
الكتاب: مذكرات قادة العمل الوطني السري
والاغتيالات السياسية
المؤلف: محمد الجوادي
الناشر: مكتبة الشروق الدولية- القاهرة
عدد الصفحات: 326- قطع كبير
شبكة النبأ: دأبت عمليات التصفية
والقتل والإغتيالات في الشرق لكل القادة الوطنيين البارزين المطالبين
بحقوق شعوبهم والمدافعين عن القضايا المصيرية لبلادهم، وبقيت هذ
الافعال في الذاكرة لكنما توارى الفاعلون وضاعت أوراق المحققين أدراج
الريح.. هذا ما يلخص اغتيالات سياسية شهدتها مصر في مطلع القرن
العشرين.
لكن الكاتب المصري محمد الجوادي الذي يلقي أضواء على بعض قادة
الاغتيالات السياسية يلفت أيضا الانتباه إلى أن أحدهم عين وزيرا بعد
ثورة 23 يوليو تموز 1952 لكنه ترك الوزارة وظل مرتبطا بالعمل السري حتى
عام 1965 حين أعلن أن جماعة الإخوان المسلمين رتبت انقلابا على حكم
الرئيس الاسبق جمال عبد الناصر.
ويقول الجوادي في كتاب (في ضوء القمر.. مذكرات قادة العمل الوطني
السري والاغتيالات السياسية 1910-1925) ان تنظيما سريا لا يتذكره
المصريون الآن كان له دور بارز في زعزة وجود الاستعمار البريطاني في
البلاد منذ احتلالها عام 1882 و"حقق نجاحات متوالية" بدأت "بنجاحه" في
اغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي في فبراير شباط 1910 وانتهت باغتيال
السير لي ستاك سردار الجيش المصري في نوفمبر تشرين الثاني 1924.
وصدر الكتاب في القاهرة عن مكتبة الشروق الدولية ويقع في 326 صفحة
كبيرة القطع ويتناول دور ثلاثة من قادة العمل السري هم عبد الفتاح
عنايت وأحمد رمضان زيان وعبد العزيز علي الذي حظي بالنصيب الأكبر من
اهتمام المؤلف. بحسب رويترز.
ويقول الجوادي ان "نجاحات" هذا التنظيم تعود إلى ما تمتع به أعضاؤه
من "قدرات مذهلة" رغم تباين ثقافاتهم واختلاف أعمارهم اذ كانوا يهدفون
لاستقلال الوطن انطلاقا من دعم معنوي من الحزب الوطني الذي نشأت على
يديه (جمعية التضامن الاخوي) السرية وكان كل عضو فيها يعطى اسما
مستعارا ويحظر عليه الاحتفاظ بأي شيء له علاقة ببقية الاعضاء.
ويرى أن أحدهم وهو عبد العزيز علي يمثل في الحركة الوطنية السرية ما
يمثله رموز في مجالات أخرى مثل نجيب محفوظ في الرواية وأم كلثوم ومحمد
عبد الوهاب في الغناء والموسيقى.
ويضيف أنه ظل حتى وفاته على "صلة عضوية ووثيقة بالتنظيمات السرية"
في البلاد منذ اغتيال غالي عام 1910 حتى عام 1965 حين اتهمت جماعة
الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب (1906-1966) بتدبير انقلاب على
النظام.
ويلفت الانتباه إلى أن علي كان من أوائل الذين استعانت بهم ثورة
1952 التي أنهت حكم أسرة محمد علي (1905-1952) وأسندت إليه وزارة
الشؤون البلدية والقروية في سبتمبر أيلول 1952 لكنه ترك الوزارة بعد
ثلاثة أشهر اذ لم يشعر بالالفة مع الثوار بل "رأى أن من واجبه أن
يقاومهم فاذا به يشارك الإخوان المسلمين حركتهم السرية التي أجهضها
النظام الناصري بكل نجاح وقسوة في 1965".
وإضافة إلى عنف سلطة الاحتلال يرجع الجوادي مسؤولية ما واجه التنظيم
من فشل إلى رموز العمل الوطني "بمن فيهم سعد زغلول نفسه وبمن فيهم أحمد
ماهر ومحمود فهمي النقراشي وغيرهما من الذين كانوا على علاقة عضوية
أمينة بهذه المنظمات" مضيفا أن الحركة الوطنية بعد أن أصبحت في السلطة
عجزت عن رعاية "الفدائيين البارزين رعاية تتناسب مع ما بذلوه" بعد
تعرضهم للاعتقال.
وينقل الجوادي عن علي كيف كان العضو الجديد قبل الانضمام إلى (جمعية
التضامن الاخوي) السرية يؤدي "البيعة" في مكان مجهول يذهب إليه وهو
معصوب العينين ويظل كذلك وهو يجيب عن أسئلة توجه إليه ثم يضع يده على
المصحف والسيف ويقسم على الاخلاص والسرية "وإلا كان جزائي الإعدام"
وبعد خروجه من المكان المجهول ترفع العصابة عن عينيه.
ويرى أن في طقوس البيعة ارهاصا شديد الشبه ببيعة الإخوان المسلمين
التي اشتهر أمرها بعد ذلك.. كانت (البيعة) تشي بالتأثر ببعض ظلال
الماسونية في فكر العمل السري.
ويقول إن عددا من المهندسين والمحامين أعضاء جمعية التضامن الاخوي
اتهموا باغتيال غالي 1910 لكن إبراهيم ناصف الورداني اعترف بأنه وحده
القاتل بلا شركاء "لانه خائن للوطن وجزاء الخائن البتر وصرح بأنه قتل
ناظر النظار بطرس غالي لموافقته على مد امتياز قناة السويس إلى 1999.
اهتزت البلاد لفقد الورداني" اذ نفذ فيه حكم الاعدام شنقا يوم 28 يونيو
حزيران 1910.
وكتب الشيخ علي الغاياتي (1885-1956) قصيدة في ديوانه (وطنيتي) تبدأ
بقول: ماذا جرى في ساحة الديوان-قتل الخئون مسدسُ الورداني. وصدر
الديوان بمقدمة للزعيم محمد فريد (1868-1919) والتي أدت به للسجن حيث
اتهم بالتحريض على القتل والازدراء بالحكومة وتحبيذ الجرائم.
وبعد اغتيال غالي جرت عام 1912 محاولة بهدف "تحرير الوطن" باغتيال
قيادات مصرية وبريطانية في مقدمتهم الخديوي عباس حلمي الثاني والمعتمد
البريطاني اللورد كتشنر ورئيس الوزراء محمد سعيد وأحبطت الشرطة تلك
المحاولة وحكم على المتهمين بالسجن 15 عاما.
وتعرض الخديوي عام 1914 للاغتيال أثناء زيارته للاستانة على يد طالب
الطب محمود مظهر لكنه أخطأ الهدف وانقض الحرس على مظهر وقتلوه.
ويسجل الجوادي أن عام 1915 شهد -بشهادة علي- ثلاث حوادث "فدائية"
منها اثنتان استهدفتا اغتيال السلطان حسين كامل الذي عينته بريطانيا
سلطانا بعد خلع سلفه الخديوي عباس لكن الجمعية رأت في قبوله الحكم
"خيانة توجب العقاب وقررت قتله" وأعدم القائم بالمحاولة وهو محمد خليل
من المنصورة في ابريل نيسان من العام نفسه.
وتعرض السلطان عام 1915 أيضا لمحاولة اغتيال ثانية بالقاء قنبلة
عليه لكنها لم تنفجر وحكم على الفاعل بالإعدام ثم خفف الحكم - بطلب من
السلطان- إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
ونقل الكتاب عن علي أن اغتيال السير لي ستاك سردار الجيش عام 1924
كان انتقاما من الانجليز الذين ضربوا المستشفى والكلية الحربية
بالخرطوم بالقنابل وهدموهما على من فيهما لمجرد تظاهر السودانيين
وتمردهم على الاحتلال ومناداتهم بالاستقلال التام لمصر والسودان. ولم
تفكر -مع بالغ الاسف- وزارة سعد زغلول في رد اللطمة بما تستحقه ولم
تتخذ اجراء حاسما ازاء ما يجري في السودان فبادر التنظيم إلى الانتقام.
وأدى مقتل السردار إلى اطاحة وزارة سعد زغلول زعيم ثورة 1919 إضافة
إلى كشف خلايا التنظيم السري واعدام شفيق منصور الذي سبق اتهامه في
المحاولة الثانية لاغتيال السلطان حسين.
وينقل الكتاب عن علي أن شفيق بريء من دم السردار وان لم يكن بريئا
من الحوادث التي سبقته. |