قراءة في كتاب: أدعية القرآن.. بين كتابين

الكتاب: أدعية القرآن.. ظروفها الموضوعية وآثارها الوضعية

المؤلف: السيد هادي المدرسي

الناشر: دار العلوم - بيروت

ط1، 1427هـ

عدد الصفحات: 240صفحة- قطع كبير

 

 

--------------------------------------

 

 

الكتاب: تأملات في آيات الدعاء في القرآن الكريم

المؤلف: حسين عبدالله دهنيم

الناشر: مؤسسة التاريخ العربي - بيروت

ط1، 1427هـ

عدد الصفحات: 378صفحة- قطع كبير

عرض: بشير البحراني- كاتب ومؤلف من السعودية

 

 

 

 

شبكة النبأ: كتابان -بين يدي- صدرت الطبعة الأولى منهما في فترة واحدة (1427هـ/2006م)، ويتناولان موضوعاً واحداً وهو (أدعية القرآن الكريم)، الأول بعنوان: (أدعية القرآن.. ظروفها الموضوعية وآثارها الوضعية) لمؤلفه آية الله السيد هادي المدرسي من العراق، وقد صدر الكتاب في بيروت عن دار العلوم، أما الكتاب الثاني فهو بعنوان: (تأملات في آيات الدعاء في القرآن الكريم) لمؤلفه الأستاذ حسين عبدالله دهنيم من المملكة العربية السعودية، وقد صدر كتابه في بيروت أيضاً عن مؤسسة التاريخ العربي.

 وسنطل عبر هذه السطور بشكل سريع على منهجية وأفكار الكتابين، دون الإطناب الذي يخرج مقالتنا عن دورها الاستعراضي لصفحات الكتابين..

 وإن اختلف عنوانا الكتابين، فإن ذلك لا يعني اختلاف المضمون بينهما، فلا يعدو أن يكون كتاب المدرسي -في حقيقته- تأملات في آيات الدعاء، كما لا يعدو أن يكون كتاب دهنيم يشرح الأدعية التي تضمنتها تلك الآيات القرآنية، معالجاً الظروف الموضوعية والآثار الوضعية لها.

مخ العبادة ومعراج المؤمن

خلا كتاب المدرسي من مقدمة بقلمه، ولكن الناشر تكفل في بدء الكتاب بالإشارة إلى أن الدعاء هو مخ العبادة وجوهرها، وكأنه يسوق للقارئ رواية الرسول الأكرم (ص) التي يقول فيها: "الدعاء مخ العبادة ولا يهلك مع الدعاء أحد"[1]، ويعلَّق الناشر بأنه لا يسمو الدعاء إلى هذه الحقيقة التي وصفها بالكبرى، ما لم تكن كلماته وحياً أو من وحي الوحي، والتزام الأدعية المتواترة عن طريق النبي (ص) وأهل بيته المعصومين (ع) يرتقي بالعبادة إلى جوهرها وسمو روحها، فكيف إذا كان الدعاء من وحي القرآن الكريم.

ويرى دهنيم بأن أدعية القرآن الكريم تمثل إحدى معارف القرآن وقيمه الرسالية، وإنما يقدم كتابه في محاولة لأخذ الدروس منها في حياتنا اليومية والعملية، ولنجعلها زاداً لنا في دعائنا في مخاطبة رب العزة والجلال في صلاتنا وسائر عبادتنا، بل في كل موقف يمر علينا في حياتنا ومعيشتنا، ولا سيما أن هذه الأدعية الكريمة من تعليم الرب سبحانه لعباده، ولما تحوي من معارف إلهية كبرى ومضامين عالية.

 ويتحدث الشيخ فيصل العوامي -عضو الهيئة الاستشارية لمؤسسة القرآن نور بالقطيف- في تقديمه لكتاب دهنيم عن التخاطب بين العبد وربه، فيقول [ص9-10]: "لا مقايسة بين اللامتناهي والمتناهي، كما لا مقايسة بين الخالق المبدِع والمخلوق؛ لا في القدرة ولا في القوة ولا في التأثير، بل ولا في كل شيء.

إذاً كيف تتم العلاقة بينهما؟ أي كيف يتخاطبان؟

 الخالق اللامتناهي جلّت قدرته يُفهِم عباده إرادتَه بما هيأ لهم من قدرة عقلية، أو بخطابات نقلية. أما المخلوق فلا يسعه إلا الطلب والدعاء، لاحتياجه في كل شيء إلى خالقه.

 لكن، كيف يدعو ليستجيب له الخالق؟

 هذا ما علمه الخالق عز وجل عباده في خطاباته القرآنية، لا على النحو النظري فقط، كما في قوله سبحانه: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وإنما على النحو العملي أيضاً، وذلك من خلال ما ذكره في كتابه المجيد من أدعية أنبيائه الكرام (ع).

 فكي نتعلم كيف ندعو، علينا أن نتعلم كيف دعا الأنبياء (ع)".

إذاً، الله سبحانه وتعالى لا يكتفي بالدعوة النظرية إلى الدعاء والحث عليه كلامياً، وإنما يقدم لعباده دعوة عملية إلى الدعاء وحث تطبيقي من خلال نماذج حقيقية في الواقع البشري عبر لطائف مناجاة الأنبياء (ع) وغيرهم مما تضمنته آيات الدعاء في القرآن الكريم، وبالطبع ما تضمنته أيضاً السنة النبوية والروايات الشريفة عن أهل البيت (ع) من أدعية ومناجات.

 ويضم كتاب دهنيم مدخلاً عن أهمية الدعاء، بيَّن فيه مدى حاجة الإنسان للدعاء، باعتباره الصلة بين العبد وربه، والتي بدونها يبقى تائهاً حائراً أمام صعوبات الحياة ومشكلاتها، وهو وسيلة التوفيق الإلهي التي لها الأثر البالغ في بث الطمأنينة في نفس الإنسان.

ويشير دهنيم إلى حقيقة جميلة [ص16-17]، وهي أن "الدعاء لم يُشرع لمواقف الشدة والضنك فحسب، بل هو يتجلى في كل موقف يمر على الإنسان سواء في أوقات الرخاء أو في أوقات الشدة، ويظهر من بعض الروايات أن الذي يكثر من دعائه يكون قريباً من الله وتكون منزلته عند الله رفع من غيره.

 ففي الحديث عن رسول الله (ص) قال: يدخل الجنة رجلان كانا يعملان عملاً واحداً فيرى أحدهما صاحبه فوقه، فيقول: يا ربِ، بما أعطيته وكان عملنا واحداً؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني. ثم قال: سلوا الله وأجزلوا فإنه لا يتعاظمه شيء".

 وفي تلك الحقيقة الجميلة هذه اللفتة الموفقة، حيث يظن بعضهم أن الدعاء ليس مطلوباً إلا في أوقات الحاجة والشدة، بينما الله سبحانه وتعالى يحب في عبده كثرة الذكر والمناجاة، ولا يعبأ جل جلاله بالعبد ما لم يكن متمسكاً بالدعاء، فهو القائل في سورة الفرقان: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77].

ولذلك فإنه يستحب التقدم بالدعاء في الرخاء قبل نزول البلاء، ويكره تأخيره، فعن الإمام جعفر الصادق (ع) قال: "من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل البلاء، وقيل: صوت معروف، ولم يحجب عن السماء، ومن لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: إن ذا الصوت لا نعرفه"[2].

 وعن الإمام علي بن الحسين السجاد (ع): "لم أرَ مثل التقدم في الدعاء، فإن العبد ليس تحضره الإجابة في كل ساعة"[3].

والمطلوب دائماً الإلحاح في الدعاء، وكثرة الذكر بمناسبة أو غير مناسبة، وعدم الملل والضيق والضجر من الدعاء.

 عن النبي المصطفى محمد (ع): "إن الله عز وجل يحب السائل اللحوح"[4].

وعن الإمام جعفر الصادق (ع) في رسالة طويلة قال: "أكثر من أن تدعوا الله، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم في الخير"[5].

وعن الإمام محمد الباقر (ع): "ولا تمل من الدعاء، فإنه من الله بمكان"[6].

لماذا الحث على الدعاء؟

 يطرح حسين دهنيم في كتابه هذا التساؤل: لماذا كل هذا الحث على الدعاء والتركيز عليه؟

 وفي الإجابة على تساؤله يقول بأن في الدعاء خصوصيات كثيرة تدعو الإنسان إلى التكامل في شخصيته وتدرأ عنه المساوئ والأخطار وكيد الشيطان، ويلخصها في عدة نقاط، نذكرها بإيجاز:

       1- الدعاء مخ العبادة.

       2- الدعاء من أحب الأعمال.

       3- ترك الدعاء معصية وتكبر.

       4- الدعاء باب من أبواب رحمة الله.

       5- الدعاء شفاء من كل داء.

       6- الدعاء يدفع البلاء.

       7- الدعاء سبب للفلاح والنجاح.

       8- الدعاء يبعد مس الشيطان.

       9- في الدعاء الثواب العظيم.

       10- قلة العناية الإلهية بالإنسان غير الداعي.

       وإذا كانت بعض الآيات والروايات قد أوحت للمؤلف دهنيم بهذه الخصائص العشر للدعاء، فإننا لو نقبنا بشكل أوسع في النصوص الواردة في باب الدعاء لوقفنا على خصائص أكثر مما هو مذكور.

المنهجية في الكتابين

اعتمد دهنيم في ترتيب الأدعية القرآنية على حسب ورودها بناءً على تسلسل السور القرآنية في المصحف الشريف، ابتداءً بآيات الدعاء الواردة في سورة الفاتحة وانتهاء بتلك الواردة في سورة نوح. وهو ترتيب يشبه ترتيب المفسرين المعتاد في كتب التفسير، حيث يفسرون السور والآيات حسب تسلسلها الترتيبي في المصحف.

أما السيد المدرسي، فاعتمد طريقة أخرى في ترتيب الأدعية القرآنية في كتابه، حيث ابتدأ بآيات الدعاء الواردة في سورة الفاتحة، ثم رتب الأدعية ترتيباً زمنياً، بناءً على الفترة الزمنية التي عاش فيها من ورد على لسانه الدعاء في القرآن الكريم من الأقدم إلى الأحدث، مبتدأً بدعاء آدم وحواء، ثم أدعية نوح، ثم صالح، ثم إبراهيم، ثم لوط، ثم يوسف، ثم أيوب، ثم شعيب، ثم موسى، ثم سحرة فرعون، ثم امرأة فرعون، ثم جنود طالوت، ثم سليمان، ثم زكريا، ثم عيسى، ثم الحواريين، ثم أصحاب الكهف، ثم يونس، ثم المقاتلين مع الأنبياء، ثم النبي محمد، ثم النصارى لما سمعوا ما أنزل إلى النبي محمد وعرفوا الحق، ثم الراسخين في العلم، وتلاهم بأدعية منوعة على لسان عباد الرحمن، أو المتقين، أو الحجاج، أو المؤمنين، أو الذاكرين، أو عباد الله، أو الولد لوالديه، أو الشاكرين، أو المستضعفين، أو أصحاب الجنة، أو حملة العرش.

 ولا أعلم على أي أساس اعتمد كل منهما طريقته في ترتيب أدعية القرآن، وعلى كل، فيبدو أن الاستذواق وميل النفس إلى طريقة معينة هو وراء ذلك، ويظل لكل طريقة فائدتها، وإن كان هناك طرق أخرى للترتيب قد تكون ذات جدوى أيضاً لو استخدمت، كلو صنفت -مثلاً- على أساس موضوعها: أدعية طلب الرزق، أدعية طلب المغفرة، أدعية طلب الولد، ...إلخ.

 كما لا علم لنا بمدى شمولية الكتابين للأدعية والمناجات الواردة في القرآن الكريم، إذ لم يشر أي من المؤلفين إلى أنه تتبع جميع آيات الدعاء أو جزءاً منها، ففي الوقت الذي يتعرض المدرسي إلى (66) دعاءً قرآنياً، فإن دهنيم يتعرض إلى (58) دعاءً قرآنياً فحسب.

 ويختلف المدرسي عن دهنيم في تحديد بدء الدعاء وانتهائه، فمثلاً في سورة الفاتحة يحدد دهنيم الدعاء في الآيتين السادسة والسابعة: {اهدِنَا لصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7]، بينما تجد المدرسي قد حدد الدعاء بالسورة كاملةً، وأسماه (دعاء سورة الحمد)، حيث أن الآيات الأولى [1-5] والتي تضم البسملة والحمد لله ووصفه سبحانه ببعض الأسماء والصفات، هي مقدمة للدعاء، ولعل ذلك هو ما اعتدناه دائماً في الأدعية حيث ينبغي أن تبدأ بالبسملة والحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى والصلاة على النبي محمد (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (ع).

وبينما يركز السيد المدرسي على الدرس المستفاد من الدعاء أو المعاني المقصودة من الدعاء، فإنه -في الغالب- يوجز ذلك التركيز في عبارة قصيرة، وقد يكتفي برواية أو حديث شريف كما نجد ذلك في شرحه لدعاء سورة الحمد. وعلى كلٍ فللنص الروائي حضور جيد في الكتابين.

 ويعمد السيد المدرسي إلى شرح الظروف التي قيل فيها الدعاء، خصوصاً فيما يتعلق بالتسلسل التاريخي لبعض قصص الأنبياء والمرسلين (ع)، والتي ينبغي الاطلاع عليها لمعرفة المواقف والأحداث التي رافقت الدعاء، لما في ذلك من أهمية للوقوف على كل ما يحيط بالدعاء من معانٍ ودروس.

خذ على سبيل المثال: دعاء نبي الله زكريا (ع) وطلبه الذرية الطيبة، حيث يشير المدرسي في كتابه إلى الموقف الذي ولد فيه الدعاء، فيقول [ص134]: "زكريا وجد عند مريم رزقاً في غير موسمه، ومن غير الطرق العادية، فعرف أن الدعاء إلى الله، زائداً العمل الخالص لله، يوصل المرء إلى تحقيق طموحاته، وغاياته بالطرق غير الطبيعية. لذلك توجه إلى الله، بهدف تحقيق أمنية قديمة عنده. {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} [آل عمران:38]. وبالطبع كان زكريا كأي نبي آخر، يعلم أن الله يجيب  الدعاء، ولكن وجد مناسبة صالحة للدعاء ونبَّه عليها القرآن بكلمة (هنالك) لكي يجازي كل من يعمل صالحاً بصلاحه. فلم تكن مريم الوحيدة التي أجيبت فيها دعوة والدتها، بل زكريا هو الآخر استفاد من ذلك، ودعا ربه فاستجاب له ربه في ذريته، {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران:39]".

وستجد في كتاب دهنيم ذات الإشارة إلى الظرف الذي فيه قيل الدعاء، حيث يقول [ص97]: "هذا الدعاء على لسان نبي الله زكريا (ع) وفيه يطلب هذا النبي العظيم من الله أن يرزقه الذرية الصالحة بعد أن كبر عمره وأصبح شيخاً كبيراً وكانت زوجته عاقراً، وذلك لما رأى من مريم المشاهد والخصائص العجيبة حيث يأتيها رزقها من عند الله في محراب صلاتها، هنا من هذا المشهد طمع زكريا أن يرزقه ولداً صالحاً".

.. وكل ذلك يؤكد ما قلنا مسبقاً عند الحديث عن عنواني الكتابين، من أن كلا الكتابين يتعرض للظروف الموضوعية للدعاء القرآني.

 وعلى العموم، فالكتابان مليآن بالدروس التربوية والعقائدية والاجتماعية والتاريخية، صاغها كل كاتب بأسلوبه، مستفيداً من مجموعة من النقولات والمصادر التفسيرية والروائية، ويكادان يقتربان جداً من حيث المشاركة في المضمون، على أنك تجد التفصيل في أسلوب دهنيم، والإيجاز الممتع السريع في أسلوب المدرسي.

(*) المقال عن مجلة القرآن نور، العدد السابع.


[1] - قطب الدين الراوندي. سلوة الحزين (الدعوات)، ط1، (قم: مدرسة الإمام المهدي، 1407هـ)، ص18.

[2] - محمد بن الحسن الحر العاملي. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ط2، (قم: مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، 1414هـ)، ج7، ص40.

[3] - المصدر السابق، ج7، ص43.

[4] - المصدر السابق، ج7، ص60.

[5] - المصدر السابق، ج7، ص26.

[6] - المصدر السابق، ج7، ص27.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 12 آذار/2008 - 4/ربيع الاول/1429