بسبب مخلفات اليورانيوم المنضب: جنوب العراق بؤرة للتلوث الإشعاعي وأمراض السرطان

 

شبكة النبأ: ليس صدفة او اكتشاف، ان تكون ارض البصرة بؤرة لأمراض السرطان الناتجة عن التلوث الاشعاعي الذي سببته الحروب المتلاحقة على هذه البوابة الجنوبية للعراق، حيث ان التقارير المتواترة اثبتت مرارا ان نِسب التلوث التي احدثتها المئات من قذائف اليورانيوم المنضب المستخدمة خصوصا في حرب الخليج الثانية عالية جدا ولا تزال حتى اللحظة تلقي بسمومها على البيئة والانسان في البصرة وجنوب العراق عموما.

وأتفق اختصاصيون في ندوة موسعة حول مرض السرطان في المنطقة الجنوبية أقامتها مديرية صحة البصرة، بمناسبة اليوم العالمي للسرطان، إلى أن التلوث الإشعاعي الذي تعرضت له المنطقة الجنوبية جراء الحروب الاخيرة هو العامل الأهم في ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان في المنطقة الجنوبية والبصرة على وجه الخصوص.

وقال مدير شعبة التوعية الصحية في دائرة صحة البصرة إن "دائرة صحة البصرة أقامت ندوة موسعة حول مرض السرطان في المناطق الجنوبية من العراق بمناسبة اليوم العالمي للسرطان وبسبب كثرة الإصايات بهذا المرض فيها". 

وأوضح الدكتور قصي عبد اللطيف أن "الندوة حضرها الكثير من الأطباء و الأختصاصين ومنظمات المجتمع والاعلاميين، وتضمنت العديد من المحاضرات والبحوث من قبل المختصين في هذا المجال منهم الدكتور جواد العلي  والدكتور عمران سكر والباحث في الثلوث البيئي خاجاك وارتانيان والدكتور اسعد عبد الأمير". 

واليوم العالمي للسرطان تظاهرة سنوية ينظمها الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان وتدعم منظمة الصحة العالمية هذه المبادرة التي تهدف إلى جلب انتباه الناس على نطاق واسع إلى السرطان بوصفه أحد أكبر المشكلات الصحية في العالم. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أنّ هذا المرض أودى بحياة 6،7 ملايين نسمة في عام 2005، وأنّه سيودي بحياة 84 مليون نسمة أخرى في الحقبة الممتدة بين عامي 2005 و2015 إذا لم تُتخذ أيّة إجراءات للحيلولة دون ذلك. وترى المنظمة أنّه يمكن الوقاية من 40% من مجموع حالات السرطان.

من جانبه قال الدكتور جواد العلي استشاري الأمراض الباطنية والأورام في البصرة "هناك أسباب عديدة تساهم في تنامي هذا المرض الخطيرفي المنطقة الجنوبية والبصرة تحديدا ولايمكن أن نلقي باللوم على أحد، ولكن المشكلة الأساس في ارتفاع الإصابة بهذا المرض هي الثلوث بأنواعه".

 وأضاف أن "الانطباع المدعوم ببعض الدلائل في العراق وفي المنطقة الجنوبية ومحافظة البصرة هو أن الإصابة بهذا الأمراض أخذة بالازدياد".لافتا إلى أنه سيتم إجراء مسح شامل للبصرة خلال أسبوعين من اجل حصرو إحصاء عدد الإصابات الموجودة فيها.

وتابع العلي "لوحظ زيادة ملحوظة في الإصابات في العراق بعد العام 1994 ولحد الان وهو شيء طبيعي بسبب  الحرب على العراق عام 1991 لأن فترة حضانة المرض هي من 3 الى 4 سنوات والزيادة مستمرة.

 ورأى أن "هناك ارتفاع غير طبيعي بالأمراض السرطانية في البصرة، فضلا عن ظهورأنواع سرطانية غير معروفة سابقا إضافة التشوهات الولادية والخلقية وغيرها".

من جهته قال الدكتورعمران سكر أستاذ الوبائيات والرعاية الصحية في كلية الطب بجامعة البصرة لـ(أصوات العراق) "لرصد هذا المرض وارتفاع نسبة الإصابة به، شكل قبل ثلاث سنوات فريق مكون من اختصاصيين من كلية الطب ودائرة صحة البصرة  واختصاصيين في التلوث الإشعاعي "

 وأوضح أن "نسبة الإصابات المسجلة في البصرة  هي 70 إصابة لكل 100 ألف مواطن في السنة ونحن نعتقد ان هذا الرقم اقل من الرقم الحقيقي بدرجة ولكنها ليست درجة كبيرة".

وأضاف أن "نسبة الإصابة الحالية اكبر من النسب السابقة قبل عشر سنوات بمعيارالإصابات و الوفيات، إذ كانت النسبة 40 إصابة لكل 100 ألف إصابة، فيما بلغ عدد الإصابات في عام 1995، 800 إصابة ولكن في عام 2005 كانت الإصابات أكثر من 1600 إصابة ".

وخمن أن "نسبة الزيادة تتراوح بين 50% إلى  100% ضمنها سرطان الدم وسرطان الثدي وسرطان الغدد اللمفاوية ".

 وأستدرك "لكن لايستطيع احد الجزم في أسباب تلك الزيادات بالمؤشرات الميدانية، و يمكن ان يكون للتلوث البيئي بمفهومة الشامل الإشعاعي والكيمياوي والمادي وسلوك الإنسان كالتدخين والغذاء وغيره هي من أسباب تلك الزيادات".   

ورأى خاجاك وارتانيان الباحث في مجال التلوث البيئي أن"التلوث الإشعاعي عامل مهم في زيادة الإصابات بالأمراض السرطانية، وأن المشكلة بدأت عام 1991باستخدام قوات التحالف

ذخائر مصنعة من اليورانيوم المنضب في قصف المواقع والآليات العسكرية العراقية".

مشددا أن "اليورانيوم يعد من المواد الخطرة جدا على حياة الإنسان، وأن نصف فترة إشعاعاتها  تستمر إلى مابين أربعة إلى خمسة بلايين سنة، ولها قابلية الانحلال والتفاعل مع المواد الأخرى وتضر بالإنسان من خلال ملامسة الأجزاء الملوثة بها أو استنشاق الغازات الصادرة عنها".

وكشف وارتانيان "لم يقتصر تأثير المواقع الملوثة بإشعاعات اليورانيوم المنضب على ارتفاع الإصابة بالأمراض السرطانية فقط، وإنما كان له التأثير الواضح في ارتفاع نسبة التشوهات الخلقية عند حديثي الولادة."

وأضاف "خلال حرب غزو العراق عام 2003، تكرر استخدام هذه الذخائر ضد أهداف عسكرية كانت موجودة داخل المدينة، ما تسبب في حدوث مواقع ملوثة بإشعاعات اليورانيوم المنضب قرب المناطق والأحياء السكنية في مدينة البصرة."

وفيما يتعلق بعدد المواقع الملوثة في محافظة البصرة قال وارتانيان إن عدد المواقع الملوثة، أو التي تعرف بالمواقع المشعة حدد بـ100 موقع في محافظة البصرة حتى عام 2004.

واستدرك "لكن في نيسان من العام نفسه (2004) صدر قرار يجيز بيع نفايات الحديد المتروك في ساحات المعارك، ما أدى إلى قيام التجار والمواطنين، بجمع وتقطيع الآليات العسكرية المدمرة في مختلف مناطق البصرة وخاصة في المناطق الشعبية، وهو ما أدى إلى زيادة نسبة الأمراض الناتجة عن هذه الإشعاعات هناك."

وأشار إلى أن عدد المواقع المشعة بدأ بالتزايد من خلال عمليات نقل أجزاء وقطع الآليات العسكرية الملوثة من مكان إلى أخرعن طريق بيع وشراء هذه المواد باعتبارها سكراب حديد يمكن الاستفادة منها .

وعن أكثر المناطق في البصرة تأثرا بمثل هذا النوع من التلوث قال وارتانيان "أظهرت الدراسات التي أجريناها أن اغلب المصابين بالأمراض الناجمة عن التلوث الإشعاعي يسكنون مناطق قريبة من مواقع التلوث لاسيما في (قضاء الزبير وأبي الخصيب والقرنة والأحياء الشعبية في مركز المحافظة)." لافتا إلى أن هذه المناطق تحتوي على المواقع التي تعرضت إلى قصف بذخائر مصنعة من اليورانيوم، أو نقلت إليها أجزاء ملوثة من الآليات العسكرية للمتاجرة فيها دون معرفة مدى خطورتها.

وبشأن الإجراءات التي من الممكن أن تحد من خطورة هذه المواقع قال وارتانيان إن "المعالجات التي من شأنها الحد من خطورة هذه المواقع، ترتكزعلى عملية التخلص من هذه المواد الملوثة ونقلها إلى خارج حدود مدينة البصرة."

وأوضح "كما أن المعالجة تتم من خلال تحديد مكان خاص لجمع الآليات الملوثة شريطة أن تراعى مسافة البعد عن المناطق الآهلة بالسكان وطرق المواصلات والمعامل والمنشآت الصناعية، وجيولوجية هذا المكان والابتعاد عن المياه الجوفية."

ومضى قائلا "وقد تم تقديم مقترح أولي بجعل منطقة مقبرة الدبابات ( 200 كم غرب البصرة) موقعا مؤقتا لجمع النفايات الملوثة لأن هذه المنطقة ما زالت تحتوي على العديد من الأهداف العسكرية الملوثة، ومن ثم تبدأ عملية حظر للمواقع المشعة داخل المدينة ويرافق ذلك إقامة ندوات تثقيفية لشرائح المجتمع للتعريف بخطورة هذه المواقع."

 وختم وارتانيان "نحن بحاجة الى قرار دولة من اجل التحرك في هذا المجال".

وكانت المنطقة الجنوبية من العراق لا سيما الحدود الغربية لمحافظة البصرة، أكثر المناطق تضررا بالمواد المشعة وتشيرالاحصاءات الرسمية إلى أن عدد الأهداف المدرعة المدمرة للجيش العراقي عام 1991 كان 3700 هدف، تم تدمير 1400 منها بقذائف اليورانيوم المنضب. وأعيد استعمالها مرة أخرى أثناء غزو العراق عام 2003، وتشير مصادرعسكرية عليمة أن ما استعمل على محافظة البصرة من أسلحة اليورانيوم في هذه العمليات من القوات البريطانية فقط هو 1.9 طن ولكن تقديرات أخرى تشير إلى أنه يقارب الـ 100 طن .

وتشير ذات المصادر أن ما استعمل على العراق من قذائف وإطلاقات اليورانيوم المنضب في عام 1991 وخلال ستة أسابيع قارب 940,000 إطلاقه عيار 30 ملم و14,000 قذيفة مدفع ودبابة من مختلفة العيارات، وهو ما يقارب 300 طن.

وتقع مدينة البصرة، مركز محافظة البصرة، على مسافة 590 كم إلى الجنوب من العاصمة بغداد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8 آذار/2008 - 29/صفر/1429