الفكر السياسي عند الإمام الشيرازي يستند للمصادر الأربعة

في حوار مع معاون مدير مركز الفرات للدراسات الاستاذ خالد عليوي العرداوي

حوار/ازهار الحسيني، لبنى الربيعي

شبكة النبأ: قيل "ان اوقات الشِدّة هي التي تصنع رجال الحضارة"، فنتيجة لظروف الحياة الصعبة التي عاشها المرجع الديني الراحل الامجدد الثاني الامام اية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قده)، والهجرات المتعددة من سامراء الى كربلاء فالنجف ثم ايران ودمشق فالكويت قد صنعت فكر هذا الرجل الكبير، وصقلته بشكل استثنائي، وقد نهل من المدرسة الاسلامية في الفكر، وركز على المصادر الاربعة للفكر الاسلامي التي هي، الكتاب والسنة والإجماع والعقل، ومن خلال هذه المصادر طرح حلولاً ونظريات سياسية واجتماعية مبتكرة ومبدعة للمجتمع الاسلامي بشكل خاص والمجتمع البشري بشكل عام.

ومن اجل تسليط الضوء على الفكر السياسي عند الإمام الشيرازي (قده) التقت شبكة النبأ المعلوماتية بـ(الأستاذ خالد عليوي العرداوي) معاون مدير مركز الفرات للدراسات والتنمية واستاذ  النظُم السياسية في كلية القانون /جامعة كربلاء:

- استاذ خالد، بداية نود ان نعرف اسباب ايمان الإمام الشيرازي (قده) بـ شورى الفقهاء؟

الكلام بدايةً عن الإمام الشيرازي (قده) حول شورى الفقهاء قد يكون متقدماً جداً اذا انطلق الى هذا المجال، يمكن ان نشبّه فكر الإمام الشيرازي بنظرية (التحدي والاستجابة) في قضية الحضارة التي تحدث عنها اللورد اللمبي حيث قال: ان الشدة هي التي تصنع الحضارة، فنجد ان الإمام الشيرازي (قده) نتيجة لظروف الحياة الصعبة التي عاشها والهجرات المتعددة من سامراء الى كربلاء فالنجف ثم ايران ودمشق فالكويت قد صنعت فكر هذا الرجل الكبير وصقلته بشكل استثنائي، وقد نهل من المدرسة الاسلامية في الفكر وركز على المصادر الاربعة للفكر الاسلامي التي هي، الكتاب ،والسنة، والإجماع والعقل، ومن خلال هذه المصادر بدأ يطرح حلولاً كثيرة للمجتمع الاسلامي بشكل خاص والمجتمع البشري بشكل عام.

وتحدث في سياق هذه الافكار عن فكرة (شورى فقهاء المراجع) وأضاف ان الفكر السياسي الشيعي قد تطور على مدى تأريخه منذ صدر الاسلام وحتى الوقت الحاضر لكن هذا التطور للفكر الاسلامي في ميدان السياسة والحكم تركز بشكل خاص في قضية الامامة، ولم تكن هناك مشكلة مادام الامام المعصوم موجودا، لكن بعد غيبة الامام الثاني عشر – عجل الله فرجه- وجدنا ان الفكر السياسي الشيعي ابتدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة الانتظار، التي تقول انه لا يمكن للفقيه الشيعي ان يمارس السياسة لانه ينازع الامام في سلطته،

 واخذت هذه الفترة ردحاً طويلاً من الزمن.

 ثم انتقلنا الى مرحلة جديدة وهي (نظرية الحسبة) وكانت هذه النظرية تطور لمرحلة لاحقة انه ممكن للولي الفقيه انطلاقاً من مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ان يمارس دوره في الحياة بالقضايا الحسبية كرعاية الأيتام والقصّر وأخذ الزكاة والخمس وغير ذلك من الأمور.

ثم وصلنا في قمة هذا التطور الى (نظرية ولاية الفقيه) وقد برزت لدينا اتجاهات متعددة ومنها، الإتجاه الأول الذي يقول بالولاية المطلقة للفقيه ويكون هو ولي الامر بإعتباره نائب عن الامام فله كامل الصلاحيات وسلطات الامام باستثناء العصمة، لأنه غير معصوم.

اما الإتجاه الثاني فيقول بان الفقيه لايمكن ان يتمتع بالولاية المطلقة وإنما ولايته في إطار هذه النظرية، وإنطلاقاً من هذه النظرية فإن شورى مراجع الفقهاء قد نهلت من هذا المنهل اي منهل الولاية، اي ان الولي الفقيه يتصدى للحياة السياسية.

- كيف يمكن التصدي لقضية شورى الفقهاء؟

شورى الفقهاء معناها تصدي الفقيه للحياة السياسية، وبالتالي ممارسة حقه في السلطة والحكم، بل ان الإمام الشيرازي يقول، على سبيل الفرض لو كان هناك مجتمع من المجتمعات لايوجد فيه إلا فقيه واحد، وهذه حالة نادرة فيكون تصدي الفقيه للحياة السياسية فرض عين، لكن لو كان هنالك فقهاء متعددين وتصدى لهذا الأمر فقيه واحد تصبح القضية فرض كفاية لا فرض عين، لان الواحد يكفي عن البقية، هذا بالنسبة للولاية، اما الشورى فلدينا في التاريخ الاسلامي مدرستان.

 المدرسة الاولى منساقة تماماً مع المدرسة السنّية بشكل كبير وأيضاً جزء من المدرسة الشيعية يتجهون نحوها، وتتلخص في ان الشورى غير ملزمة للحاكم وهي قضية إستئناسية في الحكم انطلاقا من مبدأ "فإذا عزمت فتوكل على الله"، ينظرون اليها على ان العزيمة والتوكل هو رأي الحاكم ويكون الحاكم غير ملزم تجاه أهل الشورى.

 المدرسة الاخرى قالت، لا، طالما ان الشورى كانت ملزمة على رسول الله وان الرسول (ص) معصوم فغير المعصوم يكون اوجب بالالتزام بالشورى، وهنا قالوا ان الشورى تكون ملزمة لا إستئناسية، وانه يجب على حاكم المسلمين ان يمارس الشورى وياخذ برأي اهل الشورى، فالإمام الشيرازي من رواد هذه المدرسة، ولابد من الاشارة الى انه لايوجد فقيه تعمد ادخال الروايات في قضية الشورى كما فعل السيد الشيرازي (قده) سواء كانت روايات عن اهل البيت عليهم السلام او نصوص قرانية، وقد استخلص منها ان الشورى ملزمة ويجب على الحاكم ان يشاور ولا ينفرد بالسلطة.

- ما هو دور الإمام الشيرازي في عملية التغيير في العراق؟

منذ بدايات مبكرة تحدث الامام الشيرازي عن مظلومية الاكثرية الشيعية في العراق، وكان يدعوا الى اقامة حكومة تعيد لهذه الاكثرية حقوقها المسلوبة، والمطالبة المستمرة بعدم استمرار هذه المظلومية.

 فعلى مر التاريخ ومنذ وفاة الامام الحسن –عليه السلام – كان الشيعة دائماً مهمشين عن السلطة على الرغم من انهم الاكثرية في العراق، ونلاحظ هذا الاقصاء السياسي حتى وقت قريب من بدايات القرن العشرين في الدولة العراقية.

 كان الإمام الشيرازي يدعو لإعادة الحق الى هذه الاكثرية في ان تمارس دورها السياسي، ومع دعواته هذه كان يدعو ايضاً الى مراعاة حقوق الاقليات لكي لا يكون هنالك غبن لأحد، بإسم ان الشيعة كانوا مظلومين واليوم يمارسون الظلم ضد فئات اخرى في المجتمع.

 وكان الشيرازي يدعوا لاقصاء النعرات الطائفية والمذهبية وقد وضع  عدة آليات لهذا التغير سواء على صعيد المجتمع الاسلامي او المجتمع الانساني فيقول: يجب انشاء تنظيم عالمي يمتد من كراتشي بباكستان  الى المغرب العربي وله فروع داخل البلدان الغربية، وان هذه المنظمة العالمية عليها ان تضم بداخلها فروع وشعب لتنظيم الحياة وبعبارة اخرى، مَأسسة الحياة، اي جعلها منظمة ضمن اطار عالمي يشمل كل المؤسسات بما ضمنها حقوق الانسان وانشاء الاحزاب السياسية وحقوق الاقليات وغيرها.

 اما الآلية الاخرى فتشمل التوعية الثقافية في كل النواحي وابراز الاسلام الصحيح والصريح الذي جاء به الرسول (ص) واهل بيته (ع)، وقد اشار في اخر كتاباته ان عدد المسلمون وصل الى ملياري نسمة، وعلينا توفير الكتب لتوضيح الدين للمسلمين وغير المسلمين. وكذلك ركز الإمام الشيرازي على آلية اطلاق الحريات التي جاء بها الاسلام فيقول: ان الاصل في الاسلام هو الحرية المطلقة، الا ما واجه محرم او منهي عنه، فإذا وضعنا مقياس حيادي نجد ان الحريات التي يطالب بها الغرب هي عُشر الحريات الموجود في الاسلام، وظل سماحته يؤكد على اطلاق الحريات وممارسة منهج اللاعنف، فإذا مارسنا العنف لم نحقق شيء من اهدافنا وطموحاتنا، فنجد الآليات التي طرحها الشيرازي واضحة للعمل السياسي وقابلة للتطبيق والممارسة.

- ماهو دور المدرسة الشيرازية في إيضاح الفكر الحسيني و احياء المراسيم الحسينية؟

ان المدرسة الشيرازية تعتبِر المنبر الحسيني هو منبر لمعالجة الكثير من القضايا والمشاكل داخل المجتمع الاسلامي من خلال ابراز اهداف النهضة الحسينية والتي جسدت الانصهار بين القيادة والقاعدة وكيف اصبح لا فرق بين الابيض والاسود وبين الخادم والسيد قد عززت الجانب الانساني لذلك ينبغي ابراز هذا الجانب المهم اما الشيء الاخر الذي يدعوا اليه السيد هو اقامة المجالس الحسينية في أطارها المهذب الذي يليق بالاسلام، وكان يدعوا الى جعل المنبر الحسيني منبر حضاري و يعكس الوجه المشرق للاسلام ولا يختلف المنبر الحسيني عن كتب التوعية.

- ماهو الخط النضالي الذي اتبعته المدرسة الشيرازية في مناهضة النظام البائد في العراق؟

لقد كان للسيد الشيرازي دور بارز في مناهضة النظام البائد في العراق وقد كلفه ذلك الكثير، وليس ادل على ذلك من ان الامام الشيرازي يخرج من العراق ويقول خرجت "خائفاً اترقب"، ويقف عند الحدود العراقية السورية وقد تم اعتقال اية الله العظمى السيد صادق الشيرازي الذي اضطر لمفارقته حتى فرج الله تعالى عنه، واتجه الى دمشق، وكذا فقد اخيه اية الله السيد حسن الشيرازي عندما اغتالته ايدي النظام السابق في لبنان.

 وقد مارس النظام السابق التحجيم لفكر السيد الشيرازي على الرغم من الصعوبات التي واجهها فانقطعت مشروعية النظام في النهاية ووصل الى ما وصل اليه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6 آذار/2008 - 27/صفر/1429