شبكة النبأ: يترقب العراقيون بشغف
سباق الانتخابات الأمريكية لعام 2008 بحثا عن إشارات تغير في السياسة
في ظل رئيس جديد واحتمالات سحب القوات الأمريكية من بلادهم. ولكن هذا
الترقب نابع من ارهاصات العراقيين حول ما قد يخلفه انسحاب امريكي مفاجئ
او لجوء امريكا الى استراتيجيات جديدة في التعامل مع الملف العراقي وما
يتعلق به من ملفات دول الجوار المثيرة للقلق.
وقال مهند صاحب وهو أستاذ جامعي من البصرة مركز إنتاج النفط في جنوب
العراق وثاني أكبر مدنه، انه لا يهمه سواء كان الرئيس الأمريكي رجلا أم
امرأة وان ما يهمه حقا هو التغير في السياسة الأمريكية تجاه بلاده.
واختلفت هيلاري كلينتون وباراك اوباما اللذان يتنافسان على الفوز
بترشيح الحزب الديمقراطي بشأن العراق. فكلينتون صوتت لصالح غزو العراق
الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 للاطاحة بالدكتاتور صدام لكنها
منذ ذلك الحين تحث الكونجرس على سحب الموافقة. وعارض اوباما الحرب من
البداية.
وتعهد كلاهما على البدء في سحب القوات في 2009 اذا انتخب فيما ايد
المرشح الجمهوري جون مكين الرئيس جورج بوش في ارساله 30 الف جندي اضافي
ينسب اليهم بعض الفضل في الانخفاض الحاد لمستويات العنف في مختلف انحاء
العراق.
وقال اثيل النجيفي العضو بتكتل سياسي علماني متعدد الاعراق في مدينة
الموصل المضطربة شمال العراق ان فوز الديمقراطيين سيقدم "مستقبلا جديدا"
للولايات المتحدة.
واضاف ان الوضع الحالي في العراق مرتبط بالرئيس بوش وقدرته على
الاعتراف بخطأه في احتلال ذلك البلد وعجزه عن تجنب الاخطاء التي
ارتكبها المحافظون الجدد.
أما محمد شاكر عضو اكبر الاحزاب السنية وهو الحزب الاسلامي العراقي
في الموصل فقال انه يعتقد ان الديمقراطيين سيفوزون لكنه اختلف مع
النجيفي قائلا انه لا يتوقع تغيرا في السياسة الامريكية بغض النظر عن
نتيجة الانتخابات. لكنه اعرب عن امله في انسحاب القوات الامريكية على
اية حال نظرا لتحسن الوضع الامني.
وشعر بعض العراقيين ان حياتهم ستتغير قليلا دون النظر الى من سيفوز
في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني.
وقال علي ناجي صاحب متجر بمدينة النجف الشيعية جنوب العراق انه
يتابع الاخبار لكنه لا يعنيه من يفوز لان الجمهوريين والديمقراطيين
وجهان لعملة واحدة.
ووافقه في الرأي قاسم احمد صاحب محل تصوير في الموصل وهو اب لسبعة
أبناء.
وقال لرويترز ان العراقيين في سباق لكسب الرزق لاولادهم وان الفائز
في الانتخابات الامريكية لن يعود عليهم بأي نفع.
وشعر كثير ممن اجرت رويترز مقابلات معهم طيلة الاسبوع الماضي ان
الناخبين الامريكيين لا يمكنهم فعل شيء اسوأ من عدم انتخاب كلينتون
كأول رئيسة للولايات المتحدة.
وقال قاسم طعيمة صاحب متجر للستائر ببغداد ان انتخاب كلينتون سيكون
رائعا لانها امرأة ولديها قدر اكبر من الاحساس وانها معنية اكثر
بحياتها وحياة اسرتها وشعبها.
ووافقه في الرأي عبد اللطيف الدليمي وهو معماري يبلغ من العمر 38
عاما حيث وصف بوش بأنه "متسرع وعنيد".
وقال الدليمي وهو من الفلوجة المعقل السابق لتمرد السنّة والقاعدة،
ان بوش قاد بلاده الى ان تكون مكروهة واوجد العنف في اجزاء كثيرة من
العالم.
لكن ليس جميع العراقيين معنيون بالانتخابات الامريكية.
فقد قال ابو علي صاحب متجر للخضراوات يبلغ من العمر 50 عاما من
تكريت مسقط رأس الدكتاتور صدام انه لا يتابعها لانه ليس لديه جهاز
تليفزيون. وقال انه يود ان يعطيه اي شخص مالا لشراء جهاز.
بعض العراقيون مازالوا يتساءلون..
هل كان الغزو مجديا؟
بعد مرور خمس سنوات على اجتياح القوات الأمريكية والبريطانية للعراق
والإطاحة بالدكتاتور صدام مازال كثير من العراقيين يتساءلون.. هل كان
الأمر يستحق كل هذا العنف والاضطراب الذي قلب حياتهم رأسا على عقب..
التكلفة البشرية مذهلة.. مقتل ما بين 90 ألفا ومليون مدني عراقي
وفقا للتقديرات المختلفة ومقتل ما يقرب من 4000 جندي أمريكي ونزوح
أربعة ملايين عراقي.
هذا من الجانب المظلم. أما على الجانب المشرق فقد تخلص العراقيون من
زعيم اعتبره اغلبهم دكتاتورا من أشرس أباطرة القرن العشرين. وأجريت
انتخابات حرة ووضع دستور جديد يكفل للجميع حرياتهم ومعتقداتهم.
وتحديد ما اذا كان الغزو يستحق التضحية أمر يتوقف في جانب منه على
مذهب العراقي وعرقيته ومكان اقامته.
فصدام كان سنيا واضطهد الغالبية الشيعية وكذلك الاكراد. ويمسك
الشيعة الان بزمام السلطة بينما أصبح العرب السنة الذين كانت لهم اليد
الطولى يوما مهمشين.
وفي بغداد التي كانت مركزا لحرب طائفية نشبت عامي 2006 و2007 ومزقت
العراق أو كادت تمزقه.. يتوق الناس للامان الذي كان سائدا في الشوارع
في عهد صدام. أما في الجنوب الشيعي.. لم يعد الناس يخشون أتباع صدام
وانما الفصائل الشيعية التي تتنافس على النفوذ.
وفي الشمال.. يزدهر اقتصاد كردستان التي تتمتع بقدر كبير من الحكم
الذاتي في منطقة يسميها الاكراد "العراق الاخر".
وزير الخارجية العراقي الكردي هوشيار زيباري يرى أن العراق يتحرك في
الاتجاه الصحيح. وقال ان من يرون أن الغزو كان خطأ يجب أن يتذكروا ما
كان يحدث في عهد صدام.
وأضاف زيباري أن ما يثبت أن معظم العراقيين أيدوا الاطاحة بصدام
مشاركتهم في انتخابات 2005 .
وقال في لقاء مع رويترز "وحشية نظام صدام أحدثت تشوهات كثيرة في
المجتمع لهذا يجب أن نتحلى بالصبر."
وتابع "اذا قارننا تجربتنا بتجربة دول أخرى فانني أعتقد أن حالتنا
جيدة جدا. ولكن نعم.. الامر كان مكلفا جدا جدا."
وقالت أم خالد وهي مصففة شعر عمرها 40 عاما تعمل في بغداد ان العنف
عشوائي لدرجة أن المرء لا يعرف هل سيصبح هو نفسه الضحية القادمة.
وأضافت "لا.. لا.. لا. ما تحقق لم يكن ليستحق كل هذا. الذين يقولون
ان الامور تحسنت يكذبون."
ويتذكر كثير من العراقيين بوضوح الفوضى التي استمرت لشهور بعد الغزو
في 20 مارس عام 2003 والتي يرمز اليها باسقاط تمثال ضخم لصدام في وسط
بغداد.
تلك الحماسة المصحوبة بأحلام التمتع بحريات جديدة وامال أن تحول
الولايات المتحدة العراق الى دولة خليجية غنية جديدة تحطمت مع انتفاضة
العرب السنة على حكامهم الجدد وانفجارات السيارات الملغومة التي حولت
الاسواق والمساجد الى ساحات اعدام.
في فبراير شباط 2006 فجر متشددون يعتقد أنهم من تنظيم القاعدة مرقد
الامامين العسكريين في سامراء مما أطلق العنان لموجة من العنف الطائفي
أسفرت عن سقوط العديد من القتلى سواء من السنة أو الشيعة.
وقال أبو وسن (55 عاما) وهو عميد سابق بالجيش وعضو بارز في حزب
البعث الذي تم حله "قبل 2003 كنا نعيش تحت نظام صارم. ما من أحد يمكنه
أن ينكر هذا.. لكننا على الاقل لم نسمع أبدا عن جثث ملقاة وسط القمامة
لمجرد أن أصحابها يحملون أسماء سنية أو شيعية."
انتهت أسوأ مراحل الاقتتال الطائفي ولو للفترة الحالية على الاقل.
فالشرطة قبل عام واحد كانت تعثر على ما يصل الى 50 جثة في شوارع بغداد
يوميا. وانخفض ذلك العدد الى ما دون العشرة فيما يرجع في جانب منه الى
نشر قوات أمريكية اضافية والمهادنات بين كثير من المقاتلين الشيعة
والسنة.. كما أن التطهير العرقي في العديد من مناطق بغداد كان قد حدث
بالفعل.
وتظهر أحدث بيانات جماعة (ايراك بدي كاونت) المعنية باحصاء عدد
الجثث بالعراق أن ما يصل الى 89 ألف مدني قتلوا منذ عام 2003 وان كانت
الابحاث التي أجرتها جماعة بريطانية رائدة في مجال الاستطلاعات تشير
الى مليون قتيل.
أما عدد القتلى بين الجنود الامريكيين فبلغ 3975 قتيلا.
والاحصاءات الاخرى تعطي صورة لا تقل قتامة.
فأرقام الامم المتحدة تظهر أن أربعة ملايين عراقي يكافحون للحصول
على ما يسد رمقهم في حين لا يجد سكان البلاد البالغ عددهم 27 مليون
نسمة مياها نقية. وتقول نقابة الاطباء العراقيين ان ما يصل الى 70 في
المئة من الاطباء المتخصصين فروا الى الخارج.
ومع انهيار شبكة الكهرباء نتيجة سنوات الحرب والعقوبات يعيش
الملايين في ظلام. ورغم أن العراق به ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم
فان قائدي السيارات يصطفون أمام محطات الوقود ربما لساعات.
في مدينة كركوك التي تحوي كما ضخما من الاحتياطي النفطي قال عبد
الله أحمد وهو قائد سيارة أجرة عمره 53 عاما "أقف في هذا الصف منذ
الفجر حتى أملأ سيارتي... أي ديمقراطية هذه وأي رفاهية.. حين سقط
التمثال ظننا أننا سنعيش مثل دول الخليج.. لكن كانت هذه مجرد كلمات."
أما أحمد السبطي (39 عاما) الذي يملك مطعما للكباب في مدينة النجف
الشيعية فيقول ان من يعبرون عن مثل هذه الاراء يغفلون حقيقة أنهم باتوا
يتحدثون بحرية.
وأضاف "من قبل.. لم يكن الموظفون يأكلون الكباب. أما الان فانني
أعتمد في دخلي عليهم. مستوى المعيشة أصبح أفضل."
ويخشى بعض العراقيين أن يكون الغزو قد حرك قوى سياسية يمكن أن تؤدي
الى تقسيم العراق الى مناطق شيعية وسنية وكردية وهو احتمال سيكون حتما
دمويا وقد يمتد الى بلدان مجاورة.
لكن العراق لم يعد يمثل تهديدا لجيرانه.
وهو أيضا واحد من الدول المعدودة في المنطقة التي تجري انتخابات
حرة. ومن المتوقع اجراء انتخابات اقليمية ربما تعيد رسم الخريطة
السياسية للعراق. |