاب الاطراف الأخرى كما فعلت مع
السنة المتشددين الذي قاتلوا القوات الحكومية لمدة خمس سنوات والآن هي
تعمل على دعمهم على المستويين المادي والمعنوي وقسم منهم يتفاوض مع
الحكومة للاستيلاء على مناصب حكومية.
أن ممارسة العنف مع أبناء الشعب العراقي لم يكن وليد مرحلة بل عايش
هذا الشعب مثل هذه الممارسات منذ مطلع الثمانينات في حقبة وصفت من أحلك
الحقب التي مرت في تاريخ العراق ولم تجن أية ثمار سوى الكراهية والبغض
بحق كل الذين مارسوا العنف.
أن معالجة الوضع بالاعتقالات والمداهمات والتعذيب ما هي إلا خطوة
لتعزيز الكراهية بين صفوف الشعب العراقي جيل بعد جيل.
فهل الحكومة الحالية مستعدة لتكرار نهج حكومة العهد البائد التي
أبادت الشعب في المقابر الجماعية عبر سياسات العنف والقمع والطغيان؟
سؤال يبقى مطروح يبحث عن إجابة بعيدة عن مفهوم العنف والكراهية.
ان هذه الممارسات تصب في بودقة الذين يتربصون الدوائر والذين
يبتهجون لمثل هذه الحرب على أعتبار الطرفين فيها من أبناء العراق
الواحد والطائفة الواحدة.
أما التيار الصدري هو الآخر تقع عليه مسؤليات جمة منها القبول
بالتفاوض والركون الى القانون والعمل الاسلمي والتخلي عن السلاح وتعزيز
مواقفهم بالادلة والبراهين وردع الشبهات التي تدرأ كل فترة.
يجب أن يكون السلاح بيد السلطة وعلى السلطة أن تمارس حقوقها ضمن
القانون المشروع وضمن حقوق الإنسان والنهج الديموقراطي، اللذان لم
نجدهما في الممارسات الحكومية.
على الجميع أن يتداركوا الموقف من خلال تنمية الشعور بالمسؤولية وهم
معنيين بتجنب العنف وأن لايسمحوا للانتهازيين أن يزرعوا الفرقة بينهم،
وعلى الجميع ضبط النفس مع تقديم ضمانات كافية بعدم استهداف اي فريق
ويجب أن تكون التصريحات مدروسة في هذه المرحلة وخصوصا من الاطراف التي
تخوض النزاع.
A_alialtalkani@yahoo.com |