التوغل التركي في العراق: اسباب معلنة واخرى خفيّة ذات طابع استراتيجي

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: للمرة الخامسة والعشرين يخترق الجيش التركي الحدود الشمالية للعراق، في عمليات واسعة النطاق لمطاردة مجاميع حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال اقليم كردستان قاعدة خلفية لنشاطاته داخل تركيا.

وقال محللون لـ(شبكة النبأ)، بالرغم من ان جميع المحاولات التركية السابقة لمعالجة ملف حزب العمال الكردستاني بالقوة قد باءت بالفشل، وبالرغم من ان تركيا لديها اهداف اخرى غير المعلنة تتمثل في كبح جماح حكومة كردستان في طموحها نحو السيطرة على كركوك ومحاولة الإستقلال.. فإن الحكومة الكردية تتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية ما يجري على الحدود الشمالية وذلك لتسامحها مع مجاميع الحزب المصنف "ارهابيا" وتغاضيها عن مكافحته وثنيه عن استخدام الاراضي العراقية قاعدة خلفية لأوكاره وقياداته.

ولم يثر التوغل الجديد للجيش التركي في بلد تؤكد الادارة الاميركية مرارا وتكرارا على سيادته اي اعتراض في واشنطن، بل قال البيت الابيض انه تبلغ مسبقا بالاجتياح، والمح الى ان الاميركيين والاتراك تبادلا معلومات استخباراتية مجددا.

وقالت الادارة الاميركية انها دعت الجيش التركي الى انجاز العملية سريعا لكنها اكدت كذلك ضرورة ان تتمكن تركيا من الدفاع عن نفسها في وجه منظمة "ارهابية". وشددت على ان التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا لمحاربة حزب العمال الكردستاني تكثف في الاشهر الاخيرة. بحسب رويترز.

وقال سكوت ستانزيل احد الناطقين باسم البيت الابيض للصحافيين "ابلغنا بالعملية وقمنا بحض الحكومة التركية على جعل عملياتها محدودة واستهداف حزب العمال الكردستاني بشكل محدد والحد من نطاق عملياتها الجغرافي والزمني وبحثها على التعاون مع العراقيين بمن فيهم المسؤولين الحكوميين الاكراد".

واوضح ستانزيل ردا على سؤال حول اعتراض اميركي محتمل على عملية التوغل "نحن على تنسيق دائم مع الاتراك والعراقيين. وقد حصل اتصال بين الاتراك والعراقيين بهذا الشأن كذلك".

وحض الناطق باسم وزارة الدفاع براين ويتمان الاتراك كذلك على "انجاز المهمة العسكرية بسرعة". واضاف "نعتبر ان الحل على المدى الطويل يكمن على الصعيد الدبلوماسي والحل ليس عسكريا".

روبرت غيتس يأمل ان تكون العملية التركية قصيرة

وعبر وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس عن امله في ان تكون العملية التي تشنها تركيا في شمال العراق قصيرة ودعا انقرة الى بذل مزيد من الجهود من اجل تحسين اوضاع الاقلية الكردية التركية.

وقال غيتس في كانبيرا حيث يقوم بزيارة لاستراليا "في ما يتعلق بالعملية الجارية حاليا آمل ان تكون قصيرة ومحددة وان تتجنب الخسائر في الارواح البريئة وان ينسحبوا (الجنود الاتراك) فور انجاز المهمة". بحسب أ ف ب.

وردا على سؤال عن المدة المثلى لهذه العملية قال غيتس "كل ما كانت اقصر كان الامر افضل".

وادى الهجوم التركي على شمال العراق الى مقتل 79 من متردي حزب العمال الكردستاني حسب الجيش التركي. وقد حذر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري من ان تؤدي هذه العملية الى زعزعة استقرار العراق.

وقال غيتس الذي سيتوجه الاسبوع المقبل الى انقرة انه لا يعتقد ان استقرار العراق مهدد بالعمليات التركية مشيرا الى ان تركيا تعاني من هجمات المتمردين الاكراد على القوات التركية والمدنيين على اراضيها.

لكن وزير الدفاع الاميركي اكد ضرورة ان تحترم تركيا سيادة العراق بانتفاح اكبر حيال حكومتي العراق واقليم كردستان بشأن خططها ونواياها.

وقال "اعتقد انه يمكن تحسين الوضع دائما بالحوار العميق والمفتوح زمنيا. لا يمكن ان يقتصرالامر على لقاء واحد ويجب ان يكون هناك حوار متواصل".

الجيش التركي يواصل العمليات العسكرية

وواصلت القوات التركية هجومها على متمردي حزب العمال الكردستاني المتمركزين

في شمال العراق وهي عملية اوقعت حتى الان اكثر من ثمانين قتيلا بحسب الجيش التركي

في حين هدد المتمردون الاكراد بشن هجمات انتقامية في المدن التركية.

ووصف وزير الخارجية التركي علي باباجان عملية التوغل بانها "ناجحة" وحرص على تقديم تطمينات حيال طبيعة الهجوم وحجمه.

وقال ان "عملية ناجحة تجرى حاليا" مؤكدا على ان "الهدف الوحيد هو منظمة حزب العمال الكردستاني الارهابية. تركيا هي الداعم الاكبر لسلامة الاراضي العراقية ووحدة العراق السياسية".

واوقعت العملية 35 قتيلا على الاقل في معسكر متمردي حزب العمال الكردستاني ما يرفع الى 79 عدد القتلى في صفوف المتمردين الاكراد كما اكدت هيئة الاركان التركية. كما قتل جنديان تركيان ما يرفع الى سبعة عدد الجنود القتلى منذ بدء العملية.

وبحسب الجيش دمر الطيران والمدفعية "منشآت ارهابية (...) في مواقع مختلفة وكمية كبيرة من الاسلحة والذخائر كانت مخزنة داخلها". واكد الجيش تدمير مواقع للمضادات الجوية تابعة للمتمردين.

واوضح عنصر في حرس الحدود لوكالة فرانس برس ان "القصف بدأ قرابة السادسة صباحا (الرابعة فجرا ت.غ.) واستمر ساعتين رافقه تحليق مروحيات تركية في المناطق" ذاتها.

وتعرض جبل قنديل حيث مقر قيادة حزب العمال قرب الحدود الايرانية للقصف ما ادى الى مقتل عدد من المتمردين الاكراد بحسب وكالة انباء الاناضول. وذكرت وكالة انباء فرات ان المعارك دارت في منطقة زاب التي ارسل الجيش التركي تعزيزات اليها.

وفي بلدة جذرة التركية القريبة من الحدود مع العراق سير الجنود دوريات في التلال القريبة من الحدود وانتشرت عشرات المدرعات على الطرقات. واشار العسكريون الى جو الذعر الذي خيم على المتمردين وتحدثوا عن تأثير المفاجأة عليهم.

وعلق الجيش التركي على العملية بالقول "ان الارهابيين تكبدوا بحسب المعلومات الاولية خسائر فادحة تحت وابل الاسلحة البعيدة المدى والضربات الجوية". واضاف "تفيد استخباراتنا ان قادة (حزب العمال الكردستاني) يحاولون الفرار من المنطقة والتراجع الى الجنوب في حالة من الذعر".

واكد سكان في قطاعات هاكورك وسيدكان وهي مناطق عراقية على مقربة من الحدود التركية وقريبة من مدينة جوكورجا التركية انهم سمعوا تبادل كثيف لاطلاق نيران اسلحة رشاشة اضافة الى هدير طائرات قتالية ومروحيات.

حكومة اقليم كردستان العراق تهدد تركيا بالمقاومة

من جانبها هددت حكومة اقليم كردستان العراق تركيا بانها ستلجأ الى "مقاومة شاملة" ضد القوات التركية التي توغلت في شمال العراق منذ الخميس الماضي اذا وقع "اعتداء على اي مواطن في اقليم كردستان او المناطق المأهولة".

في هذا الوقت حاولت الحكومة العراقية المركزية طمأنة الاسواق النفطية باعلانها ان العراق يواصل "بشكل طبيعي" تصدير نحو 300 الف برميل يوميا من نفطه عبر ميناء جيهان التركي. بحسب أ ف ب.

وافادت حكومة كردستان العراق في بيان ان "اوامر صدرت باللجوء الى مقاومة شاملة ضد القوات التركية وقد اتخذت كل الاستعدادات بهذا الشأن" اذا وقع "اي اعتداء على اي مواطن في اقليم كردستان او المناطق المأهولة".

واكد البيان ان "مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان قام بزيارة محافظة دهوك يومي الخميس والجمعة الماضي واجتمع مع مسؤولين امنيين واداريين في المنطقة واطلع على سير الاوضاع في المناطق الحدودية وبحث المستجدات الناجمة عن الاعتداءات التركية على اراضي الاقليم".

وشددت حكومة كردستان العراق على ان "اقليم كردستان لن يكون طرفا في القتال بين تركيا وحزب العمال الكردستاني".

وابدت شكوكها "في النيات الحقيقية للقوات التركية" ورأت ان "هدفها اقليم كردستان وليس حزب العمال والا فما علاقة تدمير جسور حيوية يستخدمها المواطنون في حياتهم اليومية داخل عمق المناطق المأهولة بحزب العمال؟".

ويشار الى ان هذه الجسور تبعد حوالى 40 كلم شمال العمادية اقصى شمال العراق على الحدود مع تركيا.

وكان فلاح مصطفى مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس وزراء حكومة الاقليم قال لوكالة فرانس برس"نطالب بالانسحاب الفوري من اراضي اقليم كردستان العراق. المشكلة لن تحل بالطرق العسكرية وانما السلمية" مؤكدا ان "حكومة الاقليم تدين هذه العمليات العسكرية والقصف الجوي الذي طال البنى التحتية للاقليم".

وحمل المسؤول الكردي "الحكومة الاميركية مسؤولية الاجتياح التركي (...) لانه لولاها لما استطاعت تركيا ان تسمح لنفسها بانتهاك السيادة العراقية برا وجوا".

وشدد مصطفى على ان "حكومة الاقليم لا تدعم حزب العمال الكردستاني وقد اتخذت اجراءات عدة للحد من نشاطاته في اراضيها".

بينما هدد حزب العمال الكردستاني بنقل العمليات العسكرية الى المدن التركية "من دون استهداف المدنيين" اذا استمرت تركيا في عمليتها العسكرية البرية.

وقال احمد دانيس مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب لفرانس برس "اذا استمرت تركيا في هجماتها فسنقوم بحرب عصابات داخل المدن التركية من دون استهداف المدنيين".

وفي نفس السياق قالت وكالة فرات للانباء الموالية لحزب العمال الكردستاني ان قائدا بارزا لمتمردي الحزب حث الاكراد الذين يقيمون في المدن التركية على النهوض وقتال السلطات احتجاجا على الهجوم البري الذي تشنه تركيا في شمال العراق.

ونقلت الوكالة عن باهوز اردال القائد الكبير بالحزب في شمال العراق قوله "اذا أرادوا تدميرنا فان شباننا عليهم جعل المدن (التركية) غير صالحة للعيش فيها."

الجيش التركي.. تفاصيل  

ويحتل الجيش التركي المرتبة الثانية في حلف شمال الاطلسي بعد الجيش الاميركي من حيث عديده ويضم نحو 510 الاف و600 عنصر فاعل ويعتبر احد افضل الجيوش تدريبا في العالم.

وتضم القوات المسلحة التركية 402 الف عنصر في القوات البرية (77 الفا محترفون و325 الفا مجندون) ونحو 48 الفا و600 عنصر في القوات البحرية (14 الفا و100 محترفون و34 الفا و500 مجندون) ونحو ستين الفا في القوات الجوية (28 الفا و600 محترفون و31 الفا و500 مجندون)، وذلك بحسب تقرير العام 2008 لمعهد الدراسات الاستراتيجية "اي اي اس اس" ومقره لندن.

وتضاف الى هذه القدرات نحو 102 الف و200 عنصر من القوات شبه العسكرية في الحرس الوطني فضلا عن 378 الفا و700 عنصر احتياطي في الجيش وخمسين الفا اخرين في القوات شبه العسكرية.

وكان عديد الجيش العام 1985 يتجاوز 800 الف عنصر فاعل لكنه تراجع مذذاك. واعلنت الحكومة العام 2003 اصلاحا كبيرا ادى الى تقليص مدة الخدمة العسكرية الالزامية من 18 الى 15 شهرا للعناصر النظامية ومن 16 الى 12 شهرا لضباط الاحتياط.

وبلغت موازنة الدفاع العام 2005 عشرين مليار دولار اي 5,3 في المئة من صافي الانتاج المحلي.

وعلى صعيد المعدات عززت القوات المسلحة التركية وسائل دفاعها البري خصوصا في مواجهة تهديد الانفصاليين الاكراد المتمركزين في العراق.

لكن الخبراء يعتبرون ان قسما من الترسانة العسكرية التركية تجاوزها الزمن رغم وجود برامج اعادة تسليح.

من هنا يعتبر الاختصاصيون ان الجيش التركي شبه عاجز عن تنفيذ عمليات واسعة خارج اراضيه.

وذكرت مجلة "جينز" المتخصصة ومقرها لندن ان القوات البرية تملك اكثر من 4200 دبابة مقاتلة.

واضافت "على القوات البرية ان تحدث اسطولها من الدبابات لكنها اضطرت الى الغاء تسلم الف دبابة مقاتلة حديثة بسبب قيود مالية".

اما القوات البحرية فتستطيع بحسب الخبراء تنفيذ عمليات ضد غواصات وقطع على سطح المياه ويمكنها نشر 13 غواصة و18 فرقاطة وست سفن.

واعلنت القوات الجوية التي تخضع لتحديث على الموقع الرسمي للقوات المسلحة التركية انها تملك اكبر عدد من مقاتلات "اف 16" (فايتينغ فالكون) بعد الولايات المتحدة. لكن الموقع لم يحدد ارقاما. وأورَد معهد "اي اي اس اس" ان انقرة تملك 223 مقاتلة "اف 16".

اقليم كردستان العراق

تتمتع منطقة كردستان في شمال العراق حيث شن الجيش التركي عملية عسكرية ضد الانفصاليين الاتراك بالحكم الذاتي منذ 1991 وهو تاريخ وضع الاقليم تحت الحماية الاميركية بعد حرب الخليج.

الوضع الجغرافي: يضم اقليم كردستان العراق ثلاث محافظات هي: دهوك واربيل والسليمانية على مساحة حوالى 75 الف كلم مربع. تحده تركيا من الشمال وايران من الشرق.

عدد سكانه بين اربعة وخمسة ملايين شخص.

عاصمته اربيل.

ينتمي سكانه الى الدين الاسلامي وغالبيتهم من السنة.

تاريخ/سياسة: في 1991 بعد الهزيمة العراقية في حرب الخليج انتفض اكراد العراق وسارعت بغداد الى قمع الانتفاضة ما تسبب بنزوح مئات الوف الاشخاص نحو ايران وتركيا. واقامت قوات التحالف المناهضة للنظام العراقي منطقة حماية في كردستان العراق.

وحصلت انتخابات تشريعية في الاقليم في 1992 انشىء بموجبها برلمان يتقاسم عضويته بالتساوي الحزبان الكرديان المتنافسان الحزب الديموقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال طالباني وحكومة لم يتم الاعتراف بها دوليا.

ويسيطر الحزب الديموقراطي الكردستاني على شمال الاقليم بينما يسيطر الاتحاد الوطني الكردستاني الجنوب.

ونشب نزاع مسلح بين الحزبين في 1994 ما تسبب بشلل المؤسسات ومقتل حوالى ثلاثة الاف شخص.

ونفذت القوات المسلحة الايرانية والعراقية والتركية بشكل خاص عمليات توغل في الشمال العراقي بدعم في كل مرة من فصيل كردي معين. في 1996 شنت بغداد عملية عسكرية في كردستان لمساعدة الحزب الديموقراطي الكردستاني على استعادة اربيل.

ووقع طالباني وبارزاني في 1998 "اتفاق سلام" في واشنطن ثم اتفاقا في 2002 اعاد الحياة الى البرلمان الموحد.

في 2003 تحالف الاكراد مع القوات الاميركية في حربها من اجل الاطاحة بالدكتاتور صدام ما اتاح لها دخول كركوك المدينة الغنية بالنفط والتي تعرضت لحملة في ظل نظام صدام من اجل تعريبها.

ويطالب الاكراد بهذه المدينة التي عادوا يشكلون الغالبية فيها كما يطالبون باستفتاء حول هذا الموضوع.

في حزيران/يونيو 2005 انتخب البرلمان العراقي مسعود بارزاني رئيسا لاقليم كردستان.

وكان جلال طالباني انتخب رئيسا للعراق في نيسان/ابريل.

ووقع طالباني وبارزاني في كانون الثاني/يناير 2006 اتفاقا لاقامة ادارة موحدة. وتم تشكيل حكومة محلية في ايار/مايو من السنة نفسها.

اقتصاد: يعيش اكراد العراق من التجارة عبر الحدود مع تركيا من جهة وايران من جهة ثانية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26 شباط/2008 - 18/صفر/1429