بعد الشيعة: تسونامي الوهّابية يتصاعد في نهجه التكفيري  

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: بعد ان تعاظمَ المد الوهابي التكفيري منتشرا في ارجاء الارض عبر الافكار المتشددة المبنية على اساس قتل الحياة اينما حلّت، حيث كانت بدايته في تكفير المسلمين الشيعة في العراق واستهداف الالاف منهم بكافة وسائل القتل والدمار، ها هو اليوم يشعل الجدل والصراع الداخلي في السعودية، وهذه المرة لا يتعلق الامر بالنظام القضائي في المملكة او بانتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة فيها، وإنما بسبب فتوى أصدرها أحد كبار رجال الدين ، حكم فيها بتكفير اثنين من الكتّاب، يُعدان ضمن الإصلاحيين، بل وإهدار دمهما إذا لم يعلنا توبتهما، بعد ما اعتبرت الفتوى أنهما "خرجا على الإسلام."

فقد قال رجل دين سعودي بارز في فتوى نادرة انه تجب محاكمة اثنين من الكتّاب لارتدادهما عن الدين الاسلامي وتطبيق حد القتل عليهما اذا لم يتوبا.

وكان عبد الرحمن بن ناصر البراك يرد على مقالات نشرت مؤخرا في صحيفة الرياض تشكك في رأي غالبية المسلمين السنة بأن أتباع الديانات الاخرى كفرة. وقال البراك في فتواه التي يرجع تاريخها الى 14 مارس اذار ونشرت على موقعه على الانترنت albarrak.islamlight.net "وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ من الخارجين عن الاسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم الا من حاربه) أو زعم ( أن شهادة ألا اله الا الله لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه ومن عابديه ولا تقتضي نفي كل دينٍ غير دين الاسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين) فانه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الاسلام. فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فان تابَ ورجع والا وجب قتله مرتداً عن دين الاسلام فلا يغسل ولا يكفَّن ولا يصلى عليه ولا يرثه المسلمون."بحسب رويترز.

واضاف في اشارة الى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة "وان من المؤسف المخزي نشر مقالاتٍ تتضمن هذا النوع من الكفر في بعض صحف هذه البلاد المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين."

وتابع قائلا "فيجب على ولاة الامور محاسبة هذه الصحف على نشر مثل هذا الباطل الذي يشوه سمعة هذه البلاد وصورتها الغالية. وليعلم الجميع أنه يشترك في إثم هذه المقالات الكفرية كل من له أثر في نشرها وترويجها من خلال الصحف وغيرها كرؤساء التحرير فمن دونهم كل بحسبه. فليتقوا الله وليقدروا مسؤوليتهم ومقامهم بين يدي الله." والبراك الذي يعتقد ان عمره 75 عاما أبرز العلماء الوهابيين في السعودية. وقال ان المقالين يقولان بحرية أن يتبع المسلمون أديانا أخرى.

وقال عبد الله بن بجاد العتيبي وهو أحد الكاتبين انه يخشى على حياته ودعا الحكومة للتدخل. والكاتب الثاني هو يوسف ابا الخيل.

وأضاف العتيبي في تصريح لرويترز، ان مقالاته صدرت ضدها فتاوى في السابق ولكنها لم تصل من قبل الى التحريض بصورة مباشرة على القتل أو التكفير بصورة غير مباشرة.وتابع قوله أنه اذا مر هذا الامر مرور الكرام فستدخل البلاد في منطقة إراقة الدماء وستكون هناك فوضى.

وأعلنت مجموعة من رجال الدين السعوديين تأييدهم للفتوى  وأصدرت مجموعة من 20 من رجال الدين المرتبطين بالبراك بيانا يطلبون من الله العون في مواجهة "الهجمة الشريرة" التي يشنها الليبراليون من خلال "المعتقدات الملوثة".

وأضافوا في بيان نشر في مواقع على الانترنت انهم على دراية بمدى علم البراك في الدين وفي أحوال الأمة الاسلامية ويثقون في مكانة المسلمين في رأيه. وتابعوا أن الفتوى تستند على القرآن والسنة.

وقالوا ان كلام الشيخ البراك واضح من حيث وضع الامر بيد السلطات حينما قال انه يتعين أن تكون هناك محاكمة.

ويخوض الاصلاحيون الليبراليون معركة مع المتشددين الدينيين بشأن توجه البلاد وهي حليف رئيسي للولايات المتحدة واكبر مصدر للنفط في العالم.

وقال علي الاحمد وهو شخصية سعودية معارضة في واشنطن "هذا في رأيي أكبر استعراض للعضلات عند الحركة الوهابية منذ أمد بعيد."

وتورد CNN بالعربية فيما يلي مقتطفات مما جاء في مقالي هذين الكاتبين السعوديين، كما تعرض لبعض ما ورد في الفتوى بإهدار دمهما، ليتنسى للقارئ الاطلاع على القضية من الجانبين.

الآخر في ميزان الإسلام

في 16 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كتب أبا الخيل مقالاً بصحيفة "الرياض" السعودية، تحت عنوان "الآخر في ميزان الإسلام"، ذكر فيه أن "الإسلام لا يكفِّر من لم يحاربه من الكتابيين (اليهود والمسيحيين) أو من أتباع العقائد الأخرى، بل عدَّهم من ضمن الفرق الناجية."

وبالنسبة للمشركين، فقد تحدد موقف الإسلام منهم، بحسب كاتب المقال، الذي استدل على قوله بآيات من القرآن، منها: "قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون"، وقوله تعالى:"إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها."

أما بالنسبة لعقيدة "التثليث الشركية"، حسب وصف كاتب المقال، فقد حدد موقفه منها كما في الآية: "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم، وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة"، و"لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة."

أبا الخيل يرى أن الإسلام لا يكفر من لا يحاربه من الكتابيين، ولكنه أشار في المقالة إلى أن "كفرهم هنا (أصحاب عقيدة التثليث) يعني إخفاءهم حقيقة بشرية المسيح، مما يجعل التكفير منصباً أساساً على القسس والرهبان الذين يعرفون حقيقة المسيح، ولا يتعداهم إلى العامة المُلبَس عليهم،" على حد قوله.

أما اليهود، فمن المعلوم - بحسب الكاتب - أن "النبي عندما انتقل إلى المدينة، اعتبرهم من ضمن رعايا دولته، وذلك بأن آخى بينهم وبين المسلمين، من خلال عقد (صحيفة المدينة)، التي ضمنت لهم حقوقهم بالمساواة مع المسلمين."

وأضاف المقال: "وفوق ذلك أشارت إليهم الصحيفة، بلقب ديني محبب إليهم (يهود) ولم تعتبرهم كفاراً رغم بقائهم على دينهم، إلا أن الأمر اختلف عندما انبرت طوائف منهم لحرب الإسلام، ومظاهرة مشركي قريش عليه، وإخفائهم حقيقة الإسلام ونبيه، اللذين يجدونهما مكتوبين عندهم في التوراة، حيث نزل قرآن المدينة بتكفير المعتدين منهم فقط."

أما من لم يحارب الإسلام، سواءً من الكتابيين الموحدين أو من أتباع العقائد الأخرى، فقد أكد الكاتب أن "الإسلام لم يرمهم بالكفر على الرغم من بقائهم على دينهم، بل اعتبرهم من ضمن الفرق الناجية."

وأضاف الكاتب أن "الإسلام مضمون ديني يتسع في القرآن ليشمل الديانات السماوية التي تنتمي إلى دين إبراهيم، كما في قوله تعالى (إن الدين عند الله الإسلام)، وكذلك (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)، فالمقصود بالإسلام هنا هو دين التوحيد، في مقابل الشرك."

واستطرد قائلاً: "وهذا الإسلام - على خلاف ما يريده المتشددون والمتنطعون - لا يكفر مخالفيه لمجرد عدم إتباعهم رسالته، بل يكفَّر منهم فقط من يحول بين الناس وبين ممارستهم لحرية العقيدة التي كفلها لهم."

وتابع: "ولم يلتبس الأمر إلا عندما اخترع الفقهاء مصطلح (دار الحرب) في مقابل مصطلح (دار الإسلام)، زمن الفتوحات، فأصبحت دار الحرب تعني حينها كافة المجتمعات والدول التي لا تنضوي تحت لواء الدولة الإسلامية التي تمثل بدورها دار الإسلام، مما سمح بتعدية مصطلح (الكفر) لاحقاً ليكون وصفاً لكل من لا يدين بالإسلام."

إسلام النص وإسلام الصراع

أما الكاتب الآخر، عبد الله العتيبي، فقد كتب مقالاً بنفس الصحيفة في السابع من يناير/ كانون الثاني الماضي، بعنوان "إسلام النص وإسلام الصراع"، اعتبر فيه أن بعض المتصارعين، الذين استخدموا الدين كأداة لصراعاتهم، أدخلوا عليه تأويلات وتفسيرات تخدم أهدافهم، "وباختلاف الأهداف والغايات اختلفت التأويلات والتفسيرات."

وأضاف في مقاله: "وبما أن هذا الإسلام المباشر البسيط، لا ينفع في الصراعات، من حيث أنه دين متسامح جاء (رحمة للعالمين)، فقد اضطر المتصارعون إلى تجزئته وتقطيعه، ومن ثم إعادة بنائه وتركيبه ضمن منظومة تضمن خدمة أهدافهم الصراعية، وتشكلت على هذا الأساس (إسلامات) تعبر عن رؤية كل فريق وتثبت نظرية كل طائفة."

ومن الأمثلة على الزيادات التي أدخلها المتصارعون على النص، بحسب العتيبي، ليبرّروا بها رغباتهم وأهدافهم، أن المتصارعين لم يجدوا عبارة "أن تشهد أن لا إله إلا الله" كافية بالنسبة لهم للحكم بالإيمان والإسلام، "بل رأوا أنه يجب أن تتم تجزئتها إلى جزأين كحدٍ أدنى، الجزء الأول (لا إله) والجزء الثاني (إلا الله)."

العتيبي يعتبر أن الدين سقط ضحية بين المتصارعين

وبحسب الكاتب، ثم تأتي "مرحلة الشحن التأويلي، ومرحلة التعبئة التفسيرية، فيكون الجزء الأول (لا إله) المقصود به هو (الكفر بالطاغوت)، ونفي جميع الأديان والتأويلات الأخرى، ويضاف لذلك تكفير المخالفين وقتالهم والبراءة منهم."

ثم يأتي دور الجزء الثاني (إلا الله) لتتم تعبئتها كالتالي، وفقاً للعتيبي: "أي لا معبود بحق إلا الله، أو لا موجود إلا الله، أو غيرها من التفسيرات المشحونة والملغومة، التي اختلفت باختلاف المدارس والفرق والمذاهب والطوائف."

ويتساءل الكاتب في مقاله: "وإذا كان هذا جزءاً من التشويه الأيديولوجي لأهم مبدأ في الإسلام (الشهادتين)، فما بالك بما دون ذلك من عقائد وشعائر، من روحانيات وسلوكيات، من عبادات ومعاملات؟"

ويبدو أن العتيبي كان يتوقع أن يثير مقاله الكثير من الجدل، حيث ضمنه جملة قال فيها: "من الطبيعي أنّ يثير مثل هذا الطرح سدنة القديم، وحرّاس السائد، وجنود المألوف، وأن يجلبوا بخيلهم ورجلهم عليه وعلى طارحيه، لأنه يزعزع المكتسبات الكثيرة التي يتمتعون بها، وينزع مخالب السلطة التي يدلون بها على الناس، ويكسر سيوفهم المسلطة على رقاب العباد."

العتيبي: لا للخضوع لا للتهديد والتحريض

وبعد يومين من صدور هذه الفتوى، نشرت صحيفة "الاتحاد" الإماراتية مقالاً للكاتب عبد الله العتيبي في عددها الاثنين (17 مارس/ آذار الجاري)، بعنوان "لا"، استهله بالقول: "لا للتطرف، ولا للإرهاب، ولا للخضوع للتخويف والتهديد والتحريض، لا لمن يسعون لنشر الظلام، ويهتفون باسم السواد القاتم والدم القاني، المرتلين ألحان الكراهية البغيضة على أسماعنا، الناثرين لصديد أفكارهم المتطرفة على مرأى من أعيننا."

وجاء في موضع آخر من المقال: "لم يكن في وضوح مبادئ الإسلام وسهولة ثوابته ما يمنعهم من إغراقها في مبادئهم هم وثوابتهم هم، وذلك إما عبر تضخيمها وتكبيرها وتوسيعها حتى تشمل كل ما هب في أذهانهم ودب في قلوبهم من قطعية وإقصائية وتضييق وتجبر وظلم، وإما بتفريغها من معناها الأصلي لتوافق ما له يسعون وينصبون."

وأضاف العتيبي قوله: "كم نحن اليوم بحاجة إلى أن ننتصر للإسلام ممن يزعمون أنهم حماته، وهم خاطفوه، وألقوا على أكتافه ما تنوء بحمله قداسته من تأويلاتهم المتطرفة."

واختتم المقال بقوله: "إن دعاة التنوير والتغيير والتطوير يجب ألا يستكينوا لمثل هذه الحملات المغرضة والتأليب المدروس والتحريض الدموي، ويجب أن تصل الرسالة واضحة للمتطرفين بأن التنوير قادم، والتغيير مقبل، والتطوير سيظل على الدوام هدفاً ورسالةً، وأن الإسلام الذي جاء رحمةً للعالمين هو الذي سينتصر ويبقى، وسيكون لتشويهاتهم وتخريفاتهم مكان رحب في مزبلة التاريخ."

خطة سعودية لإعادة تدريب 40 ألفا من أئمة المساجد

من جهة اخرى وفي اطار جهود المملكة السعودية لحث ائمة المساجد فيها على الابتعاد عن النهج التكفيري المتطرف ذو الفكر الوهابي، تستعد السعودية لتدريب 40 ألفا من أئمة مساجد البلاد، في محاولة للتصدي لبعض التيارات الإسلامية المتشددة فيها.

وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط تفاصيل خطة بهذا الشأن. وعُدت الخطة جزءا من برنامج أشمل دشنه العاهل السعودي قبل بضع سنوات من أجل دعم الاعتدال والتسامح في المجتمع السعودي.

وأوردت الصحيفة أن وزارة الشؤون الإسلامية ومركز الحوار الوطني- الذي أنشئ قبل خمس سنوات، سيشرفان على عمليات التدريب.

ويسود الاعتقاد في المجتمع السعودي في الآونة الأخيرة أن التدابير الأمنية ليست كافية من أجل التصدي لتهديد الحركات الإسلامية المسلحة.

ويُتهم أئمة المساجد في السعودية بحث الشباب على الجهاد وتحريضهم على كراهية غير المسلمين. وقد أعفي حوالي ألف إمام مسجد من مهامهم خلال السنوات القليلة الماضية.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 24 آذار/2008 - 16/ربيع الاول/1429