الرقابة: Censorship
شبكة النبأ: الاشتقاق، من اللاتيني
Censura، من Censor، قاض كان يُعهد إليه، لدى الرومان، بإحصاء السكان
وقمع الأخطاء التي ترتكب ضد الأعراف.
أسلوب تحقق تمارسه سلطة عليا على أفعال شخص وتصرفاته.
الرقابة الأخلاقية أو الاجتماعية موجودة في كل التجمعات الإنسانية
وتنشد ضمان تماسكها: فأي فرد لا يمتثل للقواعد الأخلاقية أو لا يحترم
القيم المقبولة في جماعة يكون عرضة للوم أو حتى الإبعاد. فليس مسموحاً،
في مجتمعنا على سبيل المثال، أن تُنشر مؤلفات تمتدح الجريمة أو قطع
الطرق؛ وعندما يريد شخص، في أمكنة أخرى، أن يعبر عن رأي يعارض
الإيديولوجيا المقبولة، يلجأ إلى الاعتدال في التعبير عن فكرته وإلى
تقنيعها. وهذه الرقابة الذاتية موجودة على المستوى الفردي واللاشعوري
بصدد رغبات تستوجب اللوم (رغبات ثأر، رغبات في موت الأبوين، في حب
متعذّر...)، ندافع عن أنفسنا ضدها. ويصادر فرويد، في نظريته الأولى
للجهاز النفسي، على وجود وظيفة يقظة بين اللاشعور من جهة، وما قبل
الشعور – الشعور من جهة أخرى، وتتفحص هذه الوظيفة الذهنية، التي تعمل
بصورة دائمة، كل ميل وتكتب كل تلك الميول التي لا يمكن أن يقبلها
الشعور. وتلاحظ مفعولات الرقابة، على وجه الخصوص، في ثغرات الحلم، وفي
تقنيع وتحولات عناصره، وكذلك في تكوينات التسوية بين الامتثالات
المكبوتة والقوى الكابتة، وأحد أسباب الإخفاق في الاستبطان وحتى في
التحليل الذاتي، الذي يستعين بالترابط الحر، وتحليل الأحلام، وتفسير
التصرفات، ذو علاقة بوجود هذا المرجع من الملاحظة الذاتية الذي يمنع
وصول بعض الرغبات والتكونات المشتقة منها إلى الشعور.
متعلقات
الرقابة(1)
أهمية الرقابة
تمهيد: تنطوي وظيفة الرقابة على تلك الأنشطة و الأعمال التي تصمم
كي تجعل من الأحداث تتماشى مع الخطط الموضوعة و من ثم فهي تقيس الأداء
و تصحح الإنحرافات السلبية و تؤكد تحقيق الخطط و لذلك فإن الإختبار
الحقيقي لأي قائد هو ما يحققه من نتائج و لكن من الحتمي و جود بعض
الأخطاء و بعض الجهود الضائعة وما يترتب عن ذلك من انحرافات عن الأهداف
المنشودة فيتوحب وظيفة الرقابة .
تعريف الرقابة : وظيفة من وظائف الإدارة تعنى بقياس و تصحيح أداء
المرؤوسين لغرض التأكد من ان الأهداف و الخطط الموضوعة قد تم تحقيقها
فهي وظيفة تمكن القائد من التأكد من أن ما تم مطابق لما خطط له.
يعرفها هنري فايول (...تنطوي الرقابة على التحقق إذا كان كل شيء
يحدث طبقا للخطة الموضوعة و التعليمات الصادرة و أن غرضها هو الإشارة
إلى نقاط الضعف و الأخطاء يقصد معالجتها و منع تكرار حدوثها و هي تنطبق
على كل شيء معدات أفراد أفعال ) .
و يعرفها الدكتور سعيد محمد عبد الفتاح (....الوظيفة التي تحقق
توازن العمليات مع المستويات و الخطط المحددة سلفا و أساس الرقابة هي
المعلومات المتوفرة بين أيدي المدراء . وهي الوظيفة التي تهدف إلى
تأكد كل رئيس أو قائد أن ما تم إنجازه من أعمال هو ما قصد إنجازه.
و من هذا يمكن أن نبين أن عملية الرقابة تتضمن أمرين : 1- التحقق من
مدى إنجاز الأهداف المرسومة بكفاية . 2- الكشف عن المعوقات التي قد
تتعرض تحقيق الأهداف و تعديلها و تقويم الإنحرافات خطوات الرقابة :
تتضمن الرقابة ثلاث خطوات أساسية هي: 1- تحديد المعايير : هي المقاييس
الموضوعة التي تستخدم لقياس النتائج الفعلية أي أنها الوسيلة التي يتم
بمقتضاها مقارنة شيء بشيء أخر و قد تكون هده المعايير مادية فهي تعتبر
بمثابة نقاط او أوجه قياس معينة يتم اختيارها للدلالة على إنجاز
البرنامج اوالخطة المعنية بحيث ان قياس الأداء عن طريقها يعطي للقائد
صورة محددة عن مدى سير العمل و تختلف معايير الأداء باختلاف المستويات
التنظيمية و تتمثل هذه المعايير فيما يلي:
كمية العمل المطلوب إنجازه
مستواه النوعي
الزمن اللازم لادائه
2- قياس الأداء: قياس الاداء الفعلي و مقارنته بالمعايير السابق
وضعها ففي الواقع تظهر كثير من الاختلافات و الإختلالات في تنفيد
المهام كما كان مخططا لها في مستوى الأداء للأفراد أو الإدارات
المختلفة فيقصد بذلك مقارنة النتائج المحققة بالمعدلات الموضوعة سلفا
فهو تقييم الإنجاز الذي يتم عن طريق وسائل متنوعة منها التقارير
الإدارية و الشكاوي و التفتيش .
3 – تصحيح الإنحرافات عن المعاير و الخطط : و يقصد بذلك الأخطاء و
الإنحرافات التي تسفر عنها عملية قياس الأعمال السابقة فإن عملية
مقارنة أداء المخطط تمكن من رصد الإنحرافات و بتالي محاولة تصحيحها و
قيام المدراء باتخاذ إجراءات لعلاج الإنحرفات فهذه العملية هي الخطوة
تلتقي فيها الرقابة بباقي الوظائف الإدارية الأخرى فعن طريق العملية
الرقابية يمكن للقائد ان يغير الخطط او إعادة توضيح و تعريف الأفراد
بالمهام و الواجبات المخولة لهم فلا يجب النظر للرقابة على انها عملية
مستقلة و منفصلة عن باقي الوظائف الأخرى بل يجب ان تعمل داخل إطار واحد
يجمع كامل الوظائف الأخرى (التخطيط.التنظيم.التوجيه). و يمكن التمييز
بين نوعين من الإجراءات التصحيحية : الإجراءات (قصيرة الأجل) :يتم
التصرف السريع و العلاج الفوري للإنحراف التي تكون قد ظهرت في إحدى
المستويات فيلجأ القائد إلى القيام بالأعمال و إتخاذ القرارات التي
تتماشى مع الوضع الراهن . الإجراءات الوقائية(طويلة الأجل) : بعد علاج
الأخطاء بصورة سريعة و إرجاع الأمور إلى ما هو مخطط يلزم الأمر إهتمام
أكبر و أعمق بالأسباب و التعرف على الإجراءلت التصحيحية طويلة الأجل
لتفادي حدوثها في المستقبل . خطوات العملية الرقابية: عرض الشكل أربعة
خطوات رئيسية في عملية الرقابة هي: وضع معدلات ومعايير الأداء: الرقابة
المسبقة: تتم قبل بداية العمليات و الأنشطة و تشمل مراجعة كل من
السياسات و الإجراءات و القواعد الموضوعية و ذلك بهدف التاكد من النشطة
المخططة و فقا للتنفيذ الذي سوف يتم و الهدف من إجراء الرقابة المسبقة
منع وقوغ المشكلات قبل حدوثها الرقابة الجارية : تتم أثناء التنفيذ و
ذلك من خلال نظام الرقابة و الغرض منها متابعة التنفيذ لإتخاذ
الإجراءات التصحيحية في الوقت المناسب . الرقابة اللاحقة:تتم بعد إنهاء
العمل من خلال جمع المعلومات و الوصول للنتائج و هل هي مطابقة كما هو
مخطط لها
خصائص نظام الرقابة الفعال: يعتمد نظام الرقابة الفعال على
متطلبات اساسية لتحقيق الرقابة وهي :
ان يعكس النظام الرقابي طبيعة النشاط سلامة معايير الأداء :
يقوم النظام الرقابي على معايير اداء سليمة و أكثر فعالية في القياس و
يجب ان تكون واضحة و دقيقة و شاملة ان يعمل النظام على سرعة الإبلاغ
عن الأخطاء ان يكون مقبولا من العاملين ان يكون النظام الرقابي
مرنا
المتابعة الإدارية: تعتبر المتابعة الإدارية إحدى العمليات الأساسية
في الرقابة حيث إنها وظيفة تعكس كفاءة الإدارة في كيفية استخدام
الموارد المتاحة لها بكفاءة وفعالية وتعني المتابعة ملاحقة التنفيذ و
تحديد درجة النجاح او الفشل أولا بأول والتنبؤ باحتمالات الانحراف عن
الخطة المحدودة و العمل على تلافيها قبل حدوثها.
أهداف المتابعة: تهدف المتابعة إلى التعرف على : - مدى توافق
التنفيذ مع ما هو مقيد في الخطة. - الإنجازات المرحلية و مدى توافقها
مع البرنامج الزمني . - التعرف على الحلول لما ينشأ من مشكلات أثناء
التنفيذ . - متابعة القائمين على التنفيذ و معرفة كفاءتهم . أنواع
المتابعة:يمكن تقسيم المتابعة من حيث الوقت إلى:عن -1-متابعة سابقة: و
تتم فحص و متابعة الدراسات اللازمة للكشف عن اسباب الانحرافات و العمل
على تلافيها قبل التنفيذ . متابعة لاحقة: و تتم أثناء و بعد انتهاء
أداء الأعمال فهي تهدف إلى تحديد ما تم فعلا من اخطاء و اتخاذ
الإجراءات اللازمة لتصحيحها. كما يمكن تقسيم المتابعة من حيث الجهة إلى
: متابعة داخلية و تتم بواسطة المتخصصين داخل نطاق الوحدة الإدارية.
متابعة خارجية: تتم بواسطة الأجهزة الرقابية الخارجية. أساليب و
إجراءات متابعة العمل • أساليب و إجراءات متابعة العمل يعتمد على
استخدام أكثر من أسلوب لمتابعة الأعمال في الوحدات الإدارية . أسلوب
المتابعة الميداني و يتم عن طريق الزيارات الميدانية لمواقع التنفيذ
مباشرة و الوقوف على سير العمل و التعرف على الصعوبات و معالجتها
الأسلوب المكتبي و تتم عن طريق إستمارات متابعة ، حيث تشمل على الصورة
الكاملة للموضوع المراد متابعته بعدها يليها عمل تقرير المتابعة
المبدئي ثم عمل تقرير المتابعة النهائي
الرقابة الإدارية Controlling(2)
الأهداف
1- التعرف على مفهوم الرقابة.
2- فهم ومناقشة مراحل الرقابة الإدارية.
3- فهم ومناقشة أنواع ( تصنيفات ) الرقابة.
4- فهم ومناقشة الأساليب المختلفة للرقابة.
5- تحديد أهمية الرقابة.
1- مفهوم الرقابة: Concept of Controlling
تمثل إحدى الوظائف الإدارية وهي عبارة عن عملية تقييم النشاط
الإداري الفعلي للتنظيم ومقارنته بالنشاط الإداري المخطط، ومن ثم تحديد
الانحرافات بطريقة وصفية أو كمية بغية اتخاذ ما يلزم لمعالجة
الانحرافات .
2- مراحل الرقابة الإدارية The Controlling Process
تتكون عملية الرقابة الإدارية من الخطوات الرئيسية التالية
(أ) تحديد المعايير Establishing standards
والمعيار هو رقم أو مستوى جودة نسعى إلى تحقيقه
(ب) قياس الأداء Measuring Performance
وهنا يقاس الأداء الفعلي بطريقة مستمرة لتقدير ما إذا كان الأداء
متفقاً مع المعايير وقد يكون القياس شاملاً أو بالعينة.
(ج) مقارنة الأداء الفعلي بالمخطط Comparing performance against
standards
تتضمن هذه المرحلة مقارنة الأداء الفعلي بالمخطط وهنا نصل إما إلى:
- توافق الأداء الفعلي مع المعياري ( لا توجد انحرافات )
- أن يكون الأداء جيداً ويفوق المعيار ( الانحراف موجب )
- أن يكون الأداء سلبي ( الانحراف سلبي )
(د) تحليل أسباب الانحرافات واتخاذ اللازم Evaluation & actions
3- تصنيف ( أنواع ) الرقابة
يمكن تصنيف الرقابة حسب أسس عدة أهمها كما هو مبين فـي الجدول أدناه
التقسيم الأساس
1- الرقابة السابقة ( وقائية/ إيجابية )
2- الرقابة الجارية ( أثناء التنفيذ )
3- الرقابة اللاحقة ( بعد التنفيذ )
4- نظام الرقابة المتعددة
الزمـــن
1- الرقابة الداخلية ( قسم ضمن الهيكل التنظيمي للمنظمة )
2- الرقابة الخارجية ( رقابة من جهة خارجية)
الجهة التي تقوم بها
1- الرقابة المفاجئة.
2- الرقابة الدورية
3- الرقابة المستمرة
التنظيم الرقابي
1- الرقابة البيروقراطية
2- الرقابة غير البيروقراطية
3- الرقابة الاستراتيجية
أشكال أخرى من الرقابة
4- أساليب الرقابة: تتعدد أساليب الرقابة من حيث شمولها ودقتها
والشكل التالي يبين هذه الأنواع
5- أهمية الرقابة:
الرقابة الإدارية مهمة وضرورية لعدة أسباب
(أ) منع حدوث الأخطاء.
(ب) التأكد من حسن سير العمل.
(ج) لتشجيع النجاح الإداري
الخلاصة :
الرقابة تشكل الوظيفة الرابعة للإدارة ومفهومها يتبلور فـي تقييم
النشاط الفعلي ومقارنته بالـمخطط وتحديد الانحرافات ومعالجتها، ومراحل
الرقابة الإدارية هي: تحديد المعايير، قياس الأداء ، مقارنة الأداء
الفعلي بالمخطط، تحليل أسباب الانحرافات ومعالجتها.
وتصنف الرقابة حسب أسس متعددة منها : الزمن والجهة التي تقوم بها،
والتنظيم الرقابي، وتتعدد أساليب الرقابة منها: أساليب الرقابة
بالاستثناء، والاستثناء التقليدية فـي الرقابة، وأساليب الرقابة
الـمتخصصة ثم أساليب الرقابة الشاملة.
وسائل الاعلام الجديدة" تراوغ
الرقابة في الشرق الاوسط(3)
ليس من السهل الكتابة عن حرية الاعلام. اذ يعرف كل الصحفيين أنه
سيكون هناك بعض القيود على مايمكن قوله حتى في البلدان التي ليست فيها
رقابة رسمية.
فالمحررون المسؤولون يجب اقناعهم، ومالكو وسائل الاعلام يجب ان
يكونوا راضين عن ما يقدم، والقانون او العرف تجب طاعته.
حرية التعبير
سلسلة بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس هيئة الاذاعة
البريطانية البي بي سي ستتضمن:
استطلاع عالمي للرأي عن المواقف تجاه وسائل الاعلام
وجهات نظر من مفكرين بارزين
حكايات شخصية من اناس ظهروا في الاخبار
نظرة مركزة على القيود المفروضة على وسائل الاعلام : مصر وكوبا
نموذجا
وحيث توجد رقابة رسمية - اذ على سبيل المثال - يصبح جريمة " ذم
الحكومة "، او عند نشر مادة تتضمن "اساءة الى مقام راس الدولة" تصبح
المشكلة اعظم.
ليس ثمة حرية مطلقة، على الرغم من تمتع بعض وسائل الاعلام بحرية
اكبر من وسائل اعلامية اخرى.
وتبدو وسائل الاعلام في العالم العربي على وجه العموم مسيسة جدا.
حيث تتجه الحكومات الى السيطرة على منافذ وسائل الاعلام الرئيسية،
كالصحف اليومية الاساسية وشبكات الراديو والتلفزيون الرئيسية، وحيث سمح
بهامش لوسائل الاعلام المستقلة، والتي عادة ما تكون مملوكة لاحزاب
المعارضة او رجال اعمال على صلات واضحة مع المنظمات السياسية. (كان
تأسيس الجزيرة ، المحطة الاخبارية في قطر، حالة خاصة نادرة).
بيد انه ومع مجيئ الانترنت بدا المشهد وكأن شخصا ما قد فتح ملايين
عدة من الابواب.
نجاحات مصرية
الان، يمكن للجميع ان يكتبوا ، فقد ولدت المدونات شخصية والمدونات
العامة على الشبكة، معطية الجميع مدخلا الى الانترنت، قد يعادل فرصة
الكتابة والنشر التي يتمتع بها معظم نجوم وسائل الاعلام المعروفين.
الصحفي ابراهيم عيسى واجه مشكلات قضائية مع الدولة بسبب مواد نشرها
وذلك، على الاقل، على المستوى النظري. اذ ثمة الان حوالي 70 مليون
مدونة، وتظهر 120000 مدونة جديدة كل يوم.
والحق، ان معظمها يقرأ من قبل كتابها فقط، لكن لبعضها تأثيرا هائلا
- وفي العالم العربي بات البعض منها اكثر شهرة الان من وسائل الاعلام
التقليدية المطبوعة والمذاعة.
لكن وجودك على شبكة الانترنت لا يعني انك ستكون حرا وبعيدا عن
التقييدات الحكومية. ففي مصر، يمكن للمدونين ان يدعوا تحقيق بعض
النجاح: بعد ان تمكنوا من ارسال صور فيديو لتعذيب الشرطة لمحتجزين في
السجن، وتمت محاكمة ضباط الشرطة المسؤولين عن ذلك وسجنهم.
مع ذلك فان احد المدونين، كان هو نفسه عرضة للسجن بتهمة الاساءة
للاسلام والقذف بحق الرئيس المصري حسني مبارك، و"نشر معلومات تضر
بالنظام العام"، وواجه اخرون مضايقات ليعيشوا في خوف من الاعتقال.
وعلى ذلك، هل اصبحت الان "وسائل الاعلام الجديدة" - المدونات
الشخصية والمدونات العامة على الشبكة وغرف الدردشة - وسائل الاعلام
الوحيدة المستقلة فعليا في العالم العربي؟
كان ذلك السؤال المركزي في ندوة الحوار التي ادارتها بي بي سي في
القاهرة الاسبوع الماضي - وكانت استجابات الجمهور هي نعم بشكل كبير على
الرغم من ان التقييدات ما زالت موجودة.
( انوه هنا ، بان لدي انطباعا ان معظم الجمهور كانوا هم انفسهم من
المدونين المتحمسين، لذا ربما لا يكونوا عينة ممثلة تماما).
وقال العديد من المشاركين في هذه الندوة بانهم يثقون بما يقرأونه في
المدونات اكثر مما يقرأونه في الصحف او يسمعونه في محطات الاذاعة
والتلفزيون الرسمية.
والى ذلك كانت الاستجابة من صحفيي "وسائل الاعلام القديمة" في
الاسئلة التالية: ولكن من يدقق ما يكتبه المدونون؟ من يحرره ؟ واذا لم
تكن تعرف من هو المدون، كيف نعرف انهم اهل للثقة؟
الجديد والقديم
كتب مرة رجل امريكي صاحب احد مواقع الـ (دوت. كوم ) السابقين عن
ظاهرة التدوين على الانترنت قائلا : " انها مغوية ، بمعنى انها تقنع
الناس لان يفكروا بان لديهم الكثير لقوله وانهم اكثر استمتاعا عن ما هم
عليه حقا في الواقع".
لذا لا يبدو مفاجئا ان ترى تحول العديد من الناس، وخصوصا الشباب
منهم نحو"وسائل الاعلام الجديدة"، ما دامت هناك ثقة قليلة "بوسائل
الاعلام القديمة".
وبدا الاتفاق الذي ساد ندوتنا في القاهرة، بأن ثمة حاجة للاثنين معا
القديمة والجديدة ، في الوقت الراهن على الاقل.
بعد كل ذلك، يحاول البعض تجاوز هذا التقسيم، فيضعون قدما هنا واخرى
هناك: فالعديد من صحفيي "وسائل الاعلام القديمة" يكتبون الان ايضا في
مدونات "وسائل الاعلام الجديدة".
تنمية الرقابة الذاتية لدى
الناشئة(4)
في مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل!وذابت كثير من القيم
والمبادئ!ووجهت العقول بتوجيهات ربما لا تؤمن بمسلماتنا العقدية، وربما
تؤمن بها ولكن تراها لا تناسب هذا العصر، أو لا يمكن العمل بها في عصر
الإنترنت والفضائيات. ويرى بعضهم أنه آن للناشئ أن ينطلق ويكون بصيراً
على نفسه ويختار الوجهة التي يريدها دون أن يكون ثَم اعتبار لتنشئته أو
إعداده إعداداً يجعله قادرا على مواجهة سلبيات امتزاج الحضارات
بخلفياتها العقدية والاجتماعية.
ويرى البعض الآخر أن الحل في عزل الناشئ - إلى حد كبير - عن
المجتمعات المنفتحة؛ خشية تأثره بسلبياتها أو ذوبانه في أفكارها.
ولعل الأول يخسر كثيرا إذ يصبح بلا هوية ولا شخصية، بل هو مسخ غير
سوي.
أما الآخر فمهما ترك الناس فلن يتركوه، ومهما حاول الابتعاد بنشئه
فلا بد أن يكون لتلك القنوات تأثير عليه بطريق غير مباشر.
فلابد أن يكون لنا وقفة جادة لدراسة حال الشباب غير المحصن وغير
المهيأ تهيئة تجعله قادرا على مواجهة ركام الحضارات المختلفة والمخالفة
لمبادئه ومعتقده.
إن سن التكليف هو المرحلة التي يمكن أن يُحاسب عليها الفرد ويُؤاخذ
على تقصيره أو خطئه. وهذه المرحلة التي حددها المنهج الإسلامي بالبلوغ
حددها علماء النفس غير المسلمين أيضا، كما أكد ذلك (بياجيه) و (كولبرج)
في نظريتهما، فالفرد في هذه المرحلة ينطلق من ذاته وقناعته، ويفعل ما
يراه صحيحا دون التعويل على القيود النظامية، ودون التقيد بآراء
الآخرين، فهو يسلك وفقا لمعاييره الذاتية ويشعر بتأنيب الضمير واحتقار
الذات عند مخالفتها.
وإذا دققت النظر أيقنت أن الناشئة يتفاوتون في الرقابة الذاتية وفي
احترامهم للمبادئ والأخلاق، بل وفي تطبيقهم وقناعاتهم بالعقائد
والعبادات.
فما هو السر في اختلافهم هذا؟
إن تعرضهم لأسباب وجود الرقابة الذاتية وتقويتها منذ الصغر هو
المسؤول عن قوة دفاعهم عن مبادئهم وأخلاقياتهم، فضلا عن تمسكهم بها
وانقيادهم لها بقناعة.
وقد أجملت عدة أسباب لتنمية الرقابة الذاتية مستقية هذه الأسباب من
الهدى النبوي؛ لأن رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم - هو المربي الأول.
أولاً: ربط الناشئ بالله:
ليكن أول شيء تعلمينه للناشئ تعريفه بخالقه وربه بأسهل عبارة وأيسر
صورة، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه واله وسلم ـ حين سأل الجارية "أين
الله؟" وأشارت إلى السماء قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
فأول شيء ينبغي أن يربى عليه الناشئ: معرفة الله بآياته ومخلوقاته
ورزقه ومعافاته، وذلك عن طريق الحوار المبسط: (مثال: من أعطاك هذا؟).
فارتباط الناشئ وهو في سن الوعي والتميز بروابط اعتقادية.. وروحية..
وفكرية.. إلى أن يتدرج يافعاً.. إلى أن يترعرع شاباً.. إلى أن يصبح
رجلا.ً. إلى أن ينحدر كهلاً.. فإنه بلا شك سيصبح عنده مناعة الإيمان
وبرد اليقين وحصانة التقوى، مما يجعله يستعلي على الجاهلية بكل
تصوراتها واعتقاداتها.
لأنك إذا عمقت في ولدك حقيقة الإيمان ورسخت في قلبه العقيدة
الإلهية.. فإنه ينشأ على المراقبة لله والخشية منه والتسليم لذلك.
وسيكون عنده من حساسية الإيمان وإرهاف الضمير ما يكفه عن المفاسد
الاجتماعية والوساوس النفسية والمساوئ الخلقية ويكتمل عقلياً وسلوكياً.
ثانياً: ربط الولد بالقرآن:
مع ما يردده البعض من أن القرآن يسهل على الصغير فهمه، وأن تحفيظه
ما هو إلا نوع من الببغاوية..
إلا أن هذا الرأي يشهد لضعفه الواقع ويخالف الحقيقة الشرعية؛ إذ
يقول تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن
مُّدَّكِرٍ} [القمر:17].
وليس أسهل من القرآن في الحفظ ولا أبلغ في النفوس ولا أوقع أثرا.
ولذا فإن أسلافنا الصالحين ينصحون به و يشيرون إلى تعليم أولادهم
القرآن الكريم وتحفيظهم إياه حتى تتقوم به ألسنتهم وتسمو أرواحهم وتخشع
به قلوبهم ويترسخ الإيمان في نفوسهم.
وقد لاحظت أثر القرآن في نفوس الناشئات عليه حتى ظهر ذلك في سلوكهم
مع الوالدين والمعلمات والصديقات، بل وجدتهن أكثر استقراراً نفسياً
وأحسن إيجابية من غيرهن، كما يحسن ربط الناشئ في أول تمييزه بالمسجد
إذا كان ذكرا؛ ليتعلم حسن السمت ويجد الصحبة الصالحة والقدوة الحسنة.
ثالثاً: تعميق الإيمان بصفات الله تعالى:
يزداد جانب المراقبة لله سبحانه وتعالى باستشعار أن الله سبحانه
وتعالى يسمعنا ويرانا ويعلم سرنا ونجوانا ويعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور.
وبإشعار الناشئ أن الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء،
وأنه محيط بالأشياء كلها؛ لأنها تحت قدرته، لا يمكن لشيء منها الخروج
عن إرادته.
ويمكن باستخدام الأدلة البديهية الفطرية للإقناع، مثل الاستدلال على
وجود شيء غير مرئي بوجود دلائل مرئية أو حسية عليه، ومثل أن إعادة
الشيء أسهل من إيجاده لأول مرة، ودلالة الصنعة على الصانع والأثر على
المؤثر.
ويمكن استخدام الحقائق والمكتشفات العلمية الحديثة للإقناع وإيجاد
الكتب التي تكشف عن حقائق علمية أوحيت إلى رسولنا – صلى الله عليه وسلم
– قبل أربعة عشر قرناً ما كان للإنسان أن يكتشفها وما كان للعلم أن
يكشفها قبل هذه العصور، مثل كتاب (العلم يدعو للإيمان) الذي ألفه (كريس
موريسون) رئيس أكاديمية العلوم.
إذن المبدأ التربوي الذي نستخلصه: إذا أردنا أن نربي الإيمان القوي
يجب أن تكون التربية أولاً بالعلم والتبصير بالأدلة العلمية، لا مجرد
التلقينات فحسب..
ولله في كل تحريكة
وتسكينة أبدا شاهد
وفي كل شئ له آية
تدل على أنه واحد
ولو لم يكن شاهد على خلق الله ووجوده إلا هذا الإنسان بعجائب
تركيبته {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].
رابعاً: تكوين عاطفة إيمانية قوية دافعة إلى السلوك:
من أهم هذه العواطف في هذا الميدان: عاطفة الحب وعاطفة الخوف إذ
إنهما من أكبر الدوافع و الحوافز التي يمكن استخدامها في عمل الخيرات
وتنفيذ المأمورات وترك الشرور والمنهيات، يقول الدكتور (الكسيس كارل)
عن أثر هاتين العاطفتين في السلوك: [وليس سوى عاطفتين قادرتين على
البناء، هما عاطفة الحب وعاطفة الخوف، فالحب وحده هو الذي يملك القدرة
على نسف الأسوار التي تتحصن أثرتنا من خلفها، وفي وسعه أن يلهب فينا
الحماس ويجعلنا نسير مبتهجين في طريق التضحية الأليم؛ لأن التضحية أمر
لابد منه للسمو بالحياة، فحب الصغير لأمه هو الذي يدفعه إلى حب
الاستقامة تبعاً لأمرها، والمؤمن بدينه يخضع لأشق النظم الخلقية من أجل
حبه لربه).
ولكن كيف نستطيع تكوين عاطفة الحب عند الأطفال؟
هناك وسائل، منها:
1. بيان حاجة الطفل الدائمة إلى الله، على أساس أن الأمور والأرزاق
بيده تعالى، ويضع نصب عينيه قول الله تعالى في الحديث القدسي: "يا
عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم..".
وهذا يؤصِّل الالتجاء إلى الله وقت الشدة خاصة.
ولهذا فهو يخاف سطوته ويخاف عقابه وسخطه؛ بحيث يدعوه في وقت حاجته
فلا يستجيب له، وهكذا يجمع في قلبه حب الله ورجاءه وخوفه {إِنَّهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا
وَرَهَبًا..} [الأنبياء:90].
2. من أعظم أساليب التربية وأعمقها في النفوس: الجمع بين الترغيب
والترهيب {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ
أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [الحجر:49-50].
ولذلك لَمّا شب بين الناشئة، بل والرجال، على الجمع بين هذين
الأمرين؛ تكونت لديهم رقابة ذاتية لأنفسهم، ومهما خلو بأنفسهم فإنهم لا
يرونها خالية..
خامساً: غرس حب النبي – صلى الله عليه واله وسلم – في نفس الناشئ:
ففي شمائل الرسول – صلى الله عليه واله وسلم – وجوانب سيرته صور
دقيقة تدل على مزيد حرص الرسول على التحبب للناس، ومنها أنه "كان يمر
بالصبيان فيسلم عليهم، ويلاطفهم ويمازحهم وكذلك كان مع أصحابه كان إذا
لقيه أحد من أصحابه فقام قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي
ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع
يده منها حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده". وعُلم من تحببه إلى ضعاف
الناس أنه كانت تستوقفه الجارية في الطريق وتحدثه فما ينصرف حتى تكون
هي التي تنصرف.
"وكان لا يقول لشيء لا، فإذا سُئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإن لم
يرد أن يفعل سكت".
كما كان يخدم نفسه، ولهذا كان الرجل يأتي النبي – صلى الله عليه
واله وسلم – وهو لا يطيقه فما ينصرف حتى يكون رسول الله أحب إليه من كل
أحد..
فإذا قرأ الناشئ سيرته وعلم حرصه – صلى الله عليه واله وسلم – على
هداية الناس وعلم شفاعته لهم، وعلم أن صلاحه وفلاحه و نجاحه مربوط
باتِّباعه؛ استحيا أن يخالفه، وتكوّن لديه شعور بتأنيب الضمير عند
معصيته.
قال صلى الله عليه واله وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا
تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنّة مالا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت،
ولا خطر على قلب بشر" .
فما العيش إلا ذاك لا عيش عزة
وسعدى وليلى ولا أم سلمى
وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
ويرجى لعبد قارع الباب لزما
سادساً: تحبيب الناشئ في الجنة ووعده بها، وتبغيضه للنار وتوعده
بها:
إن التوازن بين هذين الجانبين كفيلٌ بأن يجعل الناشئ دائم الرقابة
لنفسه. فكيف يوصل إلى تقوية هذا الجانب؟
لابد للمربي من غرس المبادئ الفاضلة مع ربطها بالثواب بالجنة مع
وصفها له وتقريبها إلى ذهنه؛ عن طريق قراءة وحفظ الآيات ونعيمها،
وقراءة الأحاديث الصحيحة التي تصف الجنة، فأنت ترين أن الشباب إذا سافر
بعضهم إلى بلاد ما، وذكروا لزملائهم ما رأوا من أنوع المتعة طار قلب
المُحدَّث حتى تصبح رؤية هذه البلاد هاجساً يُذلل له كل السبل
والإمكانات مع الفرق بين الاثنين.
وكذلك إذا وصف زميل لزميله ما لقيه من عنت ومشقة وضرب في الحبس عند
مخالفته أو تعديه على حقوق الآخرين؛ فإن هذا المحدَّث يجد في نفسه
خوفاً من رجل الشرطة مثلاً، فإذا همّ بمخالفة تذكر ما قد يلقاه وما
حدّثه به صاحبه. وفرقٌ بين المُحدِّثين وبين المحَدَّث عنهما أيضاً،
فأين باق من زائل؟ وأين شديد من هين؟ وأين ما يعقبه راحة مما يعقبه
عذاب ونصب؟!
ومما ورد في الجنة: قال تعالى: {جنَّاتُ عدنٍ مُفتّحة لهمُ
الأبوَاب..} وقال صلى الله عليه واله وسلم: "ما منكم من يتوضأ ثم يقول
أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله إلاّ فتحت له أبواب الجنة
الثمانية يدخل من أيهما يشاء" .
ومعنى الحديث: ما منكم من أحد يتوضأ فيُبلغ أو يُسبغ الوضوء ثم
يقول: أشهد ألاّ إله إلاّ الله وأن محمد عبد الله ورسوله، إلاّ فُتحت
له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيّها يشاء.
وساحة الفضل متسعة الأرجاء في ظل هذه الحقيقة، فأنى تلفّت المؤمن
وجد موائد العطاء منصوبة، وما عليه إلاّ أن يُقبل بقلبه وعقله وجوارحه،
ويأخذ نفسه بذلك الهدي. وما أكثر وأوفر مشاهد الفضل الكبير يوم القيامة
لأولئك السعداء الموفقين.
ومن الحقائق التي لا يتمارى بها مؤمن: أن يظل المرء على ذكر من يوم
المعاد وما يكون فيه، وأن يكون لديه مع رجاء النجاة والفوز بجنة الخلد،
والخوف من أن يُلقى يوم الحشر في العذاب المهين.
وقد وجّه النبي صلى الله عليه واله وسلم أمته وسلك بهم سبيل النجاة،
فطوبى لمن استنارت منهم البصائر فاهتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم.
فقد كان صلى الله عليه واله وسلم يعلمهم الدعاء كما يعلمهم السورة
من القرآن.
"اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك
من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"، وكيف لا
يتعوذ المؤمن من عذاب النار وهي على ما هي عليه كما جاءت نصوص الكتاب
والسنة في شأنها وفي أحوال أهلها وما ينزل بهم من الأهوال و الشدائد؟!
قال تعالى في وصف عباد الرحمن: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ
جَهَنَّمَ...} [الفرقــان:65]. وقال سبحانه: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلا
أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ..} [الصافات:62].
وفي الحديث: أن رسول الله تلا هذه الآية: {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ
إِلا مِن ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ} ـ [الغاشية:6]
ـ وقال: "اتقوا الله حق تُقاته، لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار
الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معاشهم، فكيف بمن يكون طعامه" .
إن التفاعل مع دلالات النصوص المشرقة، بما يحصل يوم القيامة،
والإحاطة بتلك المشاهد العظام يجعل النفس تديم الاجتهاد في تزكية النفس
وجلاء القلوب. وما أحوج المسلمين اليوم إلى هذا المنهج القويم يترسمون
خطاه، ويعملون به جادّين على صعيد الفرد والأسرة والجماعة، والعاملين
بذلك لهم بشارة الفوز المبين؛ مصداقاً للحقيقة القرآنية التي لا بُعد
عنها: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ
أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20].
سابعاً: تعزيز شعور الحب، والبعد عن القسوة، وإشباع العاطفة لدى
الناشئ؛ فيستحي أن يُرى منه سوء:
ومعلوم أن الإنسان لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه حتى يكون عنده شعورٌ
نحو أخيه بالمحبة.
ثامناً: إشعال فتيلة التفكير الذاتي الإبداعي:
بالاعتماد على النفس: إنها صفة تزرع في أعماق الذات الثقة بما يصدر
عنها، والحب لما تسعى إليه، والصبر على عوائق الطريق، واستشراف
المستقبل، والسعي إلى امتلاك مقود الحياة.
إن الاعتماد على النفس أصل كل نجاح فاعل حقيقي، وإذا اتصف به أفراد
الأمة فانتظر وثبتها إلى جبال المعرفة والسبق.. والتجربة اليابانية
شاهد قرن يُفصل الإجمال.
يقول الشاعر:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
وذلك لأن الرجل الخدوم المكفول يعيش قرير العين، كسل الأعضاء, لا
يستطيع أن يكون ذا قيمة في صنع الحياة؛ لما في نفسه من الدعة.
لذا ينبغي تجنب الحماية الزائدة للأولاد (الذكور) مما يجعلهم لا
يتفاعلون مع المحيطين بهم من أقارب أو أصدقاء.. فيحرمون من النصح الذي
يتولد نتيجة التجارب المحيطة. فلا تفريط ولا إفراط، و كما قيل:
"التجربة خير أستاذ، لكن تكاليفها باهظة".
تاسعاً: استخدام وسائل التربية الوجدانية:
1- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالامتناع، ومن أنواع
الامتناع: الصوم عن الأكل والشرب من طلوع الفجر حتى غروب الشمس،
والتقليل من الأكل والعادات الضارة والإفراط في الملذات. ومن هذا النوع
الالتزام ببعض المبادئ الأخلاقية، مثل محاولة التغلب على السلوك
الفطري، كالتغلب على الغضب وكظم الغيظ ودفع الإساءة بالإحسان.
2- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالأعمال الإيجابية.. {لَن
تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:
92].
3- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالتحمل، والصبر ثلاثة
أنواع: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على
المصيبة..{اصبِرُوا وصابروا ورابِطُوا..} [آل عمران:200]، {وَاصْبِرْ
عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10]، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].
4- ممارسة أنواع التدريب الإداري الخاصة بالالتزامات إزاء العهود
والمواثيق والأيمان والنذور، وذلك يؤدي إلى تقوية الإرادة من ناحيتين:
الأولى: أن الالتزام يقتضي ضبط النفس وربط الإرادة وتركيزها على
العمل الذي عقد العزم على تنفيذه.
الثاني: أن الإنسان كلما التزم بعهده ونفذ عملياً ما وعد بتنفيذه؛
أدى ذلك إلى الشعور بقوة ذاتية ثمّ إلى قوة إرادية، لا سيما إذا ارتبطت
الإرادة بما يعززها كوجود الغرامات أو الكفّارات.
5- الوسائل الخاصة بانتفاضة الإرادة وإنقاذها في حالات ضعفها:
بلا ريب فأن النفس لها أوقات تنهزم فيها وتضعف؛ فلا بد من تقويتها
وشحنها.
ويمكن تقسيم وسائل الانتفاضة إلي قسمين:
الأولى: قبل السقوط، ومنها ما بيّن الله أن من عزم على فعل معصية ثم
عدل ذلك تكتب له حسنة ولا تكتب له سيئة.
الثانية: بعد السقوط لإنقاذ الإرادة من الاستسلام النهائي، وهذه
الوسائل عاطفية ووجدانية..
الوسائل العاطفية:
تقبيح الرذيلة والنفور منها {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب
بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتًا..} [الحجرات:12]، {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32].
الوسائل الوجدانية:
التوبة، فلولا التوبة لماتت الإرادة الأخلاقية.
6- الوسائل النفسية الشعورية الإيحائية لتقوية الإرادة. ومن مصادر
الإيحاء الذاتي لقوة الاعتزاز بالإيمان: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ
فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا..} [فاطر:10].
وذلك معروف بالفطرة السليمة أو الفطرة التي لا تجد بدا من السلامة
في حالة الضعف: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ..}
[العنكبوت:65].
يقول وليم جيمس: "يعني القلق والاضطراب حين نرده إلي أبسط معانيه أن
فينا جزءاً خاطئاً إن نظرنا إلى أنفسنا نظرةً طبيعيةً. ويعني العلاج
أننا ننقذ أنفسنا من هذا الخطأ بأن نعقد صلة بيننا وبين قوى عُليا"[5].
ونحن المسلمين نربط صلتنا بمدبر الكون والقادر عليه.
- البدء بالقوة عند كل عمل يقوم به الإنسان.. {يَا يَحْيَى خُذِ
الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ..} [مريم:19]، {فَخُذها بِقوَّة..}
[الأعراف:145]، {فَأعِينُوني بِقُوَّة..} [الكهف:95].
7- من وسائل تقوية الإرادة: الاهتمام بالصحة العامة وصحة الأعصاب
خاصة "إني لأصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء".
8- تقوية الإرادة بالعمل الفكري {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ
رَأَى كَوْكَبًا..} [الأنعام:76]. وكيف أثر ذلك على إرادته.. {قَالَ
يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ
وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا...}
[الأنعام:79] وإذا أخذ الإنسان الشيء بقناعة وإعمال فكر؛ فيستحيل أن
يتخلى عنه.
عاشراً: التربية بالموعظة:
وذلك عن الطريق المباشر تارة، والطريق غير المباشر مثل القصص،
لاسيما القصص التي تمثل واقعاً يعيشه، مع محاولة استثارة عواطفه
ووجدانه.
طبيعة الرقابة على نشر الكتب
العربية(5)
ما زالت مؤسسات الثقافة الحكومية في العالم العربي تُعامل الشعوب
العربية على أساس أنها شعوب قاصرة، لا تميّز بين ما ينفعها وما يضرّها.
فتؤسس نيابةً عنها هيآتٍ ولجاناً لترى ما ينفع الأمة من أمور وما
يضرّها، ومن بين هذه الهيآت واللجان هيآت ولجان الرقابة على نشر الكتب.
ويبدو الوضع لي الآن كالآتي: كلما أمعنت الأمم المتحضرة في "الضحك
من جهلنا"، أمعنا في سدّ نوافذ المعرفة، وقابلنا الضحك بالوجوه العابسة
التي لا تجيز إلاّ ما يبدو لها أنه يتفق مع حساسيات كثيرة: دينية
وسياسية واجتماعية وغير ذلك.
إن تاريخنا ينوء بثقل ذنب محاربة المعرفة والكتب، ومع ذلك يبدو هذا
التاريخ نفسه، ومع نوئه بذلك الثقل، متحرراً إذا ما قورن بما يحدث الآن
من حملات منع نشر الكتب، وسحبها من الأسواق، ومحاكمة كتّابها، وسجنهم،
ونفيهم، وحتى تطليق زوجاتهم رغماً عنهم.
تداعت إلى ذاكرتي سلسلة فتاوى التكفير، والمحاكمات، التي واجهها
كتّاب شجعان نتيجة ممارستهم التفكير الحر، وحقّ التعبير عن الرأي، وطرح
كلّ الأفكار مهما كانت على بساط البحث. تداعت إلى ذاكرتي كتب طه حسين،
وعلي عبد الرازق، ومنصور فهمي، والرصافي، والزهاوي في النصف الأول من
القرن العشرين، ونصر حامد أبو زيد، وسيد محمود القمني، وغيرهم في النصف
الثاني منه، وها نحن عند بدايات القرن الواحد والعشرين، ونأنف أن تمرّ
سنواته الأولى دون خوض ملاحم من أجل صدّ الأفكار وانتشارها.
وآخر حلقة في هذه السلسلة الخشنة الكريهة منع كتاب الناقد البحريني
البارز الدكتور نادر كاظم، وعنوان الكتاب "استعمالات الذاكرة: دعوة
للتعايش بين الجماعات والهويات في المجتمع البحريني". والكتاب في
الحقيقة، نُشر في جريدة الوسط البحرينية على شكل سلسلة من المقالات،
ولقد كنت أتابع سلسلة المقالات تلك متمعناُ في طبيعة المعالجات التي
يطرحها الدكتور نادر كاظم. وكنت أحياناً أجد أن الكاتب يحجم عن متابعة
بعض تحليلاته، ويقطعها حتى لا يصل، في نهاية المطاف، إلى الاصطدام
بالمحذور، والممنوع. ومع هذه الحيطة، أستطيع القول إن الكتاب جريء
نسبياً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الزمان والمكان واشتراطاتهما،
والظروف التي تحفّ بالكاتب العربي إجمالاً، وطبيعة علاقته مع السلطة،
ونظرة هذه الأخيرة إليه. فهو يفتّت بنية المجتمع البحريني بحثاً عن
العلل والأمراض الاجتماعية، يشخّصها، ويدعو إلى علاجها، وهناك يقف عند
حدود هذه العتبة من دون أن يجرأ طبعاً على تحديد العلاج المتعلق
بالسلطة، ومن ذا الذي يجرؤ على القول إن السلطة مريضة، فيلجأ إلى
المجتمع المريض ليقدم له العلاج، ويوحي للسلطة بأنه إنما يدعو إلى
أفكار في صالح المجتمع ومن ثمّ بالضرورة صالحها.
لكن الأمر بدا للجنة الرقابة وإدارة المطبوعات غير ذلك. إذ أقدمت
إدارة المطبوعات، مدفوعةً برُهاب الكتب النقدية، على منع نشر كتاب
الدكتور نادر كاظم الكتاب "استعمالات الذاكرة: دعوة للتعايش بين
الجماعات والهويات في المجتمع البحريني". ولم يشفع للكاتب أن كتابه
إنما هو "دعوة للتعايش بين الجماعات والهويات في المجتمع البحريني"،
ولم يكن حسّه الوطني الأصيل سوى شيء بحاجة إلى تأكيد وتزكية. الأمر
الذي وجد بعض أصدقائه، مثل الكاتب محمد البنكي ورئيس تحرير جريدة الوسط
التي نشرت الكتاب مقالاتٍ الدكتور منصور الجمري ومجموعة أخرى من
المثقفين البحرينيين، أقول وجد هؤلاء ضرورة في التنبيه على الأصالة
الوطنية التي يتمتع بها الكاتب، حتى يحسّ قارئ تلك التزكيات، إذا جاز
التعبير، أن الكاتب متّهم حتى في نواياه، ولذلك هو بحاجة إلى آخرين
يفصحون عن نواياه.
بهذه الحلقة في سلسلة منع نشر الكتب، نمنح فرصة أخرى للأمم الأخرى
للضحك من جهلنا. وقبل ذلك، نرسخ المراقب وصيّاً على الثروة الفكرية
التي نقدمها، ليقوم هو بمعالجتها حتى تنسجم مع فكر القراء "القاصرين"
معرفياً بحسب وجهة نظر المراقب. إنها لكارثة أن نعيش كلّ حين أجواء
"قرون وسطى" جديدة، نسمع كلمات من قبيل: هذا الكاتب كافر، وذاك زنديق،
وذلك طائفي، وهلمّ جرا. إن الكتب أفكار، والأفكار لا تعالج بكبتها
وكبحها ومنعها ووو، بل بمناقشتها، وإجراء حوار معها، وخوض جدل عميق من
أجل ترسيخها أو دحضها.
إن منع نشر أيّ كتاب إنما هو انتهاك لمبدأ حرية التعبير أولاً،
وإرهاب للكاتب ثانياً حتى لا يعود يفكر بالطريقة التي فكّر بها، وأزعج
الرقيب، وهو ثالثاً استصغار واحتقار للقراء الذين يؤسس الرقيب شبكته
الخاصة نيابة عنهم ليصفّي، بحسب اعتقاده، الأفكار لهم حتى يقدمها لهم
مستساغةً وقابلة للهضم. إنه ينصّب نفسه مرجعاً مفترضاً أتباعاً جاهلين،
ويبقى حبيس هذا الافتراض، الذي يستقيم لديه عملاً ومنصباً وحظوة
وجاهاً، وبدونه سينهار شيئان (وهمان) موقعه كحارس للقيم، والقيم التي
يحرسها.
عن مصادرة العقل في الجامعة:الرقابة
وتوابعها في البحث العلمي(6)
أفضل الحديث عن الرقابة من خلال تجربتي الشخصية، وأقصد بها الرقابة
الأكاديمية علي وجه التحديد. هذا في تقديري أهم من الحديث عن تفاصيل
محنتي الشخصية المعروف تفاصيلها. يستدعي هذا الحديث بالضرورة الحديث عن
(الجامعة المصرية)، تلك المؤسسة التي سعي إلي إنشائها في أوائل القرن
العشرين جيل الرعيل الأول من قادة الفكر والمجتمع والسياسة، والتي
اعتمدت ماليا علي مساهمات وتبرعات المواطنين في المحل الأول، حتي سميت
بحق (الجامعة الأهلية). كان أحد بواعث السعي إلي تأسيس الجامعة، كمؤسسة
مستقلة للفكر والثقافة العصريين، هو حالة الفشل الذريع التي منيت بها
كل محاولات تحديث المؤسسات التقليدية، وعلي رأسها مؤسسة (الأزهر). هذا
برغم محاولات (التوفيق) بإنشاء مؤسسات تعليمية تجمع بين (الأصالة)
و(المعاصرة)، مثل مدرسة دار العلوم التي أسسها علي باشا مبارك) (1823
1893). وكما تم إنشاء مدرسة (دار العلوم) سنة 1872 لتلافي ما امتنع
شيوخ الأزهر عن قبوله من إدخال بعض العلوم الحديثة ضمن البرنامج
الدراسي إلي جانب العلوم الدينية التقليدية، تم أيضا سنة 1907 بعد
عامين من رحيل الإمام محمد عبده إنشاء مدرسة (القضاء الشرعي)، التي
كان الإمام قد وضع مشروعها قبل وفاته، (للاستغناء بها عن الأزهر) حسب
عبارة (رشيد رضا) (المنار، مجلد 23، ص542) من أجل تخريج قضاة مدربين
وفقا للأساليب الحديثة. كان برنامج المدرسة الجديدة يجمع بين دراسة
(الفقه) وبين دراسة النظم القضائية الحديثة من منظور مقارن.
برغم تلك المحاولات كان احتياج المجتمع الجديد، حديث الولادة،
لمؤسسة تعليمية عصرية أمرا ملحا، وهكذا تم إنشاء (الجامعة الأهلية) عام
1908، التي ظلت مستقلة ماليا حتي الأزمة المالية التي سببتها الحرب
العالمية الأولي فامتدت يد الحكومة لتنقذ الجامعة من الإفلاس. ولكن
الإنقاذ كان مشمولا كالعادة بالاستيعاب أولا، ثم السيطرة وإحكام القبضة
فيما بعد. في عام 1925 تم تحويل الجامعة إلي جامعة حكومية، وتم تغيير
اسمها إلي (جامعة فؤاد الأول). لم يكن التغيير مجرد تغيير شكلي،
فالجامعة الوليدة لم تكن منذ بدايتها قادرة علي الصمود ضد محاولات
المؤسسة التقليدية، وتوابعها، للتحجيم من حركتها. في دراسته الهامة
(جامعة القاهرة وصناعة مصر الحديثة) (Cairo University and the Making
of Modern Egypt) ( مطبعة جامعة أكسفورد 1990) يورد (دونالد مالكوم
ريد) Donald Mal colm Reid الوقائع التالية ذات الدلالة علي مدي قوة
المؤسسة الجديدة، وقدرتها علي التصدي للتحديات التي فرضتها المؤسسات
التقليدية.
1 الواقعة الأولي هي واقعة اختيار الجامعة للكاتب والصحفي المؤرخ
(جورج زيدان) لتدريس التاريخ الإسلامي، وهو اختيار أثار اعتراضات في
شكل مقالات في الصحف، خاصة في صحيفة (المؤيد) لصاحبها الشيخ (علي
يوسف)، تعترض علي اختيار (مسيحي) لتدريس التاريخ الإسلامي. وكان رد فعل
الجامعة، التي كانت تستأجر أساتذة أجانب من أوروبا لتدريس (الأدب
العربي) و(الفلسفة الإسلامية) فيها، إن استسلمت للابتزاز الرخيص،
فأرسلت خطاب اعتذار للأستاذ (جورج زيدان) مصحوبا بشيك قدره مائة جنيه
مصري تعويضا عن فسخ العقد الذي كان قد وقع بينه وبين الجامعة.
2 الواقعة الثانية تتصل بحالة (منصور فهمي) الذي حاز درجة
الدكتوراه في الفلسفة من جامعة (السوربون) عام 1913 علي أطروحته (أحوال
المرأة في الإسلام). La Condition de la Femme dans la Tradition de
L’Islam.
كان (منصور فهمي) قد سافر إلي فرنسا مبعوثا من قبل الجامعة الوليدة
(الجامعة المصرية)، ولكن بعض التقارير السرية وردت إلي الجامعة تتهم (منصور
فهمي) بأنه يكتب رسالة مضادة للإسلام ونبيه، وذلك تحت إشراف (أستاذ
يهودي)، وبناء علي هذه التقارير حاولت الجامعة أن تقنع المسئولين في
جامعة السوربون بإرسال الرسالة للجامعة المصرية قبل إقرارها لتري فيها
رأيها، وتقرر صلاحيتها أو عدم صلاحيتها. وبالطبع لم تلق (السوربون)
أدني التفات لهذا الطلب الغريب والشاذ، وحصل الشاب (منصور فهمي) علي
درجة الدكتوراه. وكان القرار هو عدم توظيفه في أي وظيفة رسمية بالجامعة
أو بغير الجامعة. وظل الدكتور خريج السوربون عاطلا حتي وضعت الحرب
أوزارها وهدأت الضجة، فتم تعيينه بالجامعة. وجدير بالذكر أن الرسالة
التي طبعت مرتين باللغة الفرنسية، ثانيتهما عام 1990، لم تترجم إلا عام
1997، ونشرتها (منشورات دار الجمل)، وهي مؤسسة نشر عربية موطنها مدينة
(كولون) بألمانيا.
لن نتعرض لقضية (طه حسين) والفضيحة التي أثارها كتابه (الشعر
الجاهلي)، فالقضية أشهر من تكرار الحديث عنها، هذا إضافة أن الجامعة
ممثلة في شخص مديرها آنذاك (أحمد لطفي السيد باشا) وقفت مدافعة عن
ابنها وعن استقلالها. 3 الواقعة الثالثة هي فضيحة رسالة الدكتوراه
التي قدمها المعيد (محمد أحمد خلف الله) سنة 1947 تحت إشراف الشيخ (أمين
الخولي) بعنوان (الفن القصصي في القرآن)، وهي فضيحة شملت كل أركان
المجتمع ومؤسساته، من الأزهر إلي (البرلمان) إلي مجلس الوزراء إضافة
إلي (كلية دار العلوم) التي كانت قد أصبحت جزءا من جامعة القاهرة. كان
موقف رجال أمثال (أحمد أمين) و(عبد الوهاب عزام) و(أحمد الشايب) موقفا
أقل ما يقال عنه إنه متخاذل. وحده وقف (الخولي) يدافع عن الرسالة وعن
صاحبها، حتي وفاته عام 1966. انتهت الفضيحة برفض الجامعة للرسالة،
وبفصل صاحبها من العمل التعليمي. أما عقاب المشرف (الشيخ الخولي) فقد
كان حصره في مجال اسم الكرسي الذي عين عليه (الأدب المصري) وعدم السماح
له بتدريس (علوم القرآن) أو الإشراف علي رسائل تتصل بها. هذا القرار
فرض علي المعيد (محمد شكري عياد) آنذاك أن يختار بين الاستمرار في (الدراسات
الإسلامية) متابعا ما أنجزه في رسالة لماجستير بإشراف (الخولي) عن (يوم
الحساب في القرآن)، ولكن تحت إشراف أستاذ آخر، أو التمسك بالأستاذ
وتغيير التخصص. وكان اختيار (عياد) التمسك بالأستاذ واختيار (علوم
النقد والبلاغة) تخصصا.
4 سرعان ما قامت الثورة المباركة عام 1925، وسرعان ما اصطدمت بدعاة
الديمقراطية والمدافعين عن الحكم المدني، فقامت بالتخلص من العناصر
المقلقة باسم (تطهير الجامعة من الفساد) ففصلت عددا من الأساتذة
والمعيدين، يجمعهم الموقف الوطني دفاعا عن عدم عسكرة المجتمع. كان من
بين المستبعدين الشيخ (أمين الخولي)، إلي جانب أسماء كثيرة أخري، يكفي
أن نذكر منها (لويس عوض) ومحمود (أمين العالم). لم تسلم الجامعة بعد
ذلك من التدخلات السياسية في شئونها، الأمر الذي كتب فيه الكثيرون
ومنهم كتاب الصديق (محمد أبو الغار) الذي صدر من عدة سنوات.
5 اشتدت الوطأة علي الجامعة في السبعينيات وما تلاها بسبب حالة
القلق التي كانت، ولا تزال تسيطر علي الشباب المشغول بقضايا المستقبل.
لكن الإجراءات القمعية المتتالية أفرغت الجامعة من قوتها الخلاقة
المبدعة، حين تم تحريم العمل السياسي داخل الجامعة، وحين تم حصار
المجتمع كله بالمشكلات الاقتصادية والإجراءات الأمنية. بدأ الفساد في
المجتمع مع عصر الانفتاح (السداح مداح)، وما زال مسلسل الفساد مستمرا
في تزايد حتي الآن. لم يكن للجامعة أن تنجو من وحش الفساد الذي أصبح
يسد الآفاق.
6 ثم كانت فضيحة 1993، المعروفة بقضية (أبو زيد)، وما تلاها من
وقائع معروفة ومتداولة. بدأت الفضيحة (أكاديمية)، لكن الفساد الذي أخرس
الألسنة في إدارة الجامعة إزاء أستاذ واحد، رائحة فسادة تزكم الأنوف،
حولها إلي فضائح سياسية وقانونية. لم يجرؤ الفساد الأكبر علي مناطحة
الفساد الأقل شأنا، لا الأقل حجما، وكيف يكون ذلك الفساد يسند بعضه
بعضا! صدر حكم قانوني جائر ضد (أبو زيد) وتظاهرات الجامعة بأنها تقف مع
ابنها فلم تفصله، بل سهلت له إجراءات السفر معارا إلي إحدي جامعات
أوروبا.
لكن قرارا اتخذ بليل، قرارا ينكر الجميع من رئيس الجامعة إلي عميد
الكلية أنهم أصدروه، بحسب كتب (أبو زيد) من علي أرفف مكتبة الجامعة لا
أحد يدري حتي الآن إلي أين؟ بالمناسبة ليس هناك أي قرار قضائي أو نيابي
أو أمني أو فتوي من الأزهر بمصادرة كتب (أبو زيد)، أليس هذا دليلا علي
الحرية والانفتاح؟ طبعا هناك بعض المضايقات حين تعرض الكتب علي الأرفف
في معرض الكتاب بالقاهرة، إذ عادة ما يقترب بعضهم وينصح الموزع بإخفاء
الكتب عن عيون الناظرين، لأسباب أمنية، مؤكدا له أن قراء (أبو زيد)
سيسألون عن كتبه. (مدبولي) أيضا لا يعرض كتب (أبو زيد) أمام المكتبة أو
علي الأرفف، وإن كان قد نشر بعضها ويحرص علي توزيع ما نشر منها في
بيروت.
لماذا (صادرت) جامعة القاهرة كتب (نصر أبو زيد) بلا قرار، وهي
الجامعة التي استمر (أبو زيد) أستاذا بها، تجدد له الإعارة سنويا،
وتحصل منه حصته في المعاش والتأمين والإدخار بالعملة الصعبة؟ وأخيرا
وصل (أبو زيد) إلي سن المعاش القانوني، وتم تعيينه أستاذا متفرغا أو
غير متفرغ، لا أدري حتي يبلغ سن السبعين، نعم صدق المتنبي. وماذا
بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا
7 لكن لا سر في الأمر: فالذين تابعوا موقف الجامعة ووزير التعليم
العالي من الكتب بعد ذلك يدركون لا شك أن (الرقابة) بالمعني البوليسي
أو الأخلاقي أو الديني، أو القانوني، لم تعد كافية لحماية الشباب من
الأفكار الهدامة. انضم إلي كل أنواع الرقابة المذكورة نوع جديد اسمه
(الرقابة الأكاديمية). حيث كتب (صلاح منتصر) في عموده اليومي بالأهرام
يوم 13 آيار 1998 عن كتاب (مكسيم رودنسون) محمد، الذي كان أحد مراجع
مقرر دراسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سارع السيد الأستاذ الدكتور
وزير التعليم العالي بإصدار قرار بسحب الكتاب من مكتبة الجامعة، ووقف
الأستاذ الذي كان يدرس المقرر مستخدما الكتاب. كانت فضيحة، لكنها لم
تثر المجتمع ولم تحرك قوي الدفاع عن الحريات باستثناء كتابات متناثرة
هنا وهناك. من يومها أصبح المجتمع في حكم المقرر قانونا جواز الرقابة
والمصادرة. في رده علي من أثار قضية مصادرة الكتاب وكانت المناسبة
الاحتفال بالدكتور (أحمد زويل) الحاصل علي (نوبل) قال الأستاذ
الدكتور وزير التعليم العالي: أنا أتحدث كأستاذ قانون فإن هناك مجموعة
آداب وقيم في كل مجتمع تشكل النظام العام الخاص به، وما قد يكون عيبا
في مجتمع لا يكون كذلك في مجتمع آخر، وعندنا في مصر لا يسمح النظام
العام بأن تكون المعتقدات الدينية الراسخة محل استهزاء ونقد وتجريح.
نعم أنا مع حرية البحث العلمي وأول من يؤيده في العلوم الاجتماعية
والعلوم الطبيعية، ولكن من دون أن تصل إلي الإخلال بالنظام العام
والآداب الخاصة بكل مجتمع وبمعتقداته، وهذه قاعدة في القانون. ولهذا
أوقفنا تدريس كتاب (محمد) تأليف مكسيم رودنسون في الجامعة الأمريكية،
فالكتاب يقول إن القرآن الكريم ليس من وحي الله سبحانه، أنا أسفت
للمؤلف فإنني كنت في باريس واستمعت إليه، وكان وقتها يساند القضية
الفلسطينية وان ماركسيا، ولكن كونه يدافع عن القضية الفلسطينية ليس
معناه إن كل ما يكتبه أقبله، وإنما لا بد أن أري مضمونه. وعندما تحققت
من أن ما ذكره الأستاذ صلاح منتصر الذي أثار هذا في عموده صحيح
مائة في المائة أصدرت قراري بوقف تدريس الكتاب في الجامعة.
إنه في باريس التي هي أكثر منا حرية قدموا جارودي للمحاكمة وأدين،
لماذا؟ لأنه انتقد بعض ما قيل من أفكار عن النازية وإنهم بالغوا في
الأرقام وإن هذا العدد غير صحيح. مجرد إن كتب جارودي الذي يقول إن هذه
مسلمات لا يمكن الطعن فيها، ومنها أن تقول إن اليهود لم يعذبوا، أي إنه
بمجرد أن تنتقد وتقول إن اليهود لم يعذبوا وتكتب ضد هذا تحاكم وتدان.
إن هذا الكتاب يتعارض مع حرية البحث العلمي. وإذا جاء أي كتاب بما
يخالف رواسخ المعتقدات الدينية فسوف أوقفه، فالرقابة في الجامعة لا حقة
علي ما هو مخالف لمعتقدات المجتمع، ولكن لا يمكن في البداية أن أقول
لكل أستاذ هات كتبك لكي أراجعها، لأن هذا ضد حرية البحث العلمي. إنما
وبعد صدور الكتاب نقرؤه ونفحصه وهل هو مناسب للتدريس أم لا؟ فإذا كنت
تريد أن تكتب فأهلا وسهلا ولكن لا تخل بقيم المجتمع. (التأكيد لنا).
لا تعليق لنا علي هذا الكلام: لأنه لا يحتاج لتعليق: فهو مفصح بما
فيه الكفاية. هل نتساءل عن (الرقابة). تلك هي، من خلال خبرتي الشخصية،
أشد أنواع الرقابة وحشية: لأنها لا تحمي المجتمع بل تسد عن الضوء
والشمس عن مستقبلنا، عن الشباب في الجامعة. لهذا لا عجب أن تفشل كل
محاولاتي ومحاولات الزملاء لدعوتي عضوا لمناقشة رسالة ماجستير أو
دكتوراه في القسم الذي أنا رسميا عضو في هيئة التدريس به. لقد
صودرت كلي حين صودرت كتبي من مكتبة الجامعة، وحين حرم طلابها من أفكاري
بعد أن حرموا من حضوري الشخصي. كانت هذه المصادرة، ولا تزال، أقسي من
الحكم القضائي، وأقسي من أية غربة. أخيرا اسمحوا لي أن أذكركم بقرار
وزير العدل بمنح حق (الضبط القضائي) لبعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية،
الذي صدر عقب المؤتمر. ما معني هذا؟ هل هو العزل في موطن الجد؟ أم أن
الدولة دولتان، واحدة مع الإصلاح والأخري ضد الإصلاح؟ أم إن الإصلاح
مجرد يافطة ترفع لمواجهة الضغوط الخارجية برغم كل الدعاوي أن الإصلاح
يجب أن ينبع من الداخل؟ لكن المفرقة المضحكة أو المبكية لا فرق إن
(الإصلاح) صار فجأة شعار الجميع بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وليس
قبل ذلك.
أرجو ألا يعتبر أحد كلامي تشكيكا في النيات الحسنة، فإن ما أسعي
إليه ليس إلا قدرا معقولا من القدرة علي نقد الذات، وبدون هذه القدرة
علي النقد الذاتي لا يمكن تحقق إصلاح حقيقي. ولنذكر جميعا، من دون
إحساس بالدونية، أن مشروع النهضة والإصلاح الذي بدأت ملامحه تتبلور منذ
بداية القرن التاسع عشر في العالم العربي كان ثمرة الالتقاء بالآخر:
فالذات في النهاية لا تدرك عجزها وتخلفها إلا في مرآة الآخر. لكن مشكلة
هذا المشروع أنه لم يستوعب أسباب التخلف بقدر ما انبني علي موقف سجالي
مع الآخر، انتهي به أحيانا إما إلي تبرير العجز، وإما إلي الركون إلي
تراث تمت أدلجته، وإلي تاريخ تم حصره في دائرة الكمال، العصر الذهبي.
لا نريد أن نكرر الخطأ، بقدر ما نريد التحرر من ضغط الآخر ومن ضغط
الماضي معا. التحرر من الضغط لا يتم بالتجاهل بقدر ما يتم بالدرس
النقدي، وهو أمر يحتاج إلي مناخ تعليمي وأكاديمي يؤمن بالحرية قيمة
مطلقة، ومناخ قانوني ودستوري يحمي هذه الحرية. لكنا نعلم جميعا أن كل
الحريات المتاحة في العالم العربي لا تكفي كاتبا واحدا مستقلا. تلك هي
القضية.
حقوق الصحافة و الرقابة الذاتية(7)
وفقا للدستور الفيدرالي فإن الولايات في جمهورية ألمانيا الاتحادية
هي التي لديها من الناحية المبدئية القدرة على سن القوانين الخاصة
بالصحافة. وقد أصدرت جميع الولايات الستة عشر قوانين خاصة بالصحافة
تتفق جميعها في مبادئها الأساسية: ومن بينها الالتزام بذكر اسم الناشر
والطابع وحقوق النشر، الالتزام بالدقة وحق كتمان الشهادة الخاص
بالصحفيين والذي بمقتضاه لا يمكن إجبار الصحفيين على ذكر مصدر
معلوماتهم، وكذلك حق الرد على الادعاءات غير السليمة.
يعتبر مجلس الصحافة الألماني الذي تم تأسيسه في عام ١٩٥٦ هيئة
للرقابة الذاتية على الناشرين والصحافيين. ويتمثل واجبه في تحديد
الأوضاع الخاطئة داخل قطاع الصحافة والعمل على القضاء عليها. كما يبحث
في الشكاوى المتعلقة بما نشر في الصحافة وكذلك مخالفة الالتزام بالدقة
أو انتهاك الحقوق الشخصية. وبالرغم من أن آراءه غير ملزمة من الناحية
القانونية إلا أن العقوبات التي يمكنه فرضها ضد صحيفة معينة والتي قد
تصل إلى حد التوبيخ العلني لها أثر كبير يعمل له حساب. ويعد من مهام
مجلس الصحافة الألماني أيضا المحافظة على أخلاق مهنة الصحافة. ويتضمن
قانون الصحافة الخاص بمجلس الصحافة الألماني أهم المبادئ الأخلاقية
التي يجب أن تكون أساس كل عمل صحفي.
سؤال الرقابة وأثره على الحريات(8)
يمس سؤال الرقابة في الدولة الحديثة جوهر العلاقة ما بين المجتمع
والسلطة، حيث تأخذ هذه العلاقة في دولنا العربية طابعاً إكراهياً
وعنفياً، نظراً لغياب الشرط الديموقراطي، وغياب التعاقد الاجتماعي
ودولة المواطنة. وليست الرقابة بمختلف أشكالها مجرد فعل تقني، لأن
معناها يكشف عن طبيعة السلطة في البلد المعني، وبالتالي، فإن الحديث عن
الرقابة وأثرها على الحريات الفكرية والأكاديمية، يبقى ناقصاً إن لم
يعطف على ما هو خارج الحريات، أي أثرها على تلك الجوانب التي تمسّ
مختلف تفاصيل الحياة اليومية للأفراد والجماعات في البلد المعني.
لا ننكر، في تناولنا مسألة الرقابة، مبدأ الرقابة بوصفه إجراءاً
قانونياً، هدفه الحفاظ على المصلحة الوطنية، مصلحة الوطن وجملة
مواطنيه، بل نستنكر تمدّدها وتطاولها وعشوائيتها، أي نستنكر كل ما
يحولها إلى فعل غير وطني، فعل يجيّرها لصالح الحاكم وسلطته، ويلغي
إرادة الأفراد والجماعات، ويسلبهم حرياتهم، ويحولهم إلى مجرد أرقام في
قطيع أو رعايا.
إن السؤال الفعلي ليس الرقابة بحدّ ذاتها، بل طبيعة السلطة السياسية
التي تصدر عنها، ذلك أن مضمون السلطة يتحدد بالطريق الذي أفضى إلى
امتلاك السلطة، فإذا كان الطريق ديموقراطياً جاءت الرقابة متماشية مع
إرادة الناس ومصلحتهم الوطنية، أي وطنية، وهي غير ذلك في حال اغتصاب
السلطة، إذا كان طريق الوصول إلى السلطة انقلابياً وتعسفياً.
من ينظر في مشهد أقلمات الدول العربية، يرى حجم وعدد الأجهزة
الأمنية التي تنسجها النظم القمعية، فضلاً عن تسييرها لأعداد غير
محدودة من العسس والمخبرين لملاحقة الذين يحاولون تهديد نظامها
الشمولي. وهذا النظام لا حدود له، كون الاستبداد لا يعترف بحدود أو
تخوم معينة، ويقدم نفسه على أنه نظام أبدي، ليست له حدود زمانية أيضاً،
سعياً منه إلى امتلاك نظام فوقي، من خلال التحكم بالحياة الاجتماعية
والسياسية، بوصفه يمثل نموذجاً لسلطة ميتافيزيقية. إنه يدشن مجتمعاً من
الضبط والرقابة والإشراف. وباتت السلطة الشمولية تمارس، اليوم، عبر
آليات معينة، عمليات تنظيم العقول، باتجاه حالة من اللاجدوى والاغتراب
والاغتراب الذاتي عن الإحساس بالحياة.
إن مجتمع الرقابة هو القادر على تبني السياق السياسي للسلطة بوصفه
مرجعها الحصري. لكن الرقابة، تتشكل فوق أجسادنا وعقولنا، حيث تمفصل
السلطة الوجود في امتداداته الكونية، في بحر هائل، لا يحركه غير
الأهواء و الأمواج. وعليه يتم بناء الرقابة في النظام الشمولي بعيداً
عن القياس، حيث يعمل الحقل السلطوي بشكل قوي ومقوم لذاته، وشروط
الإمكان لديه، أو شروط الوجود تنقلب من ما هو افتراضي إلى ما هو واقعي.
فالسلطة موجودة في أي مكان، باعتبار أن أي مكان له دور في الربط بين
الافتراض والإمكان.
تشكل الرقابة، بشكل عام، أحد أهم العوائق أمام الحريات الفكرية
والبحثية، وأمام حرية التعبير بمعناها الواسع والحديث. وتمتلك الرقابة
ركنين أساسيين: مادي ومعنوي، ويتجسد تأثيرها بوصفها فعل تصرّف أو فعل
تعّد على حق طبيعي من حقوق الإنسان، تحدده وتؤطره سلطة ما، سياسية أو
اجتماعية أو دينية أو أخلاقية، وتمنحه لمن تراهم يمثلونها أو ينطقون
باسمها.
وتعتبر الرقابة الذاتية من "أخطر أنواع الرقابة"، كونها تغيّر
المنحى التدخلي لفعل الرقابة من شكله السلبي إلى "شكله الإيجابي" حيال
الحريات، كونها لا تصدر عن جهة أو مصدر خارجي، بل من ذات الكاتب أو
الباحث أو المفكر، وتمنعه ليس فقط من نشر ما يكتب، بل من الكتابة
والتفكير والتحليل، فهو يفكر بألا يهدر وقته في مواد مكتوبة قد لا ترى
طريقها إلى النشر أو قد يعاقب على كتابتها ويحارب في لقمة عيشه.
والرقابة الذاتية، بمعنى ما، هي عاقبة من عواقب الرقابة، ذلك أن
الكاتب أو الباحث يمارسها بسبب الخوف من العقاب والملاحقة والضغوط،
وليس بسبب أخلاقيات البحث والكتابة، وبالتالي فهي لا تعدو كونها مجرد
رقابة، بل قيداً منيعاً أو سجناً نسقياً. وتغدو هذه الرقابة خلال
الممارسة وكأن "المراقب ذاته" يمارسها بمطلق حريته، مع أنها ناتج أو
حاصل لنوعي الرقابة القبلية والبعدية، اللتين تخلقان جوّاً من الخوف
ومن العاقبة والعقاب، تنتج عنه أطر ومبادئ ذاتية يضع الكاتب نفسه ضمن
حدودها.
ويلجأ المفكرون والباحثون والكتاب إلى ممارسة الرقابة الذاتية،
بوصفها وسيلة للتكيف مع ما يريده النظام السياسي، وما يفرزه من خطوط
حمراء، وما تفرضه المنظومات الدينية والاجتماعية من محاذير ومحرمات
وقيم ومبادئ وأخلاق.
ويمكن القول بأن الرقابة وجدت بدرجات مختلفة ونسيبة منذ وجود
السلطة، سياسية كانت أم أدينية أم أخلاقية. وقد مارسها مختلف الحكام
على مرّ تاريخ السلطة المستبدة، ويشهد التاريخ البشري على محارق عديدة
للكتب والمكتبات، حيث أمر الإمبراطور الصيني "كين شي هيوانغ دي" بحرق
كل ما كُتب قبل بداية عهده، وأحرقت مكتبات الإسكندرية وبغداد وسواهما.
وفي عام 1633، حصلت الإدانة اللاهوتية الشهيرة لغاليليو، لأنه قال
بدوران الأرض حول الشمس. وأرعبت الإدانة الفيلسوف ديكارت، فامتنع عن
نشر كتبه، وراح يمارس الرقابة الذاتية الصارمة على نفسه إلى درجة أن
بعضهماتهمه بالضعف والجبن، وهو ذات الرجل الذي وصفه هيغل بأنه البطل
المقدام للفكر، أي أنه لم يكن جباناً، بل كان يرى بأن موازين القوى
ليست في صالح الفلسفة والعقل، لذلك اتبع سياسة التقية أو الرقابة
الذاتية، كسلاح فلسفي فعّال لمناوشة الكنيسة المسيحية ورجال الدين.
وقال كلمته الشهيرة: "الفيلسوف يتقدممقنّعاً على مسرح التاريخ".
وفي العالمين، العربي والإسلامي، عانى معظم المفكرين والفلاسفة
والباحثين والكتاب من قيود ومراقبة وملاحقة السلطتين السياسية
والدينية، نذكر في هذا المجال أسماء لامعة من أمثال ابن سينا وأبو بكر
الرازي وابن عربي وابن رشد وابن الراوندي وبشارد بن برد وأبو نواس وعبد
الرحمن الكواكبي ومصطفى عبد الرازق وسواهم كثير.
وقد كفرّت السلطات الحاكمة العديد من الفلاسفة والمفكرين، ودفع
بعضهم حياته ثمناً لأفكارهم وأطروحاتهم وآرائهم كبشار بن برد وابن
المقفع والسهروردي، وبعضهم الآخر نفي وشرد أو نجا بجلده وفكره. وكان
الخلفاء والسلاطين والأمراء يهددون الفلاسفة والشعراء عن طريق وشاية
الفقهاء بهم أو القضاة أو رجال الدين، فضلاً عن استخدام سلاح التشكيك
بعقيدتهم. ووصل الأمر ببعض الحكام والفقهاء إلى وضع حدود لحرية التفكير
والرأي، والويل كل الويل لمن يحاول تجاوزها.
بالمقابل، لا شك في أن التاريخ العربي الإسلامي عرف لحظات وفترات
هامة لحرية التفكير، وخصوصاً إبّان العصر الذهبي من عمر الحضارة
العربية الإسلامية. لكن مصادرة حرية التفكير، عبر الانغلاق شبه الكامل
حصل في الفترات اللاحقة واستمر إلى يومنا هذا.
وشهد هذا الانغلاق محطات عديدة، منها، لحظة السلجوقيين، في نهاية
القرن الحادي عشر الميلادي، حيث ظهر المنظِّر الكبير لعهدهم: أبو حامد
الغزالي، الذي طبع مرحلة بأكملها، وأصدر كتباً عديدة، مازالت تلاقي صدى
واسعاً في عالمنا المعاصر. وتوالت لحظات الانغلاق، إلى عصرنا الحديث،
حيث أعادت حركات سلفية وأصولية أسلوب التكفير إلى ذاك الذي دشنه
الأزارقة الخوارج لأول مرة في تاريخ الإسلام بعد التحكيم بين علي
ومعاوية. غير أن اللحظة الأصعب، التي مازالت جاثمة على صدورنا، حدثت مع
قيام الأنظمة الديكتاتورية أو المستبدة، بعد مرحلة الاستقلال، وجلبت
معها في معظم البلدان العربية العسكر إلى سدة الحكم، ومازلنا نعاني من
سطوتها حتى يومنا هذا.
.................................................................................
المصادر/
1- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
2- جامعة العلوم والتكنولوجيا اليمنية
3- روبن لستج مقدم برامج / موقع بي بي سي
4- د. رقية المحارب/ لها اونلاين
5- حسن ناظم / جريدة الصباح الجديد العراقية
6- نصر حامد أبو زيد / أخبار الأدب
7- وزارة الخارجية الالمانية
8- عمر كوش / شبكة الاوان الثقافية |