في تركيا: العلمانية تحارب الإسلام والديمقراطية

اعداد/ صباح جاسم

 شبكة النبأ: لطالما صرخ دُعاة العلمانية في كل مكان بانهم بعيدون كل البعد عن السياسات العنصرية ونهج الاحتواء القسري للحقوق المدنية التي تقرّها الشعوب من خلال الديمقراطية والانتخابات، ولكن ما ظهر على السطح من بوادر حرب شعواء ومحاولات انقلاب على الديمقراطية من قِبل العلمانيين الذين يهيمنون على مفاصل الدولة والمؤسسة العسكرية في تركيا تضع هؤلاء في قفص الاتهام المباشر بمحاولة استخدام بعض الثغرات القانونية للإنقلاب على الديمقراطية وعرقلة الحريات المدنية خاصة الاسلامية منها في البلد الذي يشكل المسلمون فيه نسبة 90% من السكان.

فقد جرت تظاهرات وعرائض من كل نوع تجمع للاساتذة ورفض للتعليمات الجديدة... في اختصار انها الفوضى في العديد من الجامعات التركية التي شرعت ابوابها للطالبات المحجبات مع بدء النصف الثاني من العام الجامعي.

في جامعة بوغازيشي في اسطنبول هتف نحو مئة طالب الاربعاء "نعم للحجاب لا لمؤيدي منعه" علما ان هذه الجامعة هي المؤسسة العامة الوحيدة التي استقبلت منذ زمن طويل الفتيات المحجبات.

لكن السماح بالحجاب في التعليم الجامعي عقد حياة الطالبات اللواتي يرتدينه وذلك بعدما وافق عليه البرلمان التركي بناء على اقتراح الحكومة المنبثقة من الحركة الاسلامية واصدر الرئيس عبدالله غول قرارا في شأنه نهاية شباط/فبراير.

وعلق سعيد اوزتورك الطالب في علم الاجتماع الذي تضامن مع زملائه بارتداء حجاب اسلامي "جراء النزاع السياسي الذي وقع اخيرا (حول الحجاب) اجبرت نساء محجبات على مغادرة الصفوف بعدما اساء اساتذة معاملتهن". بحسب رويترز.

واذا كانت جامعات عدة خصوصا في الريف التركي وافقت على استقبال طالبات محجبات فان نظيرات لها اعلنت بوضوح انها لن تطبق التدبير الاصلاحي رغم التحذيرات الصادرة من رئاسة مجلس التعليم العالي تحت طائلة عقوبات جزائية.

واوضح بعض رؤساء الجامعات انهم لن يطبقوا الاجراء الجديد قبل صدور مرسوم تفصيلي يلحظ استثناء رموز الاسلام المتطرف مثل التشادور او النقاب.

وثمة مخاوف لدى المدافعين عن العلمنة النافذين في صفوف الجيش والسلطة القضائية والجامعات من اسلمة تدريجية لتركيا ذات الغالبية المسلمة في ظل نظام علماني.

يدرس اوندر اوزتورك تاريخ ثورة مصطفى كمال اتاتورك ابي العلمانية في تركيا والتزم مناهضة ارتداء الحجاب داخل الجامعة.

وعلى رأس اتحاد الشباب التركي-فرع اسطنبول وهي منظمة طالبية تضم نحو عشرة الاف منتسب بادر الى تنظيم العديد من التظاهرات واطلق عريضة في الجامعات رفضا لما اعتبره "هجمات خطيرة" للحكومة "على مبادىء الجمهورية".

وقال "من وجهة نظر تاريخية تشكل الجامعات (...) معقلا للجمهورية. انها تمثل العلم والتنوير والحداثة وعليها ان تواصل اداء هذه المهمة" واضعا امله في حكمة المحكمة الدستورية.

والواقع ان المحكمة قبلت الخميس النظر في طعن يطالب بالغاء التدبير الاصلاحي تقدمت به المعارضة الاشتراكية الديموقراطية.

واعتبر عالم الاجتماع فرحات كنتل من جامعة بيلجي الخاصة في اسطنبول والتي استقبلت الطالبات المحجبات ان مخاوف الاوساط المتمسكة بالعلمنة تظهر تزايد القلق من خطر اسلمة فعلي.

وقال الباحث "استنادا الى الدراسات التي اجريت فان الفتيات اللواتي يؤيدن الاسلمة ويردن فرض سلوكهن والتحول جزءا من مشروع سياسي لسن سوى اقلية" مؤكدا من جهة اخرى ان "غرق" الجامعات في "بحر" من الفتيات المحجبات "امر غير وارد".

محكمة تركيّة تضع عائقا جديدا امام الحجاب

ووضعت المحكمة الادارية العليا في تركيا عائقا جديدا امام جهود الحكومة لرفع حظر على ارتداء الطالبات الحجاب الاسلامي في الجامعة.

وقضت المحكمة بأن مجلس التعليم العالي في تركيا تجاوز اختصاصه بقوله ان الجامعات يمكنها ان تسمح للطالبات المحجبات بدخول الحرم الجامعي بعدما صوت البرلمان الشهر الماضي بالموافقة على تعديلات دستورية تخفف الحظر.

ويقول العلمانيون ان الحظر ما زال ساريا في حين تنظر المحكمة الدستورية في استئناف من حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي في تركيا لرفض التعديلات على اساس انها تنتهك النظام العلماني.

ويؤيد يوسف ضيا اوزجان رئيس مجلس التعليم العالي مسعى الحكومة لتخفيف الحظر على الحجاب. لكن كثيرا من عمداء الجامعة يعارضون الاجراء بقوة ورفضوا الالتزام بمنشور لاوزجان يقول ان باستطاعتهم السماح بدخول المحجبات للحرم الجامعي.

ومن المتوقع ان تفصل المحكمة الدستورية خلال الايام القادمة في سلامة التعديلات الدستورية التي اجراها البرلمان.

القضاء التركي ينظر في طلب "حظر الحزب الحاكم"

وفي تطور مثير بدأت المحكمة الدستورية في تركيا النظر في طلب لحظر حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب قيامه ب"انشطة تتعارض مع العلمانية" وهو اجراء قد يهدد برأي المحللين الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.

وقال نائب رئيس المحكمة الدستورية علي فياض بكسوت للصحافيين "ان اللائحة الاتهامية وزعت على اعضائنا ونحن بصدد تسمية مقرر لدراستها". واضاف "بما انها دراسة اولية فلا يتوقع ان يستغرق ذلك اكثر من عشرة ايام وربما اقل".

وسينظر اعضاء المحكمة الدستورية الاحد عشر اولا في امكانية قبول الدعوى التي تقدم بها الجمعة مدعي عام محكمة التمييز عبد الرحمن يالتشينكايا من حيث الشكل قبل النظر فيها من حيث الموضوع. ولا ينتظر صدور الحكم قبل اشهر عدة. بحسب رويترز.

 

وعلق نائب رئيس حزب العدالة والتنمية دنغير مير محمد فيرات على الموضوع بقوله "ربما تجنب المحكمة الدستورية تركيا الغرق في العار وترفض الملف". بينما كان رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان يعقد اجتماعا مغلقا مع مستشاريه القانونيين.

ونهاية الاسبوع الفائت دعا الاتحاد الاوروبي الذي بدات تركيا مفاوضات معه للانضمام اليه القضاء التركي الى "عدم التدخل" في السياسة في حين ناشدت المانيا المحكمة الدستورية عدم قبول الدعوى معتبرة ان هذه القضية قد تنعكس سلبا على طموحات تركيا الاوروبية.

وفي اللائحة الاتهامية التي تقع في 162 صفحة يتهم المدعي العام الحزب الحاكم المنبثق من التيار الاسلامي بانه اصبح "بؤرة انشطة تتعارض مع العلمانية" ويسعي الى تحويل البلاد لدولة اسلامية وتقويض النظام الديموقراطي.

ويطالب المدعي العام ايضا بمنع 71 عضوا في حزب العدالة والتنمية بينهم اردوغان والرئيس عبد الله غول القيادي السابق في حزب العدالة والتنمية من مزاولة العمل السياسي لمدة خمس سنوات.

وهذه الدعوى هي الحلقة الاخيرة في سلسلة مواجهات قاسية بين الحزب الحاكم الذي يعتبر نفسه اليوم حزبا "ديموقراطيا محافظا" لا علاقة له بالاسلام السياسي والاوساط المدافعة عن العلمانية الحاضرة بقوة في الجيش والقضاء وعدد من الادارات.

رئيس الوزراء التركي يندد بجهود القضاء لإغلاق حزبه

من جهته ندد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بمحاولة ممثلي الادعاء في الدولة اغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه بوصفه هجوما على الديمقراطية والاستقرار السياسي وتعهد بمقاومة هذا الاجراء.

وقال اردوغان في كلمة امام حشد من حزب العدالة والتنمية في جنوب شرق تركيا اذاعها التلفزيون "هذه القضية خطوة اتخذت ضد الارادة الوطنية."بحسب رويترز.

واضاف "لا يمكن لاحد ان يصور حزب العدالة والتنمية .. على انه بيئة خصبة للنشاط المناهض للعلمانية .. لا يمكن لاحد ان يبعدنا عن مسارنا. سنواصل مسيرتنا الديمقراطية بنفس التصميم."

وينفي اردوغان الذي سجن لفترة قصيرة ومنع من المشاركة في الحياة السياسية لانه قرأ قصيدة دينية في مناسبة عامة المزاعم بأن حزبه له برنامج اسلامي.

مسؤول اوروبي يندد بمحاولة اغلاق الحزب الحاكم في تركيا

وحذر اولي رين مفوض توسيع الاتحاد الاوروبي من ان محاولة ممثل ادعاء تركي اغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم تتعارض مع المباديء الديمقراطية الاوروبية المطلوبة من الدول المرشحة لنيل العضوية.

وقال رين لرويترز "في أي ديمقراطية اوروبية عادية يجرى النقاش حول القضايا السياسية في البرلمان وتحسم من خلال صناديق الاقتراع وليس في قاعات المحاكم."

وعندما سئل ان كان المضي قدما في هذه القضية يمكن ان يؤثر على انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي رد بقوله "من الصعب ان ارى ان هذه القضية تحترم المباديء الديمقراطية لمجتمع اوروبي عادي."

وقال ان مباديء الديمقراطية وسيادة القانون اقرت فيما يسمى بمعايير كوبنهاجن المطلوبة من اجل نيل عضوية الاتحاد الذي يضم 27 دولة.

وفي وقت لاحق قال رين للصحفيين خلال منتدى للعلاقات عبر الاطلسي يعقد في بروكسل "نحترم الفصل بين السلطات. لا يجب ان تتدخل السلطة التنفيذية في عمل المحاكم ولا يجب ان يتدخل النظام القانوني في السياسات الديمقراطية."

واضاف "اتمنى الا تستنزف هذه الواقعة الكثير من الجهد السياسي والا تؤخر او تصرف الانتباه عن الاصلاحات الاوروبية.. أثق في ان الحكومة ستركز على هذه الاصلاحات."

وانتقدت الولايات المتحدة ايضا الدعوى القضائية بعبارات تماثل تقريبا ما قاله الاتحاد الاوروبي.

وقال ماثيو بريزا نائب مساعد وزيرة الخارجية الامريكية في حديث لصحيفة زمان التركية اليومية "الناخبون قالوا كلمتهم. يجب احترام رغباتهم."

ووجه رين انتقادات العام الماضي عندما اصدرت رئاسة اركان القوات المسلحة التركية بيانا على موقعها على الانترنت تعلن فيه ان النظام العلماني يواجه الخطر في انتخابات رئاسة المرشح الابرز فيها هو الاسلامي السابق عبد الله جول وتتعهد بدعم العلمانية.

اردوغان يثير جدلا من خلال تصريحاته المشجعة للانجاب

واثار اردوغان جدلا بعدما نصح التركيات بانجاب ما لا يقل عن ثلاثة اطفال لتجنب تقدم السكان بالسن في بلد يحارب الفقر والبطالة.

وقال اردوغان امام جمع من النساء اللواتي تجمعن احتفالا باليوم العالمي للمرأة "علينا ان نحافظ على الطابع الشاب لسكاننا. اذا اردنا تجنب ان يتراجع سكاننا على كل عائلة انجاب ثلاثة اطفال على الاقل".

وقال اردوغان المسلم المتدين وهو اب لاربعة اطفال ان "الاطفال نعمة من الله" واعرب عن اسفه لانه لم ينجب اكثر من هذا العدد. بحسب رويترزز

وقال "شعبنا شاب لكن في حال استمرار الميل الحالي سنبدأ التقدم بالسن بعد 2030. هذا يشكل تهديدا. علينا ان نحافظ على التوازن".

وقال الدكتور تركان سايلان الذي يدير جمعية "دعم الحياة المعاصرة "سياستنا الديموغرافية كارثية الان. القادرون على انجاب عشرة اولاد فليفعلوا لكن في الارياف ثمة ستين الى سبعين تلميذا في الصف المدرسي".

واضاف ان هذه "التصريحات خطأ فادح لبلد يريد الانضمام الى الاتحاد الاوروبي" في وقت يخشى فيه الاتحاد الاوروبي من جهته السماح لدولة يصل سكانها الى هذا العدد بالانضمام الى صفوفه.

مؤسسة رجال اعمال تنتقد التحركات لإغلاق الحزب الحاكم

وقال اكبر منتدى لرجال الاعمال في تركيا إن قرار ممثلي الادعاء العام الساعي لإغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم ومنع رئيس الوزراء والرئيس من العمل السياسي ينتهك المباديء الديمقراطية.

لكن مؤسسة رجال الاعمال الاتراك (توسياد) انتقدت ضمنيا الحزب الحاكم الذي له جذور اسلامية من خلال الاشارة الى أن أعماله الاخيرة اثارت التوترات في المجتمع التركي في اشارة واضحة لجهود الحكومة لتخفيف الحظر على ارتداء الحجاب في الجامعات.

وقالت توسياد "طلبات اغلاق الاحزاب السياسية التي تمثل عناصر لا غنى عنها في اسلوب الحياة الديمقراطية امر لا يمكن القبول به بالنسبة للديمقراطية التركية التي تعيش نظاما برلمانيا تعدديا منذ قرن تقريبا."

واضافت في بيانها "اوضحت التجارب السابقة ان اغلاق الاحزاب السياسية لا يساهم في حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تركيا."بحسب رويترز.

وحثت توسياد ايضا الحكومة على تجنب السياسات التي قد تمزق التوازنات السياسية الهشة في البلاد.

واضافت "ما نتوقعه من جميع الاحزاب السياسية هو نقل تركيا من المناخ الذي يغذي الاستقطاب الى مناخ ينتج مشروعات للتسوية والرخاء."

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 22 آذار/2008 - 14/ربيع الاول/1429