ماذا لو عاد  الشهداء في العراق.!؟

محمد الوادي

سؤال افتراضي في زمن  عراقي  يبدو كله شبه افتراضي ومجازي، اقتبس هذا السؤال عن قصة من تاليف الكاتب الجزائري الطاهر وطار، والتي قام الفنان العراقي المبدع حيدر او حيدر " بتعريقها " واعدادها واخراجها كمسرحية قدمت باسم " البرقية " من قبل فرقة الطريق المسرحية  في السويد والدنمارك. فيما قام صاحب هذه الاسطر بتسجيلها للتلفزيون.

جدلية هذا السؤال تقودنا الى الواقع العراقي المر الذي نعيشه منذ عقود طويلة ومستمرا  حاله الكالح حتى يومنا هذا. ومن المفارقة ان جواب لمثل هكذا سؤال يجب ان يخرج من رحم هذه السنوات الخمسة الاخيرة بعد سقوط الصنم، لكن نفس هذه المفارقة تتضخم حين يكون الجواب نفسه  يولد معه اسئلة اخرى اكثر جدلية واكثر مرارة. لان الرحم التي ولدت منه مرحلة بعد  نيسان 2003 يبدو لايقل تشوه وغباء عما كان الحال عليه قبل نيسان 2003. وهنا يستدعي نفسه مضطرآ المثل العراقي المأثور والذي يقول " الحمار نفس الحمار. والغطاء فقط هو الذي تغير "!! وتعريف الغطاء هنا بشكله البسيط هو ما يوضع فوق الحمار نفسه. بمعنى أدق نعم سقط نظام الصنم، وجاءت وجوه اخرى لكن طريقة ذلك النظام الملعون لم تتغير، بل كان في البلد صنم واحد كبير تحاول الاكثرية المطلقة ومتفقة على اسقاطه واليوم في جعبة العراق مجموعة اصنام ذات حجومات مختلفة ولاجل اسقاط الفكر التي تعمل به هذه الاصنام، سيدخل الشعب العراقي في تقاطعات وخطوط عرض وطول متشعبة ومتناقضة.

حد التصادم الذي ينفجر في اقرب لحظة ممكن ان تتناول به اسم او شخص معين لايقل " صنمية "  في الممارسة والفكر عن ذلك الصنم الكبير الذي سقط. انه اذن الغلاف الذي تغير اما ذلك الجوهر فهو في مكانه الصحيح موطن صناعة الديكتاتوريات الذي اسمه العراق.

في وسط هذا الضجيج الصاخب وهذا الظلم الجديد " المقنع " مرة بالديمقراطية واخرى بالدين وثالثة بالوطنية لا بل حتى بالليبرالية!! فكلهم اصبحوا في الهواء " مختلسون "!! هنا  ياتي مكان سؤالنا المفترض. ماذا لو عاد شهداء العراق!!؟ شهداء العراق هم من جنوبه وشماله ومن شرقه وغربه كل هولاء الابطال الذين ينتمون الى احزاب معينة ذاتها الان موجودة في سلطة حكم العراق او افراد مستقلين مدنيون  او من ضباط ومراتب الجيش العراقي والذين دفعوا اغلى مايملكون حياتهم طيلة ثلاثة عقود لاجل ازاحة ذلك الصنم الذي جثم على صدور العراق والعراقيين خلال تلك الفترة.

 بل ليس غلوا اذا قلت كل شهداء العراق من ايام الاحتلال التتاري والعثماني والصفوي وحتى ثورة العشرين وحتى يومنا هذا. ماذا سيقول كل هولاء الابطال وهم يشاهدون العراق بيد حفنة عصابات ليس لها بداية ولا نهاية. الا قلة قليلة ونادرة اختارت طريق الصمت او طريق المعارضة " مدفوعة الثمن " من خلال الابعاد والاقصاء الذي يمارس بحقهم داخل هذه الاحزاب نفسها بل وحتى داخل اروقة منجم الكذب والدجل والاختلاس الذي يطلق عليه " البرلمان العراقي "!!

ماذا سيقول ابناء المقابر الجماعية حين ينهضون من قبورهم القسرية  هذه من 420 مقبرة جماعية لحد الان مكتشفة في الجنوب. وهم يشاهدون حال اهلهم في البصرة والعمارة والناصرية و السماوة والكوت والحلة والنجف وكربلاء وامتدادهم الكبير في بغداد على وجه الخصوص. اهلهم الذين اصاب منهم الجوع والعوز مصابا كبيرا وكثيرا, ماذا سيقولون وهم يرون امهاتهم تقف اما المصرف بل ذلة وهوان لاجل استلام راتب تقاعدي لايعادل فلس واحد من راتب عضو البرلمان العراقي!!

 ماذا سيقولون وهم يرون اطفالهم وقد اصابهم فقر الدم بسبب سؤ التغذية فيما اصبح اولاد المسؤولين الجدد  " باشوات " هذا الزمن العراقي القبيح!! وماذا سيقول الشهداء وهم يرون زوجاتهم يفترشن ارصفة الساحة الهاشمية في عمان ورصيف السيدة زينب في سوريا وكراج العلاوي والنهضة وكل ارصفة العراق للاسترزاق من خلال بيع السكائر وغيرها من الامور، فيما اصبحت زوجات اعضاء البرلمان والوزراء " هوانم " اخر الوقت العراقي الاسود  هذا!!

 وماذا سيقول الشهداء لو شاهدوا زوجاتهم او شقيقاتهم تقف امام محطة الوقود ساعات طويلة للحصول على عشرة لترات نفط للتدفئة فيما  يكرم الشهرستاني من  "ارث اهله " صهرجين وقود لكل عضو برلمان شهريا!!

 وماذا سيقول الشهيد وهو يرى اولاده يهجرون المدارس دون رقيب او حافز للاستمرار  لامن الافندية ولاغيرهم من اعضاء مجلس السؤ ذلك الذي يسمى برلمان العراق!!

وماذا سيقول الشهداء وهم يرون عوائلهم تتضور جوعا فيما يتفاخر احدهم بانه تم فقط خلال ثلاثة ايام من ايام محرم وذكرى استشهاد الامام الحسين "ع" تقديم 200 مليون وجبة طعام!! نعم مئتان مليون وجبة طعام، لكنهم عجزوا ان يقدموا للعراقي لقمة عيش كريمة واحدة ترضي اولا الله سبحانه وتعالى وثم الحسين "ع" الذي اسشهد على طريق الله، وليس على طريق التجارة بالمقدسات!!

وماذا سيقول اولئك الشهداء الاخوة الستة الذين ذهب اخوهم السابع الى رفيقهم بالحزب " والان هو مسؤول في  الحكومة " وطلب منه فقط المساعدة في الحصول على وظيفة لغرض تمشية امور ايتام هذه العوائل البطلة قدر المستطاع. فكان رد ذلك المسؤول بسؤال عبارة عن جواب تافه يشبه مصدره " لو لم تكن من جماعة صدام لاعدمك مع اخوتك الستة!!"

وماذا سيقول ذلك الشهيد وهو يرى على شاشة احدى الفضائيات  عضو برلمان يجيب على سؤال احدى المتصلات وهي زوجة شهيد وعندها سبعة اطفال وتطالب براتب تقاعدي " بان زوجها استشهد واجره عند الله، اما انتم فلا يحق لكم ان تطلبوا ثمن تضحياته في الحياة!!" هذا الافندي الملتحي يصعد على تضحيات الشهداء ويغرس مخالبه في قلوب وافئدة عوائلهم واهلهم!!

 وماذا سيقول الشهداء لو شاهدوا احد الوزراء الحاليين وهو يقول نصا " نحن انتخبنا الشعب ودعمتنا المرجعية لان ايدينا متوضئة ونظيفة " لكنه لحد هذه اللحظة لم يفسر لنا كيف اشترى العمارات الاربعة في دولة مجاورة!! ولماذا اصر على طبع كل مناهج العراق الدراسية للمراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية في بلد مجاور، وكيف حال يديه المتوضئة!! ولماذا يحشر المرجعية في مثل هكذا مواقف وهي الابعد عنها.!!

 وماذا سيفعل الشهداء لو وجدوا ان الحصة التمونية لم تصل الى عوائلهم كاملة منذ سنين طويلة، وان كروش اعضاء البرلمان والوزراء اصبحت علامة مميزة وماركة مسجلة منذ عام 2005 وحتى يومنا هذا!!

وماذا سيقول الشهداء ووزير التجارة الذي وزع على العراقيين حصة الشاي مخلوطة بنشارة الحديد، مازال حتى يومنا هذا يحظى بحماية حتى من مجرد المسألة بدعم من بعض اوباش اليوم!! وماذا سيقول الشهداء حين يرون بغداد وقد تحولت الى مدينة " هرمة " فقط رائحة الموت وصوت قعقة السلاح تستوطنها!!

 ماذا سيقول كل شهداء العراق الذي دفعوا حياتهم لاجل الكلمة الحرة والموقف الشريف والحياة الكريمة حين يعرفون ان في بغداد وحدها تم قتل اكثر من 275 صحفي واعلامي في رقم قياسي لم تصله حتى كل سنين حرب  فيتنام!!

وماذا سيقول الشهداء حين يرون بغداد وقد تحولت الى احياء سنية واخرى شيعية وان عدد المهجرين وصل بالملايين يضاف الى ملايين الذين هربوا من قتل وبطش عهد الصنم الساقط.!! وماذا وماذا وماذا!!

من جانب اخر وفي زاوية اخرى للصورة كيف سيتصرف اعضاء البرلمان والوزراء مع رفاقهم من احزابهم حين ينفضون تراب المقابر ويخرجون اليهم!؟ بالتاكيد سوف يستقبلوهم بمفردات اصبحت " مملة ومستهلكة " مثل الشفافية والنزاهة والرقابة المالية والديمقراطية والوحدة الوطنية ومكونات واطياف الشعب العراقي والدستور والقانون والمصالحة الوطنية!! وهكذا يراوغون معهم حتى تحين الانتخابات القادمة وبشتى الطرق الارضية والسماوية ياخذون اصواتهم وبعد اعلان النتائج بلحظات يطمرونهم تحت التراب في مقابر اخرى جماعية لاتقل دناءة واجرام عن سابقاتها في عهد الصنم الساقط. الم يقل الشيخ العطية النائب الاول لرئيس البرلمان العراقي على قناة العربية  ان تعريف السياسة " قم حتى اجلس مكانك. وبكل الطرق!!".

فاصحوا ايها الشعب العراقي، لان انتخابات مجالس المحافظات على الابواب وحتى الانتخابات البرلمانية لم يبقى لها الكثير. وهذه هي فرصة العراقيين التاريخية لتصحيح المسار بعيدا عن هؤلاء تجار الوجع العراقي.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 25 آذار/2008 - 17/ربيع الاول/1429