يختلف المفسرون والمتخصصون في الشان القراني حول القضايا العلمية
في القران, وتناول القران لمثل هذه المواضيع مثل (الطب, الفيزياء...),
فالبعض مغرم ومتحمس لتحميل الايات ما لا تحتمل, والبعض الاخر مستنكر
وذلك لكون القران كتاب هداية اولا جاء لنقل الانسان من ظلمات الجهل
والهوى الى نور التوحيد والعبودية. وثانيا لان الكثير من النظريات
العلمية عرضة للتغيير والتبدل بين آونه واخر. مع ان ذلك لا يمنع من
اشارة القران لبعض الظواهر العلمية والطبيعية الكونية.
والامر قد يزداد غرابه حين نقراء بعض الايات التي تتحدث عن شمول
القران, وتبيانه لكل شي مثل قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شي)
وقول تعالى (إنا أنزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) فهذا التاكيد
على كشف القران وتبيانه لكل شي لا يختص بالقضايا التعبدية, والهداية
المعنوية وان كانت الجانب الاهم في القران الكريم.
فهذا التركيز والاهتمام بالامور التعبدية والتوحيدية ينطوي على سر,
هو نفسه سر اشتراط الطهارة في ملامسة الكتاب والوصول الى عميق اياته,
لانه الضمانه الحقيقية لبقاء القران كتاب هداية, ولكي لا يتحول اداه
لشهوات واهواى الانسان.
فتأكيد القران على تبيانه, يدل وبشكل واضح على ارشاده وهدايته
للكثير من السنن التشريعية والتكوينية والاجتماعية والتاريخية, فهناك
الكثير من الاشارات العلمية التي تضمنت قوانين عامة في الفيزياء
والكيمياء والطب وغيرها من العلوم, ولو بنحو الاشاره والاجمال. فالقران
اشار لمنازل القمر في قوله تعالى " والقمر قدرناه منازل حتى عاد
كالعرجون القديم" واشار لظاهرة السراب في قوله تعالى " كسراب بقيعة
يحسبه ..." النور الايه 39, وغيرها الكثير من الاشارت.
ولعل السؤال المهم الذي نطرحه لماذا يتناول القران السنن التاريخية
والتشريعية بالتفصيل والاطناب تاره, والاجمال تارة اخرى؟ ويشير للسنن
التكوينة والطبيعية بنحو الاجمال؟.
ان العناية القرانية بالامور التشريعية والتعبدية والاخلاقية هي
لتحقيق الهدف الاول والمهم الذي خلق له الانسان " وما خلقت الجن والانس
الا ليعبدون", لهذا فالاطناب والتذكير المستمر يهدف لوضع الانسان على
الطريق للوصول للهدف الذي خلق من اجله اولا. وثانيا لان السنن الكونية
مع اهميتها في تسيير حياة الانسان, الا انها ليست مؤثرة بشكل كبير في
مصير الانسان الذي يمتد للحياة الاخرة, وثالثا فان اجمال السنن الكونية
والاشارة اليها يتناسب مع دعوة القران للتامل والتفكر في الحياة وهو ما
ينطوي على بعد مهم من ابعاد التعرف على عظمة وقدرة الله, والذي نتيجته
الطبيعية الخشوع والخوف من الله وادراك عظمته قال تعالى " قل سيروا في
الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إن الله على
كل شيء قدير". العنكبوت 19, ويقول " افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت"
ويقول عز وجل " قال الله تعالى: "إن في خلق السموات والأرض واختلاف
الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً
وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ماخلقت هذا باطلاً
سبحانك فقنا عذاب النار "
لهذا من المهم ان يكون الانطلاق من القران الكريم نحو الكون والحياة
تفكرا وتاملا وبالاستفادة من الاشارات القرانية, فالعودة للقران الكريم
مع التخمة الفكرية والعلمية, والنظريات العديدة التي سطرها وتبناها
الانسان هو حصر للايات الربانية في القوالب الانسانية الضيقة, واسقاطات
للتفكير الانساني المتحير على الوحي السماوي القويم. |