قبل اكثر من عام، عقد مؤتمر المصالحة الوطنية للقوى السياسية
العراقية الاول، وكان يحدونا الامل في حينها ان يلتئم الفرقاء تحت خيمة
المصالحة على أساس ترجيح المصلحة على المفسدة، والتعقل والإيثار،على
الأنا والعواطف والتعصب بكل اشكاله. وتقدمت منظمة العمل الاسلامي،
ببيان اكدنا فيه على ضرورة استحضار الحوار الوطني الشامل، وان يطلع كل
طرف على ما يحمله الآخر، عن كثب، كي تتحقق الخطوة الاساسية لاقرار
المصالحة التي لا تكون إلا بعد المكاشفة والمصارحة. فلذلك دعونا أولا
إلى حوار شامل ليس فيه إقصاء لأي طرف، يقدم فيه الجميع اقتراحاته،
والحلول التي يراها، وتناقش علانية على حد سواء. على أن يكون كل طرف
مستعدا للتنازل عن بعض آرائه ومواقفه في ذلك الوقت الحرج لحساب المصالح
العليا للوطن.
ولتحقيق الحوار اليوم، لا بد من إيجاد أجواء من الثقة المتبادلة،
التي تستدعي من كل طرف بعض الخطوات الضرورية.. فمن طرف الحكومة لا بد
من الاعتراف بشركائها في هذا البلد من مختلف القوى والشخصيات الوطنية
والسياسية من خارج البرلمان، ولا بد أن تدرك أنهم وطنيون، وأنهم يطلبون
مصلحة الوطن، وأن لهم طروحاتهم وآراءهم في مختلف القضايا التي تستلزم
روحية القبول والانفتاح، وعليه، لا بد أن تسمع هذه المقترحات وتناقش
على محك العدل والإنصاف. ونستثني في دعوتنا الحالية للمصالحة الاطراف
التي ما زالت تحمل السلاح والمسيئين الى الشعب او من تلطخت ايديهم
بدماء العراقيين الابرياء..
وفي مقابل ذلك يتحتم أيضا من طرف القوى والحركات السياسية من خارج
العملية السياسية بمختلف أطيافها القيام ببعض الخطوات المطمئنة
اللازمة.. التي تقتضي تهدئة حدة ال! خطاب السياسي والطائفي والاعلامي،
ولغة التشنج.. حتى تتوفر أرضية صلبة للتفاوض.. وإذا ما حصل ذلك فينبغي
أن تعقبه خطوات أخرى بناءة واكثر جدية تؤدي إلى جمع الشمل. من قبيل
إصدار عفو عام وهو مطلبنا الاساس في البيان الاول تحت عنوان ( االتسامح
والعفو العام ) والذي وزع على الحاضرين انذاك.
ورغم اقرار قانون العفو العام قبل شهر تقريبا، لكن هذه الخطوة
جاءت متأخرة جدا في اللحاق بركب التطورات الميدانية، وانعكاسات التأجيل
لاكثر من عام فيها كانت سلبية على مجمل عملية المصالحة الوطنية
وبالتالي افراغها من محتواها. لذلك فالحكومة مطالبة بأكثر من ذلك فهي
لم تحقق الانفتاح المطلوب الذي يبغي توسيع المشاركة السياسية، ولا
الديمقراطية الحقيقية التي ينال فيها كل طرف نصيبه على اساس مباديء
الوطنية والكفاءة والنزاهة لا الحزبية والجهوية وروحية التسلط، والعمل
الجاد على اعداد مشروع وطني في الانتخابات القادمة وإتاحة الفرصة
للجميع على حد سواء وبإشراف هيئة أو لجنة مستقلة بعيدة عن التحزب، كل
ذلك خطوات نراها حجر الاساس في الطريق نحو المصالحة، إذا ما حصلت،
تعزيزا لبنيانها.
و اما رؤيتنا في المؤتمر الثاني للمصالحة الوطنية نوجهها الى
اللجنة التحضيرية املا في تلمس الطريق الأصلح والأسرع لإقرار المصالحة،
وتنحصر فيما يلي :
1. الإسراع بتفعيل آليات المصالحة السياسية والاجتماعية من جهة
الحكومة عامة، ومن خلال المؤتمر خاصة، بالعمل على تشكيل لجان قادرة على
السير بالمصالحة نحو النجاح والثبات مغايرة للجان التي انبثقت عن
المؤتمر السابق. لان مسؤولية المصالحة السياسية خرجت من رئيس الوزراء
الى ملعب المؤتمر، وان كان المؤتمر يتم برعاية ومباركة شخصية منه،
وبالتالي فأن الفترة القادمة يجب ان تشهد تطورا وتفعيلا للاليات
والمقررات مغايرا لما جرى في المرحلة السابقة.
2. الدعوة الى التخلي عن المحاصصة بكل اشكالها السياسية والطائفية،
والعرقية، وحتى الحزبية، والتي تعتبر حاجزا كبيرا يحول دون التفاعل
الوطني وتحقيق المصالحة، والانفتاح على القوى غير الممثلة برلمانيا،
واعطاء الفرصة المناسبة للكفاءات للقيام بدورها في خدمة الوطن.
3. الفصل بين العملية السياسية والقوى الفائزة بالانتخابات،
والتأكيد على ان الفوز بالانتخابات لا يعني حرمان القوى والحركات
والشخصيات التي لم يسعفها الحظ من الممارسة السياسية، فقد اصبحت
السياسة والقرار رهينة بأصفاد تلك القوى وخياراتها الحزبية، مع ملاحظة
امرين مهمين في هذا الجانب، هما :
·ان المصالحة انفتاح على القوى غير المشاركة في الحكومة، ودعوتها
الى التشاور ووضعها في اطار الرؤية المشتركة في اتخاذ القرارات
المصيرية من باب التشاور والتداول المستمرين وتقبل واستيعاب الاخر.
·ان الكيانات التي تدعو للمصالحة هي ذاتها غير مستعدة لتجاوز
الاستحقاق الانتخابي. والدليل، المباحثات الجارية لتشكيل الحكومة
الجديدة، سمتها التفاوض طلبا للمناصب. والمفارقة الغريبة ان اغلب
الكيانات التي تتشبث بالاستحقاق هي ذاتها التي طعنت نزاهة الانتخابات.
4. اثبتت الحكومة انها عاجزة عن الوفاء بألتزاماتها في اكثر من
ميدان، بل تحولت سياستها الى استيعاب الفعل دون الاخر ومن ثم الرد
عليه. وهو ما يفقدها اهم ميزة من مميزات النجاح تلك هي الامساك بزمام
المبادرة. وفي ظل هذه الرؤية يجب ان ينهض المؤتمرين بواجبهم في قضية
المصالحة ويمسكون بزمامها بعيدا عن اية مؤثرات.
5. دعوة الكتل البرلمانية الى المصالحة داخل قبة البرلمان،
والابتعاد عن الصراع السياسي والمناصبي، والرغبة الجامحة للاستئثار
بالسلطة ومزاياها. فأذا كانوا هم غير متصالحين طيلة الفترة الماضية !
فكيف بأمكانهم مصالحة الاخر ؟ ببساطة (فاقد الشيء لا يعطيه ).
6. التأكيد على استقلالية الامن والابتعاد عن تسيسه، والحد من
الاجراءات التي تؤدي الى عسكرة الفرد والمجتمع.
7. الاهتمام بالخدمات الاساسية المقدمة للمواطنين، لان ضعفها
وتلكؤها عامل سلبي يؤثر في اتمام المصالحة.
8. محاربة الفساد بكافة اشكاله، وفتح ملف قضائي خاص، تعلن تفاصيله
عبر وسائل الاعلام من خلال برامج موجهة للتوعية والتثقيف ضد مخاطره،
آفاته وتبعاته القانونية.
9. العمل على اعادة المهجرين في الداخل والخارج، طريقا للمصالحة
الاجتماعية التي تعتبر اساسية ومكملة للمصالحة السياسية. لذلك فالحكومة
مطالبة بتفعيل عمل وزارة الهجرة والمهجرين وايلاء الموضوع جانبا اكثر
من الاهتمام والدعم.
10. الاسراع في اعادة الموظفين والعسكريين من المنسوبين الى الدوائر
المنحلة ممن لم يرتكب جرما مشهودا.
ان المؤتمر مطالب بالنظر بعين الحكمة والعقل وتغليب المصلحة الوطنية
على المصالح الاخرى، الى تلك الرؤية واعتمادها ورقة عمل للنقاش داخل
اروقته بأعتبارها مطالب واقعية وموضوعية، وان لا يكون حضورنا احتفاليا
او كرنفاليا او بروتوكوليا بل مطلبا ملحا تنتظر جماهير الشعب مقرراته
بفارغ الصبر. اما المظاهرات الاعلامية والمؤتمرات والندوات الشكلية
والكلمات واللجان المعدة مسبقا فأنها لا تظهر في الأفق أي انفراج ما لم
يقع عكس ذلك، ولا يمكن أن يستمر هذا الاختلال في الرؤية، فلابد أن يغلب
العقل دافع الاستئثار، وأن تغلب المصلحة العامة المفسدة. كما لابد أن
يتراجع عقلاء كل طرف حتى يجتمعوا على كلمة سواء لتحقيق مصلحة العراق
اولاً واخيرا.
* الناطق الرسمي لمنظمة العمل الاسلامي |