عوائل الشهداء وضياع الحقوق بين اروقة الدوائر والمؤسسات

تحقيق/ عصام حاكم

شبكة النبأ: لاينبغي بأي حال من الاحوال ان نستهين بقدرة دوائرنا ومؤسساتنا الحكومية على فن المراوغة والتسويف حيال مواطنينا من خلال خلق شبكة عنكبوتية من الاجراءات الروتينة المملة على امل ان يبقى المواطن يدور في حلقة مفرغة لا ينبغي له التخلص منها بالنزق اليسير الا في ظل ظروف غامضة ومنها مفارقة هذه الحياة، وعلى الرغم من تلك الامنية الصعبة الا انها لم تحقق للمتمنين غايتهم  المنشودة بل على العكس، فقد اشار عليّ الكثير من عوائل الشهداء بما يندى له جبين الاحياء والاموات على حد سواء، فهم -عوائل الشهداء- امسوا توّاقين الى الاشتراك بمسابقات الجري، من كثرة مراجعة الدوائر والمؤسسات من دون جدوى.

ومن اجل أن نرسي على ابعاد تلك الممارسات اللانسانية ضد عوائل الشهداء كان لمراسل (شبكة النبأ المعلوماتية) هذه الوقفة مع عدد من ذوي الشهداء للاطلاع عن كثب عن ماهية تلك المراجعات الطويلة العريضة، وما هي الغاية ان نجعل ايتام وازواج الشهداء تتحقق لديهم فلسفة التوسل والاستجداء.

ابو كرار متقاعد، وهو والد الشهيد هيثم، قال: علمتنا تجارب الامم  والشعوب السابقة ان تحتفِ بالشهداء وتكرمهم أيما تكريم وتقيم لهم النصب التذكارية وتفرغ اليهم يوم من ايام السنة للاحتفال بـ يوم الشهداء، ولكن في عراقنا اليوم العكس هو العنوان الابرز حيث يلقى بالشهداء وعوائلهم على قارعة الطرقات وابناءهم وازواجهم يستجدون عطف الشارد والوارد من اجل ان لا يمسهم الحيف والظيم والقهر ويلقي بهم الى الانحراف، فانا على سبيل المثال وغيري كثيرين، منذ اكثر من عامين لم نستلم، مكرمة الشهيد، ناهيك عن تلك الاساليب التي يتعرض لها عوائل الشهداء اثناء المراجعة الى الداوئر، وهي لا تقف عند حد التعسف والاحتقار او السخرية من قبل القائمين على تلك المؤسسات.

 بالاضافة الى ذلك نحن نعاني من تلك الاجراءات الروتينية المملّة فكل دائرة او مؤسسة نذهب اليها تطالبنا بنفس المستمسكات، وهذا الاسلوب بالتاكيد يذكرنا بالعصور الاولى وهو لا يصدق هذه الايام حتى في الدولة المتخلفة، كما اني اتساءل بمرارة الا يحق لتلك الارواح الطاهرة التي سقطت على مذبح الشهادة ان يخصص لعوائلهم مبلغ يكفيهم من التعرض الى الانحراف والتفسخ؟!، وذلك من باب المساواة بأولئك الذين خدموا في قبة البرلمان لمدة شهرين فقط وبقوا يتمتعون بملايين الدنانير شهريا كمرتبات تقاعد!!!.

اما (ام محمد) وهي زوجة الشهيد علاء، الذي ذهب مغدورا في منطقة الدورة ببغداد، وهو لم يتجاوز الثلاثون عاما ويعمل في محل حلاقة، فقد استهدفه أئمة الجهاد الجديد، ولديه من الاطفال اربعة بين ذكور واناث، تقول زوجته ام محمد لـ شبكة النبأ: أني أتعجب وآسف في ذات الوقت عندما اسمع في برامج دول الخليج بانهم يضمنون للاطفال مستقبلهم ويخصصون لهم راتب منذ الطفولة هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان اسفة كون زوجي رحمه الله ذهب ضحية لهذا الوطن، وعائلته اليوم تعيش على الصَدقات، حيث لا يوجد لنا ناصر ولا معين حتى من الدولة التي قامت على انقاض الشهداء والنضال المرير طوال عقود.

محطتنا التالية كانت مع زوجة الشهيد(سعيد زاير) وهي امرأة لم يتجاوز عمرها 25 عاما ولديها اطفال ثلاثة، حيث تقول: اني فقط اوجه لومي وعتبي على البرلمان العراقي وعلى شخص رئيس البرلمان بالتحديد أفلا يستطيع ان يفرغ شخص واحد فقط من عداد 275 عضو في البرلمان لمتابعة اعداد الشهداء ومحاولة الوقوف على حدود مستحقاتهم المادية وحقوقهم ان وجدت لهم حقوق من قبل الدولة، كأن تكون قطعة ارض او مبلغ شهري لإعانتهم على الضروف القاسية التي نحياها اليوم او تخصيص راتب شهري لعائلة الشهيد، واني اعتقد بان هذه المهمة ليست شاقة بالقدر المستحيل، كما انها تحقق لهم في ذات الوقت سمعة طيبه تتجاوز الاتهامات المتزايدة لهم من قبل الشعب العراقي يوما بعد يوم.

وتضيف زوجة الشهيد زاير، اني اريد ان اسأل الدكتور المشهداني، بوصفه رئيس مجلس النواب العراقي، لو كانت اخته على سبيل المثال هي من ترمّلَت افلا يطالب لها باستحقاقات مادية ويحققها لها، ام يتركها على قارعة الطريق تتوسل من اجل حفظ شرفها، ولكن هناك ثمة حقيقة يجب قولها في نهاية حديثي وأذكر بها مجلس النواب ككل، بان الحياة لا تدوم لأحد ابدا ولو دامت لغيرك لما وصلت اليك، والله هو المستعان في كل الامور.

بعد هذا السجال المؤثر ارتأينا التوجه صوب (مؤسسة الشهداء) في محافظة كربلاء، علّنا نجد الرد عن الكثير من التساؤلات والتخرصات التي فضحها الواقع المعاش لأُسر الشهداء، حيث كان باب مدير مؤسسة الشهداء فرع كربلاء المقدسة السيد (يحيى حسن الياسري) محطة مهمة لذوي الشهداء، وهو يحرص دوما ان لا تفارق وجهه تلك الابتسامة الحانية وكأني به يريد القول ان والدي ايضا من الشهداء، فهم اهلي وناسي ويجب رعايتهم، حيث اجابنا بكل موضوعية وتأمل واختصنا من الألف الى الياء، عن عمل ومنجزات هذه المؤسسة الفتية، حيث قال لـ شبكة النبأ: في البدء اود ان استعرض  بعض حيثيات هذه المؤسسة لكي تتضح الصورة جليا امام القارىء العراقي، فهي مؤسسة دستورية صودق عليها من قبل الجمعية الوطنية العراقية، وهي تحمل قانون يطلق عليه قانون رقم ثلاثة لسنة 2006. وتمتلك فروعا لها في كافة محافظات قطرنا العزيز، أما ما يخص مديريتنا في كربلاء المقدسة فهي قد افتتحت في يوم 20/8/2007 وبحدود الستة اشهر الماضية منذ الافتتاح، واكبنا الكثير من الانجازات والنشاطات والمهام،  ومن جملة ما اود ان استعرضه كانت لنا علامة بارزة من خلال ارسال 20 من ذوي الشهداء الى بعثة الحج وتحمّل نفقات سفرهم، ومن ثم استمر قطار المنجزات من خلال مسألة التوثيق، وانت تعلم بان هذه المهمة ليست باليسيرة على اعتبار ان الامر يتطلب، حسب قولك رحلة مكوكية، عبر دوائر عدة منها دائرة النفوس والصحة والمحكمة حيث نحتاج الى بعض الوثائق الرسمية الدقيقة التي بمقدورها ان تكون عقبة امام بعض ضعاف النفوس والمتلونين والمتزيفين، وهم كثر مع شديد الاسف، وهذه الممارسة هي اشبه ما تكون بفض الغبار عن وجه الحقيقة.

ويضيف مدير مؤسسة الشهداء، انت تعلم قبل غيرك بان كربلاء على وجه الخصوص هي معقل للشهداء في ظل الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 فالكثير من الشباب المجاهد  سقطوا شهداء على هذه الارض المطهرة وهذا الاستشهاد يستتبعه مقابر جماعية بحيث لا وجود لرفاة ولا وجود لاي مستمسك او وثيقة رسمية، وهذا الامر بالتاكيد يحدث ارباك عالي، وعلى سبيل المثال كان ذوي الشهداء يحرصون في ظل النظام الصدامي القمعي على عدم ذكر كون ابنائهم شهداء، ويحاولون ايضا ان يُخفون مستمسكاتهم الرسمية مخافة التعرض الى البطش او المسائلة، وربما لمقتضى الضرورة الامنية يحاولون جاهدين من اجل نقل تواريخ الاستشهاد الى تواريخ اخرى، وهذا الامر بطبيعة الحال يملي علينا مواجهة مهمة صعبة جدا حيال احتساب هذا او ذاك على فصيلة الشهداء.

 الا اننا والحمد لله استطعنا ان نصادق على 1250 معاملة شهيد خلال تلك الفترة التي ذكرناها سابقا، وهذا الامر ربما يفسر على انه جهد استثنائي كبير وقد وصل عدد المعاملات المنجزة الى 2500 معاملة وهي تنتظر دورها في المصادقة عليها من قبل اللجنة الخاصة.

واللجنة الخاصة هي عبارة عن سلطة قضائية في مؤسسة الشهداء تتالف من خمسة عناصر يترأسهم قاضي من مجلس القضاء الاعلى، وممثل عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وممثل عن وزارة الداخلية، وممثل عن وزارة المالية بالاضافة الى ممثل عن مؤسسة الشهداء، ومن ثم تجمع المعاملات المنجزة على مستوى مديريات العراق.

من هم الشهداء المشمولين بهذه المؤسسة

لو تمت قراءة بنود وفقرات القانون أي قانون مؤسسة الشهداء، لكان قد فوّت فرصة كبير امامنا من ضياع للوقت والمعاناة والتعب، وقانون مؤسسة الشهداء يقول( كل مواطن عراقي فقد حياته بسبب معارضته للنظام السياسي البائد في المعتقد او الرأي يعتبر مشمولا بقانون المؤسسة)، وهذا يعني ان كل مواطن لا يحمل شهادة الجنسية العراقية لا يشمل بهذا القرار كونه لا يتصف بالمواطنة العراقية، ويتضمن القرار بين طياته اشارة مؤكدة لصنوف الشهداء، وهو يحاول ان يقول بان المواطن الذي استشهد بفعل مباشر او غير مباشر مثل التعذيب او السجن حتى الاستشهاد من الفترة 1963 الى 2003 ، أي ساعة سقوط النظام القمعي ونحن نعلم بان النظام قبل ايام من انهياره اقدم على اعدام عدد من الشباب في كربلاء اثر الزيارة العاشورائية.

اما فيما يخص المستفيدين من ذوي الشهداء فهم الاب والام وزوجة الشهيد وابناء الشهيد اما في حالة الشهيد غير متزوج ووالداه متوفيان  فمن حق اخوان واخوات الشهيد المطالبة بحقوقه.

ويضيف السيد مدير المؤسسة لـ شبكة النبأ: اود ان اوضح حالة مهمة فهناك بعض المواطنين قد تم اعدمهم ايام النظام البائد على اساس جريمة او جنحة مخلة بالشرف او ضروب اخرى من الجرائم  الجنائية الاخرى فهم لا يصار الى احتسابهم من الشهداء.

وفي اشارة الى الرحلة المكوكية التي ذكرتها سابقا بين اروقة الدوائر الرسمية، فالمؤسسة تصرف مبلغ مئة الف دينار عراقي بدل اتعاب ومصروف للمعاملة، وبعد ذلك يتم تسليم منحة رئيس الوزراء على ذوي الشهداء وهي 500 الف دينار عراقي شهريا، لكل عائلة شهيد، ونحن والحمد لله منذ فترة اسبوعين بدأنا بتسليم المنحة.

ما هي الشروط والمستمسكات المطلوبة

بعد المصادقة على معاملة الشهيد يستحصل على رقم قرار، وعلى سبيل المثال من رقم واحد الى 1250 ، مديريتنا لها رمز 4 حيث يكون القرار هو 1 على 4 وبهذا القرار يحدد مصير الشهيد من خلال اللجنة الخاصة حيث اصبح ضمن اطار مؤسسة الشهداء وضمن اطار الدولة العراقية الحديثة.

 فضلا عن ذلك هناك استحقاقات اخرى على مستوى مديريتنا تتناول الجانب المادي والمعنوي والصحي والتعليم العالي، وهي تتضمن متابعة احوال عوائل الشهداء من خلال متبعة حالاتهم الصحية واذا كان هناك ضرورة  ملحة للعلاج خارج القطر فنحن نسعى الى ارسال ومعالجتهم خارج العراق.

 ومن جهة اخرى افرزت لنا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي 10 مقاعد لذوي الشهداء للدراسة على نفقة المؤسسة، وهناك ايضا متابعة للحالة المعنوية عبر زيارة عوائل الشهداء واخص بالذكر الناس الكبار في السن ومتابعة وضعهم الاجتماعي والصحي ولنا زيارات ميدانية مهمة على مستوى المحافظة، وربما لا ينتهي الامر عند هذا الحد بل حتى تقديم الدعم المادي الى اولاد الشهداء عند قدومهم على الزواج وذلك بتقديم منحة قدرها ثلاثة ملايين ومستلزمات الزواج الاخرى.

اما بصدد قطع الاراضي السكنية للشهداء ففي نية المديرية تقديم قطع اراضي لذوي الشهداء الا اننا فوجئنا بان مجلس المحافظة قد وزع الاراضي ونحن كنّا في طور التكوين، الا اننا فاتحنا المحافظة بهذا الصدد وقد وعدونا في هذا العام والاعوام اللاحقة قد يصار الى تخصيص قطع لذوي الشهداء والان قد تم المصادقة على 249 معاملة للاستفادة من قطع الاراضي.

ومن خلال تلك المشاهد التراجيدية التي رسمتها لنا وجوه وأفواه تلك العوائل الثكلى نستفهم بان الاستراتيجية التي انتهجها ازلام النظام السابق هي ذاتها من يعاد انتاجها من جديد من خلال غض الطرف عن ذلك المكون المجتمعي،  وهما يكادا ان يشكلان  تحالف استراتيجي او بمعنى ادق حالة واحدة بين ممارسة القتل او التنصل عن الوفاء  بالالتزام الاخلاقي او الديني او الوطني تجاه من مورس ضدهم التقتيل والذبح، لتبقى عوائلهم وازواجهم وابناءهم شاهد على جريمة القتل مرتين، الاولى ممارسة الفعل والثانية التغاضي عن استرداد حقهم المستلب، والله هو خير الحاكمين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 25 آذار/2008 - 17/ربيع الاول/1429