
شبكة النبأ: عن المجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب في دولة الكويت صدرت شهرية الثقافة العالمية
دون أن ينتبه كثيرون منا، وربما معظمنا، تمرّ البشرية منذ بعض
الوقت بمنعطف بالغ الأهمية ينبئ بتغيرات (ثورية) في حركة الاقتصاد
والتجارة، منعطف يُمهد لما يسميه بعض الخبراء بـ(الثورة الصناعية
القادمة) أو الثالثة على وجه أدق، فالثورة الصناعية الأولى – كما هو
معروف – قد بدأت مع نهاية القرن الثامن عشر واكتشاف الطاقة البخارية
والميكانيكية، وما أدت إليه من تحول (درامي) من الوظائف الزراعية إلى
الوظائف الصناعية، أما الثورة الصناعية الثانية المعاصرة فإنها بدأت من
منتصف القرن العشرين مع تحول الوظائف والتيار الأكبر من القوى العاملة
نحو قطاع الخدمات على حساب قطاع الصناعة. أما الثورة القادمة فإنها
تعني باختصار: هجرة الوظائف من دون أن يهاجر الموظفون أو ينتقلوا من
بلد إلى آخر. وهي تحديداً الوظائف التي يمكن تأديتها (إلكترونياً) في
بلد لحساب شركة أو جهة أخرى في بلد آخر. مما يؤدي إلى خسارة الأخير
عدداً من الفرص الوظيفية التي يكتسبها البلد الأول. أسباب هذه (الهجرة)
تتعلق إما بالجودة أو بالتكلفة، لكن نجاحها يشترط الحفاظ على الجودة
الأساسية للخدمة والتي عرفت بها قبل انتقالها إلكترونياً.
هذه الظاهرة آخذة في التزايد منذ بضع سنوات، ويمكن رصدها بشكل بارز
من خلال الوظائف الإلكترونية – أو الهاتفية – التي استوطنت أخيراً في
الهند لحساب شركات أمريكية أو أوروبية في الغالب، وعلى سبيل المثال، لا
يدري معظم زبائن شركات بطاقات الاعتماد ما وراء الأطلسي – أو شركات
الوساطة المالية – أنهم عندما يتصلون بقسم خدمة الزبائن فإن من يرد على
استفساراتهم هم في الحقيقة موظفون موجودون في مومبي أو كلكوتا ويتحدثون
معهم الإنجليزية بطلاقة وبلهجة مطابقة للهجة (العم سام) وليس من
نيويورك أو لوس أنجلوس أو ميامي كما يخيل إليهم.
ما يحصل الآن برأي المنظرين ليس إلا بداية للثورة الموعودة، التي
ستتجلى مستقبلاً بفضل تراكم تطورات التكنولوجيا والاتصالات العالمية
التي ستضمن، وفق تقديرهم، حصول المزيد من هجرة الوظائف، ولاسيما في
الخدمات غير المباشرة (بما في ذلك الكشف أو التشخيص الطبي عبر الحدود...
الخ).
إن هذا التحول الحقيقي (والفتان) بات يطلب من الخبراء والمحللين ذوي
العلاقة عناية خاصة قبل أن يداهمنا – جميعاً – ونحن عنه غافلون، حتى لو
لم تكن مجتمعاتنا معنية بعد باستقطاب مثل هذه الوظائف، كالهند مثلاً،
أو تصديرها، كأمريكا وأوروبا، ذلك أن الجميع سيتأثرون سلباً أو إيجاباً
بهذه الثورة المنتظرة، ومن هنا جاءت أهمية اختيار هذا الموضوع –
المترجم – كقضية أساسية في هذا العدد إلى جانب الملف الرئيس عن التضخم
العالمي في التعليم الجامعي – حيث العلاقة بين القضيتين لا تخفى على أي
حال.
يكشف هذا الملف المثالب التي يعانيها التعليم العالي في العالم
عامة، وخاصة في دول الصف الأول المشهورة بهذا النوع من التعليم، ليسلط
الضوء على انحدار مخرجات الجامعات، بما فيها الأشهر والأعرق (حتى يظن
البعض أن المنتج الحقيقي لجامعات النخبة هو السمعة التي تحظى بها) فقط،
في حين تكشف استبيانات عالمية أخرى أن أكثر من نصف الشباب في بلد مثل
الصين قالوا أنهم لم يتعلموا من الجامعات شيئاً ذا معنى، وأن نحو 40%
قالوا أنهم نادمون على هدر الوقت والمال على تجربتهم الجامعية، وذلك في
وقت تكثر فيه ظاهرة اتجاه الخريجين الجامعيين إلى العمل خدماً أو حراس
أمن.
غير أن فائدة أبحاث الملف لا تنبع من تشريحه (المتشائم) للواقع، بل
من تقديمه أيضاً، نصائح و(وصفات) يمكن أن تساهم في الخروج من مأزق تردي
التعليم العالي، ومن عرض محاولات لتصحيح مسار هذا التعليم (مثل مشروع
الاتحاد الأوروبي) إن هذا كله سيكون دافعاً لنا – على المستويين
العربي والوطني – إلى ضرورة إجراء مثل هذه الأبحاث، ولاسيما بعد الطفرة
الأخيرة في التعليم الجامعي التي باتت تتطلب معالجة شجاعة وتحليلاً
علمياً شفافاً بدرجة شفافية الملف نفسه الذي تعرضه المجلة مترجماً في
هذا العدد.
احتوى العدد الجديد على:
مواجهة الآخر: تحدي القرن الحادي والعشرين بقلم ريتشارد كابوشينسكي.
الثورة الصناعية القادمة: هجرة الوظائف بقلم ألان س. بلندر.
عبر الأشواك: نحو العقل المدرك بقلم سيرغي روبين
علم الذكاء العاطفي بقلم ديزي جريوال وبيتر سالوفي
تجربة بطلات لعبة الشطرنج بقلم كارلين فلورا
ملف العدد حمل عنوان (التضخم العالمي في التعليم الجامعي..) ونقرأ
فيه:
البرج العاجي الجديد بقلم كرستوفر كلاوسن
ثورة الصين الجامعية بقلم شيلا ملفن
وهم همبولدت بقلم متشل جي آش
صغير عند قمته بقلم فيليب ألتباخ |