شبكة النبأ: ان لكل جماعة من الناس
عادات وتقاليد تميزهم عن غيرهم حتى باتت التقاليد الموروثة تُعرف
باصحابها الذين يمارسونها، كأن تكون اهزوجة (يا حوته يا منحوته هدّي
كمرنا العالي) التي كان ينطلق بها الناس عند خسوف القمر، او العطسة
الواحدة المعروفة بالصبر، والعطستان اللتان تشيران الى العجلة، اي
تعجيل الامر المراد عمله.
ونحن لسنا بصدد ذكر العادات والتقاليد بصورة عامة لأن هذا يحتاج إلى
مساحة ووقت لا يسعنا ذكره حاليا، ولكننا بخصوصية شهر صفر والعادات التي
يمارسها العراقيون بهذا الشهر، مثل الإكثار من الصلوات ودفع الصدقات
وذكر الأدعية، كأعمال لا بد منها لدفع كل مكروه محتمل حدوثه.
وان هذا الشهر قد خص بالـ(نحس) وقد عرف عند العرب حيث يذكرون نقلا
عن أجدادهم، انك لو كسرتَ اي شيء من أثاث المنزل قد لا تلاقي اي اعتراض
من الأهل على العكس من باقي الأيام، بل تتعالى الأصوات بالقول(طار الشر).
وان سُكبَ الماء على السجادة تسمع (صلوات.. خير.. خير )، وكل
ماتكسر أكثر يكون الشر طار والخير اوفر.
(شبكة النبأ المعلوماتية) ومن باب الاطلاع على الموروث الشعبي
والعادات والتقاليد المجتمعية لشهر صفر الخير، تابعت هذا الموضوع من
خلال لقاءها مع العديد من الناس الممثلين لشرائح مختلفة من المجتمع:
اول من التقينا به الحاجّة خديجة وهي امرأة طاعنة في السن تحدثنا عن
أيام زمان وما كان الناس يفعلونه في شهر صفر، تقول: انه من الاشهر
النحسة ومن اليوم الاول الى آخره ندفع الصدقة حتى ندفع البلاء، وفي
اليوم السادس نستعد لطبخ (الزرده) تزامنا مع مناسبة وفاة الإمام الثاني
الحسن المجتبى (ع) الموافق يوم سبعة من صفر، وبعدها نستعد إلى الزيارة
الأربعينية (دخول السبايا إلى ارض العراق) ومجيء الأنصار في يوم عشرين،
حيث تستعد مدينة كربلاء بأكملها لاستقبال الأنصار والزوار.
وبعد الانتهاء من زيارة الأربعين يذهب الكثيرون من الناس مشياً على
الأقدام لزيارة النجف الاشرف حيث يصادف ذكرى وفاة الرسول الأكرم محمد
(ص) في يوم 28.
ان كل هذه الأعمال مشتركة في شهر صفر، أما من الإعمال الخاصة التي
ينفرد بها الشهر هو اخر اربعاء منه، وتحدثنا عنه السيدة أم حسن وهي أم
لستة أولاد وتنقل كلامها عما كان يفعله الأمهات قديما، تقول، في هذا
اليوم على المرأة ان تنظف منزلها من الأعلى إلى الأسفل ومن الشبابيك
حتى عتبة الدار مرورا بالارضية والأبواب والفراش وكل شيء ، بالإضافة
إلى تقصير أو قص شعرها وتغير شراشف المنزل. ومن هذا العمل الذي يقومون
به معتقدين ان نحاسة الشهر قد تخرج إلى خارج المنزل والجسم.
ومن ضمن المراسيم المتبعة بهذه الليلة هي زيارة سيدنا الجليل الحر
بن يزيد الرياحي (ع)، يحدثنا عنها كاتب القصة والشاعر ميثم العتابي
قائلا لـ شبكة النبأ، ان لهذه الزيارة اثر في واقع أهالي مدينة كربلاء
بحيث تلاحظ كثرة الوافدين الى المرقد وهم يحملون وجبة الغداء وهي
بالذات اكلة الدولمة، الأكلة العراقية المعروفة.
والسبب في زيارة هذا المرقد الشريف هو التقرب الى الله من خلال
اولياءه الصالحين وطلب قضاء الحوائج بشفاعتهم وجاههم عنده، كأن تطلب
السيدة أولاد أو الفتاة زوجا لها، واخر يطلب النجاح وذاك يطلب زيادة في
الرزق وغيرها من الأمور.
والإسلام لابد له من كلمة حول هذه العادات والتقاليد التي يمارسها
ثلة من الناس، ويوضحها لشبكة النبأ المعلوماتية، الشيخ حمزة السلامي
ابو العرب قائلا: ان شهر صفر هو ليس من الاشهر التي خُصت بالنحوسية ولا
يوجد اي نص او حديث نبوي يثبت صحة هذا القول، ولكن جاءت هذه النحوسية
لربما من بعض المجتمعات او الأشخاص الذين قد تعرضوا إلى عوارض متكررة
اصابتهم في هذا الشهر ونقلوها الى عامة الناس وبذلك اصبح هذا شائعا.
وبطبيعة الحال ان الاسلام لا يتعارض مع هذه العادات اذا لم تُنسب
اليه ولاتتعارض مع مبادئه من حيث الحلال والحرام، لكن تتعارض إذا كانت
مسيئة إلى الاسلام والمجتمع بصورة عامة.
وكان لهذا الرأي تشابه كبير مع توجه الطالبة والموظفة في نفس الوقت
رشا جليل، التي تصف هذه العادات بالدخيلة على المجتمع الاسلامي وليس
لها اي صلة بالاسلام.
وتضيف، ان زيارة الائمة الطاهرين هي واجبة علينا نحن كشيعة ومحبين
اهل البيت فلماذا نخصصها في يوم أو شهر واحد؟ بل جميع الايام هي ايام
الله (عزوجل) ونذهب متى نشاء لزيارتهم (سلام الله عليهم) ، ونحن في
الالفية الثالثة وعصر السرعة ولايصح ان نبقى على هذا المنوال في
عاداتنا القديمة ولكن يجب ان نشذب من هذه العادات ونطرح منها ما هو سيئ
ونقوي العادات الايجابية التي تدفع بالمجتمع للألفة والتعاون.
وقد تعارض مع رأي رشا رأي الطالب زكي كريم الذي رُزق بالطفل الاول
في شهر صفر، ويتوقع زكي ان تكون مولودته نحسة كشهر صفر النحس، وان من
عادات زكي في هذا الشهر قراءة الدعاء (يا من يحل عقد المكاره) واليوم
الذي لا يقرأه يحس بضيق في صدره، وكذلك دفع الصدقة في كل يوم حتى لا
يصاب بمكروه، وهو يشجع على بقاء هذه العادات بحسب رايه لأنها توثق ما
بين المجتمع وأفراده.
اما من الناحية الاجتماعية فتحدث لنا دكتور فاضل عبيد حسون أستاذ في
جامعة كربلاء قائلا لـ شبكة النبأ، ان اصل هذه العادات والتقاليد هي
موروث اجتماعي يعود الى ما قبل الاسلام، ويذكر انه انتقل من جيل الى
جيل حتى وصل الينا، ولا يوجد اي ضير من هذه العادات ان لم تكن متعارضة
مع ديننا الحنيف.
ويضيف، ان العرب قد خصوا هذا الشهر بالنحوسية وذلك لشهوده كثير من
الاحداث الجِسام والمعارك العديدة، وقد كان العرب يتناحسون من الحروب
ولربما جاءت صفة النحاسة هذه من الوقائع تلك.
اما زيارة المراقد المقدسة فتكون فلسفتها هي ان الناس تذهب للتقرب
الى الله من خلال الائمة الطاهرين وطلب قضاء الحوائج بشفاعتهم وجاههم،
وأن لكل امام له كرامة خاصة عند الله (عزوجل) وبهذه البركة والوجاهه
يتم تشفع الامام لقضايا الناس.
لكل من هذه الامور وغيرها اصبحت لدينا عادات وممارسات درجنا عليها
بشكل أو بآخر، فمن منا لا يدفع صدقة في شهر صفر؟ أو لا يكثر من قراءة
الأدعية والصلوات فيه.
ولربما نُعِتَ هذا الشهر بالنحوسية لانه شهد حرب صفين ووفاة الامام
الثاني سيد شباب أهل الجنة الحسن المجتبى ودخول السبايا من اهل بيت
النبوة الى كربلاء، ووفاة سيد الكائنات وخاتم النبيين محمد (ص)، ووفاة
الامام الرضا(ع) في آخر يوم من الشهر.
وإن كان هذا الشهر نحسا الى درجة كبيرة على الدكتاتور صدام وعائلته
والذي صادف سقوطه يوم 8 صفر، ولكن كان بادرة خير وباب رحمة لنا
كعراقيين. |