امية الشهادات في المجتمع العراقي

محمد حميد الصواف

ابان سقوط النظام العراقي السابق وتحديدا بداية عملي في مجال الاعلام صادفتني مفارقة لا تنفك في القفز الى واجهة ذاكرتي بين الفينة والاخرى، في احد الايام توجهت بالسؤال لاحد اساتذة الجامعات ان يرفد موقعنا بمقال يوضح فيه للقراء رأيه في مشروعية نشاط احدى الحركات السياسية التي برزت تلك الفترة على المشهد العراقي.

وانقضت اسابيع ثلاث بين الحاح مني ومماطلة من حضرة الاستاذ قبل ان يسلمني تلك المقال العصماء التي سرني جدا حصولي عليها منه كونه يحسب له الى جانب  تخصصه وشهادته المرموقة امتلاك رؤيه ثاقبة في الرصد والتحليل السياسي لا تمر شاردة او واردة دون تمحيص وتدقيق منه.....

عند قراءتي تلك المقال صدمت بحقيقة واقع ذلك الاستاذ وتكسرت امالي كما تتكسر امواج البحر على صخور الشاطىء، وحزنت بشدة لما ألت اليه تلك المقالة المنشودة التي كانت متقطة الاوصال والاوشاج لا ربط بين سطورها لا تميز لها وجها او قفا اشبه بالجنين الساقط من رحم والدته، غير واضح الشكل والمعالم.

على كل حل وسط شعوري بالاحراج و الالم من وعلى ذلك الاستاذ  اضطررت الى تحرير المقالة وتحويلها الى مادة تصلح نوع ما للنشر.

الحقيقة المرة التي يجب ان نقرها ونعمل جميعا دون مجاملة على مواجهتها واعادة تقويمها ازمة القيم والمبادئ التي استلبتها ثقافة الخنوع للنظم الديكتاتورية المتعاقبة من نفوس الكثيرين.

وبالخصوص ما افرزه الحصار الاقتصادي لآفة اسمها الفساد الاداري والمالي تحديدا في جهاز التربية والتعليم، فالشهادات والمراكز المرموقة كانت تمنح في الغالب الى ثلاث شرائح لا رابع لها، من كان محسوب على زبانية النظام واعوانه، والمقتدرين ماديا، والخانعين الذي استمروا في دراستهم درءا للخدمة العسكرية، لا يكترثون نوع وطبيعة شهاداتهم، الا قلة نادرة غيبتهم الاقدار او همشتهم الاحذارالذين ارتضوا لانفسهم الانزواء بعيدا منتظرين الغيب ان يمد لهم مايأملون.

فهل يصدق ان اغلب خريجي جامعاتنا العراقية يعانون من ضعف مخجل في صياغة واملاء الجمل والكلمات العربية الى جانب رداءة خط الاحرف، وهي لغتهم الام، طبعا لا اتجرأ الى ذكر اللغة الانكليزية ومستوى اتقانها المنحدر لدى بعض الاكاديميين، علما ان تدريس اللغة الانكليزية مقررة في المنهاج الدراسي من المرحلة الابتدائية.

   والاشد خطرا في جملة ما نستعرض من واقعنا المرير ان بعض حملة الشهادات العراقية يخفون بين جنباتهم فراغ ثقافي ومعرفي خطير يشكل بون شاسع بين واقعهم المتخلف ومستوى الشهادة الاكاديمية التي يحملونها.

كل هذا و الجميع يتسائل عن سبب مضي خمس سنوات والعراق يحبو لا يستطيع النهوض بواقعة الاقتصادي والسياسي، ويغمضون اعينهم عن ظاهرة تفشي الفساد الاداري والمالي وزيف اغلب الكفاءات وجهل معظم اصحاب القرار والسياسة في العراق لشؤون ادارة الدولة.

الازمة العراقية ازمة مجتمع كامل تشمل مختلف مناحي الحياة، السياسية والعلمية والثقافية والاجتماعية، وما اشبه واقعنا اليوم بواقع العراق عند تاسيسة في مطلع العشرينيات عندما كانت نسبة الجهل والامية  تصل الى 90% ، ولكن دون هذا المدى من الكراهية والتجرد الصلف من المسؤولية الوطنية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11 آذار/2008 - 3/ربيع الاول/1429