كونفشيوس والمالكي

محمد حميد الصواف

يروى ان احد أباطرة الصين القديمة سال كونفشيوس الحكيم النصح لإدارة حكومته فأجابه : عليك تامين الطعام وبناء جيش قوي وإدامة الثقة بينك وبين الشعب.

فقال له الإمبراطور: إذا اضطررت التنازل عن احد الأمور فأي واحد استغني عنه؟ فأجابه: تخلى عن الجيش، فقال الإمبراطور: وإذا اضطررت التخلي عن احد الاثنين؟ فقال كونفشيوس الحكيم: تخلى عن تامين الطعام فمنذ عاش الانسان على هذه الأرض كثيرا ما حدثت المجاعات وبقيت الأمم ولكن لا تستطيع الأمم البقاء إذا زالت الثقة بينها وبين حكامها .

عامان مضت على تسنم المالكي مقاليد الأمور في العراق أتيحت له خلال هذه الفترة الكثير من العوامل المساعدة التي افتقر إليها من سبقه، استطاع من خلالها تخطي العديد من النكسات التي صاحبت أداء حكومته، فدعم الرئيس بوش له منقطع النظير ونجاح استراتيجية الجيش الأمريكي في مسك الأرض و تنامي فاعلية القوى الأمنية بشكل كبير بالإضافة إلى عودة الكثير من العشائر والمجاميع المسلحة إلى الصف الوطني بعد انتفاضهم بوجه تنظيم القاعدة، كل تلك العوامل عززت له الكثير من مفاتيح الحلول الناجعة للسير بالبلاد حتى الجانب الآمن، والحيلولة دون وقوع العراق في منزلق الحرب الأهلية.

 بيد ان المالكي لم يستطع استيعاب ما بعد هذه المرحلة ولا يزال يعاني من هاجس المؤامرة والمحاذير الحزبية التي تجول في خاطره، حتى بدت تمثل تهديدا جديا على المكتسبات المتحققة، فبروز طارق الهاشمي وجبهة التوافق من ورائه كمدافعين عن حقوق الانسان وعودتهم مجددا كحماة لحقوق السنة ورعاة مصالحهم بعد ان أفل نجمهم لبعض الوقت وإظهار المالكي بصورة الشخص المتعنت وغير المبالي لتلك الحقوق، وفشل المالكي احتواء حلفائه الذين دفعوا به إلى سدة أو كسب مؤيدون جدد يأخذون على محمل الجد، كل ذلك ينذر إلى تعثر سياسي وشيك قد ينحدر إلى المستوى الشعبي مجددا يكون الخاسر الأكبر فيه رئيس الوزراء العراقي خصوصا ان حكومته ترتكز على تحالف متضاد الستراتيجيات قد لا يستمر طويلا، فالأكراد يسعون بالدرجة الأولى من وراء التحالف الرباعي إلى ضم كركوك وهو الأمر الذي لا يستطيع المالكي ولا أي رئيس وزراء قادم تحمل مسؤولية إقراره أو تطبيقه، وأما حليفه الأخر المجلس الإسلامي الأعلى يقف على نفس الخط الذي يقف عليه الأكراد من وراء التحالف ولكن لتأسيس إقليم الجنوب وهو الأمر الذي لا يستسيغه حزب الدعوة الإسلامي الذي يترأسه المالكي.

ان تلك الإفرازات تدل على ان المالكي يخسر آخر أوراقه ما لم يرمم ما قد أفسده ويعثر على حلفاء أكثر انسجاما مع أفكاره داخل وخارج البرلمان عبر تخلصه من شرنقة الحزبية المتمثلة بسطوة مستشاريه السياسيين واحتكارهم للقرار واستمرارية أتباعه نهج المعارض لا المسئول، وردم الهوة بينه وبين التجمعات والحركات السياسية التي عانت ولا تزال من الإقصاء والتهميش ويكون أكثر انفتاحا على خصومه ويمارس دوره كرئيس لوزراء العراق وليس رئيس حزب فقط.

 فأحوج ما يكون له المالكي هي الثقة بالشعب وثقة الشعب به بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو العرقية أو السياسية, واستثمار انجازاته (القلقة) على المستوى الأمني والشعبي في كسب اكبر عدد من الفرقاء السياسيين لا ان يستبدل الشيء بعينه باحتواء فريقا على حساب الآخر ليخرج بنفس النتيجة التي بدأ منها.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 18 آذار/2008 - 10/ربيع الاول/1429