الحركات الطلابية ومسوغات التمرد الحديث في اوربا

شبكة النبأ: التمرد الطلابي الذي اجتاح أوربا في العام 1968 بقيادة داني كوهين والذي بدوره يخشى الآن على الحركات الطلابية من التهاون في الكثير من الحقوق، ليشق السؤال طريقا الى الواقع، هل هناك داع للتغيير؟ وهل اكتفى الطلاب بما آلت إليه الحياة الان؟ وهل ضعف الإصرار الطلابي في اوربا امام السياسات المتعاقبة؟ نكشف هنا عن مكامن القلق والخوف من تراجع ظاهرة التمرد عند الحركات الطلابية:

طلبة اليوم وتراجع طموح لتغيير العالم

بعد أربعين عاما من تحول ابتسامة داني كوهين بنديت المعدية وشعره الأحمر المتوهج الى رمز للتمرد المثالي للطلاب بامتداد أوروبا عام 1968 يواجه طلاب اليوم كفاحا أكثر تشرذما.

ويقول كوهين بنديت البالغ من العمر الآن 62 عاما وعضو البرلمان الاوروبي ان الفرق بين الطلاب في ذلك الوقت والطلاب الآن بسيط، كنا متفائلين بدرجة أكبر بشأن المستقبل. وهذا يجعل الحركة الاجتماعية مختلفة عما نراه اليوم. الان هناك الكثير من القلق والخوف.

كان جيل 1968 يريد احداث ثورة اجتماعية ومحاربة السلطوية والقضاء على ما كان يعتبره نظاما اجتماعيا قديما. وفي الولايات المتحدة فجرت المظاهرات المناهضة لحرب فيتنام مسيرات سلمية حاشدة في مختلف ارجاء العالم. بحسب رويترز.

وبعد أربعين عاما يقول الذين شاركوا في تلك الاحتجاجات عام 1968 ان حملات نشطاء اليوم تفتقر لقوة ونطاق الحركة التي خرجوا هم من عباءتها.

ويقولون ان حملات اليوم قد تساند قضية بعينها لكنها لا تطمح الى تغيير العالم بالشكل الذي سعى اليه نشطاء عام 1968.

فالشبان في ذلك الوقت الذين كانوا يرون السلطة متجسدة في مؤسسات جامدة دعوا لنظام اجتماعي مختلف جذريا باستناد إلى الأهواء الشخصية من ماركسية أو فوضوية او تحرر جنسي ورددوا شعارات مثل "كن واقعيا.. أطلب المستحيل".

وفي حين نزع الطلاب في باريس عام 1968 حجارة الارصفة لبناء حواجز طرق ورشق رجال الشرطة فان اقتصاديات السوق بأشكالها المختلفة تسود الان دون منازع في عالم العولمة ويقول بعض نشطاء 1968 ان النمط الاستهلاكي احبط روح التمرد لدى الطلاب.

ويواجه طلاب اليوم منافسة أكثر ضراوة بكثير في سوق العمل وضغوطا أكبر للالتزام فبالنسبة للبعض فان مجرد التمرد الهاديء المتمثل في التعبير عن الرأي من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية على الانترنت يشكل خطرا على فرص حصولهم على وظائف في المستقبل.

وقالت جوليت جريفون المتحدثة باسم اتحاد الطلاب الوطني الفرنسي: على الرغم من ان الحركة الطلابية قد تتحدث عن تغيير ثقافي الا ان لديها أهدافا محددة... وهي الاحتجاج على الاصلاحات المقترحة لعقود العمل ومكافحة نظام اختيار الجامعات.

وارتفع معدل البطالة في المانيا وفرنسا متجاوزا ثمانية بالمئة. وفي نهاية الستينيات كان معدل البطالة أقل من اثنين بالمئة في فرنسا والمانيا الغربية.

الحركات الطلابية تغذي حركات يسارية متشددة

وقالت جريفون ان الطلبة عليهم ان يركزوا على ايجاد فرص عمل لأن أعداد خريجي الجامعات في فرنسا ارتفع الى سبعة أمثالها منذ الستينيات حسب بيانات حكومية.

وقالت "انا منج" الباحثة بجامعة أوكسفورد في شؤون المانيا في الستينيات والسبعينيات ان العديد من طلاب ألمانيا اضطروا للتخلي عن حلم تغيير المجتمع.

وأضافت: في عام 1968 كان الطلاب يعلمون ان امامهم مستقبلا جيدا فيما يتعلق بالامان الوظيفي. الان اصبح الشبان طيعين أكثر لانه يتعين عليهم أن يكونوا كذلك. فعليهم الانخراط والاستيعاب من أجل المنافسة في سوق العمل.

وبالنسبة للسياسي في حزب الخضر الالماني هانز كريستيان شتروبله الذي كان محامي الدفاع عن يساريين متشددين في الستينيات والسبعينيات فان حتى أكبر حملات النشطاء الحديثة تتعلق بقضايا فردية وليس بقناعات.

وقال: في ذلك الوقت كان الشعور السائد هو انه عليك احداث ثورة شاملة في المجتمع...لا نرى ذلك في حركات اليوم. هناك مظاهرات مناهضة لحرب العراق ولكنها لا تهدف الى احداث ثورة اجتماعية.

لكن جذور هذا التشرذم ترجع جزئيا الى النجاحات التي حققها نشطاء 1968. وقال روبرت جيلديا الاستاذ بجامعة أوكسفورد ان ميراث 1968 ظاهر للعيان في الحملات الحديثة.

وأضاف جيلديا الذي درس مسارات نشطاء قدامى، حدث الانفجار العظيم في عام 1968 ثم تفرقت السبل بنشطاء الحركة.

وتابع، يمكن ارجاع الحركة النسوية الى تلك المرحلة ويمكن ارجاع الكثير من حملات حماية البيئة اليها وكذلك الاهتمام بالاقليمية ومناهضة المركزية.

وبالنسبة لشتروبله (68 عاما) فان من أبرز ما خلفته تلك المرحلة انها سمحت للالمان باعادة تقييم الماضي.

وقال: كان كثيرون من رجال السلطة قد قاموا بدور كبير في المرحلة النازية وكنا نريد انفصالا جذريا وهو ما لم يحدث منذ نهاية الحرب.

كان يجري التشكيك في كل شيء.. السلطة النظام القضائي النظام الجامعي علاقة المانيا بالولايات المتحدة والامبريالية.

وقال كوهين بنديت الذي كان يعرف في ذلك الوقت باسم "داني الاحمر" ان المثالية بقيت مع نشطاء 1968 لكن طلبة اليوم يواجهون مجموعة أكثر تعقيدا من المشكلات.

وقال كوهين بنديت الذي اكسبته زعامته المشتركة لحزب الخضر في البرلمان الاوروبي لقبا جديدا هو داني الاخضر، هناك ذلك التفاؤل المتعلق باقامة عالم أفضل. المشكلة هي ان العالم الذي يتعين عليك تحويله الى الافضل الان مختلف تماما.

وجاءت أحداث 1968 على خلفية من انقسام أوروبي بين الديمقراطيات الليبرالية التي انتقدها العديد من نشطاء تلك الفترة باعتبارها انظمة قمعية والكتلة الشيوعية التي رغم طغيانها اعتبرها البعض ساحة اختبار للمستقبل.

ويقول البعض ان الاحتجاجات المناهضة للعولمة لا النشاط الطلابي هي التي تظهر لمحة من روح عام 1968 مشيرين الى احتجاجات نظمها الالوف خلال اجتماعات زعماء مجموعة الدول الثماني الكبرى.

ويشير البعض الى ان بعض الشخصيات البارزة في الحركة الطلابية القديمة مثل برنار كوشنر وزير الخارجية الفرنسي ويوشكا فيشر وزير الخارجية الالماني السابق شقت طريقها الى دهاليز السلطة.

ورغم بقاء بعض الحنين الى ذكريات عام 1968 يلقي بعض منتقدي الحركة اللوم عليها في تغذية حركات يسارية متشددة نفذت عمليات خطف واغتيالات سياسية في المانيا وايطاليا في السبعينيات والثمانينيات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25 شباط/2008 - 17/صفر/1429