هيئة النزاهة بين ضرورة الأصلاح والمزاج الفردي

د. نجاح العطيه

 تسعى الدول الديمقراطية ذات المؤسسات الدستورية الى فرض هيبة القانون في جميع مؤسسات ومرافق الدولة من اجل تجسيد مفهوم العدالة على أرض الواقع بما يخدم توجهات تلك الدول لتوسيع آفاق تطورها وازدهارها في كافة الميادين ولعل أول ركيزة تحصينية تعتمد عليها هو سيادة الرقابة القانونية على المؤسسات الحكومية والذي يلعب دورا كبيرا في حفظ التوازن العام للدولة والحؤول دون التفريط بالمال العام أو أهداره في غير مواضعه أو سرقته والتلاعب به ضمن موضوعة الفساد المالي والأداري.

حيث أن اغلبية دول العالم الحر وبما أتاحته لها دساتيرها التي أكدت على هذا الجانب الخطير والمهم قد أرست أسس المنظومة الرقابية المتينة على المال العام وأنجحت دورها الأيجابي في ذلك.

ولايخفى على المتخصصين أن هيئة النزاهة في العراق مشروع رقابي ينبغي أن يأخذ دوره الحقيقي في معالجة ومتابعة الفساد المالي والأداري الذي ما زال ينخر في جسد الدولة العراقية وهي تجربة واعدة تستدعي العمل الجاد لبناء مقوماتها وسماتها كي تساهم في تكوين ملامح وصيرورة الكيان العراقي الجديد وكان معظم المراقبين يحدوهم الأمل في رؤية بعض ثمرات ونتائج عمل هذه الهيئة وعلى جميع مستويات الهرم الحكومي أنطلاقا من المقولة التي تقول أنه ليس هنالك شخص يعلو فوق القانون.

أن الغاء مثل هكذا جهاز رقابي لايمكن أن يخضع لآراء شخصية أو مزاجية تحت ذريعة فشل بعض القيادات التي تولت رئاسة هذا المرفق أو بحجة واهية هي توقف بعض الوزراء عن استعمال سلطتهم التخويلية للتصرف في الاموال المخصصة لوزاراتهم ضمن الميزانية العامة للدولة لتخوفهم من الوقوع تحت طائلة المسائلة القانونية من قبل الهيئة حيث أن كلا الأمرين يمكن علاجه دون اللجوء الى الغاء هذه الهيئه.

ويأتي سؤال آخر هو هل أن هذا الألغاء سيؤدي الى ضمان نتائج مثمرة في مجال الضغط الرقابي المطلوب لبناء وتحصين مؤسسات الدولة وهل يمكن لديوان الرقابة المالية أن يؤدي دور الضد النوعي البديل في هذا الجانب؟

أن ما حصل من تداعيات في هروب رئيس هيئة النزاهة السابق راضي الراضي بعد مسائلته من قبل مجلس النواب خلق حالة من خيبة الأمل لدى المواطن أدت به الى توقع فشل هذه الهيئة ولكننا مع كل الذي حصل من أفرازات يمكن لنا ان نحصن الهيئة من خلال ترتيب المقدمات السليمة والآلية الرقابية المنهجية لمراقبة أداء رئيس الهيئة بعد الأختيار الدقيق دون اللجوء الى الغاء هذه المؤسسة ولسنا في هذا بدعا من الدول الاخرى التي قد يحصل فيها مثل هذا الأمر.

أن من بين أهم العوامل المفصلية التي تؤدي الى تفعيل دور هذا الجهاز هو الدور التكافلي الذي يجب أن تلعبه بعض المؤسسات الرافدة كدائرة المفتش العام في الوزارات والتي همش دورها وكذلك ديوان الرقابة المالية ولجنة النزاهة في مجلس النواب.وأيضا دور وسائل الأعلام ذات الصبغة المهنية الحرة ناهيك عن دور القضاء المستقل ولاننسى دور الرأي العام الشعبي والرقابة الجماهيرية.

ووفقا للتصور الموضوعي فأن ألغاء هيئة النزاهة يخلق أشكالية كبيرة وفراغا رقابيا يؤدي الى تفاقم حالات الفساد وخلق حالة من الشعور لدى المواطن مفادها أن سطوة الفعل الرقابي مفقودة في مؤسسات الدولة العراقيه.

* كاتب وباحث في الشؤون السياسية والدوليه

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8 آذار/2008 - 29/صفر/1429