الجدلية
شبكة النبأ: التاريخ الرسمي لمفهوم
الجدلية بالمعنى الحديث للكلمة يبدأ مع كانْت. ولكن هذا المفهوم لم
يعرف نفوذاً كبيراً ولم يتخذ دلالة ذات علاقة مباشرة بالعلوم
الاجتماعية إلا انطلاقاً من هيغل ومن ماركس على وجه الخصوص بعد هيغل.
فمفهوم الجدلية ومفهوم التناقض الذي يرافقه، لدى هيغل كما لدى
ماركس، مفهومان متعددا المعاني بالتأكيد. ولكنهما يدلان في الحالتين –
إذ نتجاوز الفروق بين المؤلفين، التي يلخصها التقابل التقليدي بين
مثالية هيغل ومادية ماركس – على حدس ذي أهمية أساسية في تحليل الظاهرات
الاجتماعية، أعني أن العاملين الاجتماعيين يمكنهم أن يسهموا، لمجرد
أنهم يسعون وراء غرض من الأغراض، في إحداث حالة من الأمور متميزة من
الغرض المنشود – وربما متناقضة معه. فالسيد يرغب، في جدلية السيد
والعبد من كتاب هيغل، فينومينولوجيا الفكر، في أن يعترف به العبد
سيداً. ولكن السيد يعترف، بفعل ذلك نفسه، بإنسانية العبد ويعترف بتماثل
السيد والعبد بالتالي. فقانون الانخفاض النزوعي لمعدلات الربح، الذي
يظهر في الكتاب الثالث من رأس المال، فرضٌ كلاسيكي آخر. وتكمن مصلحة
الرأسماليين، بوصفهم في وضع من التنافس بعضهم مع بعض الآخر، في البحث
الدائم عن تحسين إنتاجية مشروعاتهم. ولكنهم يسهمون، إذ يفعلون ذلك، في
تدمير القاعدة التي يتكون الربح انطلاقاً منها (وفق النظرية الماركسية،
لأنهم يقلصون عندئذ نصيب العمل في عوامل الإنتاج). فهم يسهمون إذاً في
تدمير الرأسمالية في نهاية المطاف. كذلك أخذ رأسماليو كتاب ماركس، شقاء
الفلسفة، بوصفهم خاضعين لهاجس خفض تكاليفهم في الإنتاج بغية مقاومة
منافسيهم، ينفذون في الورشة أعمال الغزل التي كانت تنفذ في المزرعة
فيما مضى. إنهم كوّنوا عندئذ، دون أن يقصدوا، طبقة من البروليتاريين
تتعارض مصلحتهم تعارضاً أساسياً، في رأي ماركس، مع مصالحهم. ويفرض
عليهم منطق وضع التنافس، الذي يجد الرأسماليون أنفسهم فيه يواجه بعضهم
بعض الآخر، أن يستثمروا حتى يحتمي بعضهم من بعضهم الآخر. إنهم يسهمون
على هذا النحو في نمو الصناعة والبروليتاريا. إنهم يضخمون ويسلحون، دون
أن يقصدوا، جمهور خصومهم.
فمفهوم الجدلية، الذي لا يمكنه أبداً أن يكون، كما يشاء غورفيتش،
إناءً مفهومياً واسعاً يشمل مفهومات متنافرة كمفهومات (تبادلية
المنظورات)، (التضمن المتبادل)، (السببية الدائرية)، يلخص إذاً، لدى
هيغل ولدى ماركس على وجه الخصوص، حدساً أساسياً: أعني أن بعض المنظومات
تحض الفاعلين الاجتماعيين على سلوكات تولد نتائج غير مقصودة، وربما غير
مرغوبة من وجهة نظرهم. وتكون بنية هذه المنظومات في بعض الأحيان، حتى
ولو كان الفاعلون الاجتماعيون واعين للمفعولات الإنتاجية العكسية
لأعمالهم، في حالة لا يمكنهم أن يصححوها بسهولة: الرأسمالي الذي يتخلى،
وهو في وضع التنافس، عن تحسين إنتاجيته يحكم على نفسه بالدمار، إلا إذا
كان منافسوه يتخذون القرار نفسه بفعل معجزة.
إن مفهوم الجدلية لدى هيغل ولدى ماركس – وكذلك لدى سارتر فيما بعد –
تجاوز هذا الحدس الأساسي. وأراد المؤلفان أن يريا في التناقضات
(بالمعنى الجدلي) محرك التغير الاجتماعي والتاريخ. وطمح هيغل، ثم
انغلز، إلى إضفاء الكلية على (قوانين) الجدلية والى أن يمدّاها على
الطبيعة نفسها. بيد أن الأمر المؤكد في أيامنا هذه أن (التناقضات) لا
تكون، إذا كانت تؤدي دوراً هاماً في تحليل التغير الاجتماعي، سوى فرض
خاص. فالتغير غير مشتق بالضرورة من التناقضات. والتناقضات لا تولد
التغير بالضرورة. أضف أن هيغل وماركس تبنيا رؤية للتغير والتاريخ ذات
نزعة حتمية بمغالاة. وهكذا فإن الأمثلة في كتابي ماركس، شقاء الفلسفة
ورأس المال، اللذين ذكرناهما أعلاه بسرعة، تحلل التغير الاجتماعي وكأنه
لعبة ميكانيكية من (التناقضات). ولكن السعة الميكانيكية والحتمية لهذه
اللعبة هي نتيجة فرضين قابلين للنقاش: 1- بنية منظومة التفاعل التي
تحكم العلاقات بين الرأسماليين (بنية المنافسة) يُفترض أنها ثابتة؛ 2-
منظومة التفاعل بين الرأسماليين من جهة، والبروليتاريين من الجهة
الأخرى، يُفترض أنها ذات ضرب من بنية لعبة لا نتيجة لها. والحال أن
القضية الثانية تمتنع عن أن تكون مقبولة منذ أن تتطور حركة نقابية
هامة، لأن للسلطة النقابية عندئذ قدرة على أن تحوّل جزءاً من زيادة
الإنتاجية لمصلحة الطبقة العاملة. كذلك يمتنع الفرض الأول عن أن يكون
صحيحاً منذ أن يحدث تمركز يتيح للرأسماليين أن يباشروا التفاهم بينهم.
وتتحطم اللعبة الميكانيكية للتناقضات، في الحالتين، بفعل ظهور
التجديدات الاجتماعية (سلطة نقابية، تفاهمات، الخ). وليس بوسعنا،
بالمقابل، أن نصف سيرورة تطورية أنها تسلسل من التناقضات إلا إذا
أهملنا القدرات على تجديد المنظومات الاجتماعية.
والتقييمات المتباعدة المنصبة على جدلية هيغل وماركس ناجمة على وجه
الدقة من أن هذا المفهوم: 1- يلخص حدساً ذا أهمية لا مجال للطعن فيها
(العمل الاجتماعي ينتج على الغالب نتائج تتناقض مع الأغراض التي ينشدها
الفاعلون الاجتماعيون)، 2- يفسره هيغل وماركس بوصفه المحرك الأساسي
للتاريخ، إن كارل بوبر (ما الجدلية؟)، الحساس للجانب الثاني من هذا
المفهوم على وجه الخصوص، يُدرج الجدلية في الإدانة التي يطلقها –
لأسباب وجيهة – على مفهوم قانون التاريخ. ويفسر لويس شنايدر، (الجدلية
في علم الاجتماع)، الحساس على وجه الخصوص للجانب الثاني منه، (جدلية)
ماركس بوصفها التعبير الخاص عن حدس موجود في كل تاريخ علم الاجتماع.
وإذا كان تاريخ مفهوم الجدلية الحديث مرتبطاً على وجه الخصوص باسمي
هيغل وماركس، فذلك ناجم بصورة خاصة من نجاح الماركسية السياسي. ذلك أن
(تناقضات) العمل الاجتماعي كانت، دون أن تكون الكلمة المستعملة، تكوّن
موضوع شروح من جانب مؤلفين عديدين خلال القرن الثامن عشر. ويتساءل
ماندوفيل، في القصة الرمزية للنحل، ما إذا كان العمل الوظائفي المنسجم
للمجتمعات يفترض مواطنين فاضلين، أعني يحترمون المصلحة العامة. فهل
تتضمن المجتمعات الإنسانية، كمجتمعات النحل، أفراداً يكونون حريصين على
الخير العام؟ كلا، يجيب ماندوفيل في مقولة شهيرة: العيوب الخاصة هي
التي تصنع الفضيلة العامة: الحسد، الزهو، عدم الثبات، هي محركات
التجارة وتصون فكر الابتكار. (إلى حد كان الفقراء أنفسهم يعيشون أفضل
من الأغنياء سابقاً ... ويرى روسو، في كتابه، مقالٌ في اللامساواة
والعقد، أن الحرية الطبيعية تفضي إلى مفعولات غير مرغوبة. ويندفع
الأفراد في حال غياب الضروب الأخلاقية والاجتماعية من القسر، إلى أن لا
يأخذوا بالحسبان التزاماتهم. ولكنهم يحرمون أنفسهم، إذ يفعلون ذلك، من
منافع بارزة مفادها أن التعاون يمكنه أن يحققها لهم. فمصلحتهم تكمن
إذاً في أن يقبلوا القسر قبولاً حراً وأن يقايضوا حريتهم الطبيعية
مقابل الحرية المدنية، التي تتضمن مفعولات أخرى غير مرغوبة (انظر مقالة
روسو). وتمثل (اليد الخفية) لدى آدم سميث تمثيلاً مسبقاً، هي أيضاً،
مفهوم التناقض بالمعنى الجدلي للمصطلح: وإذ يلاحق العاملون الاجتماعيون
مصلحتهم الخاصة ملاحقة أنانية، فإن بوسعهم أن ينتجوا بالمناسبة مفعولات
مرغوبة وتبدو في الظاهر غيرية (بفعل التنافس القائم فيما بينهم، فأصحاب
البقاليات يخدمون مصالح المستهلك بالتنافس فيما بينهم). وثمة مفعولات
مشابهة كان مونتسكيو قد لاحظها ..
فلمفهوم (اليد الخفية) لدى آدم سميث، ولمفهوم (الجدلية) لدى ماركس،
بعدٌ تحليليٌ وبعدٌ إيديولوجي معاً ودون أي تمييز. وإذ يشارك آدم سميث
ماندوفيل في تفاؤليته، فإنه يرى (اليد الخفية) ضعيفة التأثير على نحو
أساسي: المفعولات غير المقصودة لتجميع الأعمال الفردية هي: على وجه
العموم، إيجابية ومرغوبة. إنها تصبّ في اتجاه الخير العام، والمصلحة
العامة، والتقدم الاجتماعي. ويدرك ماركس أيضاً لعبة التناقضات الجدلية
بوصفها الآلية التي يُقاد التاريخ بواسطتها نحو نهاية سعيدة. وتعبّر
(اليد الخفية) و(الجدلية) عن روح العصر التي تميز النصف الثاني من
القرن الثامن عشر وجزءاً من القرن التاسع عشر. إن التقدم، الذي يمنحه
نمو العلوم والتقنيات منزلة بديهية، لم يعد ممكناً أن يُعزى إلى
العناية الإلهية، في عصر تنتشر فيه (الريبية): فلا بد لنا إذاً من أن
نتخيل بدائل علمانية لمفهوم العناية الإلهية. وتمثل (اليد الخفية)
و(الجدلية) هذه البدائل. وكانت (الجدلية) بالطبع تمثيلاً أكثر قبولاً
للعناية الإلهية انطلاقاً من اللحظة التي ولد فيها تصنيع المجتمعات
الأوروبية نزاعات طبقية حادة. وهذا هو السبب الذي من أجله وجدت نفسها
تتمتع بمكانة أكبر.
وتجنب المؤلفون، في علم الاجتماع الحديث، هذه الكلمة نفسها، كلمة
(الجدلية) تجنباً سببه بصورة أساسية دون شك تلك التقلبات التي طرأت
عليها نتيجة استعمالها السياسي. وفي ظل كلمات متنوعة إنما نكتشف إذاً
ذلك الحدس الأساسي الذي يحتويه هذا المفهوم: مفعولات التركيب، مفعولات
التجميع، المفعولات المنبعثة، المفعولات المنحرفة، الغائية العكسية
(سارتر) المفعولات الحدسية العكسية، الخ. ومفعولات (الجدلية) التي
أوضحها البحث السوسيولوجي عديدة. مثال ذلك: (النبوءة التي تتحقق من
تلقاء ذاتها) لميرتون (وإذ يعتقد الزبائن بعدم ملاءمة المصارف، فإنهم
يجرون سحوبات متزامنة تسبب الإفلاس المرهوب فعلاً)؛ مفعولات الأخلاق
الكالفينية على نمو الرأسمالية في رأي فيبر (يبحث الكالفيني عن النجاح
الاقتصادي في هذه الحياة الدنيا، آملاً أن يجد فيها علامة خاصة في
الآخرة؛ إنه يسبب دون قصد، إذ يفعل ذلك، تراكم رأس المال)؛ مفعولات
إضفاء الديمقراطية على المجتمع، التي ينتجها جهد النخبات من أجل الدفاع
عن امتيازاتهم (يبرهن ميلر، في بداية القرن التاسع عشر، على أن الشرعة
الكبرى نجمت من رغبة النبلاء في توطيد موقعهم إذ وضعوا حدوداً للسلطة
الملكية، ولكنها انقلبت لمصلحة الفلاحين مع تحسين شروط حياتهم:
(تحديدات السلطة الملكية... انقلبت لمصلحة المتحد، في مجموعه، كما لو
أن هذه التحديدات كانت قد انبثقت في الأصل عن روح وطنية سامية) (أنظر
أيضاً، في الاتجاه نفسه، ذلك التحليل الكلاسيكي لتوكوفيل في المجلد
الثاني من كتابه النظام القديم فيما يخص مفعول ارتكاس النبلاء ضد
السلطة الملكية في بداية الثورة).
إن مفاهيم (المفعول المنبعث)، (مفعول التركيب)، (النتائج غير
المقصودة)، كما يستخدمها علم الاجتماع الحديث، محرومة على وجه العموم،
في أيامنا هذه، من كل إحالة إلى فكرة التقدم. ولم تعد مهمة جعل التاريخ
يتقدم تقع على عاتق (التناقضات) ونحن نجد هذه المفاهيم مقترنة بالحري،
من وقت إلى آخر، بإيديولوجية إعادة الإنتاج (يُفترض عندئذ أن (اليد
الخفية) لا تؤمن التقدم، بل تؤمن ثبات "البنيات الاجتماعية" وديمومتها.
ولكن غالبية علماء الاجتماع الحديثيين تتفق على أن مفعولات التركيب ذات
دلالة اجتماعية متغيرة وعلامة متغيرة. إنها يمكنها أن تولد تحولات
اجتماعية، أو تولد، على العكس، ضروباً من الجمود. إنها يمكنها أن تكون
مرغوبة بالنسبة للبعض الآخر، وأن تتضمن جوانب مرغوبة وجوانب غير
مرغوبة، وأن تكون مرغوبة في زمن أول وغير مرغوبة في زمن ثانٍ، وأن تكون
تراكمية أو أن لا تكون ..وهكذا أدى نمو الطلب والمنافسة المدرسيين بعد
عام 1945، دون أن يسعى أحداً أبداً إلى هذه النتيجة، إلى أرباح في
الإنتاجية مفيدة للجميع. ويرى دونيسون أن تطور التمدرس يشرح، في جزء
كبير منه، ذلك النمو الاقتصادي للمجتمعات الصناعية في الفترة الزمنية
التي تلت الحرب العالمية الثانية، وهذا التطور أحدث في الوقت نفسه
تضخماً مدرسياً بحيث أن كثيراً من الأفراد ينبغي لهم أن يوظفوا مبالغ
في تعليم أطفالهم كبيرة جداً بالقياس على المكانة الاجتماعية المهنية
التي ستكون من نصيبهم فيما بعد؛ ويميل هذا التضخم إلى أن يجعل من
الشهادة شرطاً تتعاظم ضرورته ويتعاظم عدم كفايته للارتقاء الاجتماعي.
فثمة مفعولات غير مقصودة، إيجابية وسلبية، تظهر في هذه الحالة بوصفها
متضافرة على نحو لا ينفصم.
وثمة مسألة أخيرة جديرة بأن نلفت الانتباه إليها. لم يقتصر علماء
الاجتماع الحديثون على تطهير الحدس الأساسي الذي يحتويه مفهوم الجدلية
من ضروب العدوى الإيديولوجية التي جعلت منه، لدى ماركس، بديلاً
علمانياً عن مفهوم العناية الإلهية، إنهم واعون أيضاً واقعاً مفاده أن
الأمر الذي لا بد في الوقت نفسه، إذا كان من الضروري أن نأخذ بالحسبان
في التحليل السوسيولوجي (قوى اجتماعية) مغفلة ومفعولات لا إرادية
تمثلها مفعولات التركيب، يكمن في أن نتفحص معاً قدرات التدخل الإرادي
في هذه القوى الاجتماعية التي تتوافر لكل منظومة اجتماعية – ونقول، على
نحو أدق، التي تتوافر للفاعلين الاجتماعيين الذين ينتمون إلى منظومة
اجتماعية – تفحصاً وفق مقياس متغير بحسب الحالات. فالناس لا (يصنعون
التاريخ دون أن يعلموا أنهم يصنعونه) فحسب، ولكن لديهم القدرة أيضاً
على أن يحولوا إرادتهم إلى تاريخ.
متعلقات
مادية جدلية(1)
المادية الجدلية ركن اساسي من أركان الفلسفة الماركسية، تعتمد على
قوانين الدياليكتيك وبناها كارل ماركس بالاستناد إلى جدلية فلسفة هيجل
ومادية فلسفة فيورباخ وكتب حولها الكثير من الكتب وابرز من كتب عنها
كان ستالين. أساس الفلسفة الجدلية هو انها تعتبر ان الفكر هو نتاج
المادة وان المادة ليست نتاج الفكر، ففكر الانسان نتاج مادي من عقله
وليس الانسان من نتاج الفكر، و هو ما ينفيه الفلاسفة المثاليون.
شرح المادية الجدلية
من المسلم به عند الفلاسفة المثاليين والفلاسفة الماديين أن هناك
قانون السبيبة الذي ينتهي بخالق بدون مخلوق لكن الماديون يعتقدون
بأولوية المادة أما المثاليون فيعتقدون بأولوية الفكر أو الروح. ء
الماديون يعتمدون على الأبحاث العلمية التي تنفي زوال المادة أما
المثاليون فمنهم من يقول أن المادة ليست موجودة بل هي إنعكاس لوعي
الإنسان وبالتالي غير موجودة أما الماديون فيقولون إن المادة موجودة
بشكل مستقل عن وعي الإنسان ويعرفون المادة بكل ما تتحسسه حواس الإنسان
الخمسة بينما يقول المثاليون ان حواس الإنسان تعكس تصورات في وعي
الإنسان وهي غير موجودة في الواقع بشكل مستقل عن الوعي هذا هو ما يسمى
الصراع بين الفلسفة المادية وباقي الفلسفات المثالية. ان الفلسفة
المثالية تحاول تفسير الوجود انطلاقا من علة خارجية، وان الوجود المادي
هو انعكاس لوعي أكبر وبالتالي فان الوجود المادي هو مغاير للوجود
"الروحي" او "الغير مادي" ان هذا المفهوم يعتبر أن الوجود المادي ساكن
ومخلوق ومسير من قبل "الفكر" أو "الوعي". ان الفسلفة المادية تعارض هذا
التصور وتشدد على اهمية الوجود المادي في اعلاء وتوليد الفكر والوعي.
ان الوعي هو انعكاس للمادة وليس العكس.
ماركس قام بمزاوجة مادية فيورباخ الساكنة مع مثالية هيجل التاريخية
وخرج طفل جديد يسمى المادية الجدلية هي مادية بحتة بكل ما تعني الكلمة
من معنى لكنها تؤمن بالتطور وفق قوانين الدياليكتيك الثلاثة و هم:
نفي النفي
وحدة صراع المتناقضات
تحول الكم إلى كيف
المادية الجدلية تنفي أن تكون المادة قد خلقت من العدم وتنفي أنه
يمكن أن يتم نفي المادة و كانت الأبحاث العلمية في بدايتها حيث كان
يستدل بقانون مصونية الطاقة ونظرية داروين لإثبات كلامهم ولكن أصبح
قانون لافوازيه يتم تدريسه في الجامعات وقانون لافوازيه المنسوب للعالم
الفرنسي لافوازيه ينص بأن المادة لا تخلق من العدم ولا تفنى بل تتحول
من شكل إلى آخر وهو القانون الذي مازال مثبتاً حتى وقتنا الحاضر حيث
أنه تم الوصول إلى عمق الذرة ونواة الذرة ولم يثبت إمكانية فناء المادة
ومازالت حتى وقتنا الحاضر كافة المدارس تعلم الطلاب ان المواد الداخلة
بالتفاعل تساوي المواد الخارجة من التفاعل حيث أن كافة العلوم مازالت
تقف إلى جانب الفلسفة المادية.
ان ماركس يعتبر ان التاريخ هو تاريخ الصراع الطبقي الذي يعتبره
المحرك الاساسي للتاريخ. ان ما يسمية البناءالفوقي الذي هو الانظمة
السياسية، القيم الاجتماعية، والاديان، هي انعكاس للواقع الطبقي
والمادي المعاش. ان هذا ينسجم مع النزعة المادية لتفسير التاريخ
المتناقض مع النزعة المثالية لتفسير الاخير. قام ماركس بقلب ديالكتيك
هيغل "رأسا على عقب". ان المادية الجدلية تعتمد أساسا على مفهوم الحركة
الدائمة "الذاتية" أي عدم الحاجة إلى محرك خارجي وهي تتعارض مع المادية
الكلاسيكية السكونية التي تعتبر أن الفكرة هي انعكاس سكوني للمادة. من
هذا المنطلق فان المادية الجدلية تنفي الحاجة إلى محرك أولي للكون
وللحياة. ان نظرية النشوء لداروين والنظريات البيولوجية الحديثة تثبت
صحة المادية الجدلية.
ان نظريات ما بعد الحداثة التي تشدد على أهمية "شخصانية المعرفة"
والتشكيك بموضوعية المعرفة تتحدى المادية الجدلية ولكنها بنفس الوقت
تتحدى اسس المعرفة. ان المادية الجدلية تشدد على موضوعية الوجود
وامكانية دراسته باستقلالية عبر المراقبة والاختبار. لقد حذر لينين
لاحقا أن السلاح الاخير في يد الامبريالية والرأسمالية هي أبستمولوجيا
المعرفة التي سوف تعمل على هدم الاسس النظرية للمعرفة بسبب فشلها في
ربح المعركة الفلسفية والمنطقية مع المادية الجدلية والمادية
التاريخية.
ظهور المادية الجدلية(2)
لم يكن لدى الفلسفات الغربية وهي تخرج من العصر الوسيط الديني
المسيحي سوى الاعتماد على فلسفة أرسطو مادةً ومنهجا، وكانت التطورات
الصناعية والتحولات المختلفة تدفع العلوم نحو استيعاب مختلف للحركة،
وقد قام ديكارت ونيوتن بطرح مفهوم جديد للحركة هو الفلسفة الميكانيكية،
وقد رأينا الفلسفة العربية الإسلامية السابقة وهي تستعين بمنهج أرسطو
ذاته ورؤيته لفهم الحركة فكان أقصى جهد لها هو فهم حركة الأجسام في
المكان.
ولكن الأدوات والمعلومات التي توفرت في العصر الأوروبي الجديد، التي
قام بها غاليلو وكوبرنيكس وغيرهما من العلماء أتاحت فهم حركة الكواكب
والشمس بطريقة مختلفة عن السائد في العصر القديم، مما جعل ميكانيكا فهم
الأجسام الكبيرة تسيطر على الوعي العام بالحركة. وقد تمظهرت هذه لدى
نيوتن بقوانين الجاذبية. وحددت هذه الفلسفة ميكانيكا الأجسام عموماً
حيث الحركة في المكان- الزمان تقوم على قوانين مادية محضة، أي قوانين
من داخل المادة، ولكن الداخل هنا بمعنى حركة الأشياء، فظل التناقض
المادي الجسمي الخارجي الآلي هو المسيطر على فهم هذه الحركة الأبدية
العامة، لكن كان لا بد من وجود مصدر لظهور هذه الحركة فكان الإله. وهنا
تتآلف الفلسفة الميكانيكية مع الدين بإعطائه إشارة خلق الساعة الكونية،
وتوقيتها، وربما إنهائها، لكنها كذلك تفصل الحركة عن عمليات خلق الكون
الغيبية، وأدى طرحها بأن الشمس مركز المجموعة الشمسية وتكون المجموعة
من سديم، إلى توجه العلوم نحو إعادة النظر في المعطيات الفكرية
الأرسطية بشأن مصدر الحركة وبشأن الطبقات السفلى من تاريخ الكون
والمادة، وبالتالي يفتح الآفاق لقراءة الظاهرات المادية الصغرى والمواد
والكائنات المختلفة.
وهكذا فإن الفلسفة الميكانيكية وهي تنشئُ العلومَ الحديثة كانت
تتعرضُ هي نفسها للزوال. فهذه الفلسفة الميكانيكية بتطبيقها على مجالات
الحركة في أجسام أصغر، وظاهرات ذات تحولات مركبة كعمر طبقات الأرض
وكيفية احتراق المواد وكيفية ظهور أنواع الأحياء لم تستطع أن تصنع
إجابات علمية. كان تطبيقها على هذه الظاهرات يقوم على إرجاع عنصر
التحول إلى عوامل خارجية وإلى غازات غير محددة، لكن تطورَ الصناعة
الكبير كان يخضع هذه المواد المجهولة إلى الكشف، فغدت عوامل تحول
المادة الفيزيائية والكيميائية تقوم على الذرات والجزيئيات الداخلية،
وبدا يظهر أن المادة تتحول إلى طاقة والطاقة تتحول إلى مادة، وان قانون
بقاء المادة قانون علمي أساسي.
أظهرت الجيولوجيا أن طبقات الأرض لها تحولات طويلة وأنها لا تتوقف
عن الحركة. المواد كعناصر محددة تكشفت وظهر لتكوينها ولتمازجها قوانين
محددة. تم اكتشاف تطور الخلية الحية، وأن أنواع الأحياء نتاج تطور
تاريخي طويل.
إن كل أنواع الحركة هذه مغاير للحركة الميكانيكية وقوانينها، وكان
ذلك يستدعي قيام فلسفة جديدة، تكشفُ الطبيعةَ المعقدة المركبة للحركة
وأنواعها في كل أقسام العلوم الطبيعية والاجتماعية كذلك، والأخيرة قد
دخلها زلزال التحول أيضا، وكان ظهور فلسفة جديدة يستدعي تفكيك الارتباط
بين الفلسفة الميكانيكية والدين، ولكن أخذت المعضلة هذه تتعقد مع
ارتباطها بالصراعات الفكرية والسياسية، حيث يلعب الدين التقليدي دوراً
محوريا.
إن كشف أنواع الحركة في الأجسام الطبيعية من داخلها، وهو أمر يتناقض
مع الفكر الديني التقليدي حيث الحركات قادمة من الغيب، قد ترافق مع
تفكيك السلطات الدكتاتورية الدينية والسياسية، فأخذ «الشعب» ينتزع
السلطات وراح المنورون يجدون في البناء الاجتماعي قوانين تطوره
الداخلية بمعزل عن المؤثرات الخارجية الغيبية.
إن تركيز السلطة في البرلمان هو أشبه باكتشاف قوانين الحركة في
المادة، والمادة هذه الكينونة المحتقرة من قبل الفلسفة الأرسطية
والدينية السابقة غدت هي بؤرة الوجود.
إن رؤية أسباب التحولات داخل المادة الطبيعية والاجتماعية والبشرية،
كان يعني صراعاً طبقياً بين المنتصرين على الإقطاع السياسي- الديني
الحاكم، فقد ظهر جناحان للمنتصرين، الجناح البرجوازي الذي آلت السلطة
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إليه، والجمهور العمالي الذي كان
عليه أن يعمل بشكل شاق وفي ظروف متدنية من أجل أن تنتصر وتحكم
البرجوازية.
لهذا فإن هذا الانقسام الطبقي انعكس على فهم الحركة وفهم الفلسفة،
وأخذت القوى البرجوازية تتحالف مع الأقسام الثقافية الدينية والمثقفين
التقنيين من أجل إعادة صياغة الفلسفة بحيث تتوارى لغتها الثورية
السابقة، ويتم كشف الحركة في المادة، من أجل أن تستمر العلوم الطبيعية
والمصانع، دون أن يكون لهذا الكشف دلالات على الصراع الطبقي الدائر.
بدأت هذه الحركة الارتدادية التقنية الفلسفية في البلد الذي انتصرت
فيه البرجوازية أولاً وهو إنجلترا، فظهر جان لوك وديفيد هيوم وجون
ستيوارت ميل وصاغوا فلسفةً تعتمد على إنكار وجود قوانين موضوعية في
المادة، المستقلة عن الوعي، بل قالوا انه لا يوجد سوى الحس البشري وهو
الذي يدرك، والعملية العلمية تدور في مجال هذا الحس فقط، وما هو خارجه
ليس في بؤرة الوعي. وعضدت ألمانيا هذه الفلسفة لأسباب تاريخية،
فالبرجوازية كانت متخلفة عن قريناتها في البلدان الأوربية الأخرى، وقد
ساندت الإقطاع البروسي العسكري، فتأسست فيها فلسفاتٌ متضادة كثيرا،
منها الكانتية ومؤسسها عمانويل كانت وهو نفسه العالم الذي اكتشف السديم
في المجرة وطرح تصوراً لكيفية نمو المجموعة الشمسية، حيث ركز هو الآخر
على كون المعرفة حسية بدرجة أولى، ولكنه أكد موضوعية المعرفة وطرائق
الوصول إليها، دون الوصول الكلي للحقيقة لأنه ستبقى أجزاء من الظاهرات
خارج الكشف. أما الفلسفات المادية والجدلية فقد تنامت هي الأخرى في
ألمانيا، فظهر الجدل لدى هيجل، ولكن جدل هيجل مبنيٌ على كون الفكرة
المطلقة أو الروح هي التي تقومُ بالحركة، فهي فكرة مطلقة غيبية لكنها
في حركة تالية تتحد بالطبيعة وفي حركة ثالثة تتحد بالعقل، وهذه
التحولات الثلاثة تشير إلى حركة الفئات الوسطى الألمانية عبر منظور
هيجل المتواري، حيث تنفصل عن الفكر الديني والسلطة المطلقة وتتحد
بالمادة الطبيعية والفكرية، ثم تتوجُ في العقل الذي هو أيضاً الدولة
البروسية!
إن الفئات الوسطى بالمنظور الهيجلي استطاعت أن تنفصل عن الدولة-
الدين ولكن ليس بشكل كلي، فتتمظهر في حركة «الروح». وهذا أسلوب فلسفي
يوناني وشرقي قديم. ولكن ما يهم هنا هو طريقة الروح في التحول عبر موقف
أول الذي يتم تجاوزه في حركة نفي مضادة، لأن الروح تعيش حالة صراع
وتناقض، فتحل حالةُ تركيبٍ وتجاوز للنقيضين في موقف جديد، ولكن الموقف
الجديد يستتبع وجود تناقض آخر يؤدي إلى حركة جديدة وهكذا. هذا المنهج
الجدلي كان اختراعاً ألمانيا، أي ظهر في حالة ألمانيا الإقطاعية
المتخلفة عن برجوازيات التحول الكبرى، وفي وجود الفئات الوسطى التي لم
تتشكلْ كطبقةٍ قيادية، ومن هنا فالجدل يظهرُ في شكلٍ ديني مثالي
موضوعي، فهناك الفكرةُ المطلقة أو الروح وهي المعبرة عن الطبقات العليا
المسيطرة، لكنها تلتحم بالطبيعة والمادة المعبرة عن الطبقات الشعبية،
وفي هذا السديم الفكري الاجتماعي، المعبر عن حالة ألمانيا القلقة، تدور
فلسفةُ هيجل، منهجها الجدلي ثوري، وغلافها الفكري محافظ، وبين
الثلاثينيات والأربعينيات من تاريخ ألمانيا وأوروبا في القرن التاسع
عشر، تنفجرُ ألمانيا وتنفجر فلسفة هيجل معاً!
لم تحصل ألمانيا على فرصة تاريخية مطولة كي تشكل تحولها الديمقراطي،
والبرجوازية تمشي في حضانة عسكرية من قبل الدولة، وجاء هيجل بجدله
التحولي ليطرح منهجاً مهماً في فهم وتفعيل الحركة على مختلف الأصعدة،
فانتقلت قيادة الحركة الاجتماعية إلى الفئات البرجوازية الصغيرة، ومنها
ظهر فورباخ بماديته النافية لمثالية هيجل، وظهر اليسار الهيجلي، وهي
قوى حاولت دفع البرجوازية لكي تنقض على الإقطاع دون فائدة.
وهذا هو ميلاد الماركسية. تشكلت في لحظتها الأولية تلك كنقيض
للطبقتين الإقطاعية والبرجوازية معا. أي اندفعت نحو العمال كملاذ أخير
من الجمود السياسي الاجتماعي. وهنا كانت أشبه بصرخة سياسية أكثر منها
علما. ومن هذه الصرخات سوف يرى لينين الماركسية. وهذه القضية ستبقى
مشكلة كونية للبلدان المتخلفة عن البلدان المتقدمة ولرغبتها القومية
الحادة في اللحاق بالمتقدمين.
كانت عقلية «البيان الشيوعي» المكتوب من قبل ماركس وإنجلز تطرح
تصوراً كونياً لقرون قادمة وليس لحل إشكاليات الصراع الطبقي الراهن في
ألمانيا نفسها، فكانت ألمانيا بحاجة إلى تشكيل تحالف برجوازي- عمالي
يبعد القوى الإقطاعية العسكرية المتطرفة عن السلطة وليس لإزاحة
البرجوازية التي لم تكن تحكم!
إن لغة المثقفين المنتمين للبرجوازية الصغيرة يسقطون هنا وعيهم
السياسي التحويلي على الواقع الموضوعي فيطرحون مهمات غير ممكنة سياسيا،
في إطار إيديولوجي مُسقط، وبطبيعة الحال يطرحون ذلك كصوت للطبقة
العاملة، وهذا على المدى التاريخي صحيح، لكنه في الواقع الراهن غير
واقعي، وتداخل المدى التاريخي واللحظات السياسية الراهنة، بمهماتها
العملية الكبيرة، لا يتطابق ويتداخل بصورة جدلية، فهيمنة الطبقات
العاملة تتم بعد قرون من التراكم السياسي والاقتصادي والثقافي لكنها
كمهمة مرحلية غير ممكنة. وترتبت على لغة أقصى اليسار بمظاهرها
الاجتماعية وثورتها هذه توجه البرجوازية الألمانية نحو أقصى اليمين،
كذلك فإن ذهاب ماركس- أنجلز للعيش في إنجلترا أضفى على لغتهما الثورية
العاطفية الألمانية بعداً أكثر موضوعية، وبدأت عمليات الاكتشاف العلمي
العميقة للرأسمالية والعلوم، التي حصيلتها كتب موسوعية مثل «رأس المال»
و«جدل الطبيعة» وغيرهما، لكن الاستنتاجات ظلت في الإطار التاريخي العام
وليس داخل صراعات البنى الرأسمالية الوطنية بمختلف مستوياتها وليس
البحث كذلك في كيفية التغلب على الدوائر المتطرفة سياسياً وفكريا.
إن انتصار البرجوازيات الكبيرة في الأقطار الرأسمالية الرئيسية تحقق
بفضل انتصار أسلوب الإنتاج الرأسمالي وتوسعه العالمي وتدفق فيوضه على
الفئات المالكة والوسطى، وأعطت ألمانيا نموذج الجمع بين الفكر الإقطاعي
السابق والفكر البرجوازي التابع فكان الجمع بين أشكال الفكر الدينية
والصوفية واللاعقلانية وبين أشكال من العقل والليبرالية المحدودة
والمهيمن عليها وهي الثقافة البرجوازية- الإقطاعية الهجينة التي ترتبت
على قيام البروسية البسمركية في السيطرة على البرجوازية الخاضعة. ومن
هنا رأينا ألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهي تتخلى عن
الجدل الهيجلي وتروجُ فيها الكانتية والكانتية الجديدة والوضعية
المنطقية والتجريبية. يقول جورج لوكاش: «إن جدل هيجل حين يحاول السيطرة
على هذه المسائل في منظور تاريخي، هو ذروة الفلسفة البرجوازية. إنه
يمثل أقوى مشروع حاولته للتغلب على هذه المعضلات الجديدة: محاولة صهر
طريقة قادرة على ضمان الفكر الإنساني كاقتراب لا محدود وانعكاس للواقع
بالواقع نفسه»، «تحطيم العقل، جزء 1، ص 76 - 77».
إن مشروع هيجل يظل مشروع فئات برجوازية لم تتشكل كطبقة قائدة لعملية
التحول، ولهذا هو مفكّكٌ بين منهج جديد وبناء تقليدي، وتخلي هذه الفئات
عن الجدل واتجاهها للعلموية الوضعية، لكشف المادة الجزئية المحدودة
المنقطعة عن قوانين بنية المادة الطبيعية والاجتماعية، فهي هنا تمثل
البرجوازية التي تدير المصانع المحتاجة للتقنية، في حين أن اتجاهها
للاعقلانية والصوفية وفلسفات الحياة هي للسيطرة على الوعي العام وإدارة
الدولة والمجتمع، وهذا الانقسام بين وضعية علموية تجريبية وكانتية وبين
فلسفة الحياة المتجهة للفاشية، جانبان يتكاملان يعبران عن هذا التزاوج
الإقطاعي- البرجوازي وقد تحول إلى طبقة سائدة ذات أصول بروسية عسكرية
وبرجوازية نهمة للاستيلاء على المستعمرات.
المادية الجدلية(3)
مقدمة :
أن المتتبع إلى حقول الفلسفة يسعى إلى فهم الغموض كما يحاول أن يكشف
ماهية الحقيقة والمعرفة , وان يدرك ماله من قيمة أساسية وأهمية عظمى في
الحياة وتنظيم العلاقات بين الإنسان والطبيعة وبين الفرد والمجتمع.
وللفلسفة أيضا تاريخ طويل في بعض الثقافات غير الغربية، خصوصا في الصين
والهند. ويرجع عدم التبادل بين الشرق والغرب إلى صعوبات السفر والاتصال
بالدرجة الأولى، مما جعل الفلسفة الغربية تتطور على العموم بصورة
مستقلة عن الفلسفة الشرقية.
فالفلسفة اليوم هي نشاط عقلي يرمي إلى فحص نقدي منتظم للمعتقدات
والمبادئ كي يجعل لهذه المعتقدات والمبادئ أساسا تقوم عليه وتقف به في
وجه أنواع الصراع المتعددة .
لقد أفرز التطور الفكري في أوربا في القرن التاسع عشر عديدا من
التيارات , و المذاهب الفكرية و الفلسفية حتى عد بحق قرن ازدهار
الأيديولوجيا. وقد كانت الماركسية التي ارتبطت بالفيلسوف الألماني كارل
ماركس (1818-1883م) و كتابه الشهير ' رأس المال ' الذي ظهرت أولى
أجزائه في العام 1867م هي التيار الفكري الأبرز الذي حظي باهتمام واسع
جدا . وهذا الاهتمام يفوق في مداه ما حظيت به التيارات الأخرى . و لعل
أهم الأسباب في هذه الحظوة الفريدة يمكن في حقيقة كون الماركسية كانت
تنطوي على رؤيا اجتماعية فقد كان ماركس
يرى أن الأفكار لا تدرس بمعزل عن سياقاتها الاجتماعية لأنها جزء من
البنية الفوقية التي هي انعكاس للبنية التحتية التي تشمل علاقات
الإنتاج و وسائله ، فضلا عن كونها فلسفة عميقة تتوفر على أهم خصائص
المذاهب الفلسفية الكبرى . و قد عد الفيلسوف الفرنسي سارتر ، حين تحدث
عن تطور الفكر الفلسفي الغربي ، كارل ماركس واحدا من كبار الفلاسفة
الغربيين على مدى تاريخ الفلسفة الغربية إلى جانب أفلاطون و أرسطو و
كانت و هيجل.
وسوف أتناول في هذا البحث : الفلسفة الماركسية ( المادية الجدلية )
من حيث نشأتها , واهم القوانين والمبادئ التي قامت عليها , والتطبيقات
التربوية , وتسليط الضوء على أهم أعلامها ؟
الماركسيون والفلسفة:
' الماركسيون أصحاب فلسفة واقعية حسية وهم يلصقون بها صفة العملية
،ويرون أن الفكر الفلسفي هو أداة للتغيير الاجتماعي والاقتصادي
والسياسي وفهم قوانين التطور التاريخي' 0 (أبو ربان،2001, 26).
تعريف : المادية الجدلية ialectical Materialism
هي النظرية التي تقرر بأن المادة هي كل الوجود،وان مظاهر الوجود على
اختلافها نتيجة تطور متصل للقوى المادية ،وان ماهو عقلي يتطور عما هو
مادي ولابد أن يفسر على أساس طبيعي ،(ناصر ،281،2004).
نشأتها :
أول من وضع مبادئ المادية الجدلية، هو الفيلسوف الالماني الجنسية
كارل ماركس (1818- 1887). وسميت بالماركسية نسبة لكارل ماركس الذي
اسسها مع صديق عمره فردريك انجلز (1820- 1895).. ولكن الذي دعى اليها
ونشرها هو لينين (1870- 1934). ويطلق على هذه الفلسفة اسم المادية
الجدلية، لأن أصحابها ومؤسسيها يعتقدون ان جوهر العالم هو المادة،
والمادة في نظرهم مستقلة، ووجودها سابق على فكرتها، وما الفكر الا
انعكاس لما يقع خارجه في العالم المادي الطبيعي، وفي الحياة
الاقتصادية، والحياة الاجتماعية (المجتمع)، والحياة السياسية (نظام
الدولة وشؤون الناس)، وأكد هؤلاء (الماركسيون)، أن الأشياء والأفكار
تتفاعل معاً في حركة جدلية. إلا أن الأشياء المادية سابقة على وجود
أفكارنا عنها، كما أن وجود هذه الأشياء الموجودة امامنا ولدينا في تغير
دائم وتطور مستمر.(ناصر،2004) .
لقد تأثر ماركس بالفلسفة الالمانية المادية التي كانت سائدة في
عصره، فأخذ عن (هيجل) الجدل، حيث كان هيجل يبدأ جدله من الفكرة ويجعل
الواقع نتاجاً لها، اما (ماركس) فبدا الجدل من الواقع وجعل الفكرة نتاج
الواقع المادي. وهكذا كان ماركس يرى بان كل شيء في الوجود وحتى الإنسان
نفسه وتفكيره، والمجتمع كذلك بما فيه وبمن فيه، كلها انعكاسات للمادة
التي ترتد اليها، والتي يبدأ منها 'الجدل' فالمادة اذن عنده اسبق من
الفكرة وهي اصل وجودها.
كما تأثر ماركس بكل من الاقتصاد الانجليزي الذي ساد انجلترا بعد
الانقلاب الصناعي، والذي اسسه ادم سميث و دافيد ريكاردو اللذان أثارا
نظرية القيمة في العمل. وتاثر ماركس كذلك بالمذهب الاشتراكي الفرنسي في
حينه. لقد كان مراكس فيلسوفا ومفكرا مادياً، والف مع زميله (فردريك
انلجز)، مجموعة من الكتب شرحا فيها اكفارهما مثل العائلة المقدسة عام
(1745) والايدولوجية الالمانية عام (1846). والبيان الشيوعي عام
(1848). ومن هنا يعد (ماركس وانجلز) اول المؤسسين للشيوعية الحديثة
التي بدات من المانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم تابعها
في نفس الاتجاه لينين وغيره من مفكري المادية او الماركسية او الشيوعية
الحديثة في القرن العشرين. (جعنينى،253،2004).
ويمكن القول بأن الظروف التي اعانت (كارل ماركس) على وضع فلسفته
كانت ظروفاً سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وفكرية، سادت في عصره
وعاشها في بداية حياته مثل:
1- التناقضات التي جاء بها تطور النظام الراسمالي في أوروبا خلال
القرن التاسع عشر بين طبقة الملاك الراسماليين وطبقة العمال الكادحين.
2- التطور الكبير الذي قطعه علم الطبيعة خلال القرن التاسع عشر، فقد
كف هذا العلم (الطبيعة) عن دراسة الاشياء والوقائع منفصلة عن بعضها
البعض، وتحول الى علم نظري يسعى الى تفسير هذه الوقائع، وايضاح الصلة
بينها على أساس ديالكتيكي ، وقد ساعدت النظريات والاكتشافات الكبرى في
علم الطبيعة إبان القرن التاسع عشر على تشكيل النظرة المادية الجدلية
الى الطبيعية، كاكتشاف بقاء الطاقة وتحولها، ونظرية تركيب الكائنات
الحية من خلايا، ونظرية داروين التطورية. (ناصر،2004).
وتقوم قوانين المادية الجدلية عند كار ماركس على ما يلي:
1- قانون وحدة الاضداد وصراعها.
كل شيء طبيعي وكل ظاهرة تشتمل على طرفي تضاد، ولا يمكن ان يظل هذان
الطرفان في سلام فمن المحتم ان يتولد الصراع بينهما وهذا الصراع بينهما
لا يقضي على وحدة الشيء او الظاهرة، بل يقضي الى تغلب الطرف المعبر عن
التقدم على الطرف الآخر فيحدث التحول، وهذا هو السبيل الى التطور، ويرى
ماركس اننا نجد التضاد في الشيء الواحد: الحار والبارد، والصلابة
والليونه، والحياة والموت، والانانية والغيرية.
وأن التحول يحدث حينما يتغلب طرف على الآخر دون القضاء على وحدة
الشيء، وبالتطبيق على الواقع السياسي نجد ان المجتمع الراسمالي يشمل
على البروليتاريا والبرجوازية، وكل طبقة منها تفترض وجود الطبقة الاخرى
على الرغمن من تضادهما، اذ انهما سيؤلفان وحدة النظام الراسمالي.
2- قانون الانتقال من التغير الكمي على التغير الكيفي.
يوضح هذا القانون كيف يسير التطور، فالتغير الكمي يحدث من ناحية
المقدار أما التغير الكيفي فيحدث من التحول في الكيف او الصفات. ويرى
ماركس انه عندما تتراكم التغيرات الكمية وتتزايد، فإن التغير الكيفي لا
باس يلبث ان يتم، كما يرى انه اذا اختفت الملكية الراسمالية وهي
الكيفية الاساسية للنظام الرأسمالي. وحلت محلها الملكية الاشتراكية،
فأن نظاما جديداً يحل محل النظام الرأسمالي وهو النظالم الاشتراكي،
وبينما يحدث التغير من الراسمالية الى الاشتراكية فجأة أي بالانقلاب
الثوري المباغت. نجد ان الانتقال من الاشتراكية الى الشيوعية لا يتم
فجأة بل بالتغيير المستمر البطيء.
3- قانون سلب السلب.
وهذا القانون يكشف عن الاتجاه العام للتطور في العالم المادي،
فتاريخ المجتمع الانساني يتالف من حلقات نفي او سلب النظم الجديدة
للنظم القديمة، فقد قضى مجتمع الرقيق على الشيوعية البدائية، وقضى
مجتمع الاقطاع على مجتمع الرقيق، وقضت الرأسمالية على مجتمع الاقطاع،
ثم قضى المجتمع الاشتراكي على مجتمع الراسمالية. وكل نظام يشتمل في
نفسه على مبادئ كامنه في ذاته تكون هي البيت في القضاء عليه؛ فالمجتمع
الراسمالي يحوي في ذاته على مبادئ ولا يعني السلب او الجديد ينسج
القديم كله بل الواقع انه يستبقي من القديم افضل ما فيه فيدمجه في
الجديد ويرفعه الى اعلى. (ناصر،2004).
كما يطلق على المادة الجدلية 'الفلسفة الاشتراكية' بمعنى انها
الفلسفة التي تعني بأن الملكية العامة لوسائل الإنتاج مشتركة بين جميع
الناس.
ان المادية الجدلية، لا تناقش الأمور الغيبية، لأنها لا تؤمن إلا
بالمادة المحسوسة، وترى المادية الجدلية ان كل ما في الوجود يضمن عناصر
متناقضة، ومتصارعة، وان التصارع بين النقيضين (الشيء وضده) ينشأ عنه
شيء أرقى منه مرتبة، وهذا ما يوضح طبيعة التطور ويجعل منه تقدماً وهو
ما يعرف بقانون نفي النفي.
المبادئ التي تقوم عليها المادية الجدلية:
تقوم الفلسفة المادية الجدلية على المبادئ التالية:
1- ' انها تعبير عن صراع طبقي ومصالح مادية (جدل مادي وتاريخي).
2- المهم ليس فهم العالم بل العمل على تغييره.
3- المادة توجه العالم وتفسر التاريخ.
4- التاريخ عند الماركسية (المادية الجدلية) عبارة عن صراع بين
الطبقات نتيجة عوامل اقتصادية.
5- الاقتصاد وعلاقات الانتاج هما اساس كل ظاهرة اجتماعية.
6- الدعوة لتغير العالم لصالح الكادحين (البروليتاريا)، مع رفض قاطع
للميتافيزيقا.
7- تفسير الاحداث والتاريخ بناء على نظام الملكية.
8- محاربة الاديان واعتبارها وسيلة لتخدير الشعوب، وخادماً
للراسمالية والإمبريالية.
9- الإيمان بأزلية المادة وأن العوامل الاقتصادية هي المحرك الأول
للأفراد والجماعات.
10- الأخلاق نسبة وهي انعكاس لآلة الإنتاج.
11- القضاء على الاستغلال الفردي وسحق الفرد'. (ناصر،ص362،2004).
التربية الماركسية:
هي عملية متكاملة وشاملة لجوانب ثقافية واقتصادية واجتماعية يقوم
بها المجتمع من اجل رفاه الشعب كله، ووفق خطة تتفق وفلسفة المجتمع
الماركسي واساس التربية الاشتراكية هو ربط التعليم بالعمل الانتاجي
الصناعي الحديث والممارسة العملية وهي تربية مستمرة .
وتسيطر الدولة على التربية وتوجهها كما تريد، لخلق أجيال تدين
بالمبادئ الشيوعية وتعمل على الذود عنها. (أبو العنين،2003).
أهم المبادئ التربوية للماركسية:
1- التعليم إلزامي وجماعي وموحد لجميع المواطنين.
2- مساواة الجنسين والاجناس والقوميات المختلفة في فرص التعليم.
3- التعليم وظيفة الدولة ولا يحق لأي فئة او منظمة او جمعية غير
رسمية او فرد تأسيس او ادارة مؤسسة تعليمية.
4- التربية الماركسية مخطط لها اقتصادياً، واجتماعياً، بشمولية
ومرونة علمية ديمقراطية.
5- التربية في المجتمعات الاشتراكية المراكسية مستمرة وللجميع،
كبارا وصغاراً.
6- التربية الماركسية تؤكد على قيمة الانسان واهميته وذكائه
وانتاجيته وفاعليته.
7- المدرسة مؤسسة اجتماعية؛ لذلك ترتبط بالحياة الاجتماعية ارتباطا
محكماً وكاملاً.
8- تربية الجيل تركيبة اشتراكية تشمل ايديولوجية معينة نابعة من
المعتقدات الخاصة بالجماعة.
9- الاهتمام بالتنمية الشاملة وبالعلم والتكنولوجيا التي تخدم الشعب
عامة.
10- محو أثر الدين بمختلف المدارس وتنمية النظرة المادية الالحادية
ومبدا اللاطبقية بين الدارسين. (ناصر،2004).
التطبيقات التربوية للفلسفة الماركسية:
المعلم:
لابد أن تتوفر في المعلم جوانب ثقافية وتربوية ومهنية من هذه
الجوانب:
1- ان يكون المعلم مؤمنا بفلسفة الدولة الاجتماعية ومتفهماً للنظام
الماركسي مستوعباً له وبأنه يضمن سعادة المجتمع ورفاهه لينقله لطلابه.
2- ان يكون سلوكه اشتراكياً ماركسياً داخل وخارج المدرسة، وهذا
يتطلب منه فهم التربية الماركسية وكيفية تطبيقها في المجال الدراسي.
3- أن يكون ذا ثقافة جامعة طابعها الرغبة في تنمية الذات وحب العمل.
4- ان يقف في طليعة العناصر الوطنية الشاعرة بمسؤولياتها الاجتماعية
والمدركة بوعي قضايا مجتمعها وعصرها.
5- ان يكون متفهماً للأهداف التربوية والنظريات التربوية الحديثة.
6- ان يستخدم طرق التدريس الماركسية المحققة للأهداف التربوية
كالأساليب الجماعية التعاونية.
7- أن لا يفصل بين مادة تخصصه وبين أهداف وأماني شعبه.
8- عليه ان يغرس في التلاميذ القدرة على التفكير المستقل والنقد
والتحليل للأحداث تحليلاً موضوعياً.
9- ان يكون ذا شخصية متزنه وسمعة حسنه ومستوى عال من الاخلاص
والكفاءة العالية.
10- أن يكون مؤمنا بالقيم والمثل الانسانية والديمقراطية، وخاصة
فيما يتعلق بالعمل والإنتاج.
11- ان يعمل على رفع منزلته الاجتماعية.
12- ان يؤدي الأدوار الموكلة غليه بحكم مهنته بصورة مشرفة.
(جعنينى،2004).
المتعلم / التلميذ:
1- أن يحترم معلمه.
2- ان يتلزم بالعادات الماركسية، وأن يكون سلوكه سلوكاً ماركسياً.
3- محباً للعلم باحثاً وناقداً موضوعياً.
4- عارفاً لحقوقه وواجباته.
5- مشاركاً جزئياً في طرح رأيه ووجهة نظره.
6- لح الحق في تنظيم حياته الاجتمايعة واختيار القيادات التي يريد.
7- له الحق في أن يتوفر له تعليم مناسب او يتناسب مع قابلياته
وقدراته ومع ظروف بما يحقق له التقدم في حياته. (ناصر،2004).
طرق التدريس:
تؤكد التربية الماركسية في طرق التدريس على اساليب التدريس الجماعية
وخاصة تلك الطرق التي تحقق اوسع مشاركة من التلاميذ، كأسلوب
التعاونيات، ونظام الأسر المدرسية وغيرها، بينما تنبذ الطرق الفردية في
التعليم، التي تنمي في الأطفال الأنانية والمنافسة الفردية التي تثير
البغضاء والحقد بين الأطفال.
وتتميز طرق التدريس في التربية الماركسية بتأكيدها على الجوانب
العملية والتطبيقية وهذا يعني ان تتوفر في المدرسة الاشتراكية
المختبرات المتنوعة والوسائل التعليمية الحديثة الكافية من (افلام
ونماذج واجهزة وخرائط ومصورات وفعاليات) كي يمارس كل طلاب المدرسة
التدريب والدراسة العملية والتجريب بما يساعدها على كسب المهارات
العملية والتكنولوجية وتعميق خبراتهم لمواجهة المواقف المعقدة في
المجتمع، حيث تعمل على زجهم في التجارب العملية والتطبيقات المختبرية.
والتربية الاشتراكية لا تؤمن بالتدريس المحصور داخل جدران الصف،
وترى ان التلميذ لا ينبغي ان يدخل فجأة بعد انتهاء فترة الدراسة في
التعليم الاشتراكي لا تقتصر على استخدام الادوات والآجهزة المتوفرة في
المدرسة، فهي تتجه الى ربط الفعاليات التعليمية بالتنظيمات والمؤسسات
الاشتراكية في المجتمع، لهذا فإن المدرسة تتخذ مما يتوفر داخل المدرسة
او خارجها وسيلة تعليمية تستفيد منها وتعتبر مجالات التعليم من السعة
بحيث تشمل كل ما هو متوفر في البيئة. (جعنينى،2004).
من اعلام الفلسفة الماركسية:
1- كار ل ماركس (1818 – 1895)
كار ل ماركس هو أول من وضع مبادئ الماركسية وأرسى قواعدها، وهو
ألماني الأصل. وكان والداه يهوديين ثم اعتنقا المسيحية، وقد درس ماركس
الفلسفة في جامعات بون وبرلين وفينا، وكان من المعجبين بفلسفة هيجل
خاصة الجزء المتعلق بالجدل، لكنه في نفس الوقت كان يرفض مثاليته
المطلقة، لأنه كان مادي النزعة. سافر إلى باريس حيث تعرف على بعض
الفلاسفة ألاشتراكيي0 كما تعرف على صديقة 'فردريك انجلز' الذي ظل
يلازمه طوال حياته، حيث اشتركا معاً في الهجوم على الفلسفة المثالية
والنظام الرأسمالي.وكرس ماركس حياته لفحص ودراسة الإنسان في علاقته مع
المجتمع وبين إن هذا الإنسان قابل للتغير والتحول ،فليست هناك طبيعة
إنسانية ثابتة أو مطلقة يندرج تحتها جميع الناس0
وكانت أهم مؤلفات ماركس هي : فقر الفلسفة، الاقتصاد السياسي
والفلسفة، ورأس المال، والبيان الشيوعي، والأيديولوجية الألمانية.
(ناصر،2004).
2- فردريك أنجلز (1820- 1895)
كان ألماني الأصل، ومن أسرة ثرية جداً، لم يكمل دراسته الجامعية،
وساعد والده في إدارة شركاته المختلفة، بدأ بالانسلاخ فكرياً عن طبقته
عندما شاهد بنفسه الآلام التي عانى منها أفراد الطبقة العاملة بسبب
مساوئ الرأسمالية، وشرع في دراسة الاشتراكية، وكان من المعجبين بالجدل
الهيجلي والرافضين لتلك المثالية المطلقة في الفلسفة وكان مادي النزعة
ومن مؤلفاته ما يلي:-
حالة الطبقة العاملة الإنجليزي ، وجدل الطبيعية، الاشتراكية
الخيالية والاشتراكية العلمية. وغيرها... (أبو ربان،2001).
3- لينين (1870 -1924)
اسمه الحقيقي فلاديمير التش بوليانوف، وهو قائد الثورة البلشفية
الدامية في روسيا سنة 1917. ودكتاتورها المرهوب، وهو قاسي القلب، مستبد
برأيه، حاقد على البشرية، وهناك دراسات تقول بأنه يهودي الأصل، ثم تسمى
باسمه الروسي الذي عرف به، وهو من اشهر الماركسيين الروس الذين حملوا
لواء الدعوى للفلسفة المادية والاشتراكية العلمية، وهو حلقة الوصل بين
ماركسية القرن التاسع عشر وماركسية القرن العشرين، درس القانون، لكنه
تحول بعد تخرجه لدراسة الفلسفة الماركسية بالذات، وله مؤلفات عديدة
منها: ما العمل، وماركس وأنجلز والماركسية، ودكتاتورية البروليتاريا أو
الطبقة العاملة، وهو في كل أعماله لم يكن مجرد ناقل من الماركسية،
وإنما مبتكراً لكثير من النظريات فيها. (أبو ربان،2001).
رأى الباحث:
بعدا تناولنا للفلسفة الماركسية ( المادية الجدلية ) ومعرفتنا
لنشأتها ومبادئها التربوية , سوف أبين بعض السلبيات ولايجابيات التي
توصلت إليها وهي كالتالي :
1- نحن ضد مناداة هذه الفلسفة لمحاربة الأديان ونظرتها لها ،لان
الأديان السماوية هي صمام الأمان في المجتمعات التي نادت في وضع
القوانين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
2- نظرت هذه الفلسفة للتاريخ نظره مغلوطة على انه صراع بين الطبقات
0
3- لم تعطى الأخلاق الأهمية والمكانة المناسبة في المجتمع وربطته
بالاقتصاد0
4- لم تراعى الشخصية الفردية وربطتها بمصلحة الجماعة 0
5-لم تؤمن بالديمقراطية الفردية والحرية الشخصية0
6-احتكرت التعليم والاهتمام به وحصرت هذه المهمة بالحكومات 0
7-لم تعطى لمادة الدين أهمية بل حاربة على محوه وأبدلته بالالحادية0
8-ألزمت المعلم باستخدام رق التدريس الماركسي فقط وأهملت طرق
التدريس الاخرى0
9-اهتمامها النشاطات اللاصفية اهتماما كبيرا0
10-لا تؤمن بالتدريس المحصور داخل جدران الصف0
المراجع :
1- أبو ربان، محمد على 0(2001)0الفلسفة ومباحثها،ط4،دار المعرفة
الاجتماعية،الاسكندرية0
2- أبو العينين،على خليل مصطفى0(2003)0الأصول الفلسفية للتربية
قراءات ودراسات،ط1،دار الفكر العربي ، القاهرة0
3- جعنينى،نعيم محمود0(2004)0الفلسفة وتطبيقاتها التربوية،ط1،دار
وائل للنشر والتوزيع،عمان0
4-على،سعيد إسماعيل0(2000)0الأصول الفلسفية للتربية،ط1،دار الفكر
العربي، القاهرة0
5-على،سعيد إسماعيل0(2001)0فقه التربية مدخل إلى العلوم التربوية
،ط1،دار الفكر العربي،القاهرة0
6-ناصر،ابراهيم0(2004)0فلسفات التربية ،ط2، دار وائل للنشر والتوزيع،
عمان 0
7-ناصر،ابراهيم0(2004)0أصول التربية الوعي الإنساني ، ط1،مكتبة
الرائد العلمية،عمان0
الجدلية الحداثية واحلامها
الجمالية(4)
يتعين على الجدلية الحداثية ان تقوم بتسريع عملية الاستشراق لزوال
الحدث بثبات يتقدم التأريخية الحداثية وجماليتها المؤقتة والتي تقع في
الغالب داخل الاستقرار للمعاني ولتأخذ الركن المتعاكس – والمتوفر وفق
اتجاهات متصورة تنبني عليها احكام جمالية حاضرة ومتطورة . وحالة
التغيير في هذا المنعطف تتشكل بالتجريبية الحية داخل منظومة (زمكانية)
تحدد مدارات الوعي الانساني وفق قوة ، ومتعه ، وتحولات تتفق واختلافية
الافكار والعلوم .
ان هذه الاتجاهات باصولها ، ودوافعها ومكانتها التقنية وتحولات
الصيغ الذاتية التي هي تعبير عن تجاوز الحدود الطبقية والدينية ،
والايديولوجية ، حيث تقوم هذه المتواليات وفق هذا المعنى وحدوده
المتناقضة ، واشكالياته المتوازية لتحيل الخصم من هذا المعترك المتضاد
والغامض احيانا الى شبكة من المشكلات السسيولوجية داخل الانطلاقة
والتوجس (السيكولوجي والسياسي) وان التعبير عن هذه المنازعات داخل
منظومات سسيولوجية مختلفة تعطينا محصلة الى نقص في النضج ، وتشبث في
التصور الذي يغيب عنه الاطار الموضوعي بكل مفرداته ، واشكالاته عموما .
وان ما يواجه الانسان في الوقت نفسه هو التعامل مع هذا التشظي وطروحاته
في اطار (الزمكان) وللعملية الانتقالية الى أواصر الخطاب الانساني
وتحولاته ومكانه (الآصرة الحداثية العربية) من كل هذا الوضع لانها آصرة
(تمثيلية) تخرج ضرب من الوعي الحداثي وتسهم بصفتها رؤية معاصرة من هذه
الاصرة الخطابية لتوضع لنا شعورا رمزيا ينقلنا نقلة سريعة بسرعة عملية
الزوال لهذا الشعور الرمزي وتاكيد هذا التشظي المزدوج داخل رمز الهوية
وبدلالة تشير الى خاصية سيكولوجية تحيل هذا التعميم الاشكالي الى
تفاصيل فوضوية خالقة من خلال هذه التحديات اللانهائية باعلانها
الاستقلالية وعبر دورها المركزي وفق تعطيل ينذر بالتشرذم وحلول تنقاد
الى نتائج لا تعبر عن برهنة حضارية حداثية تتساوق حتى مع ادنى الحالات
الحداثية الى تحملها الاشياء الخفية . ان الصعوبة الكامنة في تفسير
الحس التاريخي بانساقه الحداثية الحالية والديمومة المعنوية التي
تنقلنا من حالة الركود الى حالة التغيير الجوهرية والبحث عن مستلزمات
الوعي التاريخي (بسيرورته) وبكل انقطاعاته وتداخلاته ومركباته التي
تشكل استمرارية تجذيرية وانكشاف وكبح لكل متغيرات التزمت هذا الانكشاف
الجوهري انطلاقا من استمرارية معنى التغيير والتناقضات الحاصلة في
(المنظومة الجمالية) .
وياتي المتناهي باستشعارية موجبة لاختراق ذلك المجهول بدعوى مشكلة
(الحرية) والحضارات بقيت اسيرة السرد لذلك البطل الفاني الذي حاول ردم
الهوة (الأضداد الحداثية) لانها المحور الخطير في هذه القضية وهي تستند
الى جدلية التاريخ اللامتناهية وهي القدرة على عملية الاختيار
اللامتناهي لمنطوق الحضارة والابداع الكوني . ثم تأتي الحرية لتوحد هذا
التشكيل بين (الابستمي والجمالي) مع الجسور السيكولوجية التي تربط
الحداثي بالكوني) وهو المصب الرئيسي . فيما يتعلق بالمعرفة وسط قدرة
حسية تنسجم بافتراضات المتغير (السسيولوجي) (بزمكان) يحدد اجابته وفق
منظور معنى التجديد للمشروع الجدلي الحداثوي . لقد كانت الفكرة
(الارسطوطاليسية) هو الانفصال عن (الارث الافلاطوني) وفق الاستخدام
الامثل للتراكم الابستمي وهذا ادى بدوره الى تشكيل رؤية فلسفية جديدة
تؤكد على اغناء الحياة بالمعرفة وهذا يذكرنا بانفصال (مالبرانش عن
ديكارت) ولكن بقيت (الارسطاطاليسية هي المحور في التلميحات الجمالية)
والعلم البياني الذي يستخلص المنطق هو اكثر (ابستمية) في حدود الجمال
من (الحدسية الافلاطونية)( ) فما دام التراكم المعرفي هو المحور
الرئيسي في الفلسفة الانسانية نستطيع ان نقول (ان المنظومة العقلانية)
لحرية التنظيم السسيولوجي تعد نمطا من التفكير المتقدم وخاصية كلية
تعبر عن حقيقة التقدم البشري ويتمثل الابداع البشري بالاكتشافات
العلمية وفق منظار التميز الفردي وكان التفكير (التنويري) قد تسابق
للانتقال بسرعة الزوال وبتشاكل ايقاع الحرية ، بان المعرفة هي تفكير
كوني تصحبه رؤية تفصيلية صادقة لكل العلوم والفنون والاطر الحديثة
المتعلقة بهذه المفاصل لانها المقياس على حلقة التقدم العلمي وهي
البذرة الرئيسية للامتناهي داخل البنية الفكرية والسلم الانطولوجي وهو
يبقى خارج المدار الحيادي . وكان ديكارت قد استوعبه واعتمده عبر هذه
القنوات ضمن صيغة (المنطق الكمالي) باعتباره دليل وجود لفهم هذه
الخاصية من المحاور المتعددة ، والدليل الوجودي الديكارتي كان قد
استخدم حدين (اللامتناهي والاخلاقي) بصفته الكمالية وحدوده الاعلانية
المنطقية . فاذا كان الكمال يحمل الصيغة المحمولة على موضوع متشعب
يستوعبه حسب المنطق الحداثوي الا انه من جانب اخر فان الكمال قد يؤسس
مدارا اخلاقيا فهو الموازي للمنظومة الفلسفية باعتباره (مناظرا
للانطولوجيا)( ) وان شرحته السياقات التاريخية وجدليتها من انه يشكل
صدعا شائعا بين حدين (اخلاقي وانطولوجي) وان المكتشف الامكاني لا يحمل
حلقات الضرورة دائما وان الكينونة هي ضرورة تتعلق بالمنطق الحداثوي
ولكنها تبقى رؤية في الصيغ الامكانية ، وان صناعة (العقل الجمعي) تقتضي
حدود التعامل الايديولوجي على سبيل المثال فيما يجعل من الامكان
الاستحالة للتعايش مع المستحيلات وتحويل هذه المفاهيم الى لغة تتعلق
بالواجب الوجودي دون المحاور الاساسية وان الممكن الساكن في حلقاته
المتقدمة والاستحالة الاستقرارية بمداخلات الماضي باعتباره هو الغاء
العمل الماضي والغاء للمكان ، ولذلك استعان (ديودورو) بالزمان والغى
المكان الحداثوي أي الغاء النواة في تشكيل الحركة ، باعتبار ان الماضي
اصبح مستحيل وهكذا في نظر (زليون) يتم الانتقال الى مرحلة اكثر تطورا
وهي ممكنة من الناحية الزمانية لكنها غير ممكنة مكانيا . هذا المنعطف
الفراغي كما يقول (كارناب) هكذا ينشا التفكير في (اللامفكرة) وفق
المنظور (الهيدغري) في (اللافكرا) وكل هذه الحلقة المفرغة لا تأتي من
اللاشيئية بل من الصيرورة (الزمكانية) أي العودة الى المنحى الرياضي
والمستقبل الامكاني في منظومة (هيدغر) التي تتعامل مع الحداثوية
المركبة للكينونة . فالتحقيق للوجود بتشكيله (الكائن والكينونة) وهي
حدود تستطيع الحداثوية العربية ان تتجاوز المنطق الايديولوجي الذي
يحاصر الكينونة وفق المنطق التجريبي لان الانسان العربي لا يريد العيش
وفق زمكانية تبعده عن كينونته الزمانية لكنه يوجد حركية هذه الكينونة
بمعادلة (تجمع الحالتين في وجوده الكينوني – وكينونته الوجودية)( )
ومستوى إبداعه الثقافي لا يتحدد بمستلزمات التجديد والجدة بل يتحدد
بالانبثاق التحديثي للخطة التي يتم فيها التمرد داخل الانا التي تفعل
الوعي وفق طريقة مضادة في العملية الادراكية حيث يتشكل الوعي وفق خاصية
مضادة في العملية الادراكية وحيث يتشكل الوعي وفق خاصية من التناقض
الخفي الذي يؤدي بدوره الى ارجاع الخواص والعناصر الساكنة وهي تفرض
خواصها على المكونات الداخلية اللاواعية لهذا المنحى ليؤدي الى التصفية
الكاملة باكتمال هذه القطيعة المحسوسة داخليا . هذا المنعطف الضدي من
الوعي وهو خاصية مميزة في تفاصيل تلك العلامات التي تقوم بتاسيس
(الشروط الثقافية للمنهج الحداثوي) وهذه بدورها تقوم بعملية الحوار مع
المضادات الاخرى وفق مركزية ايجابية تقوم بتطوير هذه المنظومة
الاختلافية وفق تعدد في اكثر المجالات والوظائف بانظوائها على وحدات
خاصة بها ووظائف تتعلق بالمظومة الحداثية الكونية وهي سر من اسرار
السيطرة الفكرية والعلمية( ) .
ويبدو ان السؤال التقليدي خارج العمليات الاجرائية والذي يدفع باهم
المعترك الفلسفي الحداثي باتجاه اللحظة المعاصرة التي تكشف ميول الخطاب
الثقافي العربي التقليدي باتجاه حالة المركزية المنطقية لتفاصيل الهوية
. وهذا السؤال ليس غريبا عن منطق هذه السيرورة باعتبارها أثرا للمعاناة
في تشكيلة التراث الفلسفي القديم وما واجهه (المثقف العربي) من
اختناقات على اثر هذه الثنائية والعقم الذي يجعل هذه الاسس تتعلق
بالمشروع الحضاري والحداثي الذي ينشده وان ما طرحه الفكر العربي من
تحقيق لهذه الجذرية الفلسفية معناها الخطابي الحداثوي ليترجم هذا
المأزق في صورته الثنائية بعد ان تجاوز تلك اليقينية البائسة والساذجة
على المستويين (العلموي واليديولوجي) وهو يعيد ادراكاته والدور
الابستمي الواجب تحقيقه على مستوى التركيبة العقلانية ومستوى دوره في
تأسيس هذه الحدود بعقلانية خطابية تعيد مساره الفلسفي الحداثوي المعاصر
لمواصلة تطوره العقلاني بتشكيلة (نوعية) وهي التي تعيدنا الى (كانت) أي
(الشيء في ذاته) اصبح ذات قيمة ولم يعد كمية مهملة خارج المنطق
(الابستمي) بل اصبح حضوره الفكري تثبته علاقته في (منحى الاضداد)
باعتباره قطبا جدليا (يتعلق بابستمة هيغل او ماركس) وهنا يحدث الانزياح
لتشكيل فضاءات ومحاولات لخلق مجالات حركية وبحضور مختلف داخل منعطف
(ابستمولوجي) .
((الفكر الحداثي))
فالفكر الحداثي يدعو الانسان الى المصالحة مع جوهره وتوضيح حلقات
هذا الافق الذي يضع التجريبية محطه في تحولاته (الابستمولوجية) في اطار
المعنى الفلسفي للخطاب الحداثوي المعاصر وهي عودة الى معترك الثنائية
والاختلافية في صميم الجوهرية ذات الدال المتعالية لانها المشروع
(الفرويدي) بغموضية (وبالماركسية) وبالثبات الارتجاعي في حدوده الفكرية
وبافتراض موضوع الدال واكتشاف الذات عند (كانت) وتفاصيل العودة عند
(نيتشه) الى خواص (اللامفكرية عند هيدغر) وباعتراف اركيولوجيا المعرفة
(في نظر فوكو) يبدو ان المبحث الحداثوي ياخذ بعملية الاعتراف وفق شروط
مركزة . وبهذا فان الخطاب الفكري يخرج من ثنائيته ليقوم على قاعدة
اختلافية مخالفا خاصية التطابق بالهوية الاحادية باعتبار ان حركة
التاريخ حركة متعددة الاوجه وفوق الثنائية وفوق الحالات المزدوجة
(المضمرة والظاهرة) ولذلك كان (هيدغر) منذ البداية حريص على ابراز
الدور (الانطولوجي والابستمي) حتى في تلك المنهجية وقد تحاشا (هايدغر)
هذا الموضوع ولكن اختلف فيه غيره (امثال فوكو – ودريدا) باختراع مسارات
جديدة لتتشاكل بمرتكزات لا تنتهي وصيغ من الانكار (لهيدغر) من قبل
(دريدا) وفق منظور ايديولوجي . اما المأزق الراهن لمنظور الجدلية
الحداثية العربية تكمن بين التفكير الاختلافي الحداثوي من خلال معرفة
الكينونة او كينونة المعرفة ومداخلاته تبحث عن آصرة الخطاب الحداثوي
وهو مدخل لكشف الانعكاس في التجريبية الحادثية . فهو الذي يشكل حاجز
الرؤية لحقيقة الخطاب الفلسفي العربي من خلال النقص والملاحظة التي
تشكل تمظهرات حداثية عند (فوكو) ويطلق عليها (ابستمية حداثية)( ) .
المنطق الحداثي
((البذرة – والانبثاق – والتناهي))
هذا الانبثاق فوق مسار التاريخ وفق طبيعة وتوقيت المعنى الزمكاني
المتعاقب في سياقه ومناهجه الفلسفية وتاريخية تفكيره مع بداية التطور
الفلسفي للحداثة ابتداء من تثبيت هذا الانبثاق وتقاطع علاقاته الملتبسة
في ((الفكر التنويري)) ومشكلة التناقضات الحاضرة والمستمرة في وسائلها
وغاياتها واهدافها الطوباوية حتى الاعلان عن سلطة العقل العليا وكان
الامتحان في اية تحولات هو هل يمكن تطوير تلك المنظومة العقلية ؟ فكان
(لروسو) صياغاته الحرة (وللثورة الفرنسية) دقة ملاحظة داخل المنهجية
السياسية في الممارسة وهي جزء من محور (روسو الفلسفي التحديثي) وكان
(فرنسيس بيكون) هو احد اقطاب الفكر التنويري الذي تصور في دخيلته داخل
(مجتمع طوباوي)( ) (New Atiantis) مكان تسكنه مجموعة من الكهنة الحكماء
وهم يدعون الى التعقل وخصلات من الاخلاق باعتبارهم اناس يعيشون خارج
هذه الحياة . هذه الصورة السلطوية الذكورية النخبوية مقابلها كانت هناك
فاصلة من العلاقة الملتبسة والجامحة وهي لم تكن منسية لانها ممارسة
لانجازات ذات اثر من الاستجابات وانها منظومة سسيولوجية استطاعت ان
تحقق تحول كبير في المنظومة الحداثية امثال (آدم سميث وكارل ماركس)
الذي استطاع ان يحول الفكر الفيزيقي الى صراعات نوعية متقدمة وفق
(قانون الاضداد) الى مرفق مادي ، هو ان التطور النوعي للانسان يمر عبر
عملية التناقض مستندا ومعتمدا على سلطة راس المال القمعي وهو المحور
الرئيس لمنطق التطور الراسمالي وكانت الطبقة البرولياريا هي المادة
الخام والرئيسية لهذا الصراع وهكذا كانت العلاقنية في عصر التنوير التي
انتجت المشروع الحداثوي بكل تفاصيله . وحين يحدد (فيبر) تفاصيل هذه
التوقعات في اطار حركة التنوير سعت العقلانية والحرية وقانون المعرفة
وانتصار العقلانية ذات الحدود المعروفة التي اوغلت في الحياة
الاجتماعية والثقافية وفي اطار هذه – البنى الاقتصادية كان للعقلانية
دور لا يقل خطرا عن دور الكهنة والحكماء وهم خارج الحياة الاجتماعية .
فكان لنمو العقلانية ما هو الاّ سياج يطوق (الجدلية الحداثية) من خلال
الادارة البيروقراطية للمجتمع . ويبقى الانبثاق الحداثي موزع في عمق
التاريخ وهو مدار الكينونة الموزعة داخل لحظة التمفصل التاريخية تلك هي
المحاور المعاصرة لفلسفة الخطاب الحداثوي .
((لعبة التصور الحداثوي))
وهي تعيدنا الى عملية انعكاس متبادلة تنقل حالة الانعكاس التصوري
وفق تبادلية تتعلق بالفعل وتطابقه وهو يعكس عملية التدمير للمشروع
الحداثي الذي ينبع من اواصر النظرية الحداثية وهي تعمل على قيام تشكيلة
معرفية جديدة تستند الى عملية التغيير في اطار انموذج يتعلق بتشكيل هذا
المأزق حسب (لوكاتش) وبالفعل (الفاوستي ...... ) لانه البطل الملحمي
لتدمير كل ما يتعلق بحلقات التخلف الديني والحياة الرتيبة ، باعتبار ان
الحياة هي عبارة عن حالة ساكنة كانت قد استسلمت الى الماضي وبشكل كامل
قبل الانفتاح على حالة التحرك المستندة الى قاعدة فكرية رياضية التي
اتحدت بالجسد المادي .
وبعد حلقة الاكتشافات في العلوم الفيزيائية اصبحت قاعدة التحرك
قائمة على التعاطي المعرفي العلمي الحداثوي . هذا البرهان يعطينا تعريف
لنظام معرفي حدوده (الموضوع والمعنى) والدليل يندرج في خانة الالغاء
المتبادل لحركية الاشياء وفق تبادلية معرفية تتجه الى بناء طاقة
ايحائية تصعّد وفق استعدادت علمية لتطبيق القوانين وجعل الانداد هو كل
قديم غير حي لان الكمال والتطور هو الحافز الوجودي – والعمراني وحتى
الجسدي منه باعتباره الرغبة في الاستغناء بالمعارف ومشروعا للفتوحات
العلمية وجعل الاضعف هو الند باستحداث القوة (النيتشوية) وتجاوز النقص
الحاصل دائما . من هنا تعد (الإناسة) هي محور في العلوم الانسانية وهي
الاعتراف بالكمال من خلال تجاوز النقص الحاصل بالانبثاق اختلافيا .
وهكذا يكون الجسد هو مادة الاحتجاج داخل محيطه ، وتكون عملية التحديث
باعث للتغيير وفق توازنات الواقع الاجتماعي ودرجة التغيير البديلة وهو
ما يعنينا من الاصطلاح (السيكولوجي) (الإناسي) ثم يأتي السؤال ليبحث عن
معنى هذا التصور في نقص (التاريخانية التكوينية الإناسية) وهي حالة
النقص التي لا تشخص الاّ بتجديد حالة النقص . وبعد احتجاج لتقويم
الكمال ، والكمال ليس مرحلة تسير الى الوراء من الناحية (التاريخانية
التكوينية) بل تم ايجاده واختراعه من مداخلات النقص الذي تجدد بالكمال
– والكمال هو الغاية القصوى وهذه المرحلة هو المرحلة التي تقع في
اللامتناهي وهو طريق الحرية الوعر الذي يكمن داخل الكائن ومدام كذلك
فباستطاعته فعل كل شيء من اجل جدلية حداثية قائمة على (الإناسة) لانها
فعل النهاية للمنظور الحداثي وان (الإناسة) الفكرية والادبية التي
شكلها بتجسيد حي امثال (الجاحظ) و(التوحيدي) و(مسكويه) عندما كانت
مقتصرة عن العلوم والمعارف المختلفة من بلاغة الخطاب وقوة العقل في
عملية الاستدلال بل كانت دليل عملي منهاجي في رسم الخطوط العامة لعملية
التغير . وهي لا تختلف أي (الإناسة) من تلك الصفات والمركبات على مستوى
البيئات الاخرى المختلفة التي ظهرت وبرزت في اوروبا في القرن السادس
عشر وقبل هذا في امكنة كانت قد اشتهرت في فترة الاسلام الكلاسيكي كما
يسميه محمد اركون ، فكان للجاحظ والتوحيدي مواقفهما التي شكلت محور
الانسنة التي التزمت الفكر الانساني وعالجت قضاياه دون الالتفات الى
المحاور الشخصية او الذاتية انما تم التطرق الى مفهوم الخطر الانساني
الذي يهدد الانسان رغم انه اشكالية (بيولوجية) متعلقة بالمفهوم السياسي
وما حدث على مستوى الفلسفة الغربية ومنذ القرن التاسع عشر حيث شكلت
الاناسة الشكلية او اللفظية وهي التي اكتفت بتأشير التلاعب اللفظي داخل
صالونات الادب وهي منفصلة عن الحياة الاجتماعية والطبقات المسحوقة من
الطبقة (البروليتاريا) وباشرت الاناسة هذا الكشف والنقد والرفض حتى
الاعلان عن (موت الاله الارضي) بسبب الشكلانية التي مورست من قبل مفهوم
الاناسة لانها كانت منفصلة عن حركة الواقع وكان مفهوما يردده المثاليون
ذات النظرة المزدوجة امثال علماء اللاهوت حيث كانت النزعة اللاانسانية
هي السائدة وهكذا كان التوحيدي في القرن الرابع الهجري( ) الذي عانى
الجوع والذل وشعر بالحيف ولذلك انتفض التوحيدي وثار على ذلك العصر الذي
غدره وقام باحراق كتبه في لحظة من الياس والحيف وهذا ما يحدث اليوم
فالانسان يقتل في كل يوم وفي جميع البيئات والامكنة والازمنة باسم
المنطق والحقيقة والهوية والدين والقومية والحرية وخاصة في البيئات
الاسلامية فهو يتوضح بشكل جلي ودلالة متوضحة في التجاوز على النزعة
الانسانية في سياقاتها العربية الاسلامية وفي هذا السياق تعالج الفلسفة
التاريخانية وهي التي تشكل الامتداد التاويلي لحركة المجتمعات ولذلك
قام (بول ريكور) بتأسيس انموذج عصري من (الماركسية – والفرويدية –
والبنيوية) في نطاق عملية التاويل ، هذه المنهجيات قامت بتاسيس (انساق
ابستمولوجية) تقوم بالتفسيرات للظواهر حسب النظرة الضمنية وهي المحرك
لنوعية المنظومة الجوهرية بعملية التقدم باعتبارها ركن من اركان
الفعالية التاويلية في عملية التغيير لتعيد مرة اخرى فعالية التركيب
وموضوعات استمرار هذا التحليل ، ثم يصبح هذا التأويل ركن من اركان
(التغيير) بل هو مساحة التغيير الكاملة وكان يؤيد رأي من هذه
الاختلافية المنهجية وهي تستند الى جملة مفاهيم معرفية في اعتمادها
التاويل منهجا تركيبيا لتفسير المعارف وضمن اطار فحص المفاهيم . كان
التغيير الذي يمتد عبر الجسور الفلسفية والعلوم المادية بكشف هذه
الاشكالية الضمنية التي تتعلق بالمفهوم التغييري الذي يرتكز على الذات
وفق المنطق الضروري ، وكان للمفاهيم العقلانية التي انتشرت فلسفيا في
تلك الفترة وامتدت حتى عصر النهضة كانت عملية التغيير تتحرك وفق رؤية
(انطولوجية) والمتغير لم يلامس عملية التجذير وكان التغير يشمل الظاهر
كما مر بنا في التشكيل اللفظي وصالونات الادب في الفلسفة الغربية وما
حدث للتوحيدي في القرن الرابع الهجري ولم يشمل المضمر ولذلك كان الاطار
المنطقي يتشكل من الظاهر اما التجذير الجوهري فلا يلامس البلوغ المعقول
. وبقي العرض هو العقبة اما ما يتعلق بالمتغير والظاهر والعرض فهي
اشكالية ومفاهيم ليس لها بلوغ الاّ يتجاوزها والانتقال موضوعيا الى
الخاصية التجذيرية . فبين العرض الذي ينحو المنحى التغييري والجوهر
الذي ينحو المنحى الثابت . في هذا الاطار كان مفهوم الحكمة يشكل
اصطلاحا مترادفا لخواص الجوهر ، ويبقى العقل هو المختلف على ثبات
المتغير حيث تصبح كل العلوم المادية – والسسيولوجية تتعلق بعملية
التغيير وعندما تكون المعرفة هي البحث عن الحقيقة في اطار ثبات متناقض
مع دلالته المتغيرة . هذه الحدود الملفوظة تبقى هي الاشكالية
الاختلافية وهي النسق المنتظم بدعوى القانون العلمي وصيغته الثابته
التي تقوم بعملية التغيير لحالة المتغير ، وان كل المتغيرات عندما
تلامس المعرفة او تخضع لها تكون المعرفة خاضعة الى الثبات . وعليه فقد
كان النسق الثقافي العربي منذ عملية التقويض والاخصاء جوهري هناك
تحولات ومواقف اخلاقية تقوم بمحاصرة العرض وفق موقف لا انساني وبمعرفة
تعني ما تعنيه من اشكاليات في اطار الانتقال الى الموقف العقلي وفق
مستقرين (الرحم – والقبر) واذا شئنا ان نسميهما المحورين الساكنين
وباطلاق ينتقل من الاخلاق الى المتغير المعرفي حيث تصبح هذه العلاقة
بين الوجود وعلاقته بالمتغيرات السيكولوجية اضافة الى المتغير الذاتي .
من جهة اخرى نحن نعرف ان (الانطولوجيا) ليس خاضعا للصيغ السكونية والاّ
ما معنى (الوجود الذي يربط عدمه والعلاقة بين الاثنين واحلال الواحد
مكان الاخر والوجود والعالم هما أساس الاختلاف والمعرفة قدمت الثبات
فهي تبقى غير مجدية . فالمتغيرات تخضع الى المقاييس المتغيرة بعد عملية
الادراك . فالسكون يبقى هو الأطروحة في الإطار (الابستمولوجي) والاّ لا
يمكن قيام تفاصيل علمية والسكون على العموم لم يكن صيغة نظرية ولا
ثباتا والادراك هو المحصلة النهائية لمعرفة المتغيرات .
العلاقة الجدلية بين التنمية
الإنسانية ومجتمع المعرفة(5)
ورقة عمل مقدمة من الدكتور نادر سعيد/ برنامج دراسات التنمية، ضمن
الورشة الخاصة بـ"تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003: نحو مجتمع
المعرفة"-قـراءات فلسطينيـة (4 كانون أول، 2003)
الورشة كفرصة فكرية الورشة كمناسبة للإعلان عن انطلاق العمل على
تقرير التنمية الإنسانية الفلسطيني الرابع، وقد كان التقرير العربي
السابق قد أكد على أن تحدي التنمية في العالم العربي يتمثل في تجاوز
نواقص ثلاثة: المعرفة والحرية وتمكين النساء.
** محتويات التقرير
احتوى التقرير على تسعة فصول بالإضافة إلى ملخص للتقرير وقسم تمهيدي
حول تطورات التنمية الإنسانية في البلدان العربية منذ 2001. فصول
التقرير (شفافية).
** أهم النتائج الكمية
- 53 صحيفة لكل 1000 شخص مقارنة مع 285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول
المتقدمة.
- عدد خطوط الهاتف أقل من خمس ما في الدول المتقدمة.
- 18 حاسوب لكل 1000 شخص مقابل نحو 79 حاسوب المعدل العالمي.
- 1.6% يستخدمون الإنترنت.
- يتم ترجمة كتاب واحد في السنة لكل مليون شخص مقابل 519 في المجر و
920 في أسبانيا.
- أقل من 1% من الإنتاج العالمي من حيث عدد الكتب الفنية والأدبية.
** حول السؤال المطروح: - تعريف المفهوم: المعرفة
تتكون المعرفة من البيانات والمعلومات والإرشادات والأفكار أو مجمل
البنى الرمزية التي يحملها الإنسان أو يمتلكها المجتمع، في سياق دلالي
وتاريخي محدد، وتوجه السلوك البشري، فردياً ومؤسسياً، في جميع مجالات
النشاط الإنساني كافة، في إنتاج السلع والخدمات، وفي نشاط المجتمع
المدني والسياسة وفي الحياة الخاصة.
تضم المعرفة، على سبيل المثال، البنى الرمزية التي تمتلك عبر
التعليم الرسمي والدروس المستفادة من خبرات العمل والحياة، وتشمل
الحقائق والقصص والصور وموجهات السلوك البشري، موثقة، أو شفاهة أو
ضمنية، وتشتمل المعرفة المؤسسية لمجتمع ما على التاريخ والثقافة
والتوجهات الاستراتيجية، والأشكال التنظيمية.
إن المعرفة قد تكون صريحة (مدونة أو مسجلة على صورة أو أخرى) أو
ضمنية (في موجهات السلوك البشري التلقائية مثلا).
إن إنتاج المعرفة لا يقتصر على الأشكال التقليدية للعلم والبحث
العلمي بل تنتج المعرفة عن صنوف التعبير الفني والأدبي والنشاط
الإنتاجي في الثقافتين العامة والشعبية.
إن المعرفة حالة إنسانية أرقى من مجرد الحصول على المعلومات، وقد
تكون المعرفة أقل درجة (على سلم السمو الإنساني) من الحكمة التي تشترط
التزاما بالقيم الأخلاقية العليا للإنسانية كالحرية والعدالة والكرامة
الإنسانية.
** الثروة المعرفية ورأس المال المعرفي
الثروة المعرفية: هي مجمل الأصول المعرفية أو جماع المعارف أو البنى
الرمزية في المجتمع.
رأس المال المعرفي: ذلك القسم من الثروة المعرفية التي يستخدم في
إنتاج معارف جديدة ويؤدي نتيجة لذلك إلى نمو الثروة المعرفية.
** مجتمع المعرفة
هو ذلك المجتمع الذي يقوم أساسا على نشر المعرفة وانتاجها، وتوظيفها
بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد والمجتمع المدني
والسياسة، والحياة الخاصة، وصولا للارتقاء بالحالة الإنسانية باطراد،
أي تحقيق التنمية الإنسانية.
** أركان مجتمع المعرفة
- إطلاق حريات الرأي والتعبير والتنظيم
- النشر الكامل لتعليم راقي النوعية
- توطين العلم
- التحول نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية
- تأسيس نموذج معرفي عربي عام، أصيل، منفتح، ومستنير
المعرفة كسبيل لبلوغ الغايات الإنسانية الأخلاقية الأعلى: الحرية،
والعدالة والكرامة الإنسانية.
** المعرفة والتنمية الإنسانية
يمكن اعتبار المعرفة حق، ولكنها أيضا سبيل لتحقيق التنمية الإنسانية
في جميع مجالاتها، فالتنمية الإنسانية، في الجوهر، هي نزوع دائم لترقية
الحالة الإنسانية للبشر، جماعات وأفرادا، من أوضاع تعد غير مقبولة في
سياق حضاري معين إلى حالات أرقى من الوجود البشري، تؤدي بدورها إلى
ارتقاء منظومة اكتساب المعرفة. وفي العصر الراهن من تطور البشرية يمكن
القول أن المعرفة هي سبيل بلوغ الغايات الإنسانية الأخلاقية الأعلى:
الحرية، والعدالة والكرامة الإنسانية.
كما أن المعرفة أصحبت عنصراً جوهرياً من عناصر الإنتاج، وحدد أساسي
للانتاجية، وخصوا في مجال النشاطات الإنتاجية عالية القيمة المضافة
التي تقوم وبدرجة متزايدة على كثافة المعرفة والتقادم المتسارع للمعارف
والقدرات، وهي معقل القدرة التنافسية على الصعيد العالمي، وبالتالي
مدخلا رئيسيا للتنمية.
والتنمية في العالم العربي بارتباطها بالمعرفة تواجه مشكلة مزدوجة:
فمن ناحية الإطار المعرفي القائم على الثقافة التي يتغلب الغيبيات على
الواقع الاجتماعي يقف عائقا في وجه البدء في مشروع تنموي نهضوي يضع
الواقع الاجتماعي - المادي الملموس كمعيار، ومن ناحية أخرى واقع منظومة
اكتساب المعرفة المحدث، وهو واقع متخلف غير الفعال (فالسؤال الرئيس هو
حول آليات إنتاج المعرفة أو مصادر المعرفة ونوعيتها وآليات توظيفها).
وبين الغيبي والاجتماعي قرر التقرير أن يستخدم الدبلوماسية بأقصى
حدودها في التعرض للمعيق الأساسي الذي يقف في وجه إمكانية النهوض
التنموي (الدين المجتمعي) فمن ناحية نجد على أن غلاف التقرير يبدأ في
وضع آية قرآنية (وقل ربي زدني علما) بما تعنيه هذه آية بالتحديد من
تناقض مع محتوى التقرير الذي يدعو للتخلص من المحددات الثقافية
والرمزية واستخدام الأسلوب العلمي والبحث عن الحقيقية في وضع الخطط
وتحديد نوع المعرفة المطلوبة، وهو يثير بذلك سؤالاً جوهرياً لا يمكن
إلا التعامل معه بشكل أو بآخر وهو المتعلق بطبيعة المرجعية للمجتمع
العربي المستقبلي الذي يدعو التقرير فيه لتحقيق التنمية الإنسانية
القائمة على مؤشرات مادية ومعيشية مرتبطة بالاقتصاد والنظام الإنتاجي
وبطبيعة القيم والمؤسسات القائمة على الحرية والعدالة والكرامة
الإنسانية، كل ذلك مرتبطا بمنظمة معرفية قائمة على المعرفة (العلمية).
إن قدرة مجتمع على اكتساب المعرفة ومدى توظيفها في خدمة التنمية رهن
بالبنى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما هو رهن بقيام
عديد من المؤسسات المجتمعية وبفعاليتها.
التنمية في الجوهر مرتبطة بنظريات المعرفة (الابستمولوجيا):
فالمعرفة هي (أي ما يعرفه الناس)، بينما الابستمولوجيا: ماذا نعرف
بالفعل وكيف نعرف ما نعرفه، وهو (سؤال محير يعود إلى ما قبل سقراط وهو
الذي تحدث عن إمكانية التفكير النقدي والتساؤل حول طبيعة وكنه الفكر
نفسه)، وهذا ما لم يتطرق له التقرير بشكل كاف أو جوهري، حيث أن التساؤل
وخصوصاً في العالم العربي يبدأ من التساؤل حول كنه الفكر نفسه وحول
آليات إنتاج وانتقال المعرفة.
فلفترة طولية من تاريخ البشرية كان هناك قناعة راسخة أن الناس
يعرفون (عالماً)، وقد بدا أن المعرفة تسكن في العقل ((The mind وأن
الواقع يوجد هناك في الخارج (العالم) الموضوعي. وكان الهم الأساسي
للعلم هو في كيفية استيعاب العالم الخارجي في العقل بدقة، وهذا التوجه
وصل ذروته وتمثل في (مناهج البحث العلمي الموضوعي) وهذه المناهج هي
التي تضمن أفضل وسيلة للحصول على معلومات حول العالم.
ومع ظهور فلاسفة القرن الثامن عشر متمثلين في (كانت) أصبح هناك
إدراكاً متزايداً أنه ليس هناك ارتباطاً مباشراً بين العالم (المحيط)
الموضوعي القائم بحد ذاته (noumena) و التجربة-الخبرة الإنسانية
(Phenomena)، وأن كل ما لدينا في هو مجموعة من التفسيرات
(Interpretations) لانطباعاتنا وخبراتنا التي تؤدي بنا للاعتقاد بأن
عالما موجودا هناك خارج نطاق الإدراك. وإذا كانت العلاقة بين الواقع
الموضوعي والإدراك هي افتراضية فما الذي يضمن (الحقيقة) أو ما يطلق
عليه (سلطة المعرفة)؟ إن سلطة المعرفة تشتق من (مجموعة المعرفة
Knowledge Community) حيث يتفق الناس – المجموعات على ماهية الحقيقة،
ويعرف توماس كوهين) المعرفة على أنها في طبيعتها ملكية للجماعة أو هي
لا شيء.
المعرفة ليست ما يعتقده الأفراد، بل ما تعتقده الجماعات (جماعات
المعرفة)، هذا لا يعني أنه ليس للأفراد أفكار، ولكن أفكار الناس لها
معنى أو قيمة فقط ضمن سياق اجتماعي، ومن هنا يصبح الاهتمام
بالابستومولوجيا بكيف يعرف الناس ما يعرفون أكثر أهمية من مادة المعرفة
بحد ذاتها.
وهكذا فإن المعرفة ملكية للجماعة والجماعات، للثقافة السائدة
والثقافات الفرعية، بما في ذلك الكليات الأكاديمية ومراكز البحوث التي
تنتج وتحافظ على الحوار والنقاش الاجتماعي، وهذا يثر تساؤلات جوهرية
حول كنه المعرفة في العالم العربي ومدى تحكم مجموعات معينة في أسس هذا
الفكر وتحديد الإطار الممكن للتفكير والإبداع، وإن كانت محددات هذا
الفكر قائمة على أسس غيبية وليست ضمن إطار عقلنة الواقع أو تكميمه،
فإنه يصبح من الصعب الإفلات من الواقع الحالي لواقع مختلف (فمن يحدد
منظومة المعرفة في العالم العربي ومن يتحكم بأجندة المعرفة في الجوهر
وبرغم كل التأثيرات الدولية والعولمة فإن الإطار الثقافي العربي هو
نفسه).
إن علم اجتماع المعرفة ينظر في تاريخ الفكر والحياة الفكرية لمعرفة
ما هي المعرفة من خلال كيفية استخدامها وكيف يتم إنتاج معرفة جديدة،
فقبل الثورة العلمية في القرن السادس عشر وعصر النهضة في الثامن عشر،
كانت معظم المعرفة متوارثة تنتقل من جيل لأخر بتجديد محدود واكتشافات
ضئيلة العدد، أما في العصور الحديثة فإن ما كان يعتبر الحقيقة أصبح
موضعا للتساؤل والتجديد والاكتشاف، وقد أكد ذلك على أهمية التعرف على
آليات التوصل للمعرفة، وبرغم أن معظم المعرفة التي نحتاجها تتوفر من
مصادر (سلطات معرفية) تعتبر موثوقة إلا أن تعقيدات الحياة ومتطلباتها
المتزايدة تدعو للتساؤل حول مدى إمكانية الوثوق بهذه السلطات المعرفية
- الخبراء.
المعرفة (التعرف) هو عملية اجتماعية (social process)، أي أن
المعرفة ملكية جماعية لثقافة معينة أو ثقفاة فرعية، كل المجتمعات مكونة
من تجمعات للمعرفة كالمجموعات الاجتماعية والمؤسسات والمنظمات المختلفة
التي تشكل مساحات للحوار والعلاقات كتلك المتوفرة في العائلة الممتدة،
فيبدأ الأهل في عملية التعليم التثقيف وإعادة التثقيف حسب المتغيرات
والعوامل المتجددة، أن عملية التثقيف التي تقوم بها الأسرة (التثقيف
الرئيسي) أساسية ينتج عنها هوية وانتماء،، تتبعها عملية تثقيف فرعية
تتم في المدرسة تزود الطفل بهويات إضافية وتنظم علاقته مع المجتمع
تمكنه من المشاركة في الحياة الاقتصادية والسياسية، وفي ظل العولمة
وتزايد التبادل الثقافي يشكل مستوى ثالث من التثقيف القائم على معرفية
كونية ويدعو للتشاؤل حول الهوية التي تم تشكيلها في الحلقتين الأولى
والثانية.
وفي مجال المعرفة أيضاً، تساءل أفلاطون: كيف للشخص (العادي) أن يقرر
إذا ما كان الشخص أمامه هو خبير بالفعل أم لا؟
في المقابل هناك اهتمام متزايد حول وصف الترابط بين المعرفة -
البيانات والمعلومات والأفكار والمعتقدات - والسياق التي تنتج وتستخدم
فيه (Social Epistemology)، وهذا يحتم البحث في ما هو في مجال الوهم
ومجال الحقيقة (أي الفكر المرتبط بالواقع الاجتماعي وضروراته والفكر
القائم على تفسيرات فوق المادية) - الوعي الزائف (ماركس).
وتهتم الابستومولوجيا الكلاسيكية في الوصول للحقيقة أو البرهان أو
العقلنة (الطريقة العلمية) والتي جاءت لتستبدل الأسس المعرفية
التقليدية (المتداولة)، وهذه المدرسة مازالت هي السائدة في الوقت
الحاضر.
وفي المقابل جاءت الابستمولوجيا الاجتماعية لتؤكد أنه ليس هناك
عقلنة أو معرفة كونية موضوعية أو معايير للحقيقة ولكنها تنتج عن سياق
اجتماعي ثقافي ولا تنتج بدون سياق أو ضمن عقلنة (المدرسة العلمية) ليس
لها أساس في الواقع (المدرسة الدينية التقليدية)، وهذا يعني أنه ليس
هناك معرفة أفضل من معرفة أخرى بالضرورة، مما يعني أه لا يمكن التسليم
ببديهية آليات المعرفة الحالية على أنها الأفضل للمجتمع ولامكانيات
تنميته، بل لا بد من الاعتراف أن المعرفة متحيزة وأن آليات الوصول
للمعرفة وجماعاتها (أي المنابر أو المساحات التي تنتج وتتصارع على
تعريف ماهية المعرفة) متحيزة، مما يعني أن أسس التنمية التي تنتج عنا
متحيزة أيضاً.
التغيير في المعرفة القائمة على الرمز والغيبيات قد تؤدي إلى إفساح
المجال لنوع مختلف من المعرفة المادية والروحية (ماكس وبر
والبروتستانتية والرأسمالية). [أمــــان]
المنهج الجدلي(6)
أ – صفاته
تنظر الجدلية إلى الأشياء والمعاني في ترابطها بعضها بالبعض وما
يقوم بينها من علاقة متبادلة، وتأثير كل منها في الآخر. وما ينتج عن
ذلك من تغيير كما تنظر إليها عند ولادتها ونموها وانحطاطها[1].
وهكذا تتعارض الجدلية في كل ناحية مع الميتافيزيقا. وليس ذلك لأن
الجدلية لا تقبل أي سكون أو فصل بين مختلف جوانب الواقع بل هي ترى في
السكون جانبا نسبيا من الواقع. بينما الحركة مطلقة. وهي تعتبر أيضاً أن
كل فصل أو تمييز هو نسبي لأن كل شيء يحدث في الواقع بطريقة أو أخرى.
وأن كل شيء يؤثر في الآخر. وسندرس قوانين الجدلية في الدروس الستة
المقبلة.
وهكذا لما كانت الجدلية تهتم بالحركة في كل أشكالها وليس فقط
بالتغيير المكاني بل بتغييرات الحالات كتحول الماء السائل إلى بخار
فإنها تفسر الحركة عن طريق نضال الأضداد. ذلك أهم قانون في الجدلية،
وسوف نخصص له الدرس الخامس والسادس والسابع.
يقوم الميتافيزيقي بعزل الأضداد بعضها عن بعض، وينظر إليها على أنها
متنافرة بصورة منظمة. أما الجدلي فهو يكتشف بأنه لا يمكن أن يوجد بعضها
دون البعض، وأن كل حركة وكل تحول إنما يفسره ما ينشأ بينها من نضال.
ولقد أشرنا، في المسألة الثانية من هذا الدرس، إلى أن حياة الجسد هي
نتيجة نضال مستمر بين قوى الحياة وقوى الموت، وأنها انتصار تنتزعه
الحياة من براثن الموت.
إذ أن كل كائن عضوي هو في كل لحظة، ذاته وليس بذاته، فهو، في كل
لحظة. يتمثل مواد غريبة ويفرز مواد أخرى، تموت في كل لحظة، خلايا من
جسده بينما تتكون أخرى. فإذا بماهية هذا الجسد تتجدد في مدة قصيرة، وقد
حل محلها ذرات مادية أخرى، بمعنى أن كل كائن عضوي هو دائما ذاته وليس
بذاته.
حتى إذا ما تأملنا الأشياء جيدا وجدنا أن قطبي التناقض لا يمكن
الفصل بينهما بالرغم من تناقضهما، وأن كلا منهما يتداخل في الآخر،
وهكذا فأن السبب والنتيجة هما تصوران لا قيمة لهما ألا إذا طبقناهما
على حالة معينة، حتى إذا ما اعتبرنا هذه الحالة المعينة في علاقتها
بمجموع العالم انحلا في نظرتنا إلى التفاعل الشامل المتبادل حيث تتبدل
الأسباب والنتائج باستمرار فيصبح ما كان نتيجة هنا سببا هناك وهكذا
دواليك[2] .
وهكذا شأن المجتمع أيضا. وسنرى بأن نضال الأضداد يظهر في المجتمع في
صورة نضال الطبقات. كما أن نضال الأضداد يثير الفكر. (راجع الدرس
السادس، المسألة 3)
ب– تكوينه التاريخي
يعود الفضل إلى الفلاسفة اليونان في البدء بتكوين الجدلية. فقد
تصوروا الطبيعة ككل. وكان هر قليط يعلم الناس أن هذا الكل يتحول، فكان
يقول لا ندخل قط في نفس النهر مرتين. كما يحتل نضال الأضداد عندهم
مكانة كبيرة ولا سيما عند أفلاطون الذي يشير إلى خصب هذا النضال، إذ أن
الأضداد يولد كل منها الآخر[3]. وكلمة 'الجدلية' مشتقة من الكلمة
اليونانية 'dia legein' وتعني 'جادل' فهي تعبر عن صراع الأفكار
المتناقضة.
ونجد عند أكبر مفكري العصر الحديث ولا سيما عند ديكارت وسبينورزا
أمثلة رائعة على التفكير الجدلي. أعجب هيجل بالثورة البرجوازية التي
أتنصرت في فرنسا وقضت على المجتمع الإقطاعي الذي خيل إليه أنه أبدي لا
يزول، فإذا بهيجل يقوم بثورة مماثلة في الأفكار. فينزل الميتافيزيقا
وحقائقها الخالدة عن عرشها السامي، وإذا بالحقيقة، عنده، ليست مجموعة
من المبادىء الجاهزة، بل هي عملية تاريخية، تبدأ بالمعرفة البدائية
لتنتهي بالمعرفة السامية. وهي تتبع في ذلك حركة العلم نفسه الذي لا
يتطور إلا إذا عمد إلى نقد نتائجه باستمرار، وتجاوز هذه النتائج. وهكذا
نرى أن الدافع لكل تحول هو نضال الأضداد.
ومع ذلك كان هيجل مثاليا، أي أن طبيعة التاريخ الإنساني، بالنسبة
إليه لم تكن سوى تجلي الفكرة الأزلية وهكذا تظل جدلية هيجل جدلية روحية
صرفة.
ولقد رأى ماركس، وكان زميلاً لهيجل في أول الأمر، في الجدلية المنهج
العلمي الوحيد. غير أنه عرف أيضاً، كمادي، أن يعيد الجدلية إلى مكانها
الحقيقي. فرفض القول بالنظرة المثالية للعالم التي ترى في الكون المادي
ثمرة للفكرة، وأدرك أن قوانين الجدلية هي قوانين العالم المادي، وأنه
إذا كان الفكر جدليا فلأن الناس ليسوا غرباء في هذا العالم بل هم جزء
منه.
كتب انجلز، وهو صديق ماركس ومساعده، يقول: 'ليست الجدلية، عند هيجل
ـ التي تتجلى في الطبيعة والتاريخ في صورة ترابط التقدم السببي الذي
نجده منذ البداية حتى النهاية خلال جميع الحركات المتعرجة الالتواءات
الموقتة ـ ليست هذه الجدلية سوى صورة لحركة الفكرة الذاتية التي تستمر
منذ الأزل حيث لا ندري مستقلة عن كل ذهن إنساني مفكر. فكان لا بد من
تجنب هذا الانقلاب الفكري فنظرنا إلى أفكار الذهن نظرة مادية على أنها
انعكاس للأشياء بدلا من أن ننظر إلى الأشياء على أنها انعكاس لدرجة
معينة من درجات الفكرة المطلقة وهكذا أصبحت الجدلية معرفة قوانين
الحركة العامة في العالم الخارجي أم في التفكير الإنساني. وهما طائفتان
من القوانين المتماثلة في الأصل المختلفة في الشكل بمعنى أن الذهن
الإنساني يمكن أن يطبقها عن وعي وإدراك بينما هي لا تطبق في الطبيعة أو
التاريخ الإنساني الا بصورة غير واعية في شكل الضرورة الخارجية وسط
العديد من الصدف الظاهرة. فإذا بجدلية الفكر ليست سوى انعكاس بسيط واع
لحركة العالم الحقيقي الجدلية. وإذا بجدلية هيجل ترفع رأسها فتقف على
رجليها بعد أن كانت تقف على رأسها[4]
رفض ماركس أذن القشور المثالية في فلسفة هيجل واحتفظ 'باللباب
العقلي' أي احتفظ بالجدلية. وهو يقول ذلك بنفسه بوضوح في المقدمة
الثانية 'لرأس المال' (كانون الثاني 1873).
لا يختلف منهجي الجدلي في الأساس عن منهج هيجل فقط، بل هو نقيضه
تماما. إذ يعتقد هيجل أن حركة الفكر التي يجسدها باسم الفكرة هي مبدعة
الواقع الذي ليس هو سوى الصورة الظاهرية للفكرة. أما أنا فاعتقد. على
العكس، أن حركة الفكر ليست سوى انعكاس حركة الواقع وقد انتقلت إلى ذهن
الإنسان[5]' .
كيف وصل ماركس وانجلز إلى هذا الانقلاب الخطير؟ نجد الجواب على ذلك
في مؤلفاتهما. إذ أن ازدهار علوم الطبيعة في القرن الثامن عشر. وفي
السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، هو الذي أدى بهما إلى القول بأن
للجدلية أساسا موضوعياً.
وكان للاكتشافات الثلاثة التالية أثر كبير في ذلك.
1) اكتشاف الخلية الحية التي تتطور عنها الأجسام المعقدة.
2) اكتشاف تحول الطاقة من حرارة وكهرباء ومغناطيس وطاقة
كيمائية، الخ. في صور مختلفة نوعيا لحقيقة مادية واحدة.
3) نظرية التحول عند داروين. فلقد أظهرت هذا النظرية اعتمادا
على علم الحفريات (paleontologie) وعلم تربية الحيوان، أن جميع
الكائنات الحية (ومنها الإنسان) هي ثمرات التطور الطبيعي ( داروين أصل
الأنواع، 1859 )
ولقد أوضحت هذه الاكتشافات، كما أوضحت جميع العلوم في ذلك العصر
(كفرضية كانت ولا بلاس التي تفسر النظام الشمسي بأنه قد تولد من
(nebuleuse) أو نشوء علم طبقات الأرض (الجيولوجيا) الذي يعيد بناء
تاريخ الكرة الأرضية، الطابع الجدلي في الطبيعة على أنها وحدة لكل
شاسع. في صيرورة دائمة. يتطور حسب قوانين ضرورية ولا يكف عن توليد
المظاهر الجديدة وما النوع الإنساني والمجتمع سوى لحظة من هذه الصيرورة
الشاملة.
انتهى ماركس وانجلز إلى القول بأنه يجب الاستغناء عن المنهج
الميتافيزيقي لفهم هذه الحقيقة الجدلية، ذلك المنهج الذي يقضي على وحدة
العالم ويجمد حركته. فكان لا بد من منهج جدلي، وقد أعاد هيجل الاعتبار
إلى هذا المنهج ولكن لم يستطيع اكتشاف الأسس الموضوعية له.
لم يأت، إذن، ماركس وانجلز بالمنهج الجدلي من الخارج بصورة
اعتباطية، بل استقياه من العلوم نفسها التي تتخذ الطبيعة موضوعا لها
والطبيعة جدلية في ذاتها[6].
ولهذا ظل كل من ماركس وانجلز، طيلة حياتهما: على اتصال دائم بتقدم
العلوم وقد ازداد المنهج الجدلي في دقته كلما ازدادت معرفة العالم
اتساعا وعمقا: كرس انجلز، بالاتفاق مع ماركس (الذي ألف رأس المال)
سنوات طويلة لدراسة الفلسفة وعلوم الطبيعة دراسة دقيقة كما كتب عامي
1877 ـ 1878 كتابه 'ضد دورنج[7]' (Anti Duhring). وبدأ بكتابه مؤلف ضخم
عن 'جدلية الطبيعة[8]' الذي خلف لنا منه عددا من الفصول، وهو كتاب يفصل
القول في حالة العلوم في عصره على ضوء المنهج الجدلي.
كان لا بد من أن يفوز المنهج الجدلي برضا عدد من العلماء الذين
اعتنقوا الماركسية. وأشهر هؤلاء في فرنسا الفيزيائي العظيم بول لانجفين
الذي كان أيضا مواطنا كبيرا ووطنيا رائعا.
برهن المنهج الجدلي على خصبه عند ماركس وانجلز نفسيهما. فلقد حل كل
من ماركس وانجلز، وكانا ثائرين ومفكرين في نفس الوقت، لأنهما كانا
جدليين، المشكلة التي لم ينجح سابقوهما في وضعها. فلقد طبقا الجدلية
المادية على التاريخ الإنساني فأسسا علم المجتمعات (الذي يقوم على
فلسفة المادية التاريخية). وسنرى كيف حدث هذا الاكتشاف الأساسي (الدرس
الرابع عشر). وبهذا وضعا الأساس العلمي للاشتراكية.
ولهذا أعلنت البرجوازية، خدمة لمصلحتها الطبقية، الحرب على الجدلية
لأن الجدلية فضيحة بالنسبة للطبقات المسيطرة ومفكريها، ولأن النظرة
الموضوعية للأشياء الموجودة تتضمن أيضا ادراك زوال هذه الطبقات وفناءها
الضروري. لأن هذه الجدلية تدرك الحركة ولا يمكن لأي شيء أن يفرض عليها
هذه الحركة إذ هي جدلية نقدية ثورية[9] .
ولهذا لجأت البرجوازية إلى الميتافيزيقا، وسوف نبرهن على ذلك.
------------------------------
[1] انجلز: ضد دورنج . ص 392. المطبوعات الاجتماعية 1950.
[2] انجلز: ضد دورنج، ص 54 هاك مثالين بسيطين على هذا التفاعل حيث
يصبح السبب نتيجة والنتيجة سببا: تكون مياه البحار والأنهار بتبخرها
الغيوم التي تتساقط بدورها أمطارا تسقط على الأرض. كذلك يحتاج الدم
الذي يدفعه القلب إلى الرئتين اللتين تمدانه بالأوكسجين كما أن الرئتين
لا تعملان بدون الدورة الدموية.
[3] نجد أروع مثال على الجدلية الأفلاطونية في أحدى محاوراته
الشهيرة، وهي محاورة سهلة أعني: فيدون (le phedon)
[4] انجلز: لودفيج فورباخ . ص 33 – 34. دراسات فلسفية ص 44.
[5] ماركس: رأس المال، الكتاب الأول. ج 1 و ص 29. مطبوعات
الاجتماعية باريس 1948 تعنى كلمة 'demiurge' هنا 'المبدع' كما يعني
التعبير (la forme phenomenale) 'الظاهر الخارجي الذي ترتديه الفكرة'
(الفكرة عند هيجل هي جوهر الأشياء).
[6] لم يستطع الماديون الفرنسيون في القرن الثامن عشر(كديدرو،
ودولباخ وهلفيتوس) الذين يرى فيهم ماركس اساتذته المباشرين ويؤمن
بنظرتهم المادية للعالم، اكتشاف المنهج الجدلي. لماذا؟ لأن العلم في
القرن الثامن عشر لم يتح لهم مثل هذا الأكتشاف. فقد كانت علوم المادة
الحية لا تزال في المهد. ولقد رأينا الدور الكبير الذي قامت به في
تكوين المادية الجدلية بادخالها فكرة التطور. وهي فكرة جدلية رائعة.
(تقول بتطور نوع عن آخر).
وكان العلم السائد في القرن الثامن عشر هو علم الميكانيكا العقلية
(نيوتن) الذي لا يعرف الا بأبسط صورة للحركة وهي تغيير المكان، فكان
العالم آنئذ أشبه ببندول ساعة الحائط الذي يتأرجح دائما.
لهذا السبب سميت المادية في القرن الثامن عشر مادية ميكانيكية وهي
بهذا مادية ميتافيزيقية لأنها لا تدرك التغير ولا تعرف نزاع الأضداد.
وسنعود لبحث الميكانيكية (الميتافيزيقية) في الدرس التاسع.
[7] ف، إنجلز: ضد دورنخ (م. أ. دورنخ قلب الأوضاع العلمية)
المطبوعات الاجتماعية.
[8] ف. انجلز: جدلية الطبيعة. المطبوعات الاجتماعية. باريس 1952.
تسهل دراسة هذا الكتاب بعد قراءة محاضرة جورج كونيو عن 'جدلية الطبيعة'
أثر عبقري لفردريك انجلز. المطبوعات الاجتماعية، باريس 1952.
[9] ماركس: رأس المال، الكتاب الأول، ج أ، ص 29. المطبوعات
الاجتماعية باريس 1948.
الجدلية أو الديالكتيكا(7)
إن كلمة ديالكتيكا، التي نترجمها عربيًّا بـ"جدلية"، مشتقة من الفعل
اليوناني dialegein، الذي يعني تحديدًا الكلام "عبر" المجال الفاصل بين
المتحاورين كطريقة استقصاء وضعها زينون الإيلي، قبل أن تستكمل شكلها
على يد أفلاطون.
والكلمة تعني أيضًا، كمفهوم أفلاطوني، التقسيم المنطقي الذي يوصل
المرء عبر المقاربة إلى اكتشاف المعاني الأساسية المجردة (أو المُثُل).
ونشير هنا، للتذكير، إلى أن الجدلية، بنظر أفلاطون، جدليتان: الجدلية
الأولى صاعدة (وهي تلك التي تنطلق من الواقع الملموس لتصل إلى مفهوم
الخير)، والجدلية الثانية هابطة (بمعنى أنها تنطلق من مفهوم الخير
المجرَّد لتعود إلى الملموس أو اليومي). وقد شُرِحَتْ هاتان الجدليتان،
المتكاملتان في حركتهما، اللتان تشغلان كامل حياة الفيلسوف الحق، في
الجمهورية، وخاصةً في استعارة الكهف.
أما عند أرسطو – الذي كان يعارض أفلاطون حول هذه النقطة وحول غيرها
– فإننا نلاحظ اختزالاً في معنى العبارة: حيث تصبح الجدلية التحليلية،
التي تسعى للتوصل إلى البرهان الحقيقي (عند أفلاطون)، مجرَّد استدلالات
مبنية على وجهات نظر محتملة (عند أرسطو). من هذا المنظور الأرسطي، تحدث
إ. كانط في كتابه نقد العقل الخالص عن مفهوم "الجدلية الصورية"؛ وكان
يعني بها دراسة التوهم الذي تعتقد النفس البشرية من خلاله تجاوز حدود
التجربة من أجل التوصل إلى تحديد مسبق مفترض لمفاهيم ذات علاقة بالروح
والعالم والإله.
وقد استمر هذا الفهم سائدًا بشكل عام في العصر الوسيط، حيث كانت
الجدلية أو "الديالكتيكا" تعني المنطق الشكلي (أي ذلك المستوحى من
تحليلات أرسطو)؛ وقد كانت مسجلة ضمن الـtrivium الجامعي، أي خارج ما
كان يُصطلَح على تسميته بالفلسفة، مرافقةً للنحو والصرف وعلم البلاغة.
لا بل إن بعضهم (كالقديس توما الإكويني ودونْس سكوتوس) كان يربطها حتى
بأصداء سلبية، مازلنا نجد انعكاساتها إلى الآن، حيث مازالت الكلمة
تستعمل لوصف التحليل أو الخطاب المعقد وغير المجدي.
أما في القرن التاسع عشر، فتعود الجدلية على يد هيغل لتكتسب معنى
فلسفيًّا جديدًا وعميقًا، مازال سائدًا حتى هذه الساعة: لأن مؤسِّس
المثالية المطلقة جعل منها قانونًا يحدِّد مسيرة الفكر والواقع عبر
تفاعلات النفي المتتالي للطريحة thèse والنقيضة antithèse، وحلِّ
إشكاليات المتناقضات القائمة من خلال الارتقاء إلى الشميلة synthèse –
تلك التي سرعان ما يجري تجاوزُها هي الأخرى، ومن نفس المنطلق. وهكذا،
يتحول "الفعل السلبي" ليصبح جزءًا من الصيرورة، الأمر الذي يجعله، وفق
هيغل، محركًا للتاريخ وللطبيعة وللفلسفة.
ويقبل ماركس وإنجلز جدلية هيغل كطريقة، لكن (على حدِّ قولهما) "بعد
إنزالها من السماء إلى الأرض"؛ فيطبِّقانها على دراسة الظواهر
التاريخية والاجتماعية، وبشكل خاص على دراسة الظواهر الاقتصادية: لأن
الروح أو الفكرة (من منظورهما) ليست هي التي تحدِّد الواقع، إنما العكس.
وكان هذا هو المفهوم الذي طوَّره فيما بعد الماركسيون اللاحقون (كلينين
وماو تسي دونغ)، الذين جعلوا من تلك "المادية الجدلية" منظومة فكرية
شبه متكاملة.
أما في القرن العشرين، فقد أصبحت الجدلية تعني كلَّ فكر يأخذ بعين
الاعتبار، بشكل جذري، ديناميَّة الظاهرات التاريخية وتناقضاتها. من هذا
المنطلق، كان مفهوم باشلار عن "فلسفة اللا" محاولةً عقلانيةً لتطوير
المفاهيم العلمية، التي وصفها أيضًا بـ"الجدلية"، كي يبيِّن، في
العلوم، الحركة التدرجية لنظريات سبق أن كانت مقبولة عالميًّا، ثم تمَّ
تجاوزها، وذلك من خلال شَمْلها ضمن مفاهيم أوسع وأكثر انفتاحًا
(كميكانيكا نيوتن وهندسة إقليدس، مثلاً، في علاقتها بنسبية أينشتاين
والهندسات اللاإقليدية، ليس حصرًا).
***
ملاحظة: تم تعريب هذا النص عن قاموس ناثان الفلسفي، تأليف جيرار
دوروزوي وأندريه روسيل.
تعريب: أكرم أنطاكي.
مراجعة: ديمتري أفييرينوس.
ستانلي كوبريك والسينما الجدلية(8)
على الرغم من أنه كان من المخرجين المقلين في العمل , إلا أن ستانلي
كوبريك ترك بصمة كبيرة وواضحة في عالم السينما وذلك لقدراته الإبداعية
وبراعته في الإخراج , وذلك لما أثارته افلامه من جدل على نطاق واسع
.ولد ستانلي كوبريك في مانهاتن , وعمل في بداياته كمصور فوتوغرافي في
مجلة (لوك) الأمريكية . فكان بارعاً في التصوير الفوتوغرافي مثلما هي
براعته في لعبة الشطرنج .
قام في بدايات شبابه بإخراج وإنتاج بعض الأفلام الوثائقية وهي (يوم
النزال 1951) (القديس الطائر 1951) (الملاحون 1953) قبل أن يجد أول
فرصة في إخراج الأفلام الروائية من خلال فلم (الخوف والرغبة 1953) ثم
تبعه بفلم (قبلة القتل 1955) وكانت هذه بدايات بسيطة , وليست ذات جودة
, لكنها بدايات رسمت ملامح فنان مبدع.
في عام 1956 إستطاع كوبريك بالإشتراك مع صديق منتج يدعى (جيمس ب.
هاريس) بتكوين شركة إنتاج خاصة بهما , مما أتاح لكوبريك القيام بأول
محاولة جادة وخطوة صحيحة في مشواره بإخراجه وإنتاجه فلم (القتل 1956)
الذي يكاد أن يكون رائداً لطراز السينما المستقلة . وهو واحد من
الأفلام البوليسية حيث قام كوبريك في هذا الفلم بتبديل وجهات نظر كل من
أفراد العصابة التي قامت بالهجوم على إحدى ساحات سباق الخيل بأن صوّر
نفس المشهد عدة مرات ,كل مرة من زاوية مختلفة, مع إدخال تغييرات
تدريجية متعاقبة . فكان هذا الأسلوب من الأساليب الإستثنائية التي جذبت
إنتباه مشاهدي ونقاد هوليود .
بعد هذا النجاح إستطاع كوبريك أن يحقق نجاحاً أكبر , وأن يثبت نفسه
بين مخرجي هوليود المبدعين من خلال فيلم (دروب المجد 1957) من بطولة
النجم كيرك دوغلاس (والد النجم السينمائي مايكل دوغلاس) . في هذا الفلم
بدأ مشوار كوبريك مع أفلامه الجدلية حيث منعت فرنسا عرض هذا الفيلم
الذي إستوحاه كوبريك من أحداث حقيقية عن الإعدام الجماعي للجنود
الفرنسيين ليكونوا عبرة لغيرهم خلال الحرب العالمية الأولى . إن الحظر
الفرنسي لهذا الفيلم المناهض للنزعة العسكرية جلب شهرة أكبر لمخرجه
ستانلي كوبريك ومؤلفه (همفري كوب) .
بعد (دروب المجد) إستمر تعاون كوبريك مع كيرك دوغلاس كممثل ومنتج في
الفيلم التاريخي الشهير (سبارتكوس 1960) عن رواية الأديب (هوارد فاست)
وهو فيلم تاريخي ذو طابع ثوري يبين ثورة العبيد بقيادة سبارتكوس ضد
طغيان رما . بعد الشهرة والنجاح لفيلم (سبارتكوس) إنتقل كوبريك للعيش
في لندن وعاش فيها بقية حياته ليقدم سبعة افلام خلال ثلاثين عاماً ,
وبالرغم من كونها حصيلة قليلة إلا أن كل فيلم من هذه السبعة كان علامة
بارزة في عالم الفن السابع تستحق الوقوف عندها .
**لندن :-
إستهل كوبريك مسيرته في لندن بإثارة الجدل من جديد من خلال فيلم
(لوليتا 1962) عن رواية الروسي (فلاديمير نابكوف) وهو أول عمل مع
الممثل بيتر سليزر وجيمس ماسون وسو ليون . وهو فيلم يتكلم عن علاقة
كاتب كهل مع مراهقة . اثار الفيلم ضجة كبيرة لفكرته الجريئة والمشاهد
الجنسية التي يحتويها .
ثم تلاه كوبريك بفيلم (دكتور سترينجلوف : كيف تعلمت التوقف عن القلق
وأحب القنبلة 1964) عن رواية (الإنذار الأحمر) وهو من بطولة بيتر سليزر
ايضاً , والفيلم من نوع الكوميديا السوداء يصور فيه حالة الرعب التي
تسببها الحرب النووية .
إنقطع كوبريك خمس سنوات ثم عاد برائعته السينمائية (أوديسا الفضاء :
2001) عام 1968 بسيناريو قام بوضعه بالتعاون مع (آرثر س. كلارك) . أسس
هذا الفيلم لإستخدام الرموز والمؤثرات الصورية التي وظفت فيه بصورة
خيالية , عن طريق طرح العلاقة الجدلية بين الإنسان والآلة وبدايات
تكوين الدوافع البشرية .
أثبت كوبريك من خلال هذا الفيلم إنه مدرسة مستقلة في تاريخ السينما
. إستمر كوبريك بالتصاعد وإثارة الجدل من خلال فيلم (البرتقالة الآلية
1971) عن رواية لأنطوني بريغس بنفس الإسم ويعالج هذا الفيلم موضوع
العنف ونموه والنزعات التخريبية السادية التي تنمو مع تقدم البشرية .
حصل الفيلم على تصنيف (X) وهو تصنيف لأفلام تحتوي على مشاهد جنسية
وعنيفة مبالغ بها . وتدخلت الكنيسة لمنع عرض هذا الفيلم الذي ظل
محظوراً لسنوات عدة .
بعد ذلك قام بإخراج فيلم (باري لندون 1975) عن رواية كلاسيكية
لثاكري وهو من بطولة راين أونيل ويتكلم عن الأجواء البرجوازية في
القرون الوسطى . ثم قام كوبريك بتحويل رواية لستيفن كينغ بعنوان
(البريق 1981) الى فيلم مثل فيه جاك نيكلسون دور كاتب ينعزل وزوجته
وإبنه في قصر مهجور فيصاب بحالة من الفصام ويحاول قتلهما . بعدها قام
بإخراج فيلم (طلقة بغلاف معدني1987) بالإستناد الى رواية (العائدون
قريباً) لغوستاف هاسفورد وفيه تصوير بارع لأجواء الحرب الأمريكية –
الفيتنامية .
توقف بعد ذلك لمدة طويلة جداً , ثم عاد الى العمل بفيلمه (عيون
مغلقة بإتساع 1999) الذي جمع النجمان توم كروز وزوجته , في ذلك الوقت ,
نيكول كيدمان وهو يصور أجواء العربدة و الليل في نيويورك . لكن خبراً
حزيناً قد خيم على أجواء الفيلم إذ مات ستانلي كوبريك بالسكتة الدماغية
في 7/3/1999 , وقبل أن يحضر إفتتاح هذا الفيلم .
بالرغم من هذه السيرة المليئة بالإبداع والإبتكار إلا أن ستانلي
كوبريك لم يحصل على جائزة الأوسكار كأفضل مخرج - مثله مثل مبدع آخر هو
ألفريد هيتشكوك - , وعلى الرغم من الإتهامات التي وجهت له بالإنعزالية
والتنسك والسوداوية إلا إنه يعتبر واحداً من أعظم مبدعي السينما وآخر
عباقرتها .
.......................................................................................................
المصادر/
1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
2- عبدالله خليفة/ موقع السؤال
3- شبكة الحب
4- علاء هاشم مناف / الحوار المتمدن
5- مركز الدراسات امان
6- جبهة التحرير الشعبي الثوري
7- مجلة معابر
8- بشار كاظم / موقع مرافىء |