أزمة القراءة في المجتمع البصري

عدسة وتحقيق/ علي كاظم الخفاجي

 شبكة النبأ: النجف تكتب وبغداد تطبع والبصرة تقرأ...هكذا كان يبدو المشهد الثقافي العراقي، وعلى ضوء هذه المعادلة اصبحت البصرة العاصمة الثقافية للعراق بعد ما انجرفت النجف في صراعات كبيرة، وغرقت بغداد في بحر الارهاب، لتتحول البصرة الى رافد من اهم الروافد التي تغذي الجسد العراقي بالنشاطات الثقافية المتنوعة، مع هذا لايسع المراقب ان ينكر وجود "ازمة قراءة" تمر بها البصرة بين الحين والاخر.

من هنا لابد من الوقوف على معالم هذه الازمة كشرط ضروري للوصول الى رؤية ثقافية ترفع من جاهزية القاريء نحو الكتاب كفعل حضاري ومحفز ابداعي.

وفي سياق تلمس مفردات وتداعيات هذه الازمة كانت لنا وقفة مع بعض الشخصيات البصرية من شرائح متنوعة ثقافياً وطبقياً، تمحورت حول الاسئلة التالية:

1- هل هنالك ازمة قراءة ام ازمة كتاب ام ازمة فهم ام ازمة مزدوجة؟

2- ما اسباب هذه الازمة وما هي تداعياتها في الساحة الثقافية والسياسية والاجتماعية..؟

3- ما المعالجات المقترحة لتجسير الهوة بين الفرد البصري خصوصا والعراقي عموما من جهة والكتاب والابداع من جهة اخرى؟

وبعد جولة استقرائية نقاشية اتفق اغلب من التقينا بهم على وجود "ازمة ثقافية" في المجتمع البصري لكنهم اختلفوا في جوهرها ومساراتها وخصوصياتها.

فهي كما اكد الاستاذ الدكتور باسم حطاب طعمة "عميد كلية الاداب – جامعة البصرة"، ازمة مؤقتة وطارئة على المجتمع العراقي الذي تميز بكثرة مفكريه ومبدعيه وكتابه سيما في السبعينيات من القرن العشرين والذي يكشف عن كثرة القرّاء، وكون الثقافة العراقية ثقافة استقطابية، نافياً ومفنداً مقولة – اننا امة لاتقرأ- والتي تتداولها بعض مصادر الاعلام كأحد المسلّمات المعرفية التي يوصف بها مجتمعنا العراقي، مشددا على انها جزء من حملة اعلامية هدفها تغييب القاريء العراقي عن الثقافة العالمية ودفعه نحو اليأس الثقافي.

اما احمد قاسم "مساعد باحث- مكتبة دراسات قسم اللغة العربية" فقد اثار ازمة فهم النص المقروء والذي انتج ظهور بعض الحركات الدينية المنحرفة في الساحة البصرية في الاونة الاخيرة.

واضاف لـ شبكة النبأ، مشيرا الى نسبية الازمة باعتبار ان ستاتيكية الشارع البصري وعدم ثباته تبعا لتطور الذهنية المجتمعية ودخالة الزمن في تغيير اتجاهات الوعي لدى القاريء البصري، وهذا بدوره يحيلنا الى مسالة التجربة التي تحتم على المجتمع الانفتاح على الثقافات الاخرى، فبينما رأينا اتجاه المجتمع البصري نحو الكتب الدينية - بعد سقوط النظام السابق في عام 2003م – نتيجة لارتباطه  فكرياً بالمؤسسات الدينية الحوزوية، لكنا نراه بعد فترة وجيزة وبفعل عوامل مختلفة يتجه نحو كتابات اخرى ذات انماط معرفية متعددة امثال ما يطرحه محمد اركون، وحسن علوي، وعلي شريعتي، وعادل رؤوف، وعلي حرب.

اما اسامة ناصر "صاحب مكتبة الاماني" فاعتبر الازمة في الاساس ازمة تسويقية مشيراً الى ان الذوق العام للمجتمع البصري متجه نحو القراءة وهذا ما يفسر اقبال طلبة الدرسات العليا في بقية الحافظات المجاورة الى اللجوء الى البصرة للبحث عن المصادر المعرفية لما لتلك المصادر من اقبال جماهيري بصري عليها ادى بالنتيجة الى ازدهار الكتاب في المدينة.

فيما يرى المهندس زهير جاسب "رئيس تجمع المهندسين الاسلاميين في البصرة" ان الازمة في طريقها نحو الانفراج بسبب الانفتاح على ثقافات العالم الاخرى وانتشار سوق الكتاب والازاحة التدريجية للكبت والارهاب الثقافي الذي اسهم في نشوء الازمة.

الاسباب

اعتبر الاستاذ الدكتور باسم حطاب "الذل الثقافي" الذي اصاب المجتمع العراقي جرّاء الاحتلال الغربي للعراق مع ما رافقه من ارهاب بمختلف انواعه، من اهم الاسباب التي جعلت المجتمع يعزف عن ثقافة القراءة وهو دونما شك جزء من تداعيات الهجمة المتنوعة التي تعرض لها المجتمع العراقي اضافة الى الارث والتركة الثقيلة التي خلفها النظام البائد  من خلال وضع القيود على الابحاث العلمية والادبية والاكاديمية وغيرها كشرط مطابقة البحث للافكار القومية والحزبية مما جعل الكثير ينصرف عن الابداع او الهجرة خارج العراق للابتعاد عن الاحتكاك المباشر مع الحزب الحاكم انذاك مما أثر بالنتيجة على حركة القراءة في المجتمع لارتباط القراءة بصناعة الكتب والابحاث.

وفي هذا الاطار نوه الدكتور حطاب الى هزالة المناهج المقررة وعدم صلاحية النظام السنوي المطبق في جامعاتنا ومنها جامعة البصرة، ما اسس لكساد ثقافة القراءة في اهم منابع المعرفة وهي الجامعات الاكاديمية وجعل الطالب مجرد الة تسجيلية يردد ما ترسمه المناهج المقررة من افكار ونظريات.

وفي نفس الاطار اشار الدكتور حطاب الى غياب ميزانية البحث العلمي من الميزانية العامة المخصصة للجامعة في البصرة مما حجم من مقدار التواصل بين الجامعة ونشاطاتها الكتبية وبين المجتمع علماً انها تشهد مواسم ثقافية وندوات علمية وادبية رصينة لكنها تبقى حبيسة الاسوار الجامعية لضعف القدرة المالية اللازمة لطباعتها ونشرها في المجتمع البصري ووضعها في متناول القرّاء.

وفي السياق الامني والسياسي اشار حطاب الى استقرار الحالة الامنية والسياسية في البصرة وما لها من دور فعال في استمرار الجامعات في الدراسة مما يعكس استقرار الحالة الثقافية في المحافظة.

فالحراك السياسي الحاصل في البصرة كما يقول الاستاذ "احمد قاسم" لـ شبكة النبأ، اثر على التوجه الثقافي للمجتمع البصري بجعل المشروع السياسي على قمة الهرم وتراجع الهم الثقافي. وعلى وجه العموم فالشيخ وصفي الحريشاوي"مسؤول مكتب جماعة الفضلاء في البصرة"  يرى ان هذا الحراك لايخلو من أثر ثقافي ايجابي كونه يشكل حافزاً للاطلاع على الواقع السياسي ومواكبة ذلك الواقع ثقافياً.

ومن جانب اخر نوه الدكتور جواد كاظم النصر الله "مدير مركز دراسات البصرة- جامعة البصرة" الى الفئوية الثقافية وثقافة التقاطع والتحزب الديني والاجتماعي والسياسي الموجود في البصرة مما جعل القاريء يقتصر في قرآته على الكتب الصادرة من الجهة التي يتحزب لها. هنا يمكننا القول ان الارث الثقافي التاريخي الذي امتازت به البصرة عن غيرها من المدن الحديثة وجامعاتها المستحدثة قد خفف من حدة الازمة.

وفي الجانب الاجتماعي والنفسي للمواطن البصري اكد الدكتور "جواد كاظم" على الحالة النفسية التي يعيشها المجتمع البصري وانعدام الثقة في المستقبل مع شعوره بالازدواجية بين ما يقراءه وبين واقعه المتردي.

الاستاذ مؤيد لطيف "مدرس الكترون- اعدادية صناعة الهارثة " ارجع اسباب الازمة الى الموروث الاسري والاجتماعي والمناطقي سيما الريفية منها.

واضاف لـ شبكة النبأ، ان عدم استشعار التحدي وغياب الدافع للاطلاع والقراءة والاستزادة منها كل ذلك قد ادى الى الحد من انتشار ثقافة القراءة في المجتمع وبالتالي تراجع النخبة عن وظيفتها في صناعة القدوة في هذا المجال، مشيرا بذلك الى ما كان يعيشه المجتمع من تحدي مباشر في زمن النظام البائد.

وقد نبه رئيس تجمع المهندسين الاسلاميين في البصرة "زهير جاسب" الى دور المنبر الحسيني في البصرة في رفع نسبة القّرّاء بالمقارنة مع غيرها من المحافظات.

وفي مسارات الازمة الاجتماعية والجغرافية اعتبر الشيخ "الحريشاوي" ان مدنية المجتمع البصري ساهمت في خلق جيل من القرّاء مضاهيا المحافظات الاخرى ان لم يكن متفوقاً عليها.

وفي نفس الاتجاه اكد الاستاذ "احمد قاسم" ان مجموع المدنية في المجتمع البصري ينحصر بين 20% و 30%  فهو متشكل من اكثر من مركب سكاني واحد نتيجة للهجرة التي تعرض لها في الثلاثين سنة الماضية من بعض المحافظات القريبة المصنفة بكونها ريفية الطابع ، فالقول ان المجتمع البصري مدني هو قول غير دقيق من ناحية سيسلوجية واجتماعية ، نعم يمكن القبول بهذا الراي اذا اردنا بمصطلح المدنية ،المدنية الفكرية بمعنى عمق الوعي والتفكير الحر والانفتاح على الاخر وقبوله ولهذا بعدُ تاريخي اكثر مما هو اجتماعي او جغرافي. 

اسامة ناصر"صاحب مكتبة الاماني" ذكر ان احد اسباب فعالية ثقافة القراءة في البصرة كونها معبراً للعديد من الكتب المسوقة من ايران والكويت كعالم المعرفة ومجلة العربي وغيرها من المطبوعات الادبية الصادرة من بعض دول الجوار.

اما السيدة سلامة حميد "معهد تجارة – موظفة" فقد اشارت الى الانشغال الاداري ومسؤليات البيت والاسرة والمعلومات المعلبة المقدمة من قبل الفضائيات كل هذا ادى الى تراجع نسبة القراءة الابداعية عن مستواها السابق.

كذلك اشار السيد سلمان مهدي "معهد فني - موظف في دائرة الكهرباء" الى ضعف الحالة الاقتصادية للمجتمع ككل مما منع من ايجاد الوقت الكافي اللازم للقراءة ،ومن جانب اخر اشار الى مسالة انبهار واندهاش المجتمع من وسائل الاتصالات المتطورة التي دخلت الى السوق العراقية بصورة دفعية مما اثر على التوجه الى الكتاب وقراءته.

المعالجات المقترحة

وكمحصلة لما سبق يمكننا القول ان الجميع يتحمل المسؤولية في تنامي ازمة القراءة هذه فهي بالقطع لا تقع على عاتق جهة محددة "سيما المؤسسات الدينية فالمجتمع البصري مجتمع مكلف يتبع مؤسساته الدينية" هذا ماقاله الاستاذ احمد قاسم.

من هنا اوجب المهندس "زهير جاسب" العمل من قبل هذه المؤسسات المعنية على نشر ثقافة البناء وازاحة التشائمية من الذهنية المجتمعية، وفي هذا السياق اشار الشيخ الحريشاوي الى ضرورة موائمة الاصدارات والكتب مع الواقع الثقافي للمجتمع البصري واستباقيتها للاحداث الواقعة في المدينة.

بينما الدكتور حطاب قال لـ شبكة النبأ، ان تماهي هذه المؤسسات - كجامعة البصرة - مع المجتمع البصري مرهون باللامركزية في ادارة شؤون الجامعة واستبدال تسلطية المركز "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي" على الاطراف "الجامعات" بعلاقة اكثر انفتاحاً وحرية وتخصيص المبالغ المالية الكافية للاعمار المادي والثقافي لتشجيع البحوث العلمية واحتضان الكفاءات وتشجيع ثقافة القراءة.

كما نبه الى ضرورة التبادل الفكري بين المؤسسات الثقافية الحكومية والمؤسسات الاخرى لتطوير اواصر الصداقة بين الطرفين وصولاً الى زيادة نسبة القرّاء لان حركة القراءة لاتنشط الا في جو ثقافي منفتح.

واكد ايضا على ضرورة تحسين العلاقات الثقافية والسياسية مع دول الجوار العراقي سيما ايران لما لها من دور ايجابي يمكن ان تلعبه في الساحة العراقية كونها رافداً منتجاً على صعيد الثقافة والادب.

الاستاذ "مؤيد لطيف" يرى ان العلاج يكمن في نشر ثقافة القراءة باقامة المكتبات العامة وتشجيع القراءة بعقد الندوات واللقاءات بهذا الخصوص مع خلق القدوة من النخب المثقفة لاداء رسالتها الثقافية في المجتمع ، ولابد ان تاخذ مؤسسات المجمع المدني - الغائبة عن الحياة الثقافية في البصرة- دورها المتوافق مع حجم مسؤلياتها المفترضة. اضافة لما تقدم لابد من تحسين المستوى الاقتصادي والخدمي في المحافظة.

 الدكنور"جواد كاظم" يعتقد ان المستوى الثقافي ليس معزولاً عن الوضع العام فعلينا اذن العودة الى الذات والرجوع الى الماضي لاستلهام الحلول المفترضة والتعامل مع الواقع كما هو بتفائلية وعدم الهروب منه مهما كان صعبا ومتردياً.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 20 آذار/2008 - 12/ربيع الاول/1429