مصطلحات ثقافية:الترجمة

الترجمة: Translation

شبكة النبأ: تتخذ الترجمة – في سلم ترتيبات المقومات الرئيسية للثقافة العربية الإسلامية – معلماً بارزاً يجعل منها ظاهرة تفرض نفسها على كل محلل للواقع الثقافي والفكري في وطننا العربي. على أن هذه الترجمة، وإن تميزت في موقعها، فهي تبدو – من حيث التعريف – كمفهوم يفتقر إلى الدلالة الصحيحة وإلى مصطلح ينشد الدقة والتحديد.

فما زالت الترجمة – في واقعنا – محاطة بأكثر الأسئلة بداهة، من حيث التعريف والدلالة والغاية، وهي وإن تحددت في بعض الجوانب تبقى مشوبة بالضبابية والغموض في معظم جوانبها.

فالكثير منا لا يفرق من حيث الدلالة بين الترجمان والمترجم، ولا يكاد يتفق بلدان عربيان على مصطلح موحد، ففي الجزائر مثلاً يوضع كبديل للترجمان مفردة Interprete بالفرنسية أو Interpreter بالإنجليزية وذلك لتمييزه من مدلولي كلمة مترجم المقابلة لمفردة Trducteur بالفرنسية أو Translator بالإنجليزية وتعني الذي يشتغل بالترجمة الفورية، في حين نجد بلداناً أخرى تستخدم نفس كلمة "مترجم" وتضيف إليها وصف فوري "مترجم فوري" أو تحريري أو كتابي ليصبح هكذا "مترجماً تحريرياً" أو "مترجما كتابياً" ومن هنا تنشأ بداية هموم الترجمة والمترجمين.

وتبرز الترجمة كأكثر الألوان الفكرية معاناة إذا بدأنا بالخاصية الذاتية التي تطبعها، فهي مرافقة للتوتر العصبي لدى المشتغل بها، هذا التوتر قد يتضاعف ليحدث توتراً أعم/ يشمل العلاقات العامة والخاصة معاً.

فليست الترجمة في أحدث تعريفاتها، استبدال لفظ بلفظ نقلاً من الأجنبية إلى العربية أو العكس، فليس الأمر في الترجمة متعلقاً بوضع جداول من الألفاظ يحتل الجانب اللغوي فيها الاهتمام الأكبر. صحيح أن الترجمة في أساسها هاجس لغوي، ولكنها تتجاوز هذا الهاجس إلى معانٍ أشمل وأعم، إذ تنشد المدلول النفسي والاجتماعي، والثقافي العام والمرتبط باللفظ المنشود في ثقافة كل لغة، بهذا تصبح الترجمة نقل أفكار من لغة إلى لغة أخرى أو تفسير كلام بما يقابله في لسان آخر، مع الحرص على انتقاء أكثر الألفاظ وفاء في نقل هذه الأفكار والمعاني.

ربما كان هذا العامل الداعي إلى مخالفة المعنى اللفظي في الترجمة والبحث بديلاً من المعنى الذي يحدده السياق هو الذي حدا ببعضهم إلى إطلاق الوصف الإيطالي على كل مترجم، ناعتين إياه بكونه الكذاب أو الخائن Traduttore – Tradittore، والصعوبات الرئيسة تتمثل في كون الممتهن للترجمة لا ينقل المعنى المقصود بأمانة بل يذهب أحياناً إلى أبعد من ذلك، مما قد يؤدي إلى سوء الفهم في مجال العلاقات الدولية السياسية منها أو الاقتصادية أو غيرها، ويمكن للتدليل على ذلك ذكر مجموعة من المطبات التي وقع فيها التراجمة والمترجمون وأدت أو كادت تؤدي إلى نزاعات دموية، من ذلك قصة المترجم البلغاري مع الرئيس الأمريكي منذ سنوات، وقصة المترجم الروسي مع "خروتشوف" وجمال عبد الناصر، ومأساة الترجمة الإنجليزية للرد الياباني على مطالبة الأمريكيين لهم بالاستسلام مما أدى إلى إلقاء القنابل على "هيروشيما" وغير هذه من الأسئلة كثيرة في الحياة الدولية.

هذا إذن عن تعريف الترجمة في علاقاتها بالخاصية الذاتية.. فإذا انتقلنا إلى رسالة الترجمة العامة والسامية أمكن تعريف حقيقتها بأنها حاجة إنسانية لنقل الأفكار والمعلومات بين اللغات المختلفة بغية إيجاد التبادل الثقافي بين الشعوب وتقريب المفاهيم والثقافات بين الأمم. فمن معاني العظمة في لغة من اللغات الحضارية، قدرتها على استيعاب ما يستجد من معانٍ في الفكر البشري وقابليتها للدلالة والتعبير عن هذه المعاني بمفردات واصطلاحات سليمة، وسهلة دون تعقيد أو تكليف.

إلى أي حد في ضوء هذه المعطيات كلها يمكن تحديد مدى قدرة لغتنا العربية على الاستجابة لمعايير الترجمة في خاصيتها الذاتية والعامة؟

إجابة على هذا السؤال، يقول د. عبد الرزاق قسوم: إن اللغة العربية قد امتحنت امتحاناً حضارياً عسيراً، ونجحت فيه بتفوق، فقد استطاعت نقل معانٍ إبداعية تجلت فيها حقائق ذاتية ووجودية، كما أنها نقلت ببراعة تراث أمم ذات حضارة عريقة، وثقافات بلغت شأناً عظيماً في التقليد.

ومثل هذا يعود إلى استخلاص نتيجة أولية هي ضرورة إتصاف ثقافة المترجم بمعرفة موسوعية فلا بد للمترجم من الإلمام بقواعد التراكيب البنيوية للغته ممثلة في فقه اللغة، والنحو والصرف وما يعادلها في اللغات المترجم منها أو المترجم إليها. إن مما لا جدال فيه إن كل لغة تعكس بصدق ثقافة أهلها، وبالتالي الخلجات النفسية والفكرية والتركيبية الاجتماعية لأبناء هذه اللغة، ومما يدفع المشتغل بالترجمة إلى تعميق ثقافته بخصوصيات اللغات التي يتعامل معها في مجال الترجمة إذا ما أراد لترجمته أن تكون إبداعاً فكرياً يؤهلها بأن تسمو لأي عمل فكري مبدع "أنظر مجلة الكلمة العددين 7/8".

يعرّف "إدموند كاري" الترجمة كما يلي: هي العملية التي تقوم بإيجاد نظائر بين نصين معبر عنهما بلغتين مختلفتين، بحيث تراعي هذه النظائر بشكل دائم وضروري طبيعة النصين. جمهورهما، أي مستقبلي النصين وكذلك العلاقات الكائنة بين ثقافة الشعبين ومناخهما النفسي والفكري والعاطفي بالإضافة إلى جميع الظروف المحيطة بالعصر والمكان اللذين يترجم منهما وإليهما" . للتوسع راجع مجلة الكاتب العربي، العدد 44، د. رنا ماجد رداوي".

وتعرّف الترجمة عامة بأنها نقل مكتوب بلغة ما إلى لغة أخرى، وإن كان هذا النقل لا يخلو من قدر الخيانة قد يكثر أو يقل، كما تطرح الترجمة عددا من القضايا والأسئلة لم يجد بعضها حلاً أو رداً نهائياً حتى اليوم.

والترجمة نشاط مواكب لوجود الإنسان، فهي في المقام الأول عملية أداتها اللغة، شفوية كانت أو مكتوبة، وهي تنقل "رسالة" ما بين طرفين، هما "المرسل" و"المتلقي". والمترجم الذي ينقل نصاً أدبياً إلى لغة أخرى يسعى الى هدف جمالي أساساً من خلال أشكال متجددة للتعبير في حين لايسعى مترجم النصوص البرجماتية الا الى توصيل رسالة بعينها – على حد قول " ج. دليل "فكلما ابتعدنا عن الأدب، واقتربنا من النصوص البرجماتية، قرب نصيب الذاتية، وسعت الترجمة إلى نقل المعلومات المفيدة.

والتفرقة بين الأدبية والترجمة البرجماتية تمكننا أيضاً من تحديد موقف المترجم من كل منهما، فمترجم النص البرجماتي لا بد أن يكون موضوعياً ولا ينبغي أن تظهر بصماته الخاصة على النص شأنه في ذلك شأن الفنان المبدع تماماً.

وعلى المترجم الاول أن يلتزم الدقة، وأن ينقل النص الذي يترجمه بأكبر قدر ممكن من الأمانة، مع مراعاة ترتيب عناصر الجملة بنفس الطريقة التي رتبت بها في النص الأصلي، حتى لو تنافى ذلك مع جماد الأسلوب ومنطق اللغة التي يترجم إليها، وتجدر الإشارة هنا إلى مهمة المراجع في المنظمات الدولية – على عكس ذلك، يتمتع مترجم النص الأدبي بقدر من الحرية أمام النص الذي يترجمه. وحتى إذا راعى الدقة في ترجمته، باستطاعته "التصرف" في النص بطريقة ما، وحذف شيء هنا، وإضافة شيء هناك، بل باستطاعته أيضاً كتابة النص في صياغة جديدة، بدون أن تترتب على موقفه هذا أية آثار جانبية، والمعجم الفرنسي Ierbert يعرف الترجمة عامة بأنها: "نقل ما يقال بلغة ما إلى لغة أخرى، مع الميل إلى معادلة معنى هذا القول وذلك".

ويقول نفس المعجم إن المعادلة تعني "ما له نفس القيمة أو نفس الوظيفة كذلك ترى أغلب المعاجم، كما يرى أغلب القراء، أن ترجمة النص الأدبي يجب أن تبدو كصورة أمينة للنص الأصلي أي أن تكون نصاً يشبهه بقدر الإمكان.

تقول "س. زنس" إن المترجم يعكس للمؤلف أشياء لم يرها لأن الترجمة تتطلب الرجوع إلى "المشهد الأصلي" بلغة التحليل النفسي. راجع مجلة عالم الفكر المجلد 19 – العدد 4 – د. سامية اسعد"

متعلقات

الترجمة: ماهيتها وكيفيتها(1) 

 تمهيد

نحاول الآن وضع تعريف للترجمة وشرح منهجية الخطوات التي تتم بها. على أننا نحاول هنا توضيح بعض الحقائق العامة بشكل سريع، قبل أن نفصّلها بشكل دقيق فيما بعد، وذلك لتهيئة ذهن القارئ لفهم عملية الترجمة.

يُعرف Forster الترجمة الجيدة على أنها " الترجمة التي تفي بنفس الغرض في اللغة الجديدة مثلما فعل الغرض الأصلي في اللغة التي كُتب بها ". ويصف Orr عملية الترجمة بأنها مطابقة لعملية الرسم إلى حد ما، فيقول: " إن الرسام لا يستخرج كل تفصيل في المنظر "، فهو ينتقي ما يبدو أفضل بالنسبة له. وينطبق نفس الشيء على المترجم، " إنها الروح – وليس المعنى الحرفي وحسب – التي يسعى المترجم لتجسيدها في ترجمته الخاصة ".

ويردد Edwards نفس وجهة النظر، فيقول: " ننتظر وجود صدق حقيقي تقريبي في الترجمة ... وكل ما نريد الحصول عليه هو نفس أصدق إحساس ممكن للنص الأصلي. ويجب أن تصل إلينا السمات والمواقف والانعكاسات بنفس الشكل الذي كانت عليه في ذهن المؤلف وقلبه، وليس من الضروري أن يتم ذلك بالدقة التي انطلقت بها من فمه ".

ويطالب معظم علماء الترجمة بالاهتمام بالمعنى وليس بالمفردات اللغوية، ذلك أنه إذا لم تقم الترجمة بالوظيفة الإيصالية، أي إذا لم يكن لها معنى لدى المتلقي، فإنها في هذه الحالة لا تكون قد بررت وجودها.

وبالإضافة إلى ما تنقله التراجم من معنى، فيجب أن تنقل أيضا " روح وأسلوب النص الأصلي ". ذلك أن المعنى الحرفي يقتل الترجمة، ولكن روح المعنى يمنحها الحياة.

وتتمثل الهفوة الأساسية التي يقع فيها الكثير ممن يقومون بترجمة الأدب في فشلهم في أن يكونوا " طبيعيين " في التعبير. فهم في الواقع يجعلون القارئ يعلم جيدا أن عملهم ما إلا ترجمة ... حيث يذهب الجزء الأعظم من مجهودهم في البحث عن عبارات مرادفة، ولكن لا يستخدمها القارئون لهذه الترجمة في لغاتهم.

ولذلك يرى Goodspeed أن " أفضل التراجم ليست تلك الترجمة التي تُبقي نُصب عين القارئ وإلى الأبد حقيقة أن هذا العمل ما هو إلا ترجمة وليس تأليفا اصليا، وإنما هي تلك الترجمة التي تجعل القارئ ينسى مطلقا أنها ترجمة وتجعله يشعر أنه ينعم النظر في ذهن الكاتب القديم مثلما يمعن النظر في ذهن كاتب معاصر. ولا يعتبر هذا الأمر في الواقع أمرا سهلا في تنفيذه، ولكنه رغم ذلك يعتبر المهمة التي يجب أن يلتزم بها أي مترجم جاد في عمله ".

ومن هنا فإن أكبر معيار مقنع لنوعية أي عمل يكمن في حقيقة أنه لا يمكن أن يُترجم إلا بصعوبة، لأنه إذا انتقل فورا وبسهولة إلى لغة أخرى دون أن يفقد جوهره، فذلك يعني أنه لا يحتوي على أي جوهر معين أو أنه على الأقل لا يعتبر عملا من الأعمال الفريدة.

ويعتبر الأسلوب السلس والطبيعي – رغم الصعوبات البالغة في إنتاجه خصوصا عند ترجمة نص ذي نوعية عالية – هاما في توليد استجابة لدى المتلقين النهائيين له، تتشابه مع استجابة المتلقين الأصليين لذلك الأسلوب. فيجب أن تكون الترجمة اصطلاحية وممتعة، ليس للباحث وحسب، بل وللقارئ المتعلم أيضا. ويسعى المترجم لتكوين انطباع لدى قرائه يتشابه أو يكاد مع ذلك الانطباع الذي ينتج عن النص الأصلي.

وفي هذا يقول Prochazka إن " الترجمة يجب أن تُحدث في ذهن القارئ نفس الانطباع الذي يحققه انطباع النص الأصلي على قرائه ".

وهكذا فإن الترجمة الجيدة يجب أن تلبي المتطلبات الأساسية التالية:

1- تعكس المعنى بوضوح

2- تنقل روح النص الأصلي وأسلوبه

3- تصاغ بتعبير طبيعي وسلس

4- تولد استجابة مشابهة في ذهن قارئها

ويتضح من كل ما سبق أن التضارب بين المحتوى والشكل ( أو بين المعنى والأسلوب ) سيكون تضاربا حادا في بعض النقاط المعينة، ويجب أن يفسح أحدهما المجال للآخر في بعض الأحيان. ولكن يتفق المترجمون عموما على وجوب إعطاء الأولوية للمعنى قبل الأسلوب حينما لا يكون هناك حل وسط موفق. وما يجب علينا محاولته هو إيجاد خليط فعال من " المعنى والأسلوب "، لأن هذين الوجهين يعتبران متحدين بشكل لا يقبل التجزئة. ويؤدي التمسك بالمحتوى، دون اعتبار للشكل، إلى إنتاج عمل مميز وجيد ولكنه لا يحتوي على أي شيء من تألق وسحر النص الأصلي. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي التضحية بالمعنى في سبيل الحصول على أسلوب جيد إلى الحصول على صورة مطبوعة فقط تفشل في توصيل الرسالة. ووفقا لذلك، يجب أن يكون للتطابق في المعنى أولوية تسبق التطابق في الأسلوب.

ولكن لا يجب أن يجري تعيين الأولويات بنمط ميكانيكي محض. إذ إن ما هو مطلوب في النهاية هو إعادة إنتاج النص الأصلي لاستخراج صورة منه.

إن أي استعراض للآراء المطروحة حول عملية الترجمة يصلح لتوكيد الحقيقة القائلة إن تعريفات أو أوصاف عملية الترجمة لا تتم بقواعد جبرية حتمية، وإنما تعتمد على قواعد احتمالية. ولذلك لا يمكننا الحكم على ترجمة معينة بكونها جيدة أو رديئة دون أن نأخذ في الاعتبار عددا لا يحصى من العوامل التي يجب أن توزن بدورها من مختلف الطرق وبإجابات مختلفة إلى حد كبير. ومن هنا ستظهر على الدوام تشكيلة من الإجابات الفعالة والصحيحة للسؤال التالي: " هل هذه الترجمة ترجمة جيدة "؟

استراتيجية الترجمة

Transfer Strategy

ما هي الترجمة؟ وكيف تتم؟ وأي شيء يجب على المترجم التركيز عليه حينما يشرع في مهمته؟ هل يجب التركيز على أسلوب صياغة النص؛ أم على معناه؟

لكي نستطيع الإجابة على هذه الأسئلة، نحاول أن نتتبع الآن التعريفات المختلفة التي وضعها علماء اللغة والترجمة في هذا الصدد:

فيجادل Newmark بأن " الترجمة هي مهارة تتمثل في محاولة إحلال رسالة و/أو بيان مكتوب بإحدى اللغات برسالة و/أو بيان مكتوب بلغة أخرى ".

ويقول Catford إن الترجمة هي " عملية إحلال النص المكتوب بإحدى اللغات ( ويسميها اللغة المصدر source language "SL" ) إلى نص يعادله مكتوب بلغة أخرى ( ويسميها اللغة المستهدف النقل إليها – أو باختصار اللغة المنقول إليها – target language "TL" ) ". وبذلك التعريف فهو يركز على نقل الأثر الذي ينتج عن النص المكتوب، وليس مجرد نقل المكونات اللغوية على مستوى المفردات أو القواعد.

أما Halliday فيعتقد أن " المعادل النصي فيما بين نصي اللغة المصدر SL واللغة المنقول إليها TL لا يتطلب بالضرورة إيجاد المقابل الشكلي بين هذين النصين على مستوى المفردات أو القواعد، ولكن إيجاد معادل على مستوى النص بأكمله ".

ويقول Pinchuch إنه " إذا كانت الترجمة تتمثل في عملية إحلال الكلمات وحدها، فقد يكون الإجراء الملائم هو الرجوع لقاموس ثنائي اللغة ". على أن الترجمة، كما ينظر إليها Kelly، هي " تطبيق للغويات من منظور افتراض توافر السعي لإخراج نص يحمل المعنى المعادل للنص الأصلي ".

ويتم التركيز على معنى مصطلح " نص " text فيما يتعلق بالترجمة. ذلك أن " نص " يعني أي شيء تتم ترجمته سواء تمت الترجمة كتابة أو شفاهة. ويمكن أن يكون ذلك الشيء مجرد عبارة أو جملة أو فقرة أو فصل من كتاب، بل وحتى كتاب بأكمله.

وهكذا نجد أن الاهتمام ينصب في الترجمة تماما على بحث العلاقة بين اللغة والترجمة. ويكون الهدف الرئيسي وراء ذلك هو إعطاء الترجمة شكلا ثابتا يمكن إتباعه في الحالات المختلفة للترجمة، ومحاولة صياغة قواعد تحكمها من أجل منع أو تجنب الوقوع في الأخطاء عند القيام بعملية الترجمة.

مما سبق نستطيع استخلاص تعريف للترجمة على أنها ببساطة هي محاولة نقل رسالة في اللغة المصدر SL إلى رسالة معادلة لها في اللغة المنقول إليها TL.

Translation is simply the attempt to replace a textual material in the Source Language (SL) by an equivalent textual material in the Target Language (TL).

وبحيث يكون التركيز هنا على نقل جوهر أو معنى الرسالة وليس نصها. وفي ذلك يقول Widdowson إنه حينما " نكون بصدد لغة ما، فإننا لا نتعلم كيفية صياغة أو فهم بعض الجمل الصحيحة في هذه اللغة كوحدات لغوية منعزلة ذات تكرار عشوائي وحسب، بل نتعلم أيضا كيفية استخدام هذه الجمل استخداما ملائما لتحقيق الغرض من توصيل الرسالة ". وهكذا نجد أن الترجمة هي محاولة إيجاد العلاقة بين نصين أو مجموعة من النصوص تلعب دورا متماثلا في حالات متماثلة.

من التعريفات السابقة نجد أننا من الآن فصاعدا سنكون بصدد لغتين:

اللغة الأولى: وهي التي ستتم الترجمة منها – أو اللغة المصدر SL.

اللغة الثانية: وهي اللغة التي ستتم الترجمة إليها – أو اللغة المنقول إليها TL.

ولكي تتم الترجمة بطريقة سلسة ووفق منهج صحيح، لابد من وجود قاعدة معينة نتبعها أثناء الترجمة. وتتمثل هذه القاعدة فيما يُعرف بـ " استراتيجية النقل " Transfer Strategy والتي تتمثل في:

SL Þ SL Þ Rethink Þ TL

ومعنى ذلك أنه قبل أن نشرع في عملية الترجمة، فلابد لنا من فهم نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر من منظور أو على أساس القواعد الحاكمة لهذه اللغة نفسها. وتنطلق هذه القاعدة من بديهية مؤداها أن المترجم لا يستطيع ترجمة شيء لا يفهمه، أو أنه سيقوم بالترجمة بطريقة خاطئة إذا لم يحاول فهم نص الرسالة التي يقوم بترجمتها. فإذا ما انتهى المترجم من فهم نص الرسالة المكتوبة هكذا، كان له الحق في أن يشرع في عملية " إعادة التفكير "، وهذا ما يعني المقابلة بين القواعد الحاكمة للغة المصدر SL والقواعد الحاكمة للغة التي سيتم النقل إليها TL، وإيجاد الصورة الملائمة الموجودة في اللغة التي سيتم النقل إليها، والتي تكاد تكون معادلة تماما للصورة التي كُتبت بها الرسالة في اللغة المصدر. وحينئذ يقوم بالترجمة التي ستكون أقرب صورة لنص الرسالة المكتوبة باللغة الأصلية. أي أنه يجب على أي مترجم أن يفهم أولا الرسالة التي سينقلها على أساس قواعد اللغة المكتوب بها هذه الرسالة نفسها، ثم بعد ذلك يعيد نقل الفكرة إلى اللغة المنقول إليها.

وهكذا فلابد للمترجم من السير وفق هذه الاستراتيجية لكي يتجنب الوقوع في الأخطاء، ولكي تكون ترجمته أقرب شيء إلى الصواب.

ولنحاول الآن فهم كيفية تطبيق هذه الاستراتيجية، وليكن ذلك أولا على مستوى المفردات ( لتوضيح الفكرة فقط ):

فمثلا كلمة رياضة قد تكون رياضة بدنية أو رياضة روحية أو رياضة بمعنى ترويض أو رياضة بمعنى مادة الرياضيات. فإذا ما حصرنا معناها في أنها رياضة بدنية، وبدأنا في عملية تحليل معنى هذا المصطلح ومحاولة إيجاد ما يعادله في اللغة الإنجليزية، نجد أن المقابل هو Sport.

ويمكن تمثيل ذلك كما يلي:

رياضة Þ بدنية Þ Rethink Þ Sport

وبنفس الطريقة، فإن كاتب قد تكون مفكر أو نسّاخ أو موظف في مكتب ... الخ. فإذا ما حصرنا المعنى في مفكر، يكون المقابل هو Writer:

كاتب Þ مفكر Þ Rethink Þ Writer

وبالطريقة العكسية، فإن كلمة Bank قد تكون ركام أو منحدر أو شاطئ أو صف أو مصرف. فإذا ما حصرنا معناها في أنها جزء من الأرض بامتداد جانب النهر، يكون المقابل باللغة العربية هو: شاطئ.

ويمكن تمثيل ذلك كما يلي:

Bank Þ Land along the side of a river Þ Rethink Þ شاطئ

وبنفس الطريقة، فإن Book قد تكون كتاب أو دفتر تجاري أو الكتاب المقدس أو القيام بعملية التسجيل أو بعملية الحجز مقدما. فإذا ما حصرنا المعنى في عملية الحجز مقدما، يكون المقابل هو:

Book Þ To Reserve Þ Rethink Þ يحجز

وعلى مستوى العبارة، يمكن لنا إجراء نفس هذه النوعية من التحليل على النحو التالي: فعبارة مثل:

قامت اللجنة المكونة من سبع دول بمناقشة مشروع القرار

نجد أن عبارة " اللجنة الحكومية المكونة من سبع دول " معناها هو اللجنة الحكومية التي تخص الدول السبع كلها، بمعنى عدم اقتصارها على حكومة دولة واحدة. ولذلك فإن أقرب مرادف لهذا المعنى هو inter-governmental committee. أما كلمة " مشروع القرار " هنا فتعني مسودته، أي draft. وبذلك تكون ترجمة الجملة السابقة هي:

The seven-state inter-governmental committee has discussed the draft resolution.

وبالطريقة العكسية، ففي عبارة مثل:

I move the adoption of the following resolution.

نجد أن move هنا تعني عملية الاقتراح أو التزكية، بينما تكون كلمة adoption على معنيين: الأول هو عملية الإقرار أو الاعتماد ( لقرار ما )، والثاني هو عملية التبني ( لطفل ). ونستبعد المعنى الثاني بالطبع، ولذلك يكون معنى الجملة:

اقترح اعتماد القرار التالي

ولنتابع التحليل على مستوى فقرة بأكملها، حيث نحاول ترجمة الفقرة التالية كما يلي:

ويتأكد ذلك على وجه الخصوص بالنسبة للعنصر البشري، الذي يعتبر سلوكه وشعوره بالانتماء – ومن ثم اتفاق صالحه الفردي مع الصالح الجماعي – محددا رئيسيا لفروق الإنتاجية بين المجتمعات المختلفة.

هنا يجب أولا أن نقوم بتحليل كل كلمة لتحديد المقصود منها بالضبط كما يلي: يتأكد: يثبت / يصح – على وجه الخصوص: خصوصا – بالنسبة لـ: فيما يتعلق بـ / بشأن – العنصر البشري: العامل الإنساني – يُعتبر: يُنظر إليه – سلوكه: تصرفه – شعوره: إحساسه – الانتماء: العضوية / الانتساب – من ثم: هكذا / بالتالي – اتفاق: انسجام / تناسق – صالحه: مصلحته – الفردي: الشخصي – الجماعي: المجتمع العام / المجموعة – محددا: معيارا / مقياسا – رئيسيا: أساسيا – فروق: اختلافات – الإنتاجية: القدرة على الإنتاج الوفير – بين: فيما بين – المجتمعات: المجموعات – المختلفة: العديدة / على تنوعها.

وبذلك يمكننا ترجمة النص السابق على النحو التالي:

This is particularly true for the human element. Behavior and awareness of affiliation – thus his individual interest is suited with the common interest – are considered main determinate of productivity differentials between various communities. 

مما سبق نجد أن عملية الترجمة تنقسم إلى مرحلتين أساسيتين:

المرحلة الأولى: وتهتم بتحليل analysis نص الرسالة المكتوبة باللغة المصدر SL، من أجل التوصل للمعنى الحقيقي الذي يتضمنه هذا النص. ثم نبدأ في عملية إعادة التفكير، لندخل إلى:

المرحلة الثانية: وتهتم بصياغة synthesis معنى النص المترجم باللغة المنقول إليها TL، من أجل التوصل إلى أسلوب صحيح تماما يماثل الأساليب التي تتم الكتابة بها عادة في هذه اللغة.

على أن نأخذ في الاعتبار دائما أن عدم فطنة القارئ إلى أن ما يقرأه مُترجم من لغة أخرى يعتبر في حد ذاته أكبر دليل على نجاح المترجم في مهمته، بمعنى أن القارئ لو شك ولو للحظة واحدة أن ما يقرأه قد يكون منقولا من لغة أخرى بسبب وجود ضعف أو ركاكة في الأسلوب، يكون المترجم قد فشل في مهمته. فالمترجم الناجح هو الذي يستطيع صياغة الرسالة في اللغة المنقول إليها بأسلوب يجعل من يقرأ هذه الرسالة يشعر وكأنها لم تكتب إلا بهذه اللغة – أي وكأنها " طبيعية ".

بحث في الترجمة الفورية ضمن فعاليات اللقاء الأكاديمي الأول لكلية اللغات والترجمة(2)

مخطط البحث

المقدمة:

 كلمة شكر

قصة الترجمة الفورية

تعريف الترجمة الفورية

مستلزمات الترجمة الفورية

إتقان نظامين لغويين مختلفين

 كبائن الترجمة

مراحل الترجمة الفورية

 الإدراك السمعي

 استخلاص المعنى

 عملية الترقنة

التعبير باللغة الهدف

  أسس تدريس الترجمة الفورية

   الفهم والفصل والتعبير

 التجرد من اللغة الأجنبية وإيجاد الكلمات المناسبة

 ضرورة ترجمة الأفكار وتجاوز الكلمات

ضرورة وضوح الكلام وتجانسه

 ضرورة الترابط الفكري في تعبيره

  تكييف ما يقوله مع المجتمع المتلقي ثقافياً وحضارياً

احترام خصائص اللغة الهدف

  اختيار المقام المناسب واحترام فروق المعاني البسيطة

 شروط عمل المترجم الفوري

 فورية العمل

 السماع عبر الأجهزة

 الإعاقة الناتجة عن تزامن الترجمة مع الاستماع للمتحدث

معوقات الترجمة الفورية

 الوجود السمعي المستمر للغة الأخرى

  التلاشي الطبيعي للكلمات

  استخراج الأفكار من غلاف الكلمات وإعادة صياغتها

 قلة الوقت للموازنة بين ما سمعه وأوشك ان يتلاشى وما سيقوله انطلاقاً منه

 الصراع الدائم بين اللغتين والجهد المبذول لفصل ما يقوله عما يسمعه

 أن ما سيقوله هو مدلول الكلمات وليست الكلمات التي ما زال صداها يقرع في أذنيه

  ضيق الوقت بين المراحل

  عدم التمكن من التدوين إلا بشكل بسيط جداً

  تصادم وتراكب العمليات المذكورة يرغمانه على بذل مجهود إضافي في التركيز والسرعة

 مناضلته أمام تداخلات النظامين اللغويين للتغلب على غموض التعابير

  عدم التمكن من إعارة أذنه بشكل مستمر لما يقال لأن ذهنه مشغول بعمليات تستلزم تيقظاً أكبر

 تباعد وتباين النظامين اللغويين بالنسبة للمترجم العربي

 مشكلة الكلمات الأولى

 وجود  صراعين متناقضين معاً  بداخله هما السرعة والصبر في آن واحد

  ضرورة وجود ما يمكن أن نسميه حدس المترجم أي أنه سيتوقع ما سيقال دون أن تكتمل فكرة المتحدث

 مشكلة الفراغ المفرداتي

التجربة الشخصية

خاتمة البحث

المقدمة:

 الشكر لله عز وجل أولاً ثم لعمادة الكلية والمركز ثم لوكيلة كلية اللغات والترجمة الأستاذة هدى الحليسي التي بذلت جهوداً عظيمة لكي يرى هذا اللقاء النور ولن ننسى طبعاً منسقة قسم اللغة الفرنسية الأستاذة غادة محجوب و سكرتيرة القسم  الأستاذة خلود القنيعر وبالطبع رائدة النشاط الثقافي الأستاذة شريفة الزهراني، والشكر موصول بالطبع لكل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء الثقافي للكلية.

أما بعد .. يأتي دوري الآن للحديث عن مقرر الترجمة الفورية حيث سأقوم بتلخيص تجربتي الشخصية المتواضعة بعد تدريس هذا المقرر قرابة العشر سنين. وخير ما أبدأ به كلامي هو الآية الكريمة التي تقول : بسم الله الرحمن الرحيم:  " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم أمم وقبائل لتعارفوا" فهذه هي أول دعوة للإنسان بأن يتعلم الترجمة ويمارسها لأنها وسيلة تعارف وتواصل.

ولعله من الطريف أن أسرد لكن قصة بداية الترجمة الفورية حيث أن شخصاً يدعى فيلين كان صاحب متجر كبير في الولايات المتحدة وكانت له اهتمامات كبيرة في القضايا الدولية، فاتفق مع مهندس كهربائي ويدعى السيد فينلي بعد أن خطرت له فكرة أنه من الممكن أن نستمع بأذن وأن نترجم فوراً إلى لغة أخرى بواسطة مكبر للصوت ، وتحدث عن هذه الفكرة إلى توماس واتسون الذي كان مديراً لشركة آي بي إم وحصل الثلاثة على براءة اختراع . وتبنى هذا الاختراع شخص يدعى فيرجيل في فرنسا. وبعد ذلك كان لا بد من وجود مترجمين فوريين ليقوموا بهذه المهمة.

تعريف الترجمة الفورية:

 يعرفها الأستاذ شحادة الخوري على أنها " الترجمة التي تتم شفوياً تلبية لاحتياجات التفاهم بين المتكلمين بلغات مختلفة وهي اختصاص لا يتقنه إلا المتفوقون". وهي من أصعب التراجم الشفهية نظراً لأنها الوحيدة التي تقتصر على استخدام المترجم لحاسة السمع فقط، بينما الأخريات يتم فيهن استخدام البصر والسمع واللمس أو اثنتين منهما على الأقل. ويقول السيد كاري بشأن الترجمة الفورية: " يجد المترجم نفسه بحضرة رجل حي يفكر ويتحدث ، وهذا ما يطلب منه أن ينقله ". وإن المسافة بين المترجم الشفهي والحديث هي أقرب بكثير من المسافة بين المترجم الكتابي والنص.

 

 وبالطبع كلما كانت عملية الترجمة تستخدم حواساً أكثر كلما كان التركيز أكبر وبالتالي تكون العملية أسهل. وذلك يظهر جلياً في الصورة التالية:

 مستلزمات الترجمة الفورية:

 الأول والأهم هو إجادة نظامين لغويين مختلفين تتم عملية الترجمة بينهما بشكل أحادي الجانب أو ثنائي الجانب كما هو الحال عليه في عملية الترجمة الثنائية والتي تشترك بمواصفاتها مع الترجمة التتبعية والترجمة الفورية وذلك تبعاً للوقت المخصص لها وكذلك إمكانية تدوين الأفكار الأساسية.

أما ما يلزم ثانياً فهو حجرة الترجمة الفورية المجهزة بالسماعات ومكبرات الصوت والتوصيلات الكهربائية اللازمة ما بين المتحدث والمترجم وجمهور السامعين.

 

وهذه صورة تبدو فيها الأجهزة التي يستخدمها المترجم الفوري.

 

مراحل الترجمة الفورية:

 العملية الأولى تعتبر مشتركة مع الترجمتين السابقتين وهي مرحلة الإدراك السمعي أي مرحلة تلقي المعلومة عن طريق السمع وهنا يتوجب على المترجم أن يسمع وينصت ويصغي بكل ما تحمله هذه المترادفات من معان. أما المرحلة التالية وهي التي أطلقنا عليها اسم استخلاص المعنى فأنا أود هنا أن أن أشبهها بفكرة معينة لعلني أصل إلى توصيلها إليكن: فكأن الكلمات التي يقولها المتحدث تغلف فكرة معينة ومرحلة الإدراك السمعي هي تلقي هذه الكلمات المغلفة أما مرحلة استخلاص المعنى فهي مرحلة نزع هذا الغلاف أي تجريد الفكرة من الكلمات التي عبرت عنها. والمرحلة الثالثة التي أطلقنا عليها اسم عملية الترقنة تقوم على الانتقال من النظام اللغوي الأول  إلى النظام اللغوي الثاني  (الانتقال في الترجمة من قانون إلى آخر) أما المرحلة الرابعة والأخيرة فهي التي يتم فيها التعبير باللغة الهدف، فقد شبهتها بوضع غلاف جديد للفكرة أي ضبطها ضمن كلمات جديدة في اللغة الهدف.

 

أسس الترجمة الفورية:

1- فهم فكرة المتحدث والتعبير انطلاقاُ منها مع التخلي عن كلماتها الأساسية، علماً بأن عملية الفصل بين اللغتين لا تتم بصورة عفوية.

2- إيجاد الكلمات الصحيحة المتوافقة مع فكرة المتحدث رغم صعوبة التجرد من اللغة الأجنبية .

3- ضرورة تكوين الفكرة قبل بدء الترجمة فهو لن يترجم كلمات  المتحدث بل يترجم فكرته.

4- وجوب وضوح كلامه وتجانسه.(لايقصد هنا بالوضوح فصاحة التعبير وتنميق الأسلوب)

5- ترابط كلامه من الناحية المنطقية.

6- تكييف ما يقوله مع المجتمع الذي يتلقى الترجمة ثقافياً وحضارياً.

7- احترام خصائص اللغة الهدف.

8- اختيار مقام الكلام المناسب لجميع الفروق البسيطة التي قد ترد في معاني كلام المتحدث.

9- اختيار لغة مفهومة للتعبير بشكل يضمن لها ألا تكون لغة ركيكة ثقيلة على آذان السامعين.

هذه هي الأسس النظرية لعملية الترجمة الفورية وهي صعبة التحقيق، أذكر هنا بما قاله الأستاذ خوري "اختصاص لا يتقنه إلا المتفوقون". وتكمن مواطن صعوبتها بالشروط الصعبة التي تحيط بالمترجم ألا وهي:

شروط عمل المترجم الفوري:

- أولاً: يجب عليه أن يعبر فوراً عما يفهمه وإن سمح لنفسه ببضعة لحظات ليسترجع عملية التفكير فإن ذلك لن يتجاوز بضعة ثوان.

- ثانياً: إن الحديث الذي يصغي إليه غير منقول بواسطة ذبذبات الهواء كأي حديث عادي إنما يصله عن طريق تجهيز هاتفي ومكبرات صوتية وأشرطة وسماعات مما قد يربكه أو ينقص من مستوى أدائه.

- ثالثاً: قد يكون هو بذاته مصدر صوت يعيق عملية السمع وذلك لكونه يتحدث في نفس الوقت.

إذن نجاحه مرتبط بمدى تغلبه على هذه الشروط، فكلما استطاع التكيف معها واعتبارها شروط طبيعية كلما ازدادت فرص نجاحه، وكلما خشي منها وحسب لها ألف حساب، كلما كان طريقه إلى الفشل أقرب. 

وحري بنا هنا  أن نتعرف بشكل مباشر على معوقات عملية الترجمة الفورية.

معوقات الترجمة الفورية:

- الوجود السمعي المستمر للغة الأخرى.

- تلاشي الكلمات بشكل طبيعي بعد سماعها بقليل.

- عدم وضوح الفكرة لكونها مغلفة بالكلمات وعلى المترجم أن يستخرجها.

- قلة الوقت للموازنة بين ما سمعه وأوشك أن يتلاشى وما سيقوله انطلاقاً منه.

- الصراع المستمر مع اللغة الأخرى والجهد العسير لفصل ما يقوله عما سمعه.

- صعوبة الوصول إلى مدلول الكلمة يجعل عملية الترجمة غير مباشرة.

- قصر الوقت بين مراحل الإدراك السمعي واستخلاص المعنى والترقنة والتعبير باللغة الهدف.

- عدم إمكانية التدوين إلا في أشياء محدودة جداً.

- تصادم العمليات المذكورة الناتج عن سرعة تنفيذها يتطلب منه مجهوداً أكبر في التركيز.

- سيطرة اللغة الأجنبية تكاد لا تدع له مجالاً لتمييز التداخلات اللغوية.

- عدم التمكن من إعارة أذنه بشكل مستمر لأن ذهنه مشغول بأمور أخرى أكثر تعقيداً.

- تباعد النظامين اللغويين بالنسبة للمترجم العربي يعتبر عائقاً كبيراً.

- مشكلة قصر الذاكرة الفورية تجعل المترجم مرغماً على البدء رغم أن الفكرة لم تكتمل بعد، مما يفرض وجود مايمكن أن نسميه حدس المترجم.

- كونه وعاءً واحداً وبداخله صراعين متناقضين: السرعة والصبر.

- مشكلة الفراغ المفرداتي الناتجة عن اختلاف الشعوب.

                        التجربة الشخصية:

أما الآن فسأعرض لكن تجربتي المتواضعة في هذا المجال: أقوم باختيار نصوص من الأحداث المعاصرة بلغة شفهية طبعاً كخطابات لرجال السياسة أو الاقتصاد أو تصريحات صادرة عن جهات رسمية كالوزارات والمنظمات العالمية أو ماشابه ذلك في هذا المجال لاسيما في عصرنا الحالي الذي تتزايد فيه القنوات الفضائية الإخبارية والشبكة العنكبية وما إلى ذلك من عالمنا الإعلام.

وبالطبع تدرس المادة في المختبر  اللغوي حيث يتم في البداية تدريب الطالبات على آلية استخدام المختبر بكل تفاصيله لكي يتسنى لها فيما بعد أن تقوم بتسجيل ترجمتها على شريط كاسيت يتم فيما بعد تقييم أدائها من خلاله.

فالمطلوب إذاً هو أن تقوم الطالبة بترجمة ما سمعته فورياً دون الاطلاع المسبق على النص لذا يتوجب عليها تماماً إدراك صعوبة المهمة التي تقوم بها والاستعداد لذلك بأفضل الوسائل الممكنة.

وبالفعل يطلب من جميع الطالبات دون استثناء وبشكل دوري ترجمة جزء من النص وأقوم بالتصحيح مباشرةً وأسجل في كل مرة الأخطاء لكي أتمكن فيما بعد من حصرها ومحاولة التغلب عليها في أي مرحلة من مراحل الترجمة المذكورة سابقاً.

بعد هذه المرحلة تأتي مرحلة التدريبات وهي عبارة عن تمارين مصطلحاتية تفيد في تنشيط ذاكرة الطالبات حيث يقمن ضمن فرق صغيرة بالتباري فيما بينهن لإعداد أكبر قائمة مصطلحات وردت في النص المترجم.

وهناك نوع آخر من التمارين يعتمد على تعويدهن على استخلاص الأفكار الرئيسية للنص مما يعينهن أثناء الترجمة على المرحلة الثانية من مراحلها أي مرحلة استخلاص المعنى.

ومن التدريبات المهمة أيضاً أذكر تدريب المراجعة مع الطالبات للمفردات والجمل أحادية المعنى، وكذلك الأرقام والصفات العددية والتواريخ والنسب المئوية والكميات التقديرية وأسماء البلدان والعواصم وأسماء سكان الدول وكذلك الألقاب والمسميات الوظيفية في مجال السياسة والعلاقات الدبلوماسية. ولابأس أيضاً من تذكيرهن بالسوابق واللواحق الأكثر استخداماً وكذلك بالكلمات اللاتينية واليونانية التي قد ترد في كلام المتحدث ولا يجدن مقابلاتها.  فعندما يستحضرن ذلك بواسطة الذاكرة بشكل مستمر يكسبن الوقت أثناء الترجمة من أجل العمليات الأخرى التي تتطلب جهداً أكبر.هذا بالإضافة إلى حثهن على تطوير مستواهن الثقافي من خلال متابعة أحداث الساعة سواءً عن طريق القنوات الناطقة بالفرنسية أو عن طريق بعض المواقع المتخصصة بذلك على الشبكة العنكبية. ومن التدريبات المهمة أيضاً في هذا المجال تمرين الاستماع للغة معينة والتحدث بلغة أخرى في نفس الوقت.

كل ذلك يشكل المادة العلمية لهذا المقرروبإمكانهن مراجعته عند الحاجة لذلك سواءً قبل المحاضرات أو قبل الاختبارات.

تعتبر هذه المرحلة من التدريبات مشابهة إلى حد كبير مايقمن به الطالبات أثناء تعلم آلية الترجمة التتبعية فالمطلوب منهن كما تؤكد ماريان لوديرير تطبيق ما تعلمنه في التتبعية على الفورية.

هذا الكلام ينطبق على طالبات يفترض أنهن قد تجاوزن المشكلات اللغوية الناتجة عن عدم التمكن من قواعد النحو والصرف والاشتقاق والأسلوب واللفظ ومخارج الأحرف ونبرة الصوت وما إلى ذلك من مشكلات تعيق عملية الترجمة السليمة.

خاتمة البحث:

وأخيراً كان بودي أن أتطرق للحديث عن تصنيف نوعيات الأخطاء التي ترد مراراً عند الطالبات ولكن أرى أن عقارب الساعة تشير إلى قرب انتهاء الوقت المخصص لذا سأقوم بختم ما قلته في هذه اللمحة عن الترجمة الفورية وماسأقوله ينطبق أيضاً على كافة أنواع الترجمة الشفهية.

نحن نعيش اليوم في عالم ترتفع فيه شعارات تنادي ب " تقبل الآخر" و"الحوار مع الآخر" و" التعايش مع الآخر" فكيف لنا أن نتوصل لتحقيق ذلك دون وجود مترجمين ماهرين قادرين على حل كل أنواع المشكلات التي تعترض سبيلهم.

عوامل نجاح الترجمة الفورية:

1- المعرفة اللغوية القصوى لكل من النظامين.

2- الخلفية الثقافية الغنية.

3- المتابعة المستمرة لأحداث الساعة.

4- الذاكرة النشطة الحاصلة نتيجة للقراءات والاطلاعات عن طريق وسائل الإعلام كافة.

5- سرعة البديهة وحسن التصرف عند مواجهة صعوبات معينة.

6- سلامة اللفظ في اللغة الأجنبية.

7- الجرأة والطلاقة الغالبتين على لغة المترجم.

8- التمتع بالروية والسرعة بآن واحد.

9- محاولة امتلاك الحدس والتوقع لما سيقوله المتحدث.

10- الحفاظ على السلامة الصحية والنظام الغذائي المتوازن وأخذ قسط كاف من الراحة قبل دخول غمار تجربة الترجمة الفورية لأنها بحاجة إلى أعلى حد ممكن من التركيز.

- التدرب التقني الكافي على أجهزة مختبرات الترجمة الفورية.11

دراسة تحليلية لصعوبات الترجمة التطبيقية للكتب الاقتصادية الجامعية في الجزائر(3)

مداخلة علمية قدمت في إطار الملتقى الدولي الرابع حول" استراتيجية الترجمة " الرهانات الاقتصادية للترجمة المنظم من طرف كلية الآداب واللغات والفنون ،قسم الترجمة ، جامعة وهران السانية ( 10- 11- مايو 2004 )

مدخل تمهيدي

تعتبر الترجمة علما وفنا وذوقا، ولابد من التخصص بإحدى مجالاتها تخصصا دقيقا حتى يصبح المترجم على إطلاع مستمر ويواكب تطورات الصياغة للمفردة والعبارة في مجال تخصصه ، لاسيما إذا كان في المجال الذي يقتضي إضفاء الروح الجمالية على النص مع المحافظة على أمانة المعنى الصحيح ، فالترجمة ما هي إلا مرحلة أساسية لعملية الإيصال المعلوماتي ،وخاصة في مجال تخصصنا (الترجمة الاقتصادية والمالية ) ويمكن القول كذلك أن الالتزامات القانونية وأهداف الاتصال المالي متعددة ، فالمعلومة المالية تقدم على شكل تحليلات وتقارير سنوية وبيانات صحفية وكتب ذات طابع اقتصادي ومالي ويتم نشرها بعد ذلك مع التطور التكنولوجي عبر مواقع الإنترنت وتصبح الواجهة بالنسبة للشركة التي قامت بنشرها ، وعليه فإن الترجمة ذات الطابع الاقتصادي والمالي يجب أن تدعم أهداف الاتصال المعرفي واسترجاع المعاني في المجالات الفكرية، خاصة الاقتصادية منها وهكذا، لنا أن نتساءل عن ماهية الترجمة الاقتصادية ، وموقعها بين العلم والفن والذوق المنهجي الراقي ، فبإمكان أي شخص كان وبمحدودية معلوماته في اللغات أو في تسيير شبكة الإنترنت أن يفتح قاموسا أو موقعا إلكترونيا وينقل المعنى بطريقة لغوية مباشرة أي الترجمة كلمة بكلمة، وهنا تفقد الترجمة معناها خاصة في مجال العلوم الإقتصادية ، فالترجمة الحقيقية في العلوم الاقتصادية تعني وبصفة مترابطة ومتكاملة ترجمة معنى الكلمة والجملة والفقرة والنص من لغة إلى لغة أخرى مع إعطائها البعد الجمالي والحضاري المميز.

تعريف الترجمة:

تعتبر الترجمة مرحلة أساسية لعملية الاتصال المعرفي وما يتصل بذلك من جوانب علمية وفنية وأخلاقية ، وفضلا عن ذلك فالترجمة التزامات قانونية وأهداف اتصالية متعددة فيما بينها من حيث تطوير هذه الالتزامات وأهداف الاتصال متعدد الأبعاد والذي يهدف إلى تحفيز وإثراء تقييم المصطلح و الكلمة أو الجملة أو حتى الفقرة لزيادة مصداقية المترجم والترجمة .

إن الكلمة أو المصطلح المراد ترجمته يقدمان على شكل تحليلات وتقارير وبيانات ويتم نشرهما بعد ذلك سعيا لاثرائهما عبر التدقيق اللغوي والمنهجي ، والترجمة في مجال العلوم الاقتصادية يجب أن تدعم الكتاب الجامعي كما تدعم المؤسسات الاقتصادية والإدارية، وخاصة المالية منها في عصر العولمة وسرعة تغير المصطلحات دون التغيير في روحها ، فمن أهداف الاتصال استرجاع معاني الكلمات مع ربطها بالأثر المبحوث عنه والمستهدف بخصوص المستفيدين من عملية الترجمة، ويظهر في المقام الأول الطلبة الجامعيون في مرحلة التدرج وما بعد التدرج وكذلك الباحثون والمستفيدون من عملية الترجمة.

مجالات الترجمة :

تتجلى هذه المجالات عبر وجود العديد من أنواع الترجمة تبعا للاختصاص، ولا يكفي للمترجم في هذه الحالة المعرفة النظرية وفقط للكلمات، بل يجب أن يكون له المام بمجال العلوم التي يقوم بالترجمة منها واليها ، فكل شخص عاد بامكانه فتح المعجم ونقل المعنى ليصبح بعد ذلك في عداد المترجمين ، ولكن لا يعدو العمل الذي قام به ترجمة لان الترجمة علم وفن وتقنية ، و النقل كذلك من لغة إلى أخرى لايمكن أن ننظر إليه على انه مهمة يسيرة وبسيطة ،وإذا لم نعط الترجمة معناها الاصطلاحي فانه لايمكن أن يكون هناك تخصص أو مجال اسمه الترجمة ، ولايمكن أن ترقى مهنة المترجم إلى مهنة ودرجة الطبيب أو المهندس أو المحامي ، فالترجمة هي علم وفن وذوق ، وهي حقل من أهم حقول المعرفة ، وللترجمة اختصاصاتها وتشعباتها الدقيقة ، فهناك الترجمة العلمية البحتة التي تتفرع عنها الترجمة الطبية والترجمة الهندسية والقانونية ، والتي بدورها تتفرع عنها ترجمات جزئية ، وهناك أمثلة قد تؤدي إلى تشويه المصطلحات المترجمة كما نلاحظها في جل الكتب الاقتصادية المترجمة من اللغتين الفرنسية والإنجليزية إلى اللغة العربية ، وهنا يظهر انعدام الحس والذوق الفني الراقي في الترجمة ،وبناء على ما سبق ذكره، يمكن لنا تقديم مجالات الترجمة كما يلي :

الترجمة الأكاديمية

الترجمة العامة

الترجمة الأولية

الترجمة القانونية

الترجمة الطبية

الترجمة العلمية

الترجمة النفسية

الترجمة ذات الطابع المحلي

الترجمة المتعددة الوسائط

الترجمة للعناوين الجزئية

الترجمة ذات الطابع الازدواجي

الترجمة لخلق مواقع على شبكات الاتصال ( الانترنيت)

الترجمة الاقتصادية

الترجمة المالية

الترجمة المتأثرة بطابع العولمة

الترجمة إذن، وكما عالجنا أعلاه هي علم وفن وذوق راق ، وفي بعض الحالات يجد المترجم في اللغة الاقتصادية المتطورة والراقية نفسه في حيرة من أمره من باب اختيار المفردات الدالة وذات المعاني الارتكازية ، فهناك المفردات أو الصياغات التي تظهر وأنها جميلة ولكن في نفس الوقت لا تؤدي معناها، وكذلك وحتى نتفادى الصعوبات التي تلاقي المترجم في مجال العلوم الاقتصادية ، يتعين اختيار الكلمات والمصطلحات الأكثر تعبيرا وتأثيرا وهذا بطبيعة الحال يتعلق بالنصوص الاقتصادية والمالية والأعمال الثقافية خاصة الفكر الاقتصادي منها، فالكثير من الناس يحبذون القيام بالترجمة الاقتصادية والمالية دون ان يكونوا مهيئين لذلك ، ومع النتائج التي لايمكن إطلاقا تصورها ، فيلاحظ غياب شبه كلي لقدرات التحرير والصياغة وكذلك الغياب التقريبي أو انعدام كلي للموضوع المعالج ، وهما عنصران كابحان للترجمة خاصة إذا كانت هذه الترجمة اقتصادية كما ذكرنا.

ففي هذا المجال من التخصص، يجب الفهم والفهم الدقيق والتفصيلي للمصطلحات الاقتصادية بغية التبسيط ، فلا يجب أن ننسى طرح سؤال جوهري من طراز ماذا تعني هذه الجملة؟ وماذا تعني هذه الكلمة؟وماذا تعني هذه الفقرة ؟، كما يجب إعادة تنظيم ومراجعة وتجميل النص المترجم واختيار المفردات التي لها معنى ، فاللغة الاقتصادية والمالية هي في نفس الوقت لغة حية مزودة بشخصية خاصة وبلغة تقنية جدا، وهناك مستجدات تطرأ على لغة التخاطب والصياغة ، ولابد للمترجم أن يواكبها لتكون ترجمته قريبة من المنطق المتداول والمفردة الشائعة حتى لاتكون النصوص المترجمة غريبة عن هذا الواقع، وهذه الأمور غالبا ما تستجد في مجال البحوث الاقتصادية والمالية والإعلام من واقع ما يعرف بالمجلات المتخصصة والمحكمة والمعروفة باسم الدوريات والتي غالبا ما تكون لها لجان للقراءة تتكون من خبراء للقيام بالتحكيم العلمي ومن ثم الإذن بالنشر وتكون هذه النشريات كتبا كانت أو مجلات متخصصة تحمل الترقيم الدولي من طراز :

ISBN و ISSN

يتعين على المترجم في مجال العلوم الاقتصادية أن يكون على إطلاع واسع ومستمر على مثل هذه المستجدات في الصياغة فعلى سبيل المثال لا الحصر دخلت تعابير عديدة على الخطاب الإعلامي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ومنها الحالة التي نتناولها كموضوع وتكون على شكل حزمة واحدة من أفكار جديدة معولمة ، فمثلا مصطلح العولمة ، يوجد له مرادف آخر وهو الكوكبية ، ومصطلح الخوصصة يوجد له عدة مراد فات مثل الخصخصة ، التخاصية ، قأي المصطلحات سوف يختار المترجم ؟، وهل يقوم في كل مرة بشرح المصطلح وفق التسلسل الزمني لبروز ذلك المصطلح ؟، ثم هل هناك توحيد للمصطلحات ؟ وقد وقفنا من واقع تجربتنا وخبرتنا في إعداد أسئلة البكالوريا التقنية الاقتصادية على الكثير من المتاهات في مجال المصطلح ، فعلى سبيل المثال هناك مصطلح ملاءة الذي يقابله باللغة الفرنسية مصطلح لا يعبر عنه ، في حين أن هذا المصطلح ومن مبدأ المرادف العربي تقابله كلمة استقلالية ، لكن هذه الكلمة الأخيرة لو نريد ترجمتها للغة الفرنسية فهي تفقد معناها، وقد وردت كذلك كلمة أو مصطلح الأنقاض للدلالة على القيمة المتبقية للاستثمارات ، حيث نلاحظ أن المصطلح الأول ترجمة حرفية ومباشرة دون تكييفها مع الواقع الاقتصادي ، وهذا المصطلح ام يتعود عليه تلاميذ البكالوريا في الثانويات التقنية وأدى بهم إلى الخروج عن الموضوع .

الأهداف الأساسية للتخصص في الترجمة الاقتصادية

من خلال تجربتنا المتواضعة في مجال الترجمة الاقتصادية، توصلنا إلى أن المترجم في بلد كالجزائر يتعين أن يتقن اللغات الثلاث وخاصة في مجال العلوم الاقتصادية والتجارة الدولية ليتمكن من تمييز أهم الوثائق التي يمكن القيام بترجمتها مثلما هو الحال في البلدان الأوروبية والأمريكية وحتى بعض البلدان العربية مثل مصر الرائدة في مجال الترجمة والتي ستحتفل في شهر ماي 2004 بإصدارها الكتاب المترجم رقم 750 ، وغني عن الإشارة إلى هذه الوثائق المترجمة باعتبارها رافدا وأساسا للمطبوعات من كتب ومجلات متخصصة ، فانه من بين أهم الوثائق المترجمة نذكر في المجال القانوني العقود الدولية قوانين الشركات ، رسائل النية ، بروتوكولات الموافقة ، براءات الاختراع، أما في المجال الاقتصادي والمالي فهناك ، البيانات الصحفية ، الإعلانات التعليمات للمستثمرين ، التوليفات حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية نم التقارير السنوية ، الوثائق الاقتصادية الكلية ، ولابد أن ترتبط الترجمة القانونية بالترجمة الاقتصادية حتى تكتسب المصداقية ، ولاكتساب المصداقية يجب ان تكون هناك أهداف أساسية تدور حول ثلاث محاور أساسية من ناحية الموارد :المصطلحاتية ، الجملية ، الوثائقية والمستندية ، ومن أهم هذه الأهداف نذكر مايلي :

عرض حال حول الترجمة من اللغات الحية إلى اللغة العربية في إطار العولمة الاقتصادية والمالية ،أي يجب مواكبة التطور في مجال الثراء الخاص بالمصطلحات

ضرورة معرفة ظروف تحليل الأسواق وتطوراتها الخاصة بعرض وطلب الكتاب المترجم من اللغات الحية الى اللغة العربية في مجال العلوم الاقتصادية ، فالسوق الجزائرية للكتاب الاقتصادي تشكو نقصا فادحا في العناوين المترجمة ، علما ان هناك أكثر من 250 – 350 كتابا أكاديميا ثمينا لا يجد قراءا، نظرا لتعريب العلوم الاقتصادية في الجزائر منذ الثمانينيات ولم تتم عملية ترجمة هذه الكتب لأسباب تبقى دوما غير معروفة لظروف مؤقتة كان يمكن تجاوزها

تحليل ووضع النقاط على الحروف في مجال تطورات وضعية العربية المترجمة والترجمة إلى اللغة العربية من حيث الجانب الذوقي والجمالي والعلمي

تحليل إشكالية الترجمة من والى اللغة العربية بمصطلحات الاستراتيجية وتنمية الوسائل والبحث والنمو ، وكل هذه الأخيرة من عناصر كبح الترجمة في مجال العلوم الاقتصادية

التساؤل المستمر حول معوقة النموذج المعرب الذي يتقبله جمهور القراء من الطلبة الجامعيين والباحثين الأكاديميين

إعداد الاستراتيجيات الكبرى لتنمية جانب اللغة العربية كلغة اتصال دولية في الإطار السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي النابع من حراك المجتمع

إعداد عرض وميزانية للمساعدات المقدمة من طرف هيئات التعريب والترجمة لأجل التنمية والترجمة وتكوين المترجمين الأكاديميين في البلدان النامية ومن بينها الجزائر

تحليل الاستثناء الثقافي المعرب خاصة في مجال العلوم الاقتصادية والكتب المرتبطة بها وحصرها في إطار التعددية المحتملة

توضيح مفاهيم للعلاقات بين الهيئات التكوينية في مجال الترجمة من اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى العربية من حيث التكاملية والمنافسة والتناظرية وكذلك إثراء ودعم الجمعيات الجامعية في مجال الترجمة

إن الكلمات والمصطلحات لا تستمد معانيها من طبيعتها المادية باعتبارها سلسلة من المعاني على سبيل المثال ولكنها تستمدها من الأغراض التي تؤديها في نقل المضمون غير المادي وقيمة المصطلح وكذلك لا تعمل على تحييدها المادي ولكنها تقوم على الوظيفة التي تؤديها باعتبارها وسيلة عامة من وسائل الاتصال المعرفي ، لان اللغة ليست مجرد أداة لجعل الأفكار قابلة للانتقال فيما بين البشر وإنما هي تجسيد مادي للأفكار وهي الصورة الوحيدة لوجودها في و اقع الأمر، فالنص الخاص للترجمة قد تم تحريره من طرف المحلل في لغة أجنبية ولا يزال لم يحول إلى صورته النهائية ، حيث يجب أن يتم ذ لك من خلال العديد من المترجمين مع الأخذ بعين الاعتبار للزمن والآجال ، فالترجمة الاقتصادية للكتب والمطبوعات الجامعية تغطي مجالا واسعا والذي يتضمن التحليل المعلوماتي والاتصال ومعاني الكلمات مرورا بالبحث في المجال الاقتصادي

وككل تخصص، فالترجمة تتطلب وتستلزم معرفة معمقة للنشاط وفهم جديد للآليات العلمية ، وهذه القدرة المزدوجة في مجال اللسانيات والتقنيات يتم تحصيلها في الجزء الأكبر عن طريق ممارسة هذه المهنة، إضافة إلى الوسائل المتعلقة بالتخصص وبإنجاز البحث التوثيقي للمصطلحات التي تسمح بالتكوين التدريجي للمعاجم الاقتصادية، و تعتبر شبكة الانترنيت ذات وزن في البحث التوثيقي الاقتصادي لأنه وفي الوقت الراهن فان اغلب دور النشر ومن خلال الكتب والدوريات المنشورة تقدم وتعرض نشاطها ومعطياتها المعلوماتية ذات الطابع الأكاديمي على شبكة الانترنيت ، وعليه لابد من تدقيق ومراجعة ووضوح المعلومات التي تقترحها مواقع الانترنيت قبل ضبطها وأدراجها في قاعدة المعطيات وكذلك استخدامها في عملية الترجمة . من خلال قراءاتنا لأهداف وأهمية الترجمة باعتبارها مرحلة مهمة من مراحل الاتصال فقد تكونت لدينا نظرة كلية حولها من واقع ملاحظتين أساسيتين:

 الملاحظة الأولى: الاحتياجات في مجال ترجمة الكتب ذات البعد المالي والاقتصادي لا تتوقف عن الزيادة في إطار ومحيط العولمة الخاصة بالنشر المعرفي

 الملاحظة الثانية: إن اللغة المسيرة في الترجمة الاقتصادية والمالية هي اللغة الإنجليزية وتليها الفرنسية، وان التوليفة المنطقية للسانيات تتضمن اللغتين الفرنسية والإنجليزية وكذلك العربية باعتبارها لغة تدريس للعلوم الإنسانية في بلد كالجزائر

اللغة ، المصطلح والعلوم الاقتصادية :

بصورة متماثلة، تأسست اللغات بالتدريج عن طريق الأعراف والمواصفات الإنسانية دون أي تعاهد ، وبصورة متماثلة أيضا أصبح الذهب والفضة معيارين عامين للتبادل، إن تشبيه الكلمة بالعملة أكثر من مسالة تفسير مجال معين للخبرة الإنسانية بطريقة مجازية باستعارة أدوات مفاهيمية من مجال آخر. لقد نظر هيوم لكل من اللغة والنقود باعتبارر هما عرفين من دون أي تعاهد، أي عرفين ليس لهما صفة الإلزام أو الإكراه و حيازة احدهما لا تقتضي ضمنا إلزاما للآخرين بقبول ما يتعين على الحائز أن يقدمه بقيمته الاسمية أو بغيرها .

ان قيمة الكلمات تعتمد على الاستعمال العام المحدد بالزمان والمكان حيث يشير الفيلسوف يوهان جورج هامان في هذا الشأن قائلا" النقود واللغة موضوعان يتسم البحث فيهما بدرجة من العمق والتجديد توازي عمومية استعمالها وهما مرتبطان احدهما بالأخر بشكل أقوى مما هو متصور ونظرية احدهما تفسر نظرية الآخر " يبدو من خلال هذه الفقرة أن النقود واللغة يقومان على أسس مشتركة فثروة المعرفة الإنسانية كلها تقوم على تبادل الكلمات و من ناحية أخرى فان كل كنوز الحياة المدنية و الاجتماعية ترتبط بالنقود بوصفها معيارها العام، فمن خلال الاعتقاد في التطابق بين الكلمة وما تشير إليه ، أو في الارتباط الضروري بينهما ، فان الافتتان بالكلمات قد أدى أيضا إلى الحكم الخاطئ على الطبيعة الحقيقية للمعنى اللغوي باعتباره علاقة بين الصيغة والمحتوى تقوم في العرف الاجتماعي الذي يتمثل شرطه المسبق في امكانه أي يكون مختلفا، فالاسم اصطلاح وليس إشارة ، وقد جسد هذه المقولة الاستنتاجية( أنطوان دي رافارول):

" الكلمات مثل النقود كانت لها قيمة محدودة قبل أن تعبر عن كل أنواع القيمة " فاللغة ليست مجرد أداة لجعل الأفكار قابلة للانتقال فيما بين البشر وانما هي التجسيد المادي للافكار بل هي الصور الوحيدة لوجودها في واقع الأمر. اللغة و المترجم : هناك جانب حاسم بالنسبة للمترجم ، فالفرضية الأساسية الفعالة بالنسبة للمترجم هو أن الأفكار المعبر عنها في لغة معينة يمكن أن يعاد إنتاجها بلغة أخرى ، ولهذا فان هذه الأفكار تعتبر مستقلة عن اللغات الفردية ، ونظرا لأنه لا يمكن للغتين أن تتم مطابقة احداهما مع الأخرى بطريقة متناظرة تماما فان الترجمة ينظر إليها باعتبارها فنا وليس باعتبارها نقلا ميكانيكيا خالصا وبالتالي، فان المترجم متهم في الاعتقاد الشائع بكونه ليس وسيطا أمينا فقط ، بل بكونه أيضا فنانا غير موثوق به تماما ،" فالمترجم خائن ، و الصرافون أيضا كما يظهرون في كثير من المسرحيات و الروايات ليسوا ذوي سيرة طيبة في نظر الجمهور"، وقد تقاسم المترجمون و الصرافون هذه السمعة المشكوك فيها لزمن طويل. إن النظر لتبديل النقود والترجمة كأداة للاتصال هما عمليتان متشابهتان و هما نتيجة مباشرة لمجاز التبادل .

فالترجمة وخاصة الاقتصادية منها لها جوانب تاويلية وبنيوية تتمثل في اللغة وقد تعزز شان الإصلاح اللغوي بوصفه علاجا للتحليل الخاطئ ، كما اعتبرت صياغة شروط صحة الجمل بمنزلة الركيزة للتفسير الوحيد الصحيح للحقيقة ، وقد وصفت مهمة الفيلسوف باعتبارها تجاوز اللغة إلى الظواهر في ذاتها بالنظر للغة باعتبارها محل الوجود وأساسه وقد فهمت مسالة الترجمة باعتبارها الإمساك بمفتاح فهم العالم وفهم أنفسنا كما يقال وتم التفكير في الخطاب بشكل فلسفي بوصفه الحقيقة في ذاتها .

يتعين اعتبار اللغة في مجال الترجمة امرا له قيمته ليس بالمعيار المعنوي وحده لكن أيضا بالمعيار المادي كما ان قيمة النقود تتجاوز بكثير وظيفتها باعتبارها أداة لتبادل السلع الاقتصادية وكل من اللغة والنقود تدين بوجودها للاعتماد المتبادل بين الناس على الرغم من أنهما تباعدا بين الناس من خلال كونهما وسيطا لتقاعلهم اجتماعيا ، فالنقود تقوم أيضا بوظائف اتصالية شانها شان النقود .

إذا لم نفهم اقتصاديات اللغات فإننا لن نتمكن من فهم تطور الخريطة اللغوية للعالم ومن ناحية أخرى فان الفهم الصحيح لبعض التطورات الاقتصادية يعتمد على قبول الكلمات بقيمتها الاسمية بمعنى ان نتعامل مع اللغة بوصفها عاملا اقتصاديا مستقلا بذاته

وفرة المصطلحات في خدمة الترجمة

يعبر ليبنزعن أهمية التفاضل المعجمي قائلا : " الثراء ذو أهمية أساسية في اللغة وهو يكمن في وفرة الكلمات القوية الوافية بالمراد والمناسبة لكل المواقف ولا يكمن في قلتها ، وهذا من اجل ان يمثل كل شيء بقوة وبشكل ملائم ، وان يصور الألوان الحية كما هي، وقد كان ليبنز واعيا تماما بمشكلات حساب الكلمات وبالتالي تصوير الثروة النسبي لمعجم أي لغة معينة، بل أشار أيضا إلى طريقة ما للتعامل معها ، وهي بالتحديد المقارنة اللغوية عن طريق الترجمة ،" المعيار الصحيح للوفرة او النقص في لغة معينة يوجد في ترجمة الكتب الجيدة من تلك اللغات إلى تلك اللغة….وفي الوقت نفسه فان اللغة الأغنى و الاكثر ملاءمة هي تلك التي تسلم نفسها بسهولة اكبر للترجمة الدقيقة وتكون قادرة على تتبع الأصل خطوة بخطوة"

وهذه الطريقة تكشف عن علاقات غير متماثلة بين أي لغتين حيث تكون الترجمة من احداهما إلى الأخرى أسهل من الترجمة في الاتجاه المعاكس وعلى سبيل مثال كما لاحظ ليبنز فان اللغة الالمانية تعاني عجزا بالمقارنة مع اللغات الاوروبية الأخرى ، وهو السبب وراء طلبه للاعتناء المقصود لمعجم الألمانية ، وبالمثل يمكن ان نلاحظ اليوم ان كثيرا من اللغات المتحدث بها في العالم ما قبل الصناعي تظهر عجزا معجميا كبيرا بالمقارنة بتلك اللغات الاوروبية المشتركة التي استطاعت التغلب على الاحتياجات المعجمية الناشئة عن التصنيع . ومن هنا، توجد اختلافات بين معاجم اللغات المختلفة وهي اختلافات مستقلة تماما عن مشكلة التقسيم إلى كلمات وباستعمال الكلمة الإملائية بوصفها الوحدة الأساسية للمقارنة ، فاننا نتجاهل عددا من المشكلات التي يجب ان تنشأ بسبب أنظمة الكتابة و اصطلاحاتها والتقاليد المختلفة لصناعة المعجمية وما تزال طريقة ليبنيز تجعل من الممكن مقارنة الثراء النسبي لمعاجم اللغات المختلفة ، كما ان الاختلافات التي تظهر يمكن تفسيرها وحتى التنبؤ بها على أساس الاحتياجات الوظيفية التي يجب ان تسدها اللغات المختلفة.

ان مجالات الاحتياجات الوظيفية أيضا تختلف بين اللغات بعضها البعض ، وهذا الامر ينطوي على قدر من الأهمية فيما يتعلق بصلاحية قانون تناقص الغلة المعروف في علم الاقتصاد وفي لغة الاقتصاد ، فهذا القانون يتنبأ بالنقص وليس بالوفرة في ذخيرة الأدوات المعجمية ، لان الفائدة الاضافية لكل مفردة إضافية تتناقص بشكل ثابت ، ولكن صلاحية هذا القانون ليست صلاحية مطلقة بل مرتبطة بالوظائف المتاحة ، وحقيقة فإن مفردات اللغات المختلفة تختلف في المقدار ولا تعني بالتالي ان للجانب الاقتصادي للتناظر الوظيفي للأداة لا ينطبق على المعجم ولكنه يعني بالأحرى ان المقدار الكلي للمفردات الذي يجب على المتحدثين ان يكونوا قادرين على إنجازه بالوسائل اللغوية ليس واحدا في كل اللغات وهذا ما يظهره بشكل أكثر وضوحا النمو المعجمي الضخم في العقود الحديثة الذي يميز كل اللغات المشتركة الحديثة ، وأخيرا فان العلاقات المتبادلة أي علاقات التكرار والرتبة والطول وعدد المعاني و التبديلات الصيغية لكلمة معينة هي علاقات ذات جانب ديناميكي مهم له تأثير في تطور المعجم ، فكلما دخلت كلمة جديدة للمعجم تغير تكرار وقوعها وغيرت أيضا صيغتها وامكاناتها الدلالية ، وقابلية تبديلها فهناك ميل نحو الاختصار كأن نصيغ Fin/Final . Eco/Economie , HIFI/High F iacelity , Phone/ telephone وليس نحو الاتجاه الأخر، وهناك سمة أخرى للاقتصاد البنيوي على المستوى المعجمي وهي الميل إلى الصيغة غير القابلة للتغيرفي الكلمة ، وهو ما يرفع قابلية الكلمات للتبديل كما يمكن ان نرى في الإنجليزية أنها أكثر تطورا من اللغات الاوروبية الأخرى . وهذا الميل يعبرعن نقسه بحقيقة ان الكلمات يمكن ان تغير بسهولة ادوارها القوا عدية أو اقسامها في الكلام ( اسم ، فعل ، ظرف ، أداة، ….الخ ) .

والميل نفسه لتأثيره أيضا في اللغات الأخرى كالهولندية و الالمانية حيث تشغل الهولندية بنظامها المختصر للحالة الصرفية و الجنس مركزا متوسطا بين الإنجليزية والألمانية التي تحتفظ بأغنى صرف تعريفي ، وعلى العموم فان استغلال امكانات التوسيع الوظيفي و التبسيط والاختصار و التنظيم حيثما يقتضي الأمر هو جانب من تكيف المعجم المستمر لاحتياجات مستعمليه الاتصالية و النظر في عزله إلى تقصير والى التوسيع المتكافئ ، وعلينا قبول رأي تطوري عن اللغة يفترض ان الجماعات اللغوية تكيف لغاتها للاحتياجات الاتصالية القريبة وكذلك فان جوهر اللغة يختزل إلى مجرد آلة في الصراع الاجتماعي وليس وسيلة إلى إعطاء صورة وتعبير عن العقل الإنساني .

الترجمة والمعاجم

ان ما قيل عن المعاجم يمكن قوله أيضا بمعنى اوسع عن الترجمة وحيثما اعتبرت اللغات ثروات اجتماعية، فان الترجمة يجب ان تفهم باعتابرها استثمارا طويل الأمد من اجل الحفاظ على قيمتها او زيادتها وحيث ان كل ترجمة إلى لغة تضيف قيمة اليها فانه يمكن النظر إلى مجمل كل الترجمات إلى لغة ما باعتباره مؤشرا آخر على قيمتها، وفضلا عن ذلك، فان حركة الترجمة إلى لغة ما تكشف عن مقدار العمل النوعي الذي يمكن لمجتمع ان يخصصه لهذا النوع من المهن ، وامكانات اليابان في الناحية توضحها البيانات الإحصائية القليلة المتاحة، ففي فترة أكثر بقليل من ثلاث أعوام بدءا من 1984 وحتى 1988 ترجم إلى اليابانية أكثر من 22الف عنوان ،وهذه الـ7 آلاف عنوان تقريبا كل عام هي عناوين كتب واضافة لهذا فان حجم الترجمات إلى اليابانية سوف يكون أكثر كثافة إذا ما وضعت في الاعتبار المقالات في الدوريات العلمية والدوريات الأخرى ويستنتج من هذه الأرقام ان اليابانيين عازمون وقادرون على تخصيص نفقات كبيرة من اجل ان يجعلوا الأفكار العملية والأعمال الأدبية المنشورة لأول مرة في اللغات الأخرى متاحة في لغتهم ، وبهذه الطريقة يطوعون لغتهم لأكثر المتطلبات الوظيفية حداثة .

ويرتبط حجم الأدبيات المترجمة بحجم الجماعة اللغوية للغة التي نحن بصددها ، و الناشرون اليابانيون يزودون سوق ضخمة. وكذلك يفعل زملاؤهم الألمان الذين أنتجوا في العام 1987 65680عنوانا جديدا، منها 9325 عنوانا مترجما (6329عنوانا من الإنجليزية و1108عنوانا من الفرنسية)، ولم يقابل هذا الا بـ 2391تصريحا منحت لناشرين أجانب لترجمة كتب المانية ، وليس هذا انعكاسا للتقدير المنخفض للأدبيات الالمانية بقدر ماهو انعكاس لحقيقة ان العلماء الألمان اليوم يختارون النشر بالإنجليزية وهو ما يضعف على نحو مباشرقوة اللغة الالمانية في السوق العالمية وكما اشرنا من قبل، فان قابلية الترجمة المتبادلة على مستوى معين : هي امكان عام إذ يمكن إنجازها عن طريق إجراء تخطيط لغوي ملائم حتى بالنسبة للغات التي لم يترجم إليها شيئ قط ، كذلك تعد قابلية الترجمة المتبادلة على مستوى آخر خاصية متدرجة تمتلكها كل لغة في كل فترة من تاريخها بدرجة اكبر أو اقل وضمان قابلية الترجمة المتبادلة من دون قيود للغة ما عن طريق التوحيد و الابتكار المستمر للمصطلحات يحقق اكبر فائدة للاقتصاد الوطني الذي يعتمد عليها وعودة لتشبيهنا مرة أخرى ، فان اللغة التي لا تهيئ نفسها بسهولة للترجمة من اللغات الأعلى تطورا لن تحظى الا بتقدير ضئيل مثلها مثل العملات غير القابلة للصرف.

الســــــــــوق واللــــــغة

وصفنا فيما سبق تكون اللغة المشتركة باعتبارها جانبا ضروريا من جوانب التطور الاجتماعي الذي يأتي معه خلال عملية التكيف للحاجات الاتصالية الجديدة بمزيد من التفاضل و مزيد من التكامل، وقد اتضح في النهاية ان ميدان استخدام اللغة المشتركة احد ملامحها الفاصلة لأنه وحسب روسي لاندي الذي نظر للسوق و اللغة بوصفهما نظامين متماثلين و طبيعة هذا التماثل قد بحثت باكبر تعمق، وتكون من ناحية أخرى أساسية هي النظر للغة بوصفها نتاجا للعمل الجمعي وثروة اجتماعية متراكمة ،ويشبه الباحث السابق تداول الألفاظ بتداول السلع في السوق،فعندما ننظر للـ 15 جماعة لغوية الاكثر عددا نجد ان الصينية من حيث التعداد تحتل المرتبة الأولى بوجود 800 مليون مستعمل أما اللغة الإنجليزية فان المتكلمين الأساسيين يبلغ 403 مليون شخص لكن من حيث التطبيق اللغوي يتجاوز العدد 800 مليون شخص ، وقس على ذلك اللغة الفرنسية الاقل تعدادا حيث لا يتجاوز مستخدموها الـ 250 مليون شخص.

ثراء اللغة العربية واختيار المصطلحات الاقتصادية

ومن ناحية الصياغة واختيار المصطلحات المناسبة أو أحداث مصطلحات جديدة، فقد حاولنا جاهدين ان نتوخى الدقة والموضوعية والوضوح فلم تتردد في تصحيح بعض المصطلحات التي لا تتوافق في نظرنا مع المصطلح الاجنبي وفي تثبيت المصطلح العربي بدل المصطلح المعرب ولوكان هذا الأخير واسع الانتشار، ولجأنا إلى الاستنباط كلما تيسر ذلك ،فلقد فضلنا مثلا : مصطلح المصرف على البنك، ومصطلح النقط على البترول ومصطلح المكتبية أو الديوانية على البيروقراطية….. الخ، ويلجأ المترجم الأمين والمدعم بالملكة اللغوية كلما تيسرله ذلك لإحياء المصطلحات القديمة التى قد تؤدي المعنى الحديث مع الاستفادة من اقتراحات خبراء المعاجم العربية والمجامع اللغوية في البلدان العربية الرائدة في مجال تعريب المصطلحات . كما انه من ناحية أخرى، لا يتردد في تقريب المصطلحات التيليس لها مقابل في اللغة العربية ،مع محاولة جادة وانطلاقا مما اتفق عليه علماء اللغة والمترجمون المحدثون في حصر المعنى الواحد في المصطلح الواحد للتخلص من التشويش في المصطلحات خاصة تلك التي تزخر بها المعاجم الاقتصادية العربية والتي تستخدم المصطلح الواحد للدلالة على عدة معان، فمثلا نجد ان مصطلح الاهتلاك ،الاستهلاك، الإهلاك لها نفس المفهوم ،علما ان الاهتلاك مرادف للإهلاك وينطبق هذا المصطلح على النقص المسجل في قيمة الأصول الثابتة أي الاستثمارات بينما مصطلح الاطفاء فهو يطبق على المصاريف التمهيدية او المصاريف الإعدادية ،أما مصطلح الاستهلاك فيطبق على الأصول القابلة للفناء وابرز تعبير عنها المحزونات ،فكل مايهتلك يمثل استثمارا وكل ما يستهلك يعتبر مخزونا،أي ان هناك تباينا كبيرا في روح المصطلحين السابقين فهما لا يؤديان نفس المعنى ،ونفس الشئ يقال عن مصطلح ميزانية او موازنة ، فلكل منهما معنى خاص وحانب معرفي دقيق ، هل يمكن القول ان ميزانية الشركة النابعة من المحاسبة التجارية هي نفسها ميزانية الدولة النابعة من الميزانية العمومية ،وهنا يجد المترجم الاقتصادي الصعوبات في إضفاء الطابع الجمالي على المصطلح وبالتالي يفقد معناه ، وهناك في المحاسبة مصطلح كمبيالة ومصطلح سفتجة فايهما أصلح للتطبيق في المحاسبة ؟

ولدينا كذلك مصطلحات مثل عربون ، تسبيق وما يشتق منهما ، وقد نقابل عدة مصطلحات للدلالة على المعنى الواحد مثل المصطلحات سهم ،سند ،صك ، مع وجود اختلافات جوهرية علمية تتعلق بهذه الكلمات هذا ما حدا باللغوي المعاصر الاب ماري الكر ملي إلى القول " إذا كنا نرى بعض العجز في المعاجم العربية ، فالعجز أعظم في الدواوين الإفرنجية العربية والعربية الإفرنجية فانك اذا نقرت فيها عن كلمة افرنجية لتعرف سابقاتها عند العرب ذكر لك المؤلف عدة ألفاظ ربما كانت متقاربة بل ربما كانت أيضا متضاربة فتصبح في حيرة من اختيار الكلمة المطلوبة ولهذا فكثيرا ماتكون المعاجم لطالب اللغة الأعجمية سدا منيعا في وجهه …………. " ان المبرر الوحيد الذي ما انفك يقدمه هؤلاء المؤلفون لتبرير كسلهم اللغوي هو ان اللغة العربية غنية بالمترادفات والأسماء المشتركة ، وفاتهم ان تلك الحجة لم تعد قائمة منذ عدة قرون ، فقد أكد ابن سيده في مخصصه " ان اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو درجة وجه القياس الذي يجب ان تكون عليه الألفاظ ، لان كل معنى يختص فيه بلفظ لا يشركه فيه لفظ آخر فتنفصل المعاني بألفاظها ويرى الأمير مصطفى الشهابي " كثيرا ما يخطر على بال واضع القواميس وضع مصطلحات جديدة دون ان يكون أهلا لهذا العمل فيخبط خبط عشواء إما لجهله دقائق الموضوع العلمي وإما لقلة بضاعته في المفردات العربية المتعلقة به وإما لعدم معرفته بالوسائل الواجب اتخاذها في وضع المصطلحات العلمية بلغتنا الضادية ولهذا السبب كثرت الاغلاط ".

ولابد من المزيد من التنقيب والتدقيق معتمدين على الوسائل المنطقية في ضبط ووضع المصطلحات العلمية من استنباط واشتقاق ونحت وتعريف لتلك الوسائل التي تواضع عليها خبراء اللغة في مجامعنا ، ولذلك فان الغاية من وضع القاموس الذي يظهر وانه جديد ليست إضافة معجم آخر لعشرات المعاجم المتوافرة حاليا، وإنما عملية مساهمة مكملة في توحيد وضبط المصطلحات العلمية الاقتصادية في هذا الميدان وفي جعل اللغة العربية قادرة كما كانت على مواكبة النهضة الحديثة وروح العصر.

الاقتراض اللغوي في خدمة الترجمة الاقتصادية

يعتبر الاقتراض اللغوي أمرا ضروريا وكذلك تكون لغات الأغراض الخاصة وتكمن الأسباب وراء هذا في المتطلبات الوظيفية التي تتحملها كل لغة بوصفها أداة التبادل الاجتماعي في ظل الظروف المحددة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي التي توجد فيها ، وتلعب اللغات التخصصية دورها في صياغة مصطلحات موحدة للحفاظ على فائدة اللغات ، وهناك أنماط مختلفة لميكانيكية الاقتراض اللغوي والأنماط الاكثر أهمية وهي :

اقتباس الكلمة من اللغة المانحة مع تعديلات تأخذ بعين الاعتبار الأنظمة الإملائية والصرفية للغة المتلقية

الاقتراض بالترجمة او النقل

التهجين حيث تعيد اللغة المتلقية إنتاج مفهوم معجم للغة المانحة بضم عنصر محلي إلى آخر أجنبي

تطبيقات على ترجمة بعض الكتب الاقتصادية في الجزائر

من خلال نشاطنا في مجال الترجمة الاقتصادية والمالية ، ولو اننا لسنا مترجمين معتمدين ، بقدر ما نقوم بمحاولات متواضعة في هذا المجال ، وقفنا على وجود أكثر من 250 كتابا في مجال العلوم الاقتصادية باللغة الفرنسية لمؤلفين جزائريين معترف بكفاءتهم العلمية والأكاديمية محليا وإقليميا ودوليا أمثال الأساتذة الدكاترة : بن يسعد ، تمار ، ايلمان ،بالي ، بن اشنهو ،……………..الخ ، الا ان مؤلفاتهم بقيت حبيسة الإدراج دون مبادرة جادة لترجمتها خدمة للتعريب والعربية في مجال العلوم الاقتصادية خاصة إذا ما علمنا بان غالبية طلبة العلوم الاجتماعية ومنهم طلبة العلوم الاقتصادية يتلقون دروسهم وينجزون أبحاثهم باللغة العربية مع ما تحويه هذه الأبحاث من هفوات قاتلة في مجال ترجمة المصطلح الاقتصادي ، مع ما يلاقونه بالإضافة إلى ذلك من صعوبات في ترجمة المصطلحات الدقيقة الاقتصادية ،و قد أخذنا نموذجين لكتابين في العلوم الاقتصادية ، احدهما مؤلف باللغة العربية من طرف دكتور في الاقتصاد ، والآخر عبارة عن معجم للمصطلحات الاقتصادية تم إنجازه من طرف احد الرواد المختصين في المصط￿حات الاقتصادية في الجزائر ممثلا في شخص الأستاذ مصطفى هني .

وفيما يلي عرض موجز لصعوبات الترجمة في كلا المصدرين : 1- المؤلف الأول :د/ شوام بوشامة :مدخل في الاقتصاد العام ، نشر دار الغرب ، وهران

صمم هذا الكتاب في الأصلوباللغة العربية وأرفق في نهاية كل فصل بمصطلحات باللغة العربية وما يقابلها باللغة الفرنسية ، وهو عمل جيد يخدم الطالب الباحث والقارئ العامي ، الا ان المتمعن في￿ترجمة￿الم￿ط￿ح￿ت الاقتصادية يلا￿￿ الأخطاء والتداخلات في الصياغة واختيار المصطلحات وما يقابلها باللغة الأجنبية، حيث تجد الترجمة الحرفية المأخوذة رأسا من معجم للغة وليس معجما لمصطلحات الاقتصاد والمالية ، وقد وردت الترجمات كما يلي على سبيل المثال ( عينة):

أهداف معدل التبديل، علما أن مصطلح………………………. : les objectifs du taux de change -1 ، علما ان مصطلح change تعني الصرف وليس المبادلة ، في حين ان مصطلح التبديل يقابله مصطلح echange وعليه فان ترجمة الجملة السابقة تكون أهداف معدل الصرف ، ويمكن ان نقول أهداف سعر الصرف

2- accord de change : ترجمت على أنها اتفقية التبديل ، والأصح أنها اتفاقية الصرف

3- repercussion de ce cout: ترجمت بأنها تأثير هذه التكلفة ، علما ان كلمةrepercussion تقابله كلمة انعكاس أما تأثير فيقابلها effet ، وعليه تكون الترجمة انعكاس هذه التكلفة كونها الأقرب الى الواقع المعيش

4- non renumeree : ترجمة على أساس أنها غير مكافئة ، في حين ان المصطلح الدقيق هو غير مكافئ يلاحظ ان المؤلف في هذه الترجمات استخدم المعجم اللغوي ولم يدقق المصطلحات باستخدام تكميلي للمعجم الاقتصادي والمالي ، بمعنى انه لم يقم بعملية المراجعة للترجمة قبل اعتمادها بصفة نهائية ، لذا يتعين القيام بمراجعة تصحيحية تلقائية وذاتية وان تطلب الأمر الاستعانة بأهل الاختصاص للتدقيق اللغوي وبالتالي تفادي حشو المصطلحات ولأجل توحيدها خدمة للباحث والقارئ والمستخدم

2- المؤلف الثاني : الأستاذ مصطفى هني ، معجم المصطلحات الاقتصادية والتجارية ( فرنسي ، إنجليزي ، عربي ) مكتبة لبنان ، بيروت ، 1978 هذا المعجم المنهجي الراقي ، صمم بطريقة علمية صحيحة ، واستعان مؤلفه بآراء مختصين آخرين في مجال الترجمة والعلوم الاقتصادية ، ففي التوطئة التي كتبها الدكتور مؤنس عبد الملك من كلية تجارة جامعة عين الشمس ( مصر ) ، يقر بان إعداد معجم اقتصادي ثلاثي اللغات ، يحوي الكلمات التي يغلب تداولها في الاقتصاد السياسي والقانون والإحصاء البشري و الإحصاء والمحاسبة ، هو بلا ريب مشروع شاق وطويل ، وقد استغرق في إنجاز المعجم أكثر من 15 سنة من الجهود المتصلة والأبحاث الدقيقة ، ويعترف المقدم ان مؤلف المعجم واجه عقبتين :

أولاهما : إدخال كلمات جديدة استوجبها تطور العلوم الاقتصادية المطردة ثانيتهما : الخيار بين ألفاظ عربية كثيرة مطابقة لذات اللفظة العلمية الفرنسية او الإنجليزية . ويستطرد المقدم إلى ان استعمال التعابير والمصطلحات يختلف بين بلد وآخر ويرى هذا الاختلاف أحيانا في المؤلفات المنشورة في البلد الواحد نفسه . كما يعترف الباحث المؤلف ان لزوجته الدور الكبير في وضع الكلمات العربية والإنجليزية ، نلاحظ ان تظافر الجهود والاستشارات والمتابعة عناصر أدت إلى ثراء المؤلف ، ولو انه ونتيجة التطور الاقتصادي في العالم أدى إلى بعض التداخلات ولكنها لم تفسد المعنى الإجمالي للترجمة ، وكأمثلة على ما ورد من دقة في المصطلحات نقدم بعض النماذج للدلالة على ذلك : 1- change يقابلها صرف 2- change flottant صرف متقلب ، ويقابلها في أيامنا هذه مصطلح صرف معوم 3- arbitrage de change موازنة سعر الصرف ، في حين ان الترجمة الحرفية لذلك هي تحكيم الصرف ، ويلاحظ ان الترجمة الأولى أكثر جمالية ودقة

4- cote des changes: قائمة أسعار الصرف 5- cours du change: سعر الصرف 6- taux de change fluctuant: معدل الصرف المتقلب 7- journal des effets à payer: يومية أوراق الدفع 8- journal des effets à recevoir: يومية أوراق القبض 9- protectionniste : حمائي ، متعلق بالحمائية يلاحظ من خلال الجانب المنهجي لهذا المؤلف ، ان الباحث يقوم بإضفاء مسحة جمالية وذوقا رفيعا على المصطلحات حتى تتجانس وتنسجم ، بعيدا عن المحاكاة وفي إطار مراقب لنشاط الترجمة للمصطلحات بثلاث لغات حتى أصبحت هذه الترجمة ذات طابع مهني وتدور حول نصوص اقتصادية إضافة إلى التفكير الاستنباطي حول المسار التطبيقي والامثلية لأجل زيادة سرعة التنفيذ حفاظا على نوعية الترجمة، كما نستنتج مما سبق ان هناك أهدافا عامة للترجمة في مجال العلوم الاقتصادية لتفادي الصعوبات المفتعلة وغير المفتعلة ومنها كعنصر قطب الحصول على مستوى من القدرات المهنية في مجال الترجمة الاقتصادية ، كما يلاحظ على المؤلف محل الدراسة انه كان واع بالأهداف الخاصة بالترجمة والمتمثلة في العناصر التالية : 1- معرفة التنظيم العام للمجال الاقتصادي وكذلك المصادر التوثيقية الخاصة والضرورية للمترجم الاقتصادي ونقاط القوة ونقاط الاختلال فيها

2- معرفة الصعوبات الكلاسيكية ( التقليدية) المرتبطة بالترجمة الاقتصادية والتحكم في الأسلوب الاقتصادي مع ضرورة القيام بفعالية تنشيط المسار الذي يهدف للحصول على معارف تصورية ولغوية خلال مرحلة التحضير 3- معرفة التقيد بحدود مرحلة التحضير واختبار موضوع واحد او عدة مواضيع كبيرة من مجموع المجال الاقتصادي والارتكاز على مواضيع كبيرة مختارة صعوبات ترجمة ونشر الكتب الجامعية الاقتصادية في الجزائر:

في الوقت الذي ترسخ فيه مصر مشروعها القومي للترجمة وتستعد للاحتفال بصدور الكتاب المترجم رقم 750 يوم 29/ 05/ 2004 ، عبر تنظيم مؤتمر دولي بمشاركة باحثين ومترجمين من كل القارات ومن مصر خاصة ، وتأتي الاحتفالية استكمالا للمؤتمر الأول الذي أقيم في ديسمبر 2000 بمناسبة صدور الكتاب رقم 250 من المشروع القومي للترجمة ، إذن نجد ان واقع الترجمة والنشر في الجزائر لازال يراوح مكانه ، بل يتناقص نشاط الترجمة الاقتصادية بمتوالية هندسية ، وهذا الواقع المرير ناجم عن اربع تناقضات أساسية حسب رأينا هي :

ارتفاع عدد المتعلمين وارتفاع عدد المدارس والجامعات والمراكز الجامعية، حيث يحتل طلبة العلوم الاقتصادية والتسيير والتجارة الصدارة في التكوين العالي، ويعانون كثيرا متن مشكلات الكتاب الجامعي باللغة العربية الأصيلة أو المترجم، كون وجود تناقضات في اختيار المصطلحات وتوحيدها، وندرة الكتب المترجمة خاصة تلك المؤلفة من طرف باحثين جزائريين باللغة الفرنسية أو الإنجليزية

بعد الانفتاح والتعددية ظهر للوجود الكثير من الناشرين الذين سرعان ما تحولوا إلى مطبعيين واستفادوا من التسهيلات الجبائية والجمركية ليتحولوا إلى طباعة الرزنامات والمذكرات والصور بدل نشر الكتاب المدرسي والجامعي الا اذا كانت له مردو دية تجارية وبشروط تعجيزية للمؤلفين

تحول نوعي في مهام المكتبات عن نشاطها المتمثل في تسويق الكتاب إلى نشاط طفيلي في بيع القرطاسية والأقلام وحتى الحلويات والسجائر سعيا لتحقيق أقصى الأرباح المضاربية

اضطهاد المؤلفين والمترجمين وشراء أعمالهم الفكرية بابخس الأثمان والقيام بالتطفل عليها وقرصنتها ، نظرا لعدم وجود سياسة واضحة للنشر وتشجيع المؤلفين ، فإذا علمنا العدد الكبير للمدارس الثانوية والجامعات والكليات ومراكز التكوين المهني المتخصص والبلديات والمكتبات التابعة لها ، فهناك سؤال يطرح حول الكمية التي تشتريها الهيئات السابقة الذكر من العناوين الجديدة ،حتى ان الناشرين واغلبهم طفيليون أصبحوا يحوزون المليارات بفعل نشر كتب الطبخ والتجميل والكتب المدرسية للتعليم ،دون رقابة من طرف لجان القراءة او فرض شروط موضوعية لمنح تأشيرة الرقم الدولي للنشر للكتب والمطبوعات وحتى منح رقم الاعتماد القانوني ، علما ان نشر الكتاب الجامعي وخاصة المترجم منه تعطيه الدول التي تحترم نفسها كل إمكانياتها المادية والمعنوية ، فالكتاب ليس سلعة تجارية بقدر ماهو سلعة استراتيجية ببعدها المعرفي والحضاري وتتحمل كل الدول مسؤوليات تراجع النشر والترجمة وكذلك المقروئية والمطالعة بسبب غياب متعمد لاستراتيجية واضحة للطباعة وفحص العمل الجيد من العمل الردئ ، وفي الجزائر التي تملك اكبر المركبات للطباعة والنشر لا تزال تعاني من ضعف المنتوج وتباطؤ الإجراءات الإدارية المميتة لقبول نشر الكتاب او المطبوعات ، وعليه فان الكتب المتخصصة التي تعنى بمحال العلوم الاقتصادية وخاصة المترجمة منها والتي تهم شريحة كبيرة ومعينة في ان واحد لايمكن إخضاعها للطابع التجاري بحكم طابعها المعرفي

خلاصة واستنتاجات :

بعد ان عالجنا إشكالية معوقات الترجمة العلمية الاقتصادية في مجال تأليف الكتب وترجمة الأبحاث والدراسات الاقتصادية تبين لنا ان اللغة الاقتصادية في مجال الترجمة هي في نفس الوقت لغة حية مزودة بشخصية خاصة وبمنهج أكثر تقنية ، وان المختصين في مجال الترجمة الاقتصادية والمالية يتميزون او يفترض فيهم ان يتميزوا بإنجاز أعمال مترجمة ذات مستوى راق مع الأخذ بعين الاعتبار ان الترجمة علم وفن وذوق جمالي ، وهي حقل من أهم حقول المعرفة ، لها اختصاصاتها وتشعباتها الدقيقة أيضا ، فهناك الترجمة العلمية البحتة والمرتبطة بالواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلد ، وإذا كان هناك توجه للتأليف العلمي ، فحري ان يعطى للكتب والمطبوعات والأبحاث وأوراق العمل خاصة الحديثة منها الجانب الأكبر من ناحية الترجمة ، فالإنجاز في مجال الترجمة وخاصة المعجمية منها تعطينا نظرة من القراءة الأولى للكثير من العناصر المهمة الواردة في هذا الشأن ، لأنها تقاس بدرجة الثراء في العبارات والكلمات والجمل المصاغة بأسلوب جيد خدمة لاحتياجات الذين يبحثون عن الكلمة الدقيقة والجيدة .

وبناءا على ما سبق ذكره ، يمكننا تقديم جملة من الاقتراحات والتوصيات من واقع ما درسناه ووقفنا عليه ميدانيا :

ضرورة توحيد المصطلحات الاقتصادية والمالية ، وإثراء المعاجم المتخصصة بكل المستجدات في مجال العلوم الاقتصادية والمالية

تذليل عقبات نشر الكتاب الجامعي ، ولا ينبغي التركيز فقط على الجوانب التجارية بل يجب الاهتمام بالجانب المعرفي

إعطاء أهمية كبرى للجان القراءة المتخصصة على ان تكون محايدة وان يكون العمل المترجم مغفلا حتى نتفادى حساسيات التقييم ، مع إعطاء البعد الزمني لعملية الخبرة العلمية جانبا معقولا

الاستفادة من تجارب البلدان العربية في مجال الترجمة وإعطاء الجامعات إمكانية حيازة مطابع خاصة بها لنشر الكتاب الجامعي ، على ان يكون هذا الكتاب مدعما ، كان يكون هناك سعر للمبيع خاص بالطالب الجامعي خدمة للبحث العلمي وتيسيرا لعملية الترجمة

ضرورة مراجعة العمل المترجم من طرف مختص في المجال الذي تترجم له الأبحاث والدراسات لأجل التدقيق اللغوي وتوحيد المصطلحات المتعارف عليها

وجوب ترجمة كل كتب التراث الاقتصادي المنهجي والتي قام بتأليفها جزائريون و اجانب منذ فجر الاستقلال لغاية وقتنا الراهن ، وكذلك الكتب الحديثة التي تصدر في الخارج لمؤلفين جزائريين ، والتي تعاني من مشاكل الجمركة والجباية لان سياسة الترجمة المعرفية تذلل كل عقبات تدفق الكتاب الجامعي المتخصص

الاهتمام بحقوق التأليف وحقوق الترجمة وتسيير ذلك وفق قوانين نابعة من التطورات القانونية العالمية للترجمة

إعطاء مساحة معتبرة لمسالة الكلمات المترادفة في اللغة الاقتصادية وإعطاء مسحة جمالية للكلمات والعبارات والفقرات المترجمة .

ملاحظة

قائمة المراجع المعتمدة في إعداد البحث

د/ عبد الرحيم شنقر :النقد وتطوره التاريخي ، دار كنعان للدراسات والنشر ، دمشق ، 1998

جون كينت جالبرايف : تاريخ الفكر الاقتصادي الماضي صورة الحاضر ( ترجمة فؤاد بلبع ) ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، 1994

د/ رمزي زكي : التاريخ النقدي للتخلف ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، 1987

د/ عبد العزيز فهمي هيكل : موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية ، دار النهضة العربية، بيروت ، 1986

د/ سهيل إدريس ، د/ جبور عبد النور : المنهل ، قاموس ، دار الآداب ، بيروت ، 1983

د/ احمد العامد وآخرون : المعجم العربي الأساسي ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، تونس ، 1988

د/ شوام بوشامة : مدخل الاقتصاد العام ، دار الغرب للنشر والتوزيع ، وهران ، 2000

مصطفى هني : معجم المصطلحات الاقتصادية ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1978

د/ محمد بشير علية : القاموس الاقتصادي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1988

فلوريان كولماس :اللغة والاقتصاد ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ، 2000

الترجمة: تقنياتها وآلياتها

 الترجمة التحريرية(4)    

تعريف الترجمة وأنواعها

ربما يتساءل البعض: أتحتاج الترجمة إلى تعريف؟

فأقول, إي, لأن هذا العلم من أقدم العلوم التي احتاجها البشر منذ أن جعلنا الله "مختلفا ألسنتنا".

وأبسط التعريفات وأدقها هو: "الترجمة هي نقل نتاج لغوي من لغة إلى أخرى".

و"النقل" هو عملية الانتقال من لسان إلى آخر. و"النتاج اللغوي" هو أي نتاج عن استعمال الإنسان لسانه للكلام أو يده للكتابة على حد سواء, فكل ما ينتجه الإنسان كلاما أو مخطوطا هو نتاج لغوي. و"من لغة إلى أخرى" يدل على المنطلق والمنتهى اللذين يسعى بينهما النتاج اللغوي في اتجاه واحد أو في اتجاهين كما هو الشأن في الترجمة العكسية.

والترجمة أنواع:

منها "الترجة المكتوبة" وهي ترجمة نتاج لغوي ملفوظ أو مكتوب إلى نتاج ترجمي مكتوب بإتاحة مدة زمنية للمترجم تفصله عن تاريخ نشأة النتاج اللغوي المزمع ترجمته.

ومنها "الترجمة الملفوظة" وهي ترجمة نتاج لغوي ملفوظ أو مكتوب إلى نتاج ترجمي ملفوظ وكذلك بإتاحة مدة زمنية للمترجم.

ومنها "الترجمة الفورية" وهي "مكتوبة" أو "ملفوظة" وليست ملفوظة فقط كما يظن البعض. وتتميز هذه الترجمة بعدم إتاحة مدة زمنية للمترجم بين نشأة النص أو تقديمه للمترجم وبين عمله الترجمي. وعليها قد يضطر الترجمان إلى ترجمة كلام قيل للتو أو نص كتب قبل دقائق ترجمة فورية دون تفكير ودون مراجعة. وهذه الترجمة هي الأصعب وهي التي تكثر فيها الأخطاء والاختزالات وتتطلب مجهودا ذهنيا جبارا.

تعريف الترجمة:

الترجمة هي التعبير عن ماهو مكتوب في لغة أولي (هي اللغة المصدر)إلي اللغة الثانية وهي (اللغة الهدف)أي أن الترجمة هي التعبير عن فكرة واحدة أو عدة أفكار بواسطة الكلمات وتقوم عملية التعبير الترجمة هذه علي عنصرين مترابطين لاثالث لهما كما لايمكن للأول أن يتواجد من دون الثاني :

أما العنصرين فهما:

1- العنصر الأول في عملية الترجمة هو (الفكرة) التي تنطوي عليها الكلمات في اللغة الهدف أي (معني) تلك الكلمات

2- أما العنصر الثاني فهو ( الشكل)الكلمات في اللغتين المصدر والهدف ونعني بالشكل هنا تركيبة الجمل وضروب الفصاحة والبلاغة من تقارب وتناقص وتواز وتقيد بقواعد اللغة

ومن بين هذين العنصرين تأتي الفكرة المعني في المرتبة الأولي

وما أروع المترجم الفنان عندما يرسم المعني

ترجمة القرآن الكريم بين الحظر والإباحة(5)

نوعها : ماجستير.

اسم الباحث : محمد محمود كالو

حجم الرسالة : 367 صفحة ، لم تطبع بعد.

محضر مناقشة الرسالة :

بتاريخ : 15 / 11 2001 م ، تمَّ مناقشة الرسالة .

لجنة المناقشة والحكم تتألف من :

ـ الأستاذ الدكتور عبد المنعم بشناتي رئيساً

ـ والأستاذ الدكتور مصطفى ديب البغا مشرفاً

ـ والدكتور عبد العزيز حاجي مناقشاً

ـ والأستاذ الدكتور محمود عبود هرموش مناقشاً

وبعد المناقشة أوصت اللجنة بأن يمنح الطالب درجة الماجستير بتقدير (جيد جداً 85 % ) في التفسير وعلوم القرآن الكريم ، وذلك في مقر جامعة الجنان ـ طرابلس ـ لبنان.

سبب اختيار البحث : لقد شغلتني فكرة الكتابة في هذا البحث منذ عهد بعيد , وذلك حينما قرأت المحاورات والمناقشات بين العلماء حول هذا الموضوع الخطير .

وليست هذه الفكرة جديدة على بساط البحث , بل إن ترجمة القرآن الكريم من المواضيع القديمة المتجددة , ولقد بحثه العلماء , وخاض فيه مفكرون أجلاء , حينما ظهرت بعض ترجمات للقرآن الكريم , أذكر منهم :

شيخ الجامع الأزهر محمد مصطفى المراغي في بحثه ( بحث في ترجمة القرآن الكريم وأحكامها ) , ومدير مجلة الأزهر محمد فريد وجدي في ملحق بالجزء الثاني من مجلة الأزهر سنة / 1355 / بعنوان ( الأدلة العلمية على جواز ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية ) , وهما يدعوان إلى ضرورة ترجمة القرآن الكريم , وذلك لعالمية الإسلام , ولتبليغه إلى الناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها , ولئلا تبقى هذه المعاني العظيمة والأسرار الباهرة محجوبة عن أعين الناس .

ولمحمد الههياوي ( ترجمة القرآن الكريم غرض للسياسة وفتنة في الدين ) , ولعبد الوكيل الدروبي ( ترجمة القرآن وكيف ندعوا غير العرب إلى الإسلام ) , حيث يحرِّمان الترجمة للقرآن الكريم ويدعوان إلى بتر هذه الأيدي الأثيمة التي تلعب في الخفاء , وتحاول إثارة هذا الموضوع حتى تصرف الناس عن القرآن الكريم , وتفرق كلمة المسلمين , وتبعدهم عن دينهم .

وآخرون بحثوا في هذه المسألة فعقدوا فصلاً خاصاً في كتبهم من هؤلاء العلامة الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه ( مناهل العرفان في علوم القرآن ) حيث فصَّل المسألة تفصيلاً جميلاً , والدكتور صلاح الدين بسيوني رسلان في كتابه ( القرآن الحكيم رؤية منهجية جديدة لمباحث القرآن الكريم ) , والدكتور محمد إبراهيم الحفناوي في كتابه : ( دراسات في القرآن الكريم ) , والدكتور عبد اللطيف الطيباوي في كتابه ( دراسات عربية وإسلامية ) , وكذلك فعل مناع خليل القطان في كتابه ( مباحث في علوم القرآن ) .

ومنهم من ناقش المسألة من خلال بحث في كتابه كما فعل الدكتور محمد فاروق نبهان في كتابه ( مبادئ الثقافة الإسلامية ) , و الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه ( من روائع القرآن ) حيث عقد بحثاً بعنوان : هل من الممكن ترجمة القرآن ؟

جميع هؤلاء وغيرهم كان لهم فضل السبق , والتذكير بجوانب مفيدة للموضوع , ولولا تعدد وجهات نظرهم لما أخصب هذا البحث .

وقد استجدَّ بحث ترجمة القرآن في القرن العشرين , حيث ظهرت عدة ترجمات بعد انهيار الشيوعية في الاتحاد السوفياتي , فأسرعت كل قومية إلى طباعة مصاحف مترجمة بلغاتها .

وتستند أهمية هذا البحث إلى أهمية هذه الظاهرة وإلى عالمية الإسلام , فينبغي ترجمة تفسير للقرآن الكريم إلى شتى لغات العالم, لئلا يحرم من ثمراته وفوائده أي مسلم على وجه البسيطة .

وتعدُّ الترجمة وسيلة من وسائل الدعوة , ومظهراً من مظاهر حوار الحضارات , قديماً وحديثاً ومستقبلاً , هذا من جهة , ومن جهة أخرى فإنها تجمع بين البحث والتحقيق , وتصل القديم بالجديد .

لذا أحببت لفت نظر علماء المسلمين , وهيئاتهم العالمية , إلى خطورة هذا العمل , وحكم الإسلام فيه , بذكر ما خلص العلماء تجاه هذا الأمر , من وضع شروط وأسس معينة لترجمة تفسير القرآن الكريم .

كما رأيت أن هذا البحث يلبي حاجة المكتبة الإسلامية , ويفي بالغرض , لذا اخترته متوكلاً على الله تبارك وتعالى .

والله أسأل أن ينفعني به , وأن يأخذ بيدي , ويسدد خطاي .

منهجي في هذا البحث :أول ما قمت به هو تجميع المادة المطلوبة من مظانها ومصادرها القديمة والحديثة .

وحرصت على تحديد الموضوع ، وتمييزه عن كل ما يشابهه ، لذا دققت في معنى الترجمة لغة واصطلاحاً ، وذكرت الفرق بينه وبين التفسير .

واعتمدت على النصوص الشرعية في الكتاب والسنة النبوية التي هي الأساس الأول ، وذكرت أرقام الآيات ، وخرجت الأحاديث ، ونبهت على ذلك في حاشية الصفحة ، ثم حاولت جمع آراء العلماء والمحققين قديماً وحديثاً ، ومقترحاتهم واختلافاتهم ، وسجلت في أسفل الصفحة عنوان الكتاب ورقم الصفحة واسم المؤلف ما لم يكن قد مر ذكره ، ودعمت كل رأي بدليله ، وربما رجحت أحد الآراء ، أو تصرفت أحياناً في النقل مع المحافظة على المعنى ، ودعوت إلى ترجمة تفسير للقرآن الكريم بالإشارات التوضيحية والصور للمعاقين من الصم والبكم .

لم أقف مع المتعصبين المتـزمتين على كل ما هو قديم ، ولم أكن لأنساق وراء أدعياء الترجمة دون قيد أو شرط ، بل وقفت موقفاً وسطاً عدلاً ، رحبت بكل ما هو جديد ونافع ، وحرصت على كل ما هو قديم صالح ، وهكذا استفدت من القديم والجديد .

خطة البحث :

قسمت الرسالة بعد المقدمة إلى بابيْن وهما لب الرسالة ثم الخاتمة والنتائج :

الباب الأول : وتناولت فيه ( الترجمة ) تعريفها ـ أقسامها ـ تاريخها , ثم قسمت هذا الباب إلى ثلاثة فصول , وأدرجت تحت كل فصل مباحث :

الفصل الأول : تناولت فيه تعريف الترجمة , وفيه مبحثان :

ـ المبحث الأول: معنى الترجمة لغة واصطلاحاً .

ـ المبحث الثاني : الفرق بين الترجمة والتفسير .

الفصل الثاني : أقسامها , ويشتمل على ثلاثة مباحث :

ـ المبحث الأول : الترجمة الحرفية .

ـ المبحث الثاني : الترجمة المعنوية .

ـ المبحث الثالث : الترجمة التفسيرية .

الفصل الثالث : تاريخها , وفيه مبحثان :

ـ المبحث الأول : ترجمة القرآن الكريم عند المسلمين والمستشرقين ودوافعها.

ـ المبحث الثاني : موقف العلماء والمفكرين من الترجمة الحرفية ودعاتها .

الباب الثاني : بحثت فيه عن ( معطيات الترجمة ) أحكامها ـ فوائدها ـ أخطارها , وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : أحكامها , ويتضمن ثلاثة مباحث :

ـ المبحث الأول : حكم ترجمة القرآن تفصيلاً ( وشروط جواز ترجمة التفسير والمترجِم ( .

ـ المبحث الثاني : حكم القراءة والمس والتعبد بما يزعم أنه ترجمة

ـ المبحث الثالث: حكم كتابة القرآن الكريم بغير الحروف العربية .

الفصل الثاني : فوائدها , ويشتمل على أربعة مباحث :

ـ المبحث الأول : كشف النقاب عن جمال القرآن الكريم ومحاسنه .

ـ المبحث الثاني : تبليغ دعوة القرآن الكريم بلفظه ومعناه .

ـ المبحث الثالث : إحياء لغة العرب وتعريب الأعاجم .

ـ المبحث الرابع : دفع الشبه التي ألصقها أعداء الإسلام بالقرآن الكريم .

الفصل الثالث : أخطارها , ويتضمن ثلاثة مباحث :

ـ المبحث الأول : الخطر الذي يحيق بالقرآن الكريم فينصرف الناس عن القرآن ويستغنون عنه بالترجمة .

ـ المبحث الثاني : الخطر الذي ينزل بالأمة الإسلامية فيتفرقوا وتذهب ريحهم ويضعفون .

ـ المبحث الثالث : الخطر الذي يحل باللغة العربية فتنعزل لغة العرب عن المسلمين.

ثم ذكرت في الخاتمة النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الرحلة الممتعة مع ترجمة تفسير القرآن الكريم وأعتقد أن هذه النتائج على جانب عظيم من الأهمية , مرضية ومقنعة لكثيرين فيما أعتقد , وأظن أن بعض الناس ربما لن يكونوا راضين عنها كل الرضا , وحسبي أني لم أجنح لهاجس هوى , وإنما دعمت كل رأي بدليله , مسترشداً بالقرآن والسنة , ثم آراء العلماء والمحققين , قدامى ومحدثين .

النتائج والتوصيات :

1 _ الترجمة : هي نقل الكلام من لغة إلى أخرى , عن طريق التدرج من الكلمات الجزئية إلى الجمل والمعاني الكلية .

2 _ الترجمة في الاصطلاح تقوم مقام الأصل , وتغني عنه .

3 _ الترجمة غير التفسير , ففي التفسير لا ينقل الكلام بل يشرح ويوضح , سواء باللغة العربية أو غيرها .

4 _ الترجمة التفسيرية غير التفسير أيضاً , فالترجمة التفسيرية : هي قسم من أقسام الترجمة الاصطلاحية .

5 _ الترجمة للقرآن الكريم بهذا المفهوم مستحيلة , وذلك لاعتبارات متعددة منها : طبيعة القرآن, ورسمه, وإعجازه, وأسلوبه, ومعانيه, ومبانيه, وبلاغته, وفصاحته, وقراءته, وتجويده, وموسيقاه, وغير ذلك .

6 _ تحرم ترجمة القرآن الكريم بمفهومها ذلك , لأدلة من القرآن والسنة , ومن باب سد الذرائع .

7 _ تجوز ترجمة تفسير القرآن الكريم , بشروط وقيود وضوابط شرعية .

8 _ اتفاق الأئمة الثلاثة ومعهم الإمام أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ على الصحيح , على تحريم ترجمة القرآن الكريم .

9 _ اتفاق الأئمة الثلاثة , على عدم جواز القراءة بغير العربية في الصلاة , القادر وغير القادر في ذلك سواء, وأجازها الحنفية لغير القادر وهو من أعياه تعلم العربية .

10 _ أجاز بعض المتأخرين ترجمة القرآن , مستندين إلى حجج واهية , لا دليل لهم من القرآن والسنة, وقد رأينا خبر سلمان الفارسي رضي الله عنه , الذي لا تقوم به حجة, ولا ينهض به حكم .

11 _ لترجمة تفسير القرآن الكريم فوائد عظيمة منها : تبليغ معاني القرآن الكريم بتفسيره للأمة الإسلامية جمعاء , كل أمة بلسانها , و دفع الشبهات والأباطيل التي ألصقها أعداء الإسلام بالقرآن الكريم وتفسيره , و كشف النقاب عن جمال القرآن الكريم ومحاسنه, وإحياء لغة العرب, وتعريب الأعاجم .

12 _ يترتب على هذه الترجمة أخطار أيضاً , منها : خطر يحيق بالقرآن الكريم , ويتمثل هذا الخطر في انصراف الناس عن القرآن الكريم , والاستغناء عنه بالترجمة المزعومة, وخطر ينزل بالأمة الإسلامية الواحدة , فيتفرقوا وتذهب ريحهم ويضعفون , والخطر الذي يحل باللغة العربية , فتنعزل لغة العرب عن جميع المسلمين .

13 _ التراجم الموجودة في الأسواق , لا تغني في باب التلاوة والصلاة , ولا يمكن استنباط الأحكام الشرعية منها , ويجوز مسها للمحدث والجنب والحائض و النفساء , كما يجوز قراءتها لهؤلاء , لأنها لا تعتبر قرآناً , وإذا قرأ آية سجدة من هذه الترجمة لا يجب عليه سجود التلاوة .

14 _ إذا كانت الترجمة للقرآن بهذا المفهوم حراماً , فإننا نستطيع إن ندعوا غير العرب إلى الإسلام بالوسائل التي اتبعها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون الأوائل منها : ترجمة التعاليم الإسلامية إلى اللغات الأجنبية , وتعليم بعض المسلمين للغات الأجنبية , وإيفادهم إلى تلك البلاد لتبليغ الدعوة , ونشر الإسلام بلغات أهل تلك البلاد , أو ترجمة تفسير القرآن ولا بدَّ من الشروط والقيود التي وضعها العلماء حتى تتميز ترجمة تفسير القرآن الكريم , عن الترجمة الاصطلاحية .

15 _ يجب على غير العرب , أن يتعلموا اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم , لأن اللغة العربية هي الأداة لفهم الكتاب والسنة , وحتى يقوموا بأداء ما افترض عليهم من صلاة وتكبير وتسبيح وتحميد وغير ذلك .

16 _ من خلال التاريخ , علمنا أن الأعاجم , اندفعوا إلى تعلم اللغة العربية بدافع إسلامي بحت, وكثرت المدارس وعلماء اللغة العربية في تلك البلاد , لأنهم أيقنوا أن اللغة العربية من صلب الدين .

17 _ أكثر الترجمات للقرآن الكريم كان للنيل من الإسلام , والتشكيك في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم, ولإظهار عجز اللغة العربية بزعمهم , وعدم مواكبتها لتطور الحضارة والعصر.

وفي خاتمة هذا البحث :

آن لنا أن نعرف ما هي علة الجزر والمد , والأخذ والرد , في حكم ترجمة القرآن الكريم , بين العلماء والفقهاء , بعد هذه السياحة العجلى في رحاب هذا البحث الهام .

إن ترجمة تفسير القرآن الكريم ليس حراماً مطلقاً ولا مباحاً مطلقاً , ولكن يجوز ترجمة تفسير القرآن الكريم بشروط وقيود , لئلا تمتد الأيدي السوداء إلى قداسة القرآن وكرامته .

كما يجب على المسلم غير العربي أن يتعلم لغة القرآن الكريم , وذلك لإقامة الشعائر الدينية من صلاة وأدعية, وفهم للكتاب والسنة .

والعناية باللغة العربية جزء حقيقي من عمل الإعلام الإسلامي , وقد قطع السلف الصالح أشواطاً واسعة في التعرب, إيماناً بأن اللغة العربية جزء من الإسلام, لأنها لغة القرآن الكريم.

وقد ذكر الجاحظ أن موسى بن سيار الأسواري :

(كان من أعاجيب الدنيا , كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية , وكان يجلس في مجلسه المشهور به , فيقعد العرب عن يمينه , والفرس عن يساره , فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسرها للعرب بالعربية , ثم يحول وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية , فلا يدرى بأي لسان هو أبين ) البيان والتبيين ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : 1 / 193 .

فاللغة العربية هي الأداة والوسيلة التي تصل بالمسلم إلى فهم الكتاب والسنة , فإن فقدت الأداة, فإما أن تتوقف الدعوة أو نبحث عن وسيلة نبلغ بها من لا يعرف العربية , والذي لا يعرف العربية عليه أن يتعلمها

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( تعلموا العربية فإنها من دينكم ) رواه ابن أبي شيبة بلفظ ( تعلموا اللحن والفرائض فإنها من دينكم ) برقم : / 29926 / وروى البيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( تعلموا العربية وتفقهوا في الدين , وأحسنوا عبارة الرؤيا ) برقم : / 2678 / .

وقال ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ :

( إن نفس اللغة العربية من الدين , ومعرفتها فرض واجب , فإن فهم الكتاب والسنة فرض, ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ، أحمد بن تيمية : 1 / 207 .

والوسيلة الموصلة إلى تبليغ الكتاب والسنة, هي تفسيرهما إلى لغات البشر جميعاً, وقد قدرها بعض العلماء بنحو سبعة آلاف لغة, فهل نحن مدركون لضخامة واجب البيان والتبليغ والتفهيم؟

إنه ليس من المعقول إذن , أن تتوقف الدعوة الإسلامية باصطدامها بحاجز اللغة فقط , بينما الرسول الكريم لم يتوقف عن الدعوة والتبليغ للعرب فقط , بل نشر الدعوة في السنة السابعة من الهجرة, إلى جميع الأمم المحيطة بالجزيرة العربية , فأرسل الرسائل إلى الملوك والرؤساء, واستقبل الوفود, ولم تكن اللغة عائقاً أمام الدعوة , بل حث أصحابه على تعلم اللغات كالسريانية.

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : (( ثم إنه يرد علي أشياء, أكره أن يقرأ, أفتطيق أن تعلم السريانية ؟

قلتُ : نعم , فتعلمتُها في سبع عشرة )) المعجم الكبير ، لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني : 5 / 156.

ومن الصحابة من كان يحسن الفارسية والرومية والحبشية, كسلمان الفارسي, وصهيب الرومي, وبلال الحبشي رضي الله عنهم .

وفي بداية دخول الإسلام إلى بلاد العجم , كان دعاة الإسلام يفسرونه ويشرحونه للناس بلسانهم, بينما كانت اللغة العربية وقتئذ في موقع العزة والقوة والمنعة , تفرض نفسها على جميع الأمم والشعوب, فأصبحت لغة الدواوين والعلوم بيد أنها لغة الدين الجديد .

وبعد سقوط الخلافة الإسلامية , تفككت الدولة الإسلامية , وأصبحت دويلات مختلفة, وأضحى الإسلام واللغة العربية هدفيْن رئيسييْن للأعداء , للنيل منهما , والعمل بشتى الوسائل لإضعافهما.

فليست حماية الأمة الإسلامية بحماية أرضها فقط , بل بحماية لغتها أيضاً من الضعف والاضمحلال والضياع .

موضع العربة والحصان

مطالعة في كتاب " قضية ترجمة الشعر"(6) 

 من الامور الملحوظة في الآونة الإخيرة تزايد الوعي بالترجمة في العالم العربي سواء على المستوى الثقافي العام (الملاحق والصحف والمجلات الثقافية) أو على المستوى الأكاديمي البحثي (بحوث وكتب وندوات وغيرها من الأنشطة البحثية). التركيز في المستوى الثقافي يتم على أثر الترجمة في المجرى العام للحياة الابداعية والثقافية، اما على المستوى الأكاديمي فنجد بعض الحركة التي تحاول رمي حجر في آسن الحياة الأكاديمية العربية، وتقود هذا التوجه بعض المؤسسات الأكاديمية وعلى رأسها في هذا المجال مدرسة الملك فهد العليا للترجمة التابعة لجامعة عبدالمالك السعدي بطنجة المغربية. ان دور هذه المؤسسة وعلى رأسها الأستاذ بوشعيب ادريسي بويحياوي هو دور سيشهد له التاريخ يوما ما، ويكفيها فخرا اصدار دورية "ترجمان" المتخصصة في مسائل الترجمة، والتي تحاول بها ربط النشاط العالمي في حقل البحث الترجمي بالبحث العربي المتنامي. عدا ذلك لا نرى توجها بحثيا حقيقيا في مجال الترجمة عدا بعض الاصدارات التي تظهر هنا وهناك والتي تحاول تقديم نوع من "المساهمات" في هذا الحقل ومن هذه الكتب كتاب "قضية ترجمة الشعر" لمؤلفه الدكتور عبدالحفيظ محمد حسن، الذي صدر عام 1995 عن دار الثقافة العربية بالقاهرة في 106 صفحات من القطع المتوسط.

يقع الكتاب في مقدمة وتمهيد وفصلين. تحدثت المقدمة عن أهمية موضوع ترجمة الشعر والحاجة اليه ومنهج البحث واقسامه، أما التمهيد فتناول تعريف الترجمة وأهميتها وأقسامها وبداية الترجمة الأدبية في العصر الحديث. ويتناول الفصل الأول قضية ترجمة الشعر بين "الحظر" و "الاباحة"  فعرض بتفصيل لهذين القطبين، وتناول في الفصل الثاني موضوع الترجمة الوسيطة للشعر وأهميتها وخطورتها. وسأعرض فيما يلي لبعض الخواطر التي رأيت لها موقعا في عرفي للكتاب.

الكتاب كما يشي لقب مؤلفه "الدكتور" مؤلف (بفتح اللام) أكاديمي. وهذا يعني انه يفترض أن يكون مختلفا عما ينشر في المستوى الثقافي بتحديد مصطلحاته، وهذا ما يفتقده هذا الكتاب من الفه الى يائه حيث نجد أنفسنا في بحر لجي من الاضطراب الاصطلاحي فنحن أمام كثير من

المصطلحات التي لا نرى لها معنى أو "مشار اليه" اذا أخذنا بتقسيم دي سوسور للكلام الى "مشير" و "مشار اليه". والأمثلة التالية قد تشير الى ذلك:

- السياق والفكر: ترمي هذه الترجمة [أي الحرفية] الى تقريب سياق أو فكر لغة الأصل الى القاريء في لغة النقل. (ص 27).

- البلاغ والتبليغ: "وهي [أي ترجمة الجملة ككل] الترجمة الي تسعي الى ايجاد نفس المفعول عوضا عن الشكل، فإنها تتوخى مبدأ التطابق من حيث التأثير. وفي هذه الحالة فإن الغرض هو أن يكون التبليغ في اللغة المنقول اليها وكأن البلاغ صادر في نفس اللغة، لا عن اللغة المنقول عنها" (ص29).

- المنطق اللغوي والمنطق العام: "للغات اذن منطقها الخاص، ولأساليبها طرقها الخاصة التي يجب عرضها وتفسيرها، لا في ضوء المنطق العام، بل في ضوء المنطق اللغوي والاستعمال اللغوي..." (ص 36).

- ذوق الأمة: وبهذا يتضح أن النص الواحد يتغير في مراحل انتقاله بحسب ذوق الأمة المنقول اليها في كل مرحلة.. (ص 96).

الكتاب يمتليء بالأخطاء الحقائقية التي لا يمكن تبريرها، وأهمها وأوضحها هو تعليق المؤلف على التشابه الذي لاحظه بين قصيدة "فلسفة الحب" لشيلي ورباعيات الخيام التي ترجمها فتزجرالد في ترجمته الشهيرة. حيث يقول "وهي [أي قصيدة شيليٍٍ] تشبه رباعيات الخيام -الى حد ما- في الشكل والمضمون، فمن حيث الشكل تشبهها في بنائها المنطقي وقافيتها الرباعية، ومن حيث المضمون في الدعوة الى المتعة واللذة، ولعل شيلي تأثر في ذلك بالرباعيات عن طريق ترجمتها الانجليزية الشهيرة التي قام بها فتزجرالد أواخر القرن الثامن عشر". يلاحظ الكاتب تشابها بين قصيدة "فلسفة الحب" لشيلي وترجمة فتزجرالد الانجليزية لرباعيات الخيام في الشكل والمضمون، ولو أنه يعود فيقيد ملاحظته هذه بعبارة "الى حد ما" التي لم أفهم منها شيئا اذا أخذنا بوجوب تحديد معنى الكلام في السياق البحثي. المهم ان المؤلف لا يكتفي بملاحظته المهمة وغير المثبتة هذه، بل يحاول أن يبررها فيقع فيما لا يقع فيه الباحث الحصيف الذي أقام كتابه بأكمله على مناقشة قصيدة شيلي "فلسفة الحب" وترجماتها العربية في الفصل الأول، وعلى مناقشة ترجمة فتزجرالد لرباعيات الخيام في الفصل الثاني، وهذا ما يقتني كافتراض لا يتسلل اليه أي شك ان الباحث يعي ما يتحدث عنه. يحاول الباحث تبرير هذا التشابه بأن شيلي تأثر بترجمة فتزجرالد للرباعيات وفي هذا وضع للعربة أمام الحصان على نحو أقل ما يمكن وصفه بأنه تراجيدي حيث أن شيلي توفي عام 1822 في حين أن ادوارد فتزجرالد وقع على مخطوطة الرباعيات بالفارسية عام 1857 ونشر أول طبعاتها عام 1859 أي بعد سبعة وثلاثين عاما من وفاة شيلي. وكان هذا طبعا في حوالي منتصف القرن التاسع عشر وليس في "أواخر القرن الثامن عشر" كما يذكر المؤلف.

والأخطاء الأخرى ليست قليلة كتعريفه بأوجين نيدا على انه "من المهتمين بالترجمة، ومتخصص في ترجمة التوراة والانجيل الى الانجليزية" وطبعا نيدا ليس مهتما بالترجمة بل انه من أكبر علماء مبحث الترجمة وهو من الذين يحفظ لهم التاريخ دورهم في تأسيس الترجمة كعلم له قواعده وأصوله، وهو أبو علم الترجمة كما يسميه البعض. ونيدا متخصص ليس في ترجمة التوراة والانجيل الى الانجليزية بل العكس هو الصحيح حسب علمي، فاهتمامه مركز على الصعوبات التي تعترض ترجمة الكتاب المقدس عند اليهود والمسيحيين (التوراة والانجيل) الى اللغات "البدائية" كاللغات الافريقية ولغات بعض المجموعات البشرية كالهنود الحمر وبعض اللغات الصينية التي تختلف تماما عن الانجليزية من ناحية التراكيب والوحدات اللغوية، ومن ناحية المميزات الثقافية.

الكتاب يعاني أيضا من مشكلة محاولة ربط بعض طرائق الترجمة المتبعة عند العرب والأساليب التي تحدث عنها بعض منظري الترجمة في العصر الحديث ويبني ذلك على تفريق الصفدي وبعده الزيات - لطريقتين من طرائق الترجمة "الترجمة الحرفية وترجمة المعنى" هذا على الرغم من أن هذا التفريق متهافت لا يصمد أمام نقاش منطقي مبسط حيث ان لم يكن ما تترجمه في الترجمة الحرفية هو المعنى فماذا يكون؟ ان تقبل تقسيم كهذا على محلاته دون تفكير بسيط في دلالاته أمر لا يمكن القبول به. اننا اذا عذرنا الصفدي في تقسيمه هذا القائم على تقسيم الكلمة الى شكل (حرف) ومعنى فلن نقبل ذلك من باحث في سباق زمني يشارف القرن الحادي والعشرين وخصوصا بعد أن تطور علم اللسانيات تطورا هائلا يجعلنا نقارب التصورات التراثية بعقلية نقدية قائمة على ما توافر لدينا من معرفة وليس ان نبني كياناتنا البحثية على تلك التصورات التي تم تجاوزها.

ان مثل هذا النكوص ومحاولة وضع قناع البحث الحديث عليه أمر ذو نتائج هشة. وعلى سبيل المثال فإن المؤلف يخلط خلطا مريبا بين حديث صلاح الدين الصفدي عن ترجمة المعنى عند حنين بن اسحق والجوهري، وبين مصطلح الترجمة الديناميكية الذي تحدث عنه نيدا. الصفدي يقول إن طريقة المذكورين كانت تقوم على أن المترجم يقرأ الجملة بلغتها الأصلية ويستوعبها ثم يعيد صياغة ما فهمه من معنى بلغته، في مقابل طريقة الترجمة الحرفية التي كانت تقوم على أن المترجم يترجم كلمة كلمة. ورغم عدم تقبل اللسانيات المعاصرة لمثل هذا التصور السطحي لتقسيم الكلمة الى شكل ومعنى فقط (هذا اضافة الى أن النص والخطاب - وليست الكلمة أو الجملة - أصبحا أهم الوحدات اللغوية التي يتحدث عنها البحث اللساني المعاصر) إلا أن ما يعنيه نيدا أمرا آخر في سياق آخر. فبينما يتحدث الصفدي عن مستوى الكلمة يتحدث نيدا عن مستوى أوسع وهو مستوى النص ورحلته السهمية التي تبتدىء بالمؤلف وتنتهي بالمستقبل حيث يمثل النص حلقة تربط الاثنين يضع فيها الأول من الوسائل اللغوية ما يحقق هدفه من انتاج هذا النص. ان مصطلح  Dynamic Translation  يعني أن على المترجم أن يعيد انتاج النص بحيث يكون للترجمة تأثير على قارئها مشابه للأثر الذي خلفه النص الأصلي في القاريء باللغة الأصلية. ولا يخفى ان الصفدي يتحدث عن مستويات الكلمة والجملة بينما يتحدث نيدا عن العملية النصية بأكملها.

من الملاحظات ذات الأهمية أيضا تقسيم المؤلف لأقسام الترجمة حسب طبيعة النص الى قسمين كبيرين" هما ترجمة الآثار العلمية وترجمة الآثار الأدبية. إذا كان تقسم الأشياء الى علمي وأدبي مقبولا لدى طلبة الثانوية حيث يواجهون هذه الثنائية العجيبة في سيرتهم التعليمية المدرسية فإن هذا لا يمكن قبوله في سياق البحث الأكاديمي الحقيقي. دونما اطالة في بحث هذا الموضوع نقول أن تقسيم النصوص حسب موضوعاتها قد تجاوز هذه الثنائية منذ وقت طويل، فبرزت الى الوجود تسميات لنصوص لا يمكن ادراجها في إطار هذين القسمين الكبيرين. ومثل ذلك نصوص الاعلانات التجارية والنصوص القانونية والنصوص الصحفية..الخ.

الكتاب يستخدم قاموسا قد يثير علامات استفهام اذا ما نظر اليه المرء من منظور محاولة الموضوعية، فيتحدث مثلا عن رأى من يرى بإمكانية ترجمة الشعر ورأي من يرى عكس ذلك بـ "الحظر والإباحة" وهما مصطلحان يمكنني أن أصفهما بأنهماLoaded words  (1) أو كلمتان محشوتان ايديولوجيا (انظر 1993: Ng & Bradac) تطورا في سياق خطاب فقهي ديني، وإذ نرى أن القاريء سيفهم حقا مقصد الكاتب إلا أنه من المفضل في النصوص الأكاديمية البعد عن مثل هذه التعبيرات التي قد لا تتماشى والسعي العلمي نحو الموضوعية (النسبية على الأقل ان لم تكن المطلقة)، ومثل ذلك إشارة المؤلف الى أن اللغة الفارسية لا تملك سوى كلمة واحدة في الاشارة الى الأسد فيقول "ومعلوم أن العجم لا تعرف للأسد غير اسم واحد هو "شير" أما نحن فنعرف له خمسين ومائة اسم". اضافة الى ايحاءات النخوة العربية فلا يخفى على القاريء ان المؤلف باستخدامه لكلمة العجم للاشارة للفرس يبدو وكأنه يتخذ موقفا ايديولوجيا ما فكلمة العجم استخدمت للاشارة الى غير العرب واستخدمت تقليبا للاشارة الى الفرس وذلك في العصور العربية الأول في سياق مختلف عن سياقنا الآن واذا كنا لا نستخدم كلمة العجم للدلالة على الفرس - الايرانيين هذه الأيام في المستوى العام من التوصل اللغوي فكيف بنا أن نقبل بكلمة حبلى بالايحاءات في بحث علمي يفترض فيه الموضوعية.

ومن أسس ثبات كتاب ما أو رأي ما تناسقه الداخلي، ونرى أمثلة في كتاب "قضية ترجمة الشعر" توحي بإضطراب داخلي.

فنمضي مع المؤلف في طرحا لرأيه أو تحليله في موضوع ما ثم إذا بنا نفاجأ بأنه يقول عكس ذلك. ومثال ذلك حينما يتعرض لعرض تحليلي لقصيدة "فلسفة الحب" لشيلي التي تتكون من مقطعين رئيسيين كالتالي (الترجمة التالية هي ترجمة مؤلف الكتاب "الحرفية !"):

تمتزج الينابيع مع النهر

وذلك الانهار مع البحر

ورياح السماء تتداخل الى الابد

بعاطفية عذبة

لا شيء في الوجود منفرد

كل الاشياء بقانون الهي

فلم لا اكون كذلك معك؟

انظري الجبال تقبل السماء العالية

والامواج تعانق بعضها بعضا

والزهرة الاخت لا يغتفر لها

ان هي صدت اخاها

وشعاع الشمس يحتضن الارض

وضوء القمر يقبل البحر

فما كل هذه القبلات العذبة

اذا انت لم تقبليني؟

يرى الباحث أن المقطع الأول يورد صورا حسية لامتزاج الطبيعة كالينابيع مع النهر والانهار مع البحر واختلاط الرياح. واذا أمكن قبول هذا فكيف يمكن قبول أن المقطع الثاني ينتقل من الحسي

الى المعنوي، فينتقل من تلك المشاهد الحسية من تمازج مظاهر الطبيعة وتخالطها الى صور معنوية رومانسية من التآلف والتعاطف بين مظاهرها الجامدة (ص55)؟، ويمضي مؤلف الكتاب فيضرب أمثلة من المقطع الثاني كتقبيل الجبال للسماء وتعانق الأمواج وشعاع الشمس الذي  يحتضن الأرض، والحقيقة اني لا أرى وجها قويا للقول أن صور المقطع الأول حسية بينما صور المقطع الثاني معنوية رومانسية (؟)، إلا اذا اعتبرنا أن التشخيص هو الذي يجعل الحسي

معنويا. المهم في نقطة الثبات والتناسق الداخلي هو أن المؤلف يعود فينتقد ترجمة فائق رياض فيقول "كنى فائق رياض عن الشمس بالغزالة وحول الاحتضان الى مغازلة فحول الصورة الحسية الى الوجدانية" (ص 60). وهنا كما لا يخفى يناقض المؤلف نفسه فيجعل صورة الشمس حسية بعد أن كانت وجدانية رومانسية وليست حسية حسب رأيه في صفحة (55).

من ناحية منهجية مراجع الكتاب نرى أن هنالك بعض الهنات غير البسيطة. ومثل ذلك عدم ذكره في قائمة مراجعه ومصادره لكتاب كان العمود الفقري للفصل الأول وهو كتاب "شيلي في الأدب العربي في مصر" لجيهان صفوت رؤوف، كذلك كتاب "دراسات في الترجمة" لسوزان باسنت وكتاب "نحو علم الترجمة" لأوجين وغيرها من الكتب التي اشار اليها في متن الكتاب وحواشيه، ودعك من الاشارات الى الدوريات وغيرها من المصادر التي لم يشر اليها مطلقا في قائمة المصادر والمراجع.

ومن الملاحظات المنهجية الأخرى (الكوميتراجيدية حقا) تعليق المؤلف على قوله نفسه أنا الشاعر في المقطع الأول من قصيدة آنفة الذكر "أورد صورا حسية لامتزاج مظاهر الطبيعة واتجاه الضعيف نحو الأقوى ليمتزج به ويتلاشى فيه ليصبحا كيانا واحدا"، حيث يذكر في حاشية الصفحة أن "هذا هو المنطق الأوروبي على المستوى الفردي وعلى المستوى العام الدولي في اتجاهها نحو ابتلاع الدول الضعيفة وامتصاص خيراتها ومحاولة اقناعها بأن ذلك لمصلحتها.." والصمت هو خير تعليق على هذا الربط بين قصيدة شيلي الرائعة وبين "إلاستعمار" و" الامبريالية " و" قوى الاستكبار العالمي".

يختتم المؤلف كتابه بالعبارة التالية "وإني لأرجو أن أكون قد خطوت خطوة بهذه القضية الصعبة نحو الهدف الذي ينشده النقاد والدارسون لها، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل" (هكذا).

الهوامش

1 - يرى كل من سك هنج نج وجيس ج براداك في كتابهما (القوة في اللغة التواصل اللغوي والتأثير الاجتماعي  Power in Language: Verbal Communication and Social)Influence)  الذي صدر عام 1993 ان هناك كلمات محشوة وهي التي "يمكن استخدامها لإثارة قاطرة من الافكار والمشاعر التي تقود الى اتجاه محدد مرغوب فيه" (ترجمة كاتب المقال). وهذه

الكلمات -بخلاف الكلمات المحايدة التي لا تخفي أثرا مقصودا – موظفة ايديولوجيا على نحو لا يشعر فيه المتلقي سامعا كان أم قارئا انه يستدرج نحو هدف محدد سلفا سواء من قبل المرسل (الكاتب أو المتحدث) أو من قبل الايديولوجيا التي تعمل مثل هذه الكلمات على تعزيز وجودها ومنع الايديولوجيات الاخرى من الوصول الى السلطة الاجتماعية، وهنا تغدو اللغة (في أي مظهر من مظاهرها وأي مستوى من مستوياتها) ميدانا للصراع بين الأيديولوجيات المختلفة، تلك التي في يدها السلطة والأخرى التي تحاول الوصول اليها وللمزيد في هذا الموضوع يمكن للمهتم الاطلاع على كتب الاكاديمي البريطاني نورمان فيركلان Norman Faerclough  (وهو أهم الباحثين في العلاقة بين اللغة والقوى الايديولوجية وصاحب التحليل النقدي للغة والخطاب - وهو كاتب ابتدأ من حيث انتهى ميشيل فركو) ومن كتبه Language and Power  (اللغة والقوة) و Critical Discourse Analysis  (التحليل النقدي للخطاب).

الترجمة وحوار الحضارات(7)

عندما بدأت أبحث في بداية ممارستي للترجمة, مررت بعدة تعاريف لها, لكن ما أثار انتباهي بعض التعاريف والتعاليق التي لامست شغاف قلبي وأغنتني عن تقديم منظور خاص بي أذكر منها ما يلي:

1-الترجمة - بأعم تعريف -: هي التعبير بلغة ثانية عن المعاني التي تم التعبير عنها بلغة أولى .ويدل هذا التعريف على وجود مستويين: مستوى المعاني، ومستوى التعبير عن هذه المعاني بلغة معينة. وفي حين يتساوى بنو البشر في كيفية اكتساب المعاني، يختلفون في طريقة التعبير عنها بحسب اختلاف لغاتهم. ويحدَّد هذا الاختلاف في أن لكل لغة وسائلها التركيبية والصرفية والصوتية التي تستعملها للتعبير عن المعاني المختلفة. فمعنى الاستفهام عن الشيء – مثلا - قائم في أذهان جميع البشر، ولكن التعبير عنه في اللغة العربية يتم بوسائل ليست هي الوسائل التي تُستعمل للتعبير عنه في اللغة الإنجليزية أو اليابانية أو الفرنسية أو الروسية أو غيرها. ومثل ذلك وارد أيضاً في جميع المعاني. فالترجمة إذن تعبير دقيق عن المعاني بالوسائل التركيبية والصرفية والصوتية المتوافرة في لغة ثانية ( أو اللغة الهدف ) شرط أن تكون معادلة للوسائل التي استُعملت للتعبير عن هذه المعاني في اللغة الأولى ( أو اللغة المصدر ). وشرطُ صحتها أن يكون مدلول العبارة أو النص في اللغة المصدر هو ذاته في اللغة الهدف. لذلك، فإن الترجمة ليست مجرد انتقال من لغة مصدر إلى لغة هدف، بل هي انتقال من لغة موسومة بتجارب متكلميها ومخزنة لعناصر نسقهم التصوري إلى لغة موسومة بتجارب متكلمين مختلفين عن الأوائل ومخزنة لعناصر نسقهم التصوري المغاير.

2- تتحدد خصوصية العملية الترجمية من خلال كونها سيرورة قائمة في مفترق ثقافتين وسياقين متغايرين. فالترجمة ليست جنسا أدبيا, كما أنها ليست خطابا مشبعا بفائض إنتاجه النرجسي الخاص كالشعر أو الرواية مثلا. بل هي ممارسة تعانق فيها الذات مُغايرَها, وتتطلع لمحاورته ومواكبة مستقصيات ومضمرات خطابه. ومن هذه الزاوية, يتعرف المترجم عن نفسه من خلال توسطه بين وضعيتين ثقافيتين وسياقين لغويين متمايزين. مما يحيل الممارسة الترجمية إلى عملية مثاقفة بامتياز. إلا أن التفكير في الترجمة, هو أيضا تساؤل حول ما تنطوي عليه من عمليات ذهنية وسيكولوجية ومعرفية وتواصلية.

3-تبدو المعطيات خارج اللغة متحكمة في الفعل الترجمي مما ينأى به عن أن ينحصر ضمن الكينونة اللغوية فقط فقد ربط منظرو الترجمة اللغة بالخصوصيات التجريبية والحياتية للمستعملين، مما يجعل الترجمة شعرية أكثر منها مطابقة، كما رأى منظرو التلقي أن الترجمة نوع من التلقي الحر أو التواصل، يكون للمتلقي أحيانا الدور الأساسي فيه، وتارة يكون النص هو صاحب الكلمة العليا بما يجعل المعنى كامنا في البنيات النصية، وقد حاول بعض الدارسين على ضوء هذه المنازع إقامة تفرقة بين ترجمة لغوية أقرب ما تكون إلى المثالية والتجريد، وترجمة حضارية تأخذ بعين الاعتبار السياق الحضاري والثقافي ونمثل الترجمة الأعمق.(الاستاذ سعيد أراق )

هذا العنصر الثقافي الذي يصر عليه الكثير من الباحثين يرسخ الخصوصيات التي تصبح معها الترجمة أمام موضوع معقد لا يكفي فيه حضور الجهاز اللغوي عاريا عن الجهاز السوسيو ثقافي لأن الترجمة كما يقول جون "روني لادميرال" عبور بين ثقافات أو هو تواصل ثقافي، ذلك أن اللغة متضامنة مع سياق ثقافي يحتم إضافة الأفق الخارج لساني إلى نظرية الترجمة، والترجمة إذا ليست للغة ولكن للكلام.(د. جمال حضري ) 

التعريف بالكتب المترجمة أول طرق وصولها للقراء(8)

يعد الأدب وسيلة الشعوب للتعبير عن ثقافتها، أما ترجمة الأدب فتعتبر أقصر الطرق للتعرف على الآخر. لكن العديد من الكتب التي تترجم يبقى في طي النسيان إذا لم يتم التعريف بها بشكل كاف عن طريق الملتقيات أو المجلات الثقافية. 

استضافت القاهرة الملتقى الدولي الثالث للترجمة بمشاركة نحو 200 باحثاً عربياً وأجنبياً. وفي إطار مؤتمر تحت عنوان "الترجمة ومجتمع المعرفة" تمت مناقشة علاقة الترجمة بعدد من القضايا، منها علم النفس واللغة العربية وحقوق الملكية الفكرية والعلاقات الثقافية بين الشعوب. واحتفل الملتقى، الذي اختتمت أعماله يوم الثلاثاء، 14 فبراير/شباط 2006، في نهايته بصدور الألف كتاب الأولى في المشروع القومي للترجمة، الذي يتبناه المجلس الأعلى للثقافة في مصر منذ عام 1995. وهو المشروع، الذي يهتم بترجمة كتب تشمل مختلف مجالات المعرفة الإنسانية من 30 لغة إلى العربية. ومن ضمن المشاركين في الملتقى: الإيطالية إيزابيلا كامارا، والبوسني بكر إسماعيل، والأمريكي روجر آلن، والسوداني الطيب الصالح، بالاضافة إلى أدباء آخرين من لبنان وسوريا ومصر. وقد عقد المؤتمر الأول سنة 2000 بعنوان "قضايا الترجمة ومشكلاتها"، بينما حمل الملتقى الثاني الذي أقيم في 2002 اسم "الترجمة والتفاعل الثقافي". وتم في مؤتمر هذا العام تكريم عشرة مترجمين اجانب وعرب نقلوا مؤلفات عربية الى لغات أجنبية، من بينهم الفلسطينية سلمى خضراء الجيوسي والايطالية ايزابيلا كاميرا دي فيلتو والأميركي روجر الن وفاليريا كيريتشينكو. 

"بعيداً عن لغة الحياة" 

مازال كتاب ألف ليلة وليلة من أهم الكتب التي ترجمت للألمانية وفي طاولة مستديرة اعتبر الباحث والمترجم ماهر شفيق أن قلة الإقبال الأوروبي والغربي بصورة عامة على المؤلفات العربية المترجمة الى اللغات الأجنبية، رغم الجهود المبذولة، سببه "اكتفاء الغرب بالنتاج الأدبي الذي يملكه منذ فترة طويلة". وأضاف ماهر شفيق "الأدباء العرب يميلون إلى لغة تعتمد الصيغة البلاغية بعيداً عن لغة الحياة التي أصبحت تميز الأدب الغربي، ولو استخدم العرب لغة الحياة لتحسن توزيع الكتاب العربي بشكل كبير". لكن غالبية المشاركين أشاروا إلى أنه من الضروري ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، وخصوصا ان الاهتمام بالترجمة قد بدأ متأخراً نسبياً لأسباب عدة أهمها حداثة تاريخ الرواية العربية، الذي يعيد البعض ميلاده إلى مطلع القرن الماضي مع رواية "زينب". ومن المعروف أن الاهتمام العالمي بالرواية العربية المعاصرة جاء بعد فوز الروائي المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب عام 1988، حين سُجل ارتفاع ملحوظ لعدد الروايات والكتب الأدبية المترجمة إلى مختلف اللغات الأوروبية. 

لسان: مجلة عن الكتب العربية المترجمة للألمانية 

  الأدب الألماني يصل إلى العالم العربي عبر بوابة الترجمةيعد التعريف بالثقافة العربية في الدول الناطقة بالألمانية من أهم أهداف دار النشر السويسرية "لسان".  وتهتم هذه الدار أيضاً بتوفير مواد تعليمية خاصة لتدريس اللغة العربية للناطقين بالألمانية. د. حسن حماد، عالم الآداب المصري، الذي أنشأ دار لسان، يضع الأدباء الشباب العرب في مركز اهتمامه، ويسعى إلى ترجمة أعمالهم إلى الألمانية. في هذا الإطار تهتم دار النشر أيضاًُ بتقديم الأدباء الشباب للعالم الغربي، خاصة من يطلق عليهم "جيل التسعينات" من الأدباء المصريين مثل ميرال الطحاوي ومي التلمساني ونورا أمين ومنتصر القفاش وعادل عصمت وحسني حسان.  

التعريف بأعمال الكتّاب الشبان 

لا يمكن الاطلاع على ثقافة الآخر بدون ترجمة الأعمال الأدبيةولأن الكثير من الكتب تترجم دون أن تعرف عنها الجماهير أي شيء، فقد فكر د.حسن حماد في إصدار مجلة ثقافية تعرض نبذات عن الأعمال العربية التي تترجم إلى الألمانية. وفي حديثه لموقعنا قال د. حماد: "إن المشكلة ليست فقط في قلة عدد الكتب المترجمة، لكنها أيضاً في قلة الإعلان عنها، ومن هنا جاءتني فكرة المجلة، فهي تعرف بالأعمال المترجمة وبالأدباء العرب الجدد، خاصة الشباب منهم، والذين قلما يجدون الفرصة لترجمة أعمالهم والتعريف بها". أعمال هؤلاء الشباب اتسمت بواقعية غير مسبوقة وتميزت بالاهتمام بالطبقات المهمشة في الأحياء الفقيرة بالقاهرة، كما اتسمت بالجرأة وكسر التابوهات. ويقف عدم المعرفة باللغة عائقاً أمام التعريف بالثقافة العربية وبالحياة اليومية بدول الشرق الأوسط، كما أن الأعمال المترجمة كانت دائماً لقلة من كبار الكتاب، مما يجعل رؤية الغرب للعالم العربي محدودة، لذلك تعد المجلة، التي تعطي الفرصة للجيل الجديد من الكتاب فرصة لإعطاء نظرة أوسع للناطقين بالألمانية من أجل التعرف على الحركة الثقافية العربية كما هي.  

الترجمة بوابة الشعوب  

معرض لبيتريغ للكتاب من ناحية أخرى، اهتمت الجمعية الدولية للمترجمين العرب بإصدار مجلة خاصة للترجمة واللغات وهي مجلة "واتا". وتعني هذه المجلة باللغويات والترجمة، وكل ما يتصل بهما من قضايا ودراسات وأبحاث على الصعيدين النظري والعملي وتصدر عن الجمعية الدولية للمترجمين العرب. وتعتبر المجلة "المنبر الإعلامي والواجهة الثقافية للجمعية، وصوتها الحامل لرسالتها والمعبر عن أهدافها" كما عبر عنها القائمون عليها.  وتعتبر المجلة نافذة للانفتاح على تيارات العالم المعاصر وجسر التواصل الحضاري والتفاعل الثقافي. وتصدر هذه المجلة بشكل دوري كل ثلاثة شهور. وتتطلع الجمعية من خلال مشروع المجلة إلى استقطاب الطاقات الأكاديمية والعلمية العربية والعالمية، بهدف إثراء الثقافة العربية ومد جسور التواصل الثقافي والحضاري بينها وبين العالم المعاصر.  

عمل المترجم(9) 

إن الانفجار الإعلامي الذي نواكبه في نهاية القرن العشرين، وظهور طرق الاتصال السريع الذائعة الصيت، والتي يفترض أن تسهل لعدد متزايدة من الأفراد المنتشرين في العالم الاطلاع المباشر على المعرفة والتقدم العلمي والتقني، يطرح عملياً مسألة السيطرة على هذا السيل من المعلومات الذي تضعه وسائل الاتصال في خدمة الإنسان. وتظهر إشكالية السيطرة تلك في المجال اللغوي لأن اللغة هي الأداة التي يملكها الإنسان ليعبر بها عن أفكاره، وينقلها إلى الآخر، وإنه لمن الضروري أن يستخدم الإنسان هذه الأداة استخداماً صحيحاً لتأمين الرسالة، وتأويل مضمونها.

وإن ما يسمى المعجم المختص يغطي عدة مجالات؛ ومن هنا جاء تعدد اللغات المختصة في الاقتصاد والقانون والمعلوماتية والمؤتمرات الدولية... إلخ. ويعرف ف.لازار F.Lazar اللغات التقانية بأنها" لغات تهدف إلى تنقية معجمها وتركيبها ودلالتها ليتم التوصل إلى مؤدياتénoncés تخلو من أي التباس"(1).

أما أحمد الأخضر غزال، المدير السابق لمركز الدراسات والأبحاث للتعريب (التابع لجامعة محمد الخامس في الرباط)، فيعرف اللغة التقانية بالقول: "إن لغة العلم والتقانة والتكنولوجيا) لغة خاصة تختلف عن اللغة الأدبية بمظاهر عدة (...) مثل الاتساق النصي والتركيز النحوي وموضوعية الجمل والاستسماء التعبيري والقرض (...) وكذا البنية الاصطلاحية كالاشتقاق والتركيب والقرض والاختيار والنحت والحرفلة Siglaison والمجاز والتسبيب والتعليل والابتكار والتوليد والتحديد (...) والنظائم المصطليحة Systemes terminologiques"(2).

إن لكل لغة مختصة مستويات لغوية حسب استخدامنا لها، وإن اللغة العلمية في كتب العلوم الطبيعية التعليمية تختلف عن لغة الاتصالات العلمية التي يستخدمها المهنيون لوصف الاختراعات العلمية؛ فنجد أن كل لغة مختصة تتميز بمصطلح وبأسلوب خاصين بها، وأننا نميز في المجال التقاني بين النصوص الوصفية والحجاجية Argumentatifs والتفسيرية والفرضيةPrescriptifs، كما تفعل مونيك كورمييه Monique Cormier (3).

أضف إلى ذلك أن أي اختراع حتى يكون فعالاً، ويساعد الخبراء على معرفة ما تم إنجازه لا بد له أن يكون مكتوباً. وهنا يتدخل المترجم الذي يعد صلة الوصل الضرورية في سلسلة التواصل بين المؤلف والقارئ: إن مشكلة المترجم العربي هي أن آخر مايهتم به هو معرفة المسار الذي سيسلكه لترجمة نص مختص.

يفترض المترجم في الواقع أن النص المختص يمتلك، إضافة إلى مضمونه الإخباري، أسلوباً ومصطلحاً خاصين به يهدفان ما أمكن إلى جلاء أي غموض عبر الإحاطة بالمبادئ والمفاهيم بأفضل الطرق، ويدرك أن مهمة هذا النمط من النصوص هي نقل معلومات موثوقة وواضحة وفعالة.

ويواجه المترجم العربي في كثير من الأحيان نصوصاً حررها مختصون يستخدمون للحديث عن مجال تخصصهم أداة مفهومية يرون أنها ضرورية لنجاح تحليلهم، ويلجؤون أيضاً إلى عبارة مختصة توفر للمعلومة العلمية الصرامةالمطلوبة. ويتعرف المترجم إلى اللغة العربية خلال مرحلة كتابة النص ثغرات معجمه، فيلجأ إلى الخطوات الآتية:

 .1العمل على النص

يحاول المترجم/ القارئ في سبيل بناء المعنى امتلاك الأدوات المفهومية للنص(4). ويرى بارت  Barthes أن "القراءة هي العثور على الطريقة التي كتب فيها النص في شكلهCorps، وليس في معناه Conscience (5)، إن القراءة هي أن نراقب الإنتاج وليس المنتج"(6). إذاً تعني القراءة عند المترجم إعادة بناء إيقاعات النص المتجاورة، والمتعارضة، والمتناوبة. ويعد النص، على حد قول أمبرتو إيكو Umberto Eco، "نسيجاً من الفضاءات البيضاء والفجوات التي ينبغي سدها(..) أولاً لأن كل نص هو آلية اقتصادية تعيش على فائض قيمة المعنى الذي يأتي به المتلقي(..) وثانياً لأنه عندما ينتقل شيئاً فشيئاً من الوظيفة التعليمية إلى الوظيفة الجمالية، فإنه يترك للقارئ المبادرة التأويلية على الرغم من أنه يرغب عموماً في أن يكون في تأويله قدرٌ كافٍ من الاشتراك في (المعنى)"(7).

ويؤدي القارئ/ المترجم أيضاً وظيفة المتلقي الأول الذي يتوجه إليه كاتب النص المختص. وإن الورقة الرابحة لدى المترجم، على الرغم من عدم تخصصه في مجال النص، هي اهتمامه بمختلف المجالات: إن معارف المترجم التي تتجاوز مدركاته extracognitives هي التي تسمح له بملء الفجوات المذكورة أعلاه، وبتأويل النص بإعطائه معنى متواطئاً، وبإظهار ما يخفيه ذلك النص"(8).

 .2تحمل توقعات المتلقي الأخير:

إذا افترضنا أن كل نص، مهما كان نمطه، يحمل شحنةً تواصليةً، ويفترض متلقياً أخيراً يستطيع عصرنته، فما الإجراء الذي سيتبناه المترجم العربي إزاء جمهور غير متجانس يشاركه اهتمامه بالعلم والتقانة؟

إن العقبة الأولى التي سيواجهها المترجم ذات طبيعة مصطلحية: كيف يصوغ بالعربية صيغة عمل تقانة تم تصورها وتطبيقها في الغرب؟ ويمثل ذلك مواجهة أولى بين نظامين ثقافيين على الصعيد التواصلي. وكما يقول عبد القادر فاسي فهري: إن "التعريب يعني أيضاً جعل اللغة العربية لغة تتواصل مع اللغات الأخرى بتزويدها بوسائل تحدد موقعها بالنسبة إلى تلك اللغات على عدة مستويات (...) والتعريب أيضاً هو توطيد المادة اللغوية توطيداً مستمراً في مجالات مفهومية أو في مجالات معرفية جديدة"(9). إن الملاحظة التي يمكن تسجيلها عند قراءة بعض الترجمات هي أن نصيب الرسالة كبير جداً في الترجمة إلى العربية؛ فالمترجم الذي كثيراً ما تنقصه الكلمات لأداء الرسالة، فيضيف معلومات لتأمين وضوحها، إنه يُعد بلاغة تقنية تنم عن نظام متكامل من الإحالات الثقافية ليجعل الرسالة مفهومة لدى جمهور كبير. ومن هنا جاء هذا الفيض من المجلات العلمية العربية التي تهدف في المقام الأول إلى نشر المعارف الجديدة (عرب كمبيوتر، الكومبيوتر، مجلة الطبيب، المؤشر، الإداري، إلخ).

 .3مسار المترجم:

يستطيع المترجم الذي يعي الثغرات التي يعاني منها معجمه اتباع الخطوات الآتية:

* اللجوء إلى الصياغات الجديدة بطريقة النسخ عن الأصل الأجنبي: النسخ أو الترجمة الحرفية "ضرب من الاقتراض الدلالي ينتقل فيه المدلول دون الدال من لغة مصدر إلى لغة مرود(...) وقد كان لهذا الضرب من التوليد أثر مهم في العمل المصطلحي العربي القديم وخاصة في ما سمي العلوم الدخيلة (...). أما العربية الحديثة، فإن تأثيره فيها كبير سواء في الفاظ اللغة العامة أو في المصطلحات"(10). ومن الأمثلة على ذلك في مجال الاتصالات:

      الشبكة المتفاعلة إنترنت:                     - Le réseau interactif internet

      المعالج الميكروي(11):                         - Microprocesseur

استعملت شبكة من العمليات أو التفاعلات عبر الإنترنت. أي: (اتصال بين نظامين يسمح بإجراء حوار بينهما).

هذه الحاسوبات(12) وتدعى مؤدي النسيج منتشرة في أنحاء العالم.

  مؤدٍ:                                                           - Serveur

والمؤدي نظام معلوماتي يتضمن المعدات والأنظمة المتطابقة: وغرضه إدارة قاعدة معلومات ووضعها في متناول المستخدمين.

أما في مجال الاقتصاد فنقول:

  القرية الشاملة:                                          - Global village

  القرية الدولية:                                 - Village planétaire

* استخدام مصطلحات اللغة الدارجة لتسمية مفاهيم غير معروفة. التوليد بالتعبير الدلالي عبر المجاز. ينتقل بوحدة معجمية ما عن دلالتها الأصلية التي وُضعت لها في أصل استعمالها إلى دلالة جديدة إما بتوسيع الدلالة الأصلية توسيعاً مؤدياً إلى التعميم وإما بتضييقها تضييقاً يؤدي إلى التخصيص(13).

ومن الأمثلة على ذلك في مجال المعلوماتية:

     إجهاض:                                      - Abandon \Abort

     ولوج:                                                              Accès -

     تراجع:                - Annulation (la dernière commande)

* ابتداع المصطلحات مع مراعاة بعض قوانين العربية الفصحى: الاشتقاق بصوغ وحدة معجمية جديدة ذات بنية صرفية مقيدة أو مطلقة، من أصل فعلي أو اسمي أو وصفي وأقوى الأصول الاسمية والفعلية. المصطلحات تندر فيها الأفعال والظروف وتَطرد الأسماء والصفات(14). ومن الأمثلة على ذلك:

    محوسب:                                            - lnformatisé 

    معولم:                                                - Mondialisé

    عولمة:                                          - Mondialisation

    دولنة:                                       - lnternationalisation

* اللجوء إلى التأويل/ الشرح: ومثال ذلك:

      الفضاء الخارجي:             - L'espace extra-atmosphérique

      شفير الغلاف المغناطيسي الأرضي:            - Magnétopause(15)

ليست العبارة المستخدمة هنا سوى ترجمة للتعريف: Limite externe de la  magnétosphère صفة لما يتعلق بالفضاء الواقع بين المدار الأرضي ومدار كوكب معين:Cisplanétaire

(وما نجده هنا هو شرح للمصطلح أيضاً)

     مقياس الأشعة التصويري(16): - Radiomètre de transmission d'images

      تحويل أحيائي (التحويل الضوئي للطاقة الأحيائية): - Bioconversion

      إبادة البيئة الطبيعية:                               (17)  - Écocide

* النحت: أي صوغ وحدة معجمية جديدة بسيطة من وحدتين بسيطتين أو أكثر(18). ومثال ذلك:

     (منقول جواً) مجوقل:                                 - Aéroporté

      (مقياس الطيف):                                 - Spectromètre

إن غياب المعيارية للمصطلحات في اللغة العربية قد يجعل المصطلح العلمي نفسه تعاريف واضحة في خطابات مختلفة. وقد نتج عن ذلك وجود مستويات معجمية مختلفة في إطار اللغة المختصة الواحدة، وبالتالي تعدد المصطلحات التي لم يتم في كثير من الأحيان حصرها بدقة وتقنينها في معجم. ولكي يصل إليها يقوم المترجم بأبحاث مضنية، ويجد نفسه في مواجهة مشكلة الترادف، في حين أنه ينبغي أن تميل المفردات في هذا المستوى إلى المحافظة على المعنى، وإلى أحادية الإحالة كي لا تعيق التواصل.

ويمكن على سبيل المثال أن نحصي في مجالات الاتصالات عدداً من المصطلحات لتسمية Réaite virtuelle مثل الواقع الظاهري الواقع الافتراضي/ الواقع الكامن ونحصي أيضاً في مجال الاقتصاد عدداً من المصطلحات لتسمية مفهوم pirvatsation التمليك/ الخوصصة/ التخصيص/ المخصخصة/ التخصصية/ الأهلنة/ التفويت(19).

 4. المنهجية المناسبة:

ينبغي لمواجهة تلك الاعتبارات المصطلحية التقنية البحتة، اتباع المنهجية الآتية:

* معرفة الموضوع:

كلما ازدادت تقنية الموضوع،  ازدادت أهيمة المعارف غير اللغوية، وتناقص دور المعجم. وينبغي الحصول على المعارف غير اللغوية، من نصوص أصلية قيمة (الكتب الوجيزة والمجلات): فهي لا تساعد فقط على فهم النص فحسب، وإنما تساعد أيضاً على إعداد مدونة من لغات الاختصاص تشمل سياقات توضح استخدام المصطلحات. ويتطلب عمل المترجم إلى العربية كما رأينا سابقاً نوعا من التدخل في النص: يقوم المترجم بإنتاج النص، ولكنه يوضح أيضاً الصيغ الجديدة Néologismes الطارئة على اللغة.

* الاستعداد للتحليل والتركيب:

والتحليل والتركيب ضرورتان أساسيتان لتفكيك النص وإعادة بنائه: أي الاستفادة من البراغماتية، وتحليل الحقل التركيبي، والتعارض بين المفردات المجردة والمحسوسة. وينبغي في غاية ذلك أن تتم صياغة الرسالة أو ما يريد الكاتب الأصلي قوله في لغة الوصول.

* الفهم الجيد للغة الأجنبية وإجادة استخدام اللغة الأم:

ويمثل ذلك إعداداً ضرورياً لكي نتجنب عند ترجمة النصوص المختصة الإفراط في استخدام نسخ المصطلحات الأجنبية، والمقولات النحوية للغة الأصل (مثل استخدام صيفة المجهول في اللغة العربية)؛ فكلما كانت الرسالة واضحة للمترجم كانت قدرته على الملاءمة بين المصطلحات "الغريبة" أكثر.

* إنشاء بطاقات مصطلحية:

لما كان المترجم في نهاية الأمر المحرر النهائي للنص، كان عليه في كثير من الأحيان أن يرجع إلى بعض الوثائق لتوضيح معنى النص الأصلي ولإيجاد مصطلحية مناسبة. ويسهم إنشاء البطاقات المصطلحية المختصة في تسهيل عمل المترجم. وحتى تكون البطاقة المصطلحية ناجعة ينبغي أن تجيب عن بعض الأسئلة. ونستوحي هذا المفهوم من النموذج الذي أعده دافيد ج ريد Reed David G (20) بخصوص البطاقة المصطلحية القانونية.

إن المصطلح التخصصي الذي ينبغي أن يظهر على البطاقة هو مصطلح ينتمي إلى اللغة القانونية والاقتصادية والعلمية، ويمتلك شحنة معنوية تقنية في سياق تقني. ويفضل تسجيل مختلف التراكيب التي ترافق مختلف المصطلحات لنرى كيف تستخدم هذه اللغة التخصصية، ويمكن على سبيل المثال تسجيل مصطلحات:

     دعوى: (في المحاكم)                                      -Action

     عمل دبلوماسي: (في الدبلوماسية)         -Action diplomatique

     "إقامة/ رفع دعوى" وليس "قام بدعوى"-Intenter une action contre quelqu' un

وتحمل أحياناً بعض كلمات اللغة العامة التي توضع في سياق خاص شحنة معنوية قانونية. مثال ذلك كلمة Gratuit في عمل مجاني/ عمل تبرع (في القانون المدني)Acte à titre gratuit، وكلمة caché في: عيب خفي (نفص في صفة الشيء المبيع أو المؤجر) vice caché. وينبغي أن تجد المصطلحات المتممة Les termes accessoires مكانها في معجم خاص باللغة القانونية بسبب استخدامها بشكل دائم، ومن هذه الوحدات: إذ يعتبر Considérant que  حيث إن، لما كانت، بما أن Attendu que .

ويستند قرار شمل أو استبعاد أي مصطلح إلى عدة عوامل، إذ ينبغي معرفة إن كان المصطلح على علاقة مع جذر وحيد، أي مع كلمة أخذت معنى واحداً فقط:

الحقل 1: المصطلح المدخل في اللغة الأصل.

الحقل 2: المقولة النحوية للمصطلح المدخل.

الحقل 3: مصدر المصطلح المدخل.

الحقل 4: رمز الدولة الأصلية للنص الذي تم تسجيله أو الدولة التي تم استخدامه فيها.

الحقل 5: تعريف المصطلح المدخل كما ورد في نص مختص  (وفي حال عدم وجود تعريف، وضع المصطلح المدخل في سياق تعريفي).

الحقل 6: مصدر التعريف أو السياق التعريفي.

الحقل 7: الوظيفة المعجمية للمصطلح المدخل، أي علاقته مع باقي مفردات اللغة في القانون والاقتصاد.

الحقل 8: العائلة المفهومية للمصطلح المدخل. إذا كان المصطلح اسم الجنس لأحد المفاهيم فما مكوناته المختلفة؟

مثال: في العائلة المفهومية للمفردةContrat  هناك accord اتفاق/ عقد،convention  تعاقد، entente تفاهم/ وفاق، obligation التزام، pacte اتفاقية، ميثاق، عهد.

المترادفات الحقيقية: هي مفردات قابلة للتبادل مع المصطلح المدخل في كل السياقات وعددها محدود جداً.

الأضداد الحقيقية: هي المقابلات الدفيفة للمصطلح المدخل.

المضطلعون المحتملون للحذر: أي الأشخاص الذبن يشاركون في العقد المتوقع: البائع، والمشتري مضطلعا فعل "يشتري". فهناك l'actant-agent المضطلع القائم بالفعل l'actant-objet المضطلع المفعول به. مثال: Fiduciaire ائتماني (هو الذي أُوصي له بمال، وفُرضَ عليه دفعه إلى المستحق العهدي) وBénéficiaire (المستحق العهدي)، وهما المضطلعان بالجذرfiducie عقد، استيثاق (عقد يلتزم به مشتري العقار ظاهراً بأن يرده إلى البائع حينما يفي له بالالتزامات التي قطعها على نفسه نحوه).

مثال آخر: مُوكل (agent) Mandant ووكيل (objet) Mandataire) هما مضطلعا الجذر توكيل Mandat.

ويوازي القسم الثاني من البطاقة القسم الأول، إلا أنه يغطي الوصف اللغوي للترجمة إلى العربية:

* يشغل المجال القانوني الذي يستخدم فيه المصطلح المدخل حقلاً بأكمله.

* ويخصص حقل آخر للأحرف الأولى لمعد البطاقة.

* ويشير حقل آخر إلى تاريخ البطاقة.

خاتمة

رأينا أن خطة العمل في ترجمة النصوص المختصة إلى اللغة العربية تتطلب تكامل وظائف الترجمة والتحرير والمصطلحية والتوثيق وتلاحقها. ويشغل التفسير اللغوي حيزاً مهماً في اللغة العربية بينما تميل اللغة الفرنسية إلى حذف التفاصيل التي تعيق القراءة. ونعتقد أن هذا التوضيح يسهم في نقل المعارف لأنه يسمح للجمهور الواسع بالاطلاع بطريقة ما.

إن النقل اللغوي للعلوم والتقنيات ينبغي أن يتكيف مع البنية المنطقية للغة العربية ليكون قابلاً للتلقي، فالعقبات الحقيقية في مجال الترجمة المتخصصة لا تكمن في فيض المصطلحات التي تشير إلى الشيء نفسه، وإنما في انتقال البنى الإنجليزية أو الفرنسية إلى العربية. ويتضح ذلك على مستوى الاقتراض الدلالي، وعلى مستوى أكثر خطورة أيضاً، هو المستوى التركيبي.

ويمكن التحدث هنا عن ظاهرة التأثير المتبادل إذ تتم عملية وضع المفهوم في اللغة العربية وفق أنماط اللغة الأصل. ونورد على سبيل المثال ملحقاً هو عبارة عن وثيقة رسمية وزعها المصرف المغربي لأفريقيا والشرق BMAO وتمثل في حد ذاتها نمطاً لهذا النوع! ففي زمن العولمة الاقتصادية والثقافية الذي تسعى في اللغة الإنجليزية أكثر من أي وقت مضى لأن تكون اللغة المسيطرة (صاحبة السيادة)، لم تعد ملائمة المصطلح العلمي العربي وضرورة الوقاية من العدوى الدلالية والتركيبية بحاجة إلى برهان.  

--------------------------------------------------------------------------------

* هذه ترجمة للنص المنشور في مجلة ترجمان 996م (5)، 1، ص: 113 - 99 لمؤلفته فائزة القاسم ـ جامعة باريس الثالثة - السوربون الجديدة.

(1) F.Lazar, “Les langues comme moyen d'expression du droit international’’ Annuaire Français de droit international, 1970, p. 257

(2) أحمد الأخضر غزال، مشاكل الترجمة العلمية والتقنية إلى اللغة العربية، نداوت الأكاديمية، ندوة الترجمة العملية، طنجة، 11 - 12 ديسمبر (كانون الأول) 1991م

(3) Monique Cormier. “Proposition d'une typologie pour l'enseignement de la traduction technique’’  in Études traductologiques en hommage à Danica Seleskovitch, Manard, Paris, 1990, P.P 173 - 187.

(4)  M. S. Poli, ״Pour une didactique des écrits scientifiques et techniques״, Éducations permanentes 102, Arcueil, 1990, pp. 102 – 108.

(5) الترجمة الحرفية هي الجسد والوعي، ولكن بارت يستخدم المجاز في أكثر كتاباته (المترجم).

(6) R. Barthes, in Le Figaro littéraire, 27 juillet 1974, ״L'aventure Sémiologique״, éd. Du seuil.

(7) Umberto Eco: Lector in fabula ou la coopération interp interpretative étative dans les textes narratifs, Figures, Grasset, 1985, pp.66 - 67.

(8) Idem, p. 65.

(9) A.F. Fehri, ״Trente cinq ans après, l'Aradisation : faux problème ou débat faussé ?״ journal L’Opinion,15 décembre 1995.

(10) إبراهيم بن مراد: "المصلحية وعلم المعجم "، مجلة المعجمية، جمعية المعجمية العربية، تونس، ص15 - 14.

(11) في الأصل الميكروية (المترجم).

(12) في الأصل الكمبيوترات (المترجم).

(13) المرجع ذاته، ص 14.

(14) المرجع ذاته، ص 14.

(15) Extrait du Bulletin de terminologie de l'ONU, n° 326.

(16) Extrait du Bulletin de l 'ONU sur la science et la technique au service du développment, n°315.

(17) Bulletin de l'ONU sur l'enviromement et le développement, n° 344.

(18) إبراهيم بن مراد: " المصطلحية وعلم المعجمط مجلة المعجمية، جميعة المعجمية العربية، تونس، ص16.

(19) خير الدين حسيب، القطاع العام والقطاع الخاص، الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماع، 1990م.

(20) David G. Reed, ״Une fiche terminologique juridique״ Multilingue2-2-1983,pp.101-107. 

- قانون إسو ISO 2384 ــ الجزء الأول(10)

  توجد لجنة عالمية، منظمة المعايير العالمية (إسو ISO ) ، تقوم هذه المنظمة بتنقيح وتنظيم القوانين العالمية من أجل تنسيق أساليب الإنتاج وطريقة تقديم المستندات في شتى المجالات. يسهل هذا التنسيق التبادل العالمي لأنه يحدّد مقاييس ومعطيات عالمية يجب التقييد بها لتبادل المعلومات والمنتجات.

منظمة إسو، ومقرها ﺟﻨﻴﭫ، تتألف هذه المنظمة من عدة هيئات توحيد وطنية. تساهم هذه الهيئات بتحديد القوانين العالمية، وفي بعض الحالات، بتحديد مواصفات القوانين الوطنية.

في ما يتعلق بالترجمة، يوجد قانون إسو ISO رقم 2384، تم نشره في عام 1977، ووافقت عليه أربع وعشرين دولة. عنوان القانون بالضبط: "المستند ــ عرض التراجم"، ويعالج بصورة أساسية مشكلتين:

في أي حالة، يمكن اعتبار الترجمة بديل للنسخة الأصلية

في أي حالة، من الترجمة يمكن التوصل إلى مفهوم النسخة الأصلية

بما أنه يجب علينا استيعاب وفهم الترجمة، يجب أن نبدأ من التعريفات والمبادئ الأساسية للترجمة. سوف نفاجئ يومياً بكل ما تخبئ لنا الترجمة. في العديد من الحالات، لا يتم التقييد والالتزام بهذه المبادئ، وخاصة لعدم معرفتها من قبل من يقوم بنشر التراجم.

نذكركم مسبقاً بأن القانون المدوّن، لا يشكل دوماً صلة الوصل في هذه الدورة. ولكنه سيشير فقط عن إرشادات غير إجبارية وغير صالحة لكل نوع من التراجم.

قانون إسو ISO 2384 ، صالح لترجمة المستندات الكاملة، الجزئية، ولكنه غير صالح للمختصرات، كالملخصات التي توضع في مطلع المقالات، والتي يتم تحريرها عادة في اللغات الأكثر انتشاراً في العالم، مثل اللغة الإنجليزية.

توجد في البند 4 من القانون، لائحة المبادئ الإجبارية والاختيارية للترجمة، والتمييز بين أربعة أنواع من المنشورات: الكتب، الصحف والمجلات، مقالات الصحف والمجلات، براءات الاختراع.

الكتب

في ما يتعلق بالكتب، أو المنشورات الأخرى المستقلة، من الإجباري تدوين ما يلي في الترجمة:

· اسم وكنية (شهرة) المؤلف \ المؤلفين للنسخة الأصلية وتحديد الدور: في حال مؤلف مستقل أو مؤلف جماعي (مثلاً: شركة)، رئيس التنقيح، منقح علمي؛

· عنوان النسخة المترجمة، أو ترجمة العنوان الأصلي؛

· نوع الترجمة: إذا كانت كاملة، جزئية أو مختصرة (في الحالتين الأخيرتين، يجب تحديد الأجزاء المترجمة والأجزاء الغير مترجمة)؛

· المسؤول عن الترجمة، اسم وكنية (شهرة) المترجم أو المترجمين ورئيس التنقيح، أو رئيس التنقيح العلمي أو ناشر الترجمة؛

· الناشر، المقر والتاريخ؛ للتراجم الغير منشورة، عنوان المسؤول عن الترجمة؛

· International Standard Book Number (ISBN) ، الرقم المخصص لكل نشرة غير دورية (آي.أس.ب.أن)، يجب أن يشمل هذا الرقم على إشارات الدولة الناشرة، الناشر والعنوان؛

· تحديد حقوق الترجمة الحصرية.

اختياري تحديد ما يلي:

· لغة الترجمة؛

· ترجمة عنوان السلسلة أو المجموعة؛

في ما يتعلق بالمعلومات التي ترتبط بالنسخة الأصلية، من الإجباري تحديد ما يلي:

· العنوان باللغة الأصلية؛

· مقر وتاريخ النشرة باللغة الأصلية؛

· رقم الطبعة (أولى، ثانية، الخ..)؛

· الناشر؛

· اللغة الأصلية؛

· آي.أس.بأن (ISBN).

اختياري تحديد عنوان السلسلة أو المجموعة ورقم المستند الأصلي في داخل السلسلة.

يكمل قانون إسو ISO 2384 أيضاً ما يتعلق ببعض الحالات النادرة: الترجمة الغير مباشرة (مثلاً: من اللغة العربية إلى الإيطالية)، ولكن عن طريق لغة ثالثة (مثلاً: من العربية إلى الفرنسية وبعد ذلك من الفرنسية إلى الإيطالية)؛ وكما حدث لعدة سنوات في قراءة كتاب ألف ليلة وليلة، ولهذه الأسباب، لم نزل نلفظ اسم البطلة شاهارازاد انطلاقاً من الفرنسية وليس شهرازاد).

في هذه الحالة، أي حالة الترجمة الانتقالية، من الإجباري تحديد ما يلي:

· العنوان؛

· تاريخ ومقر النشر؛

· رقم الطبعة؛

· اللغة الانتقالية؛

· آي.أس.ب.أن (ISBN) .

الصحف والمجلات

وجميع أنواع المنشورات، في كل مجال وزمان.

في حالة ترجمة المنشورات الصحفية والمجلات، من الإجباري تحديد المعلومات التالية:

· عنوان الصحيفة أو المجلة بلغة الترجمة؛

· نوع الترجمة: كاملة، جزئية أو مختصرة (في الحالتين الأخيرتين، يجب تحديد الأجزاء المترجمة والأجزاء الغير مترجمة)؛

· المسؤول عن الترجمة: شخص أو شركة، المنقح أو الناشر؛

· سنة النشر وتحديد الكتاب، الرقم والجزء المترجم، عدد الصفحات؛

· الناشر؛

· العنوان الرئيسي (المحدد من قبل آي.أس.دي.أس. ISDS International Serials Data Systems) و آي.أس.أس.أن، ISSN International Standard Serial Number ، نظير آي.أس.ب.أن. ISBN للصحف والمجلات.. اختياري

تحديد ما يلي:

· لغة الترجمة؛

· مقر وتاريخ نشر الترجمة؛

· معلومات تساعد بالحصول على الترجمة (رقم التعريف، التاريخ، السعر).

في ما يتعلق بالنسخة الأصلية المنشورة في الصحف والمجلات وما شابه ذلك، من الإجباري تحديد ما يلي:

· عنوان الصحيفة أو المجلة الأصلي؛

· سنة النشر، تحديد الطبعة، والرقم والجزء وجميع معلومات تصنيف الكتب وفهرستها (إذا كانت تختلف عن الترجمة)؛

· لغة النسخة الأصلية؛

· بعد صفحات الترجمة، يجب تحديد رقم صفحات النسخة الأصلية بين قوسين؛

· العنوان الرئيسي وألــ آي.أس.أس.أن ISSN

اختياري تحديد مقر نشر النسخة الأصلي، ولكن يجب تحديد ذلك إذا كان ذلك أمر ضروري لتحديد الصحيفة أو المجلة أو ما شابه ذلك.

المساهمة أو المقالات

إذا تألفت النسخة من أجزاء تنتمي لعدة مؤلفين، كل جزء يسمى "مساهمة"، أما "المقال" فهو مساهمة منشورة على صحيفة أو مجلة أو ما شابه ذلك.

في حالة نشر ترجمة مساهمة أو مقال، من الإجباري تحديد ما يلي:

اسم وكنية (شهرة) المؤلف \ المؤلفين للنسخة الأصلية وتحديد الدور: في حال مؤلف مستقل أو مؤلف جماعي (مثلاً: شركة)، رئيس التنقيح، منقح علمي؛

· ترجمة عنوان المقال؛

· نوع الترجمة: كاملة، جزئية أو مختصرة (في الحالتين الأخيرتين، يجب تحديد الأجزاء المترجمة والأجزاء الغير مترجمة)؛

· المسؤول عن الترجمة، اسم وكنية (شهرة) المترجم أو المترجمين ورئيس التنقيح، أو رئيس التنقيح العلمي أو ناشر الترجمة؛

· معلومات تساعد بالحصول على الترجمة (رقم التعريف، التاريخ، السعر).

اختياري تحديد ما يلي:

· لغة الترجمة؛

· مقر وتاريخ نشر الترجمة؛

· في حال ترجمة مقالات مختارة من صحف ومجلات أو ما شابه ذلك، يجب تحديد نوع المستند المستخلص منه المقال؛

في حال العرض الأولي للطباعة أو المقدمة، يجب تحديد ذلك.

هناك بعض المعلومات في النسخة الأصلية، يجب تحديدها دوماً في حالة ترجمة مساهمة أو مقال:

عنوان المقال باللغة الأصلية؛

اسم الصحيفة أو المجلة أو ما شابه ذلك باللغة الأصلية؛

سنة النشر، المعلومات عن النسخة، العدد، الجزء، الصفحات وخصائص تصنيف الكتب وفهرستها؛

· آي.أس.أس.أن، ISSN وآي.أس.ب.أن. ISBN

اختياري تحديد مقر نشر النسخة الأصلي، ولكن يجب تحديد ذلك إذا كان ذلك أمر ضروري لتحديد الصحيفة أو المجلة أو ما شابه ذلك.

براءات الاختراع والمستندات المشابهة

في حالة نشر ترجمة براءة اختراع، من الإجباري تحديد ما يلي:

· نوع المستند؛

· بلد النشر؛

· اسم الدول الطالبة أو المالكة، الأشخاص أو الشركات

· ترجمة العنوان

المعلومات التي يجب تحديدها دوماً في النسخ الأصلية:

· عنوان المستند؛

· لغة المستند الأصلية

اختياري تحديد ما يلي:

· رقم، تاريخ ودولة الطلب

· رقم وتاريخ التسجيل

· رقم وتاريخ النشر

· لغة الترجمة

· تاريخ ونشر الترجمة

قانون إسو 2384 ISO ــ الجزء الثاني(11)   

  بعد إكمال الجزء الأول من قانون إسو 2384 ISO بخصوص العناصر الأساسية الموجودة في الترجمات، ما تبقى من القانون، يهتم بالخصائص الأخرى والتي تتعلق بأسلوب التقديم.

الالتزام ببنية النسخة الأصلية

  يجب الالتزام بالفقرات وترقيمها إذا كان ذلك موجوداً (يشير القانون في هذه الحالة عن النصوص التقنية، الخصائص، الخ..) وبتقسيم النص الأصلي إلى فقرات.

  إذا دعت الضرورة، يجب تحديد الفرق بين الترجمة والنص الأصلي. يجب شرح ذلك: في حالات الإهمال، التصحيح، التلخيص أو الإضافة على النص، العنوان أو على الفهرس.

الملاحظات والفهرس

  في حال ترجمة عناوين المنشورات والبنود، يجب وضع العنوان باللغة الأصلية بين هلالين.  ملاحظات وتعليقات المترجم، يجب وضعها في أسفل الصفحة أو في نهاية النص، وتحديدها بـ "ملاحظة المترجم" أو ما يطابق ذلك في لغة الترجمة.

في ما يتعلق بنمط تحرير الفهرس، سوف نتكلم عن ذلك لاحقاً. توجد قواعد تنسق هذه المادة.

الصيغ، المعادلات، الرموز، وحدات القياس

  الصيغ، المعادلات، الرموز، ووحدات القياس، يجب نقلها دون ترجمة. في حالة أي تعديل، يجب تحديده.

في حالة تحويل وحدات القياس، يجب وضع وحدة القياس باللغة الأصلية بين هلالين، بعد وحدة القياس المحولة.

الصور، المراجع، العناوين والجداول

  يستحسن ترك الصور بالشكل وفي الوضع الأصلي. في حالة نقل الصور ولدواعي تقنية، يجب الإشارة عن ذلك.

التعليقات، المراجع وما شابه ذلك، يجب ترجمتها كليّاً.

في حالة إعادة تنقيح الصور والجداول من جديد، يجب ترجمة جميع النصوص والملاحظات.

الترجمة الحرفية

  عندما تستخدم لغة الترجمة حروف أبجدية تختلف عن حروف اللغة الأصلية، يجب تطبيق نظام الترجمة الحرفية على الأسماء والكلمات الغير مترجمة، بموجب قانون إسو ISO المطابق. على سبيل المثال، قانون إسو ISO   رقم 233 للغة العربية، إسو ISO   رقم 9 للغة السريالية، إسو ISO   رقم 259 للغة العبرية. في ما يتعلق بجداول الترجمة الحرفية، سوف نتكلم عن ذلك في الجزء اللاحق من هذه الدورة. تهدف جميع قوانين وقواعد الترجمة الحرفية إلى ضمان التناسق بين رمز \ رموز اللغة الأصلية ورمز \ رموز اللغة الأخرى. في حالة النقل الحرفي، يتم تحويل النغمات الصوتية واللفظية بصورة واضحة لمن يتكلم اللغة المترجم إليها.

أسماء المنظمات والشعارات

  يجب نقل أسماء المنظمات دون أي ترجمة، باستثناء المنظمات التي تحمل أسماء رسمية في عدة لغات (على سبيل المثال: الاتحاد الأوربي، منظمة الصحة العالمية). في حالة وجود اسم المنظمة الرسمي في لغة واحدة، يجب نقل ترجمة اسم المنظمة في أول مرة يمر فيها في النص، ويجب وضعه بين هلالين. في الفهرس، يجب نقل اسم المنظمات باللغة الأصلية.

الاختصارات

تحدّد قوانين  إسو ISO   رقم 4  و 832 بعض القواعد التي تتعلق بالاختصارات. سوف نتكلم عن ذلك في الجزء اللاحق من الدورة. إذا ورد في النص الأصلي أي اختصار، وبموجب قانون  إسو ISO   رقم 2384، يجب ترجمة الاختصار بصورة مطابقة. في حالة عدم وجود الاختصار المطابق، يجب شرح الاختصار بصورة مفصلة.

المعنى

  في بعض الترجمات، يتم استعمال معاني تقنية وحرفية. في هذه الحالات، يجب استعمال المعاني المطابقة في لغة الترجمة. إذا وردت كلمات جديدة، يجب وضع الكلمة باللغة الأصلية بين هلالين بعد الترجمة.

تحديد المؤلفين

  العناوين الفخرية، على سبيل المثال، "عضو في جامعة العلوم"، يجب ترجمتها. يجب ترجمة جميع المراجع التي ترتبط بتحضير المستند والتي تتعلق بدور المؤلف (على سبيل المثال: برعاية، نشرة منقحة من).

إعادة الترجمة

  كما سبق وذكرنا في جزء التأشيرات الإجبارية والاختيارية، في حالة ترجمة النص من جديد، يجب أخذ الاعتبار بالترجمة السابقة والنسخة الأصلية.

الأسماء الجغرافية

  بعض الأسماء الجغرافية، تكتب بعدة أنماط في مختلف اللغات (على سبيل المثال: لوندرا، لندن، لوندين، الخ..)، وآخرين لهم نمط كتابة واحد، في هذه الحالة، لا يجب ملائمة الاسم بلغة الترجمة، ولكن ترجمتها كما هي. الأسماء الجغرافية، يجب نقلها باللغة الأصلية، وترجمتها حرفياً.

المعلومات

  يجب تحديد تاريخ النشر باللغة الأصلية في الترجمة. في حالة استعمال تقويم مختلف (على سبيل المثال: تقويم جوليان، العبري، العربي أو الياباني)، يجب وضع التقويم في لغة الترجمة بين هلالين.

ترجمة الصحف والمجلات

   باستثناء القليل من الحالات والتي تتعلق بالصحف أو المجلات المتعددة اللغات، يجب وضع العناوين فقط باللغة الأصلية. يمكن ترجمة العناوين هذه فقط في حالة التصريح الرسمي بذلك من قبل الإدارة المكلفة.

في الترجمة، يجب تحديد رقم المجلد، الملف وما يطابق لذلك في المستندات الأصلية. قبل تاريخ نشر الترجمة، يجب تحديد تاريخ نشر النسخة الأصلية. بعد تحديد عدد صفحات الترجمة، يجب تحديد عدد صفحات النسخة الأصلية.

اسم المترجم

  من عناصر التعريف الأساسية للترجمة، يجب تحديد اسم المترجم، (بما يطابق رأي هيئة المترجمين العالمية وبموجب التوصية رقم 5 من اليونسيكو)، باستثناء ترجمة براءات الاختراعات والمستندات المشابهة.

حقوق نشر الترجمات

  في عنونة الترجمة، ومع عناصر تعريف المستند الأصلية، يجب أن يوجد تصريح حقوق النشر للترجمة، الحصرية أو لا حصرية.

شِبْه الترجمة(12)

لا يُعتبر مصطلح "شبه الترجمة" Pseudotranslation مفهوماً جديداً على دنيا الأدب، حيث يُردّ ظهوره إلى عقودٍ مضت، على الأقل مع (أنتون بوبوفيتش) الذي سماها "الترجمة الخيالية" حين قال: "يمكن لكاتبٍ ما أن ينشر عمله الذي خطته يده على أنه ترجمةً خيالية [شبه ترجمة] حتى يستقطب شهرةً تجوب الآفاق، فيستغل بفعلته تلك تلهّف القراء. ويحاول هذا المؤلف أن يستخدم الفرقعة التي تحدثها "الترجمة" حتى يُعترف بأدبيته. وفي إطار نظرية النص، يمكن تعريف "شبه الترجمة" بما يُسمى "شبه نص مُترجَم" quasi metatext أي نص يمكن أن يُقبل على أنه نص مُترجَم. هذا وعادةً ما تلقى الترجمات المُختلقة تشجيعات فردية نابعة من نزعة شخصية".

إذن فشبه الترجمة ليست فقط مجرد نص يتظاهر أو يدّعي، أو يؤخذ عادةً على أنه ترجمةً، ولكنها أيضاً ترجمةً عادةً ما تؤخذ على أنها نصٌ أصلي. وبشكلٍ عام، يُمكن تعريف شبه الترجمة على أنها عملٌ يتضمن إشكاليةً في تحديد هويته من حيث كونه أصلياً أو مشتقاً، لأسبابٍ اجتماعية أو نصيّة.

ويخلق هذا الوضع مشاكل لا حصر لها عندما نريد تعريف المصطلح الذي نحن بصدده، ليس فقط لغموض ما يسمى بالترجمة الحقيقية، ولكن بسبب وجود نصوصٍ قدّمها مؤلفوها بطريقةٍ ما وتلقفها القراء بطريقةٍ أخرى. فعلى سبيل المثال، تم بشكلٍ واضح مُعلن تقديم الترجمة التفسيرية للكتاب المقدس للعامة على أنها إعادة صياغة إنجليزية للكتاب المقدس، لا على أنها ترجمة، فقد وضّح واضعوا الترجمة التفسيرية في مقدمة الكتاب أنهم لم يرجعوا إلى النصوص العبرية والآرامية واليونانية، بل اعتمدوا على ترجماتٍ إنجليزية لكي يوضحوا المعنى والمغزى بلغةٍ إنجليزية مفهومة. ولكن المشكلة هي أن هذا الكتاب عادةً ما يُقرأ على أنه ترجمة، لأن مصطلح "إعادة صياغة" لا تمنع حقيقةً قراءة النص على أنه ترجمة. هذا ويمكننا الاستعانة بمصطلحات (رومان جاكوبسون) كي نصنّف هذا النص على أنه "ترجمة داخل اللغة الواحدة Intralingual". إذن هل يُعتبر هذا النص شبه ترجمة أم لا؟

ويبدو المثال الأوضح الذي يعيننا على فهم هذا الأمر هو "ترجمة" (جيمس ماكفيرسون) لقصائد أوسيانية Ossianic في كتاب "قِطَع من شعرٍ قديم مُترجم من الغاليّة أو الغاليّة الإيرلندية" والذي أتبعه بديوانَين آخرَين لقصائد "أوسيانية" تحت اسمي "فينغال" و "تيمورا". أما "أوسيان" فهو الإسم الذي نَجلَزه المؤلف [حوّله إلى الإنجليزية] والأصل "أويسين"، وهو اسم محارب وشاعر إيرلندي أسطوري من السلسلة الفينية Finian لحكاوي الأبطال المتعلقة بمغامرات (فين) وفرقة المحاربين التي يملكها (فيانا إيران). كان (جيمس ماكفيرسون) قد نشر في صباه قصائد أنتجتها قريحته لم يلتفت إليها أحد. وبعد فترةٍ قصيرة، بدأ بجمع وثائق ومخطوطات وقصائد غير مدوّنة غاليّة [مكتوبة باللغة الغاليّة، اللغة الإيرلندية القديمة] ، ثم استوحى منها قصائده "الأوسيانية" التي سماها ترجمات من شاعرٍ غاليّ [يكتب باللغة الغالية] عاش في القرن الثالث الميلادي. ولم يكن في ذاك الوقت ولا بعد قرنٍِ من ظهور الديوان أحدٌ يعرف أنه لا توجد أية وثائق غاليّة تعود إلى ما قبل القرن العاشر الميلادي. ومع نهاية القرن التاسع عشر اكتشف الباحثون أخيراً أن الأصول التي يُفترض أن (ماكفيرسون) قد ترجم منها، والتي نُشرت بعد وفاته، ليست سوى ترجمات ركيكة لقصائده الإنجليزية قام هو نفسه بترجمتها إلى اللغة الغاليّة.

هذا وما زال للقصائد الأوسيانية أثرٌ كبير على الشعراء والمفكرين في أنجلترا وألمانيا وغيرها من البلاد، حيث اعتبروها تدفقات إبداعية أصلية لخيالٍ بدائي شعبي. وعلى الرغم من وجود بعض المشككين- من أمثال الدكتور جونسون- إلا أن هذه القصائد اعتُبرت شواهد أدبية للحركة الأدبية الناشئة التي سُميت "الرومانتيكية"، حيث أصبحت هذه القصائد دليلاً على أن الإبداع الأدبي لا يتطلب عُقد التحضر، والتعليم، والثقافة الرفيعة التي حكمت الشعر الكلاسيكي، بل يُمكن – ويجب – أن ينبع من خيال كل امرئٍ، سواء كان فلاحاً أو من عامة الشعب. لقد كان من مصلحة الرومانتيكيين أن يثبتوا أصالة تلك الترجمات، وكانوا هم معدون نفسياً لتصديقها. وبينما نجد أنفسنا اليوم نميل إلى أن نطلق على دواوين (ماكفيرسون) خدعةً أو احتيالاً أو في أفضل حالٍ شبه ترجمة، يجب ألا ننسى أن هذه النصوص قد ألهمت العديد من الأوروبيين والأمريكان للبحث عن نصوص شعرية شعبية أصلية، مما أدى إلى ظهور دراسات الأدب الفولكلوري (أو الشعبي).

وهناك حالة مماثلة إلا أنها أكثر إشكاليةً تتمثل في كتاب (هياواثا) للمؤلف (هينري وادسورث لونغفيلو) الصادر عام 1855. في فنلندا قام (إلياس لونروت 1802-1884) بتجميع قصائد – متأثراً بالقصائد الأوسيانية – ثم أخرجها في صورة سلسلة ملحمية أسماها "كاليفالا". وفي شبه الجزيرة العلوية في ميتشيغان، قام (هينري رو سكولكرافت 1793-1864) وزوجته – من أمٍ تُنسب إلى قبيلة تشيبيوا- بتجميع وترجمة قصائد أساطير تشيبيوية، ثم قاما بنشرها في عدة كتب في الأربعينات والخمسينات من القرن التاسع عشر. نعود إلى (لونغفيلو) الذي كان يتقن عدة لغات، وكان يعرف ما يكفي من اللغات الإسكندنافية لقراءة الملاحم الاسكندنافية القديمة في نصوصها الأصلية حينما قرر أن يتعلم اللغة الفنلندية. وفي عام 1835، وهو العام الذي أصدر فيه (إلياس لونروت) الطبعة الأولى من "كاليفالا" كان (لونغفيلو) في ستوكهولم يدرس اللغة الفنلندية على يد صهر الأول حيث سمع منه بالتأكيد عن "كاليفالا". وحيث أن (لونغفيلو) لم يكن يعرف ما يكفي من اللغة الفنلندية حتى يستطع قراءة الملحمة بلغتها الأصلية، إلا أنه عندما جلس ليكتب ملحمةً وطنيةً أمريكية في الخمسينات من القرن التاسع عشر، اعتمد على عدة ترجمات، منها الترجمة الإنجليزية التي أعدّها (سكولكرافت) عن الأساطير التشيبيوية، والترجمتين الألمانية والسويدية لـ "كاليفالا". وعلى الرغم من أن كتاب (لونغفيلو) المسمى "هياواثا" لم يتم تقديمه أبداً على أنه ترجمة من أصلٍ فنلندي أو غيره، إلا إنه يحتوي على ترجمات هائلة من نصوص (سكولكرافت) و (لونروت). هذا ويتضمن تعليق (لونغفيلو) على مشروعه هذا على أصداءٍ في نظريات حديثة في الترجمة تتبنى نظرية المكافئ في الأثر. وقد كتب (لونغفيلو) في كتابه "هياواثا" بعد فترةٍ قصيرة من صدور الكتاب : "لقد حاولتُ أن أخدم أساطير الهنود الحمر كما خدم الشعراء الفنلنديون المجهولون ملاحمهم، وبينما كنتُ أفعل ذلك استخدمتُ نفس المادة، إلا أنني بالطبع لم أقتبس ملاحمهم".

هذا وهناك مجموعة من الأعمال الأدبية، وخاصة الروايات، التي تستخدم متعمدةً "شبه الترجمة " كامتدادٍ شفاف لفكرة "المخطوطة المكتشفة" التي يستخدمها العديد من الروائيين. وحيث أن الرواية تمخضت عن فنٍ واقعي شبه صحفي – حتى عندما تظاهرت أكثر الروايات خياليةً أنها مبنية على قصص واقعية – ظهر نطاقٌ كامل من الأساليب الأدبية يبدو أنها تنتج حكايا نثرية في صلب الواقع، مثل: رواية السرد بصوت المتكلم، والرسالة الأدبية، والتحقيق الصحفي، وأخيراً بعيداً عن الحوادث الواقعية "المخطوطة المكتشفة" والتي يُمكن للمحرر (المؤلف نفسه) التشكيك في موثوقيتها دون إبطال اعتمادها على الواقعية. وفي هذا العرف الأدبي، تكون " شبه الترجمة" مجرد مخطوطة مكتشفة قد (أو يُزعم أنها) كُتبت بلغةٍ أخرى. حينما يزعم (ميجيل دي سيرفانتيس سافيدرا) أن كتابه "دون كيخوته" كان ترجمةً أسبانية من النص العربي بقلم السيد بينيغالي، فهو لا يصنف نفسه مترجماً، كما فعل (جيمس ماكفيرسون)، بل يضع بذكائه مسافةً بينه وبين إبداعه الأدبي من أجل زيادة وتقليل موثوقية النص كونه وثيقة من الواقع.

وكفائدةٍ جانبيةٍ غير متوقعة وأكثر تعقيداً مما قام به (سيرفانتيس)، كتب الكاتب الأرجنتيني (خورخي لويس بورخيس) قصةً عن كاتبٍ فرنسيٍ خيالي يُدعى (بيير مينارد) عهد إلى نفسه بمهمةٍ كبيرة هي "كتابة" رواية (سيرفانتيس) لا كتابة ترجمةٍ فرنسية أو تطويع adaptation لها، ولكن إعادة كتابتها بالإسبانية عن طريق تعلم اللغة الإسبانية وعيش حياةٍ مثل حياة (سيرفانتيس)، فيصبح أخيراً قادراً على إعادة كتابة فقرات كاملة من الرواية الإسبانية الأصلية كما هي، دون نسخها. في قصة (بورخيس) ينجح (مينارد) حقيقةً في إعادة كتابة بضع فقرات، ويلخص (بورخيس) لنا الفروقات العظيمة بين الفقرات المتطابقة المكتوبة بالإسبانية على يد إسباني في بداية القرن السابع عشر، والأخرى التي كتبها فرنسي في القرن التاسع عشر- وهو تعقيب ساخر جداً على المفهوم المضحك القائل بأن الأعمال الأصلية الرائعة لا تَقْدَم ، ولكن الترجمة هي التي تَقْدَم. من ناحية، ما يتعهد (ببير مينارد) بفعله هو أن يكتب ترجمةً داخل اللغة لرواية (دون كيخوته) بلغةٍِ يعتبرها هو أجنبية، والتي تضمنت ترجمة خبرته اللغوية من لغته الأم الفرنسية إلى الإسبانية. ومما يثير الاهتمام أن (بورخيس) كان متعمقاً في الأدب الإنجليزي والأمريكي طيلة حياته حتى أن لغته الإسبانية كانت دائماً ما توصف بأنها تحمل علامات تدخل اللغة الإنجليزية، وكأن كتابات (بورخيس) الإسبانية كانت ترجمات من الإنجليزية.

يُعتبر مفهوم شبه الترجمة مثيراً للاهتمام بشكلٍ كبير لأنه يؤشكل (يخلق مشكلة في) بعض أكثر مسلماتنا قدسيةً، وخصوصاً التسليم بالفرق المطلق بين الترجمة والعمل الأصلي. وفي كتابها "البلاغة والهيرمينيوطيقا والترجمة في العصور الوسطى" تتفحص (ريتا كوبلاند) عدداً من نصوص العصور الوسطى التي تندرج في منطقةٍ بين ما نعتقد أنها ترجمات و أعمال أصلية. ومن بين تلك النصوص كتاب (جيوفري تشوسر) "أسطورة نساء فاضلات" وعملٍ آخر للكاتب (جووَر) وغيرها من النصوص. تحتوي هذه النصوص بوضوح، وتتألف بشكلٍ كبير من ترجمات لأعمال من لغاتٍِ أخرى. هذا وتتخلل هذه النصوص المترجمة شروحات وتعليقات لم يتم شطبها من الترجمات مطبعياً ولا بأية وسيلةٍ أخرى، إلا أن هذه النصوص قد تم تقديمها إلى العامة على أنها تعليقات، أو أعمال أصلية (خصوصاً كتاب تشوسر وكتاب جووَر). والمثير في الأمر أنه يتم تقديمها في بعض الأحيان دون ذكر أنها ترجمات أو تعليقات أو أعمال أصلية. ومثل هذا النوع من الحوادث الأدبية في التاريخ يبرز إلى أي مدى يكون فيه قانون حقوق الطبع الذي يفرّق بين الترجمات والأعمال الأصلية، وبين المترجمين والمؤلفين، وَهْماً اجتماعياً حديثاً، مثله مثل مفهوم كون "شبه الترجمة" عالةً على نص أصلي ولا يُمكن أن تكون إبداعاً متفرداً.

نظرية الفِعل الترجميّ(13)

" نقطة تحول في تاريخ الترجمة"

قامت الباحثة الألمانية (هولز مانتاري) عام 1984 بتطوير نظرية "الفعل الترجمي" بعد قرونٍ مضت شهدت خلالها الترجمة نظريات وتوجهات متباينة تستعبد فيها المترجم لمصلحة النص الأصلي أو تستعبد الكاتب الأصلي لمصلحة القارئ. أما نظرية (مانتاري) فتعرض نظريةً جديدة وظيفية التوجّه في الترجمة النظرية والعملية. تغدو الترجمة في أحضان هذه النظرية عملية تواصل بين الثقافات يتمخض عنها نصٌ قادر على تأدية وظيفةٍ معينة بدقة متناهية في سياقٍ محدد. ولا تمنح هذه النظرية أهميةً حقيقية للمقاربة بين النص الأصلي والنص الهدف [النص المترجَم] أو للاعتبارات اللغوية، بل تضع الترجمة داخل السياق الأرحب للتواصل المتعاون بين المترجمين المحترفين والعملاء الذين يطلبون الترجمة.

وقد وضعت (مانتاري) عندما قدمت نظريتها نصبَ عينها تقديم أساسٍ نظري ونظامٍ مفاهيمي يتولد عنهما نهجٌ يسير على خطاه المترجمون المحترفون. وفي سبيل تطوير هذه النظرية، ارتكزت (مانتاري) على نظرية التواصل ونظرية الفِعل، حيث تستخدمُ الأولى لتحديدِ محتويات عملية التواصل عبر حواجز الثقافات، بينما تساعدها نظرية الفعل في توصيف الخصائص المحددة للفعل الترجمي.

ويتمثل الغرض الأساسي من الفعل الترجمي في تمكين حدوث تواصلٍ تعاوني مناسب وظيفياً عبر الحواجز الثقافية. ويتطلب تحقيق هذا الغرض شيئاًُ أكبر من مجرد ترجمة النصوص، والذي تم التعارف عليه تقليدياً. وحتى تُبعد نظريتها عن التوجهات التقليدية، نحتت (هولز مانتاري) في لغتها الألمانية مصطلحات مميزة وبالغة التجريد، حتى أنها تحاشت في بعض الأحيان مصطلح "الترجمة" وذلك لتجنب الدلالات التي ارتبطت تقليدياً بهذا المصطلح. تحاول (مانتاري) إثبات ذلك فتقول إن الفعل "تَرْجَمَ" يتطلب مفعولاً به، وبذلك يُوجّهُ هذا الفعل التركيزَ إلى النص الذي ستتم ترجمته [النص الاصلي]، فيظلمُ النص الذي سيتم إنتاجه [النص المترجَم]، وهو توجيهٌ عقيم من وجهة نظر (مانتاري). أما في نموذج الفعل الترجمي، فيُختزل "تحليل النص الأصلي" إلى "تحليل البنية والوظيفة"، حيث يتم تقليص دور النص الأصلي وأهميته. وبذلك يُنظر إلى النص الأصلي في توجهٍ كهذا على أنه مجرد أداةٍ تساعد على فهم الوظيفة التواصلية، وهو خاضعٌ تماماً للغرض المراد منه، ولا يتمتع بأية قيمةٍ في ذاته، وقد يواجه تعديلات جذرية لمصلحة القارئ الهدف [قارئ النص المُترجَم]. وهكذا يُصبح المترجم ملتزم لطرفٍ واحد هو الوضع الهدف [الحالة التي يكون عليها النص المترجَم] لأن الغاية الأساسية هي نقل الرسالة والتكليف [ما يُكلف المترجم بنقله] للعميل، لا نقل النص بحد ذاته. ولأن النص الأصلي يصبح إثر ذلك "مخلوعاً عن عرشه" كما يقول (بيتر نيومارك)، واجهت نظرية (هولز مانتاري) اعتراضاتٍ وتحفظاتٍ عديدة حتى من أولئك الذين تبنوا توجهات وظيفية. وعلى الرغم من ذلك، نرى في نموذج (مانتاري) أن الترجمة وغيرها من أشكال إنتاج النصوص بلغاتٍ أجنبية تُفهم على أنها جزء من الفعل الترجمي لا مكوناً له. ومن بين أغراض العمليات الترجمية للنص إقرار ما إذا كان المحتوى ومكونات شكل النص الأصلي مناسبة وظيفياً للنص الهدف أم لا. ولاتخاذ قرارٍ كهذا لا يمكن أن يتبع المترجم النصَ الأصلي فقط، بل يجب عليه البحث عن صورة ومفهوم الثقافة الهدف [ثقافة اللغة المترجَم إليها] للموضوع الذي يدور حوله النص، ولأنواع النصوص في تلك الثقافة، والقوالب الكتابية التي يكتب بها أهل تلك الثقافة. هذا ويتم تحديد التقرير الوصفي النصي للنص الهدف على أساس وظيفته، أما كونه يماثل أو لا يماثل التقرير الوصفي النصي للنص الأصلي فهذه مسألة لا يمكن القضاء فيها إلا عن طريق تحليلٍ ترجمي نظامي. ويقع المترجم – باعتباره خبير تواصل – في قلب سلسلةٍ طويلة من عمليات التواصل بدءاً من المحفز الأصلي [الشخص أو المؤسسة التي بدأت بطلب الترجمة] وانتهاءً بالمستقبل (بكسر الباء) الأخير للرسالة، وهكذا يقع المترجم ضمن السياق الاجتماعي الأرحب الذي يضم كل أولئك الأشخاص. ويضع هذا النموذجُ في اعتباره العلاقة بين المترجم والعميل إضافةً إلى علاقة المترجم بالكاتب الأصلي، وعلاقة المترجم بالقارئ. أما المسؤولية الأخلاقية للمترجم فيُنظر إليها على أنها مشتقةٌ من وضعهِ كخبيرٍ في حقل نقل الرسائل عبر الثقافات، وذلك لأن المترجمين أصحاب الخبرة المطلوبة هم فقط القادرون على النجاح في إنتاج نصٍ ملائمٍ وظيفياً. ولهذا المفهوم تبعات تتجلى في طرق تدريب المترجمين، حيث يكون التركيز على مهارة نقل الرسائل.

ويتمثل هدف (هولز مانتاري) الرئيسي في تحديد العوامل التي تقود الفعل الترجمي، باعتباره إنتاج محترف للنصوص. ويتم تعيين الفعل على أساس وظيفته وغرضه، مما يحتم الحكم على نتاجه في ضوء هذين المعيارين. والغرض من عملية الفعل الترجمي هو إنتاج "مُرسل" يُمكن استغلاله في تحديد شكل الأفعال التي تقود وتنسق الفعل التواصلي التعاوني.

وفي عملية الفعل الترجمي، تلعب النصوص دور "مركّبات المُرسل" [الأشياء التي يتكون منها المرسل]، يتم تشكيلها بناءً على وظائفها، ويتم تقديمها عن طريق عناصر قالبية. أما النص الأصلي فهو نصٌ عيّن له "محفز" أو عميل بشكلٍ أولي أو ثانوي وظيفة أن يكون مصدراً للفعل الترجمي. أما النص الهدف الذي سيستخدمه إما "المحفز" أو أي مستخدمٍ آخر، فهو نتاج فعلٍ ترجميٍ قام به خبير ترجمة.

ويُعتبر مفهوم الوظيفة في هذه النظرية محورياً من ناحيتين، فمن جهةٍ ترغمُ هذه النظرية المترجمَ على جعل نتاج الفعل الترجمي جزءاً لا يتجزأ من الاحتياجات البشرية، ومن جهةٍ أخرى ترغمُ المترجمَ على إدخال الفعل الترجمي في التنظيم الاجتماعي، أي أن يكون ضمن مجتمع تم تنظيمه على أساس تقسيم العمل. أما الأدوار التي يتضمنها الفعل الترجمي فتشمل "المحفز" و "المكلّف [الشخص الذي يتصل بالمترجم ويكلفه بالعمل]" و "منتج النص الأصلي" و "المترجم" و "مستخدم النص الهدف [دار نشر أو مؤسسة تعليمية]" و "مستقبل النص الهدف". هذا ويُعد كل دورٍ من هذه الأدوار شديد التعقيد.

أولاً، يُعتبر المترجم هو الخبير الذي تتمثل مهمته في إنتاج "مُرسل" يُستخدم في عملية نقل الرسائل عبر الثقافات. ولفعل ذلك، يجب على المترجم – في مكانٍ محددٍ ووقتٍ محدد – أن ينتج منتجاً محدداً لغرضٍ محدد. هذا ويجب أن يصيغ المترجم أفعال الترجمة في بيانات مناسبة، حيث يجب التفاوض مسبقاً على الأوضاع التي تتم فيها أفعال الترجمة بشكلٍ محدد. وأخيراً يجب أن تنتهي العملية في الموعد الأخير لتسليم العمل. وهكذا لا تقتصر أفعال الترجمة على المترجمين كخبراء ترجمة، بل تشمل العميل/ المكلّف الذي يجب أن يتفاوض معه المترجم بشكلٍ تعاوني.

إذن، فالترجمة أضحت جزءاً لا يتجزأ من هيئةٍ غرضية للفعل الترجمي، وهذا الفعل مغروسٌ بدوره في سلسلةٍ هرمية من أفعالٍ معقدة، ويكون خاضعاً للهدف العالمي في التواصل العابر للثقافات. وهكذا فإن تعريف الترجمة لا يمكن أن يُبنى فقط على هيئة عناصر معينة مثل وحدة الترجمة أو النص الأصلي أو القالب، بل يجب أن يكون هناك تعريفٌ عميق نظرياً للفعل الترجمي يضع في اعتباره جميع العناصر التي تحتويها أفعال التواصل بين البشر عبر الثقافات. وبالأخص يجب على هذا التعريف أن يراعي ثقافة العميل، وعملية إنتاج النص في مفهومها الأوسع، ومفهوم فعل الخبير.

وحيث أن الثقافات تنطوي على أعرافٍ مختلفة، قد يتطلب إنتاج النصوص العابر للثقافات استبدالاً لعناصر من النص الأصلي بعناصر أخرى يتم اختيارها بناءً على قدرتها على تحقيق الوظيفة المراد من النص الهدف أن يخدمها. ويتم تحديد هذه الوظيفة بناءً على الغرض من الفعل التواصلي الذي يلعب فيه النص دور المرسل.

وهكذا فإن إنتاج النصوص هو الغرض من الفعل الترجمي، حيث يستخدم العملاء النصوص المنتجة كنواقل للرسائل تتوافق مع نواقل أخرى من أجل تحقيق عملية نقل رسائل عابرة للثقافات. أما الغرض من نقل الرسالة فهو تنسيق التعاون التواصلي المرتكز على الفعل. والغرض من التنسيق هو توجيه التعاون نحو هدفٍ عام. ويمكن تحقيق هذا الهدف عندما يحدث التواصل بطريقة عابرة للثقافات إن تم اتخاذ إجراءات للتغلب على حواجز الثقافات. وبصيغةٍ أخرى نقول بأن التفاصيل الخاصة بثقافةٍ معينة هي التي تحدد مسبقاً – إلى حدٍ كبير – النص الذي سيتم انتاجه. هذا وتتضمن الإجراءات التي سيتم اتخاذها للتغلب على الحواجز الثقافية جزءاً هاماً من فعل الخبير.

وفي عملية تعيين "مواصفات المنتج"، أي الخصائص والملامح المطلوبة في النص الهدف، تؤثر العواملُ الخارجية للنص والمتعلقة بتكليف إنتاج النص الهدف في تحديد الهيئة التي تتخذها جميع العمليات النصية في الفعل الترجمي. وتشتمل هذه العوامل الخارجية على هدف الفعل، والصيغة التي يجب أن يتخذها الفعل، والأجر الذي يجب دفعه، والموعد النهائي لتسليم العمل، والتي يتم التفاوض فيها جميعاً مع العميل الذي قام بتكليف هذا الفعل. أما أدوار جميع الفاعلين في العملية، والهدف العام من الفعل، وأغراض الأفعال الفردية ضمن هيئة الأفعال التي سيستخدم فيها النص المنتَج (بفتح التاء)، والظروف التي تتم فيها هذه الأفعال، ووظيفة المُرسل، جميعها تخضع لتحليلٍ وتقييمٍ دقيقَين.

وكخبراءٍ في الفعل الترجمي، يكون المترجمون مسؤولين عن تنفيذ "التكليف" بطريقةٍ ما يتم فيها إنتاج نصٍ مناسبٍ وظيفياً. وهم مسؤولون أيضاً عن تقرير الوقت والكيفية التي يتم فيهما استقبال رسالة الترجمة. أما مسألة ما إذا كان التكليف [أو المهمة] سيفهم أم لا فذلك يعتمد على أحوال الثقافة الهدف. ويجب على المترجم التفاوض مع العميل من أجل تحديد أفضل ترجمةٍ يمكن الوصول إليها، على ضوء مجموعةٍ محددة من الأحوال في الثقافة الهدف. هذا وتُبنى عمليات النص الترجمية على أفعالٍ تحليلية وتركيبية وتقييمية وإبداعية تضع في اعتبارها الغرض الأخير من النص الذي سيتم إنتاجه، والمظاهر المختلفة للثقافات من أجل تخطي المسافات بينها.

يُعتبر مفهوم (هولز مانتاري) للفعل الترجمي مناسباً لجميع أنواع الترجمة، وتوفر هذه النظرية منهجاً يسلكه المترجم في كل قرارٍ يجب اتخاذه. وختاماً نقول بأن "تحفيز" الفعل الترجمي يأتي من الخارج، ويتم تحديد أحوال هذا الفعل – على الأقل جزئياً – على أساس الأغراض والأهداف الخاصة بكل حالة ترجمة. [وهكذا أصبح الغرض هو المحدد الرئيسي لمنهجية الترجمة، لا الكاتب أو النص الأصلي ولا القارئ، مما نتج عنه وأد المفاهيم القديمة التقليدية مثل "الوفاء" و "الأمانة" و"الترجمة الصحيحة"، وحل بدلاً منها كلها مصطلح "الترجمة الناجحة" التي تحقق وظيفةً معينة يحددها المحفز، المترجِم]

مصدر المترجم : موسوعة روتلدج لدراسات الترجمة

أفكار مبعثرة حول الترجمة(14)

الترجمة هي الفعل الثقافي الأكثر تعرضا للظلم في الثقافات جميعا.

بلا شك ان الاشادة بدورها وحاسميته في النهوض الثقافي تجده في كل مكان، لكنها دائما اشادة انشائية فضفاضة، وأحيانا زائفة، تماما كذلك الذي يحظى به الجندي المجهول: الكل يعترف بدوره الاستثنائي في صنع الانتصارات والفتوحات والكل ينساه عندما تحين ساعة تقسيم الغنائم.

وكعادتها في حبّ الافراط، فان الثقافة العربية الراهنة تدفع الظلم الملحق بالترجمة والمترجم الى اقصى درجاته. فليس نادرا ان تجد الكثيرين منا ينظرون للترجمة باستصغار واستهانة كما لو كانت عملة مزورة، أو باهتة. كما ليس استثناء بيننا هؤلاء الذين يرون في المترجم مجرد كاتب متطفل يخفي خلف فعل الترجمة افتقاره للعبقرية وفشله كمبدع.

واجمالا فانه المنتج الثقافي الاكثر عرضة للنقد والتعنيف من لدن حشاشي الصحافة وانصاف الادباء والمتدربين على النقد في الصحف والمجلات العربية الكثيرة التي ـ لحسن الحظ ـ لا تغري احدا بقراءتها، أو حيازتها عندما يمتلك كامل قواه العقلية والذوقية، هذا الظلم يتضاعف ويدهش عندما نكتشف بان تعريف الترجمة والمترجم هو من الغموض في اللغة العربية الى درجة يبدو معها عديم المعنى.

"نقل النص من لغة الى اخرى" تقول بعض القواميس المعجمية، اما احدثها او يزعم هكذا، الذي يصدره الدكتور اللبناني خليل الجر منذ 1973 بعنوان "المعجم العربي الحديث" (عن دار لاروس الفرنسية)، فقد كفا المؤمنين شر القتال مشكورا،

ففي هذا المعجم الذي يضم 53500 كلمة معرفة، لم نجد، بعد البحث، اي اثر لكلمتي "الترجمة" و "المترجم"، كما لم نجد حتى فعل "ترجم" بين الافعال. وعندما بحثنا عن الفعل الثلاثي الاصل "رجم" فوجدناه يعني "التكلم بالظن"‍‍‍‍‍‍!

مأساة الترجمة كاملة اذن في ثقافتنا العربية الراهنة التي تتوهم أنها في ذروة النهضة، بينما لغتها لا تزال نصف صحراوية.

واذا تركنا اللغة وبحثنا في ميدان الفكر والثقافة فإنها هنا أيضا لا نجد ما يغري بالنظر. فالدراسات الفكرية حول الترجمة من والى اللغة العربية معدومة، صغيرة كانت ام كبيرة، وباستثناء بعض الافكار العامة فاننا لا نجد مترجما كتب عن تجربته أو نظر حولها.

ولا نظن اننا نبالغ اذا قلنا بان المترجم عندنا لا يعرف ماهيته بالتحديد هل هو مبدع ام حرفي او لا هذا ولا ذاك ام بين هذا وذاك كما لا يعرف ماله وما عليه. فلا الغائية واضحة ولا المسؤولية محددة، ولا الحرية مقننة ولا المعايير التي يحتكم لها موجدة، وحدها المزاجية الذاتية، في لحظة أو اخرى، هي التي تتحكم به. وتحكم كهذا يظل عشوائيا حتى اذا كان في ذروة النبل كما هو الامر غالبا.

وقد ادّى هذا الحال الى تبديد جهود كبيرة وثمينة بلا معنى، فها نحن نجد، في الفلسفة مثلا، أن القسم الاعظم من النصوص الكبرى غير مترجم الى العربية، ومن جانب آخر فان الكثير من المؤلفات المترجمة تستحق بلا تردد ان توضع في متحف المهملات بما فيها الكثير من الرائج تجاريا او الموقع من قبل اسماء لامعة. وذلك اما لعشوايتها او لنواقص جسيمة فيها او لا ضطرابها وعدم وضوحها واحينا تناقضها مع النص الاصلي.

علاوة على ذلك اننا لا نجد اليوم ميدانا مفتوحا لتطفل كتاب العرائض وتلاميذ اللغة الاجنبية كما هو الأمر في ميدان الترجمة، والحال ان فعل الترجمة هو من الافعال السامية والشاقة في كل ثقافة، أو هكذا يجب ان تكون. الشيء الذي يقودنا الى الاستنتاج ان ثمة خللا كبيرا في ثقافتنا الراهنة ذاتها. إننا نرى في الواقع، أن تشتت وفضفاضية فعالية الترجمة وشبه عقمها في الثقافة العربية الراهنة، يعكس بالضرورة حالة هذه الثقافة ذاتها وما يطبعها من تشتت وفضفاضية تفقدان هدف وتبعية مقنة.

فالترجمة التي تنبت في تربة ثقافية جدباء كهذه، لا بد ان تحمل خصائصها بشكل او بآخر، ولا تشذ عن ذلك الا استثناء.

وفي ثقافة استهلاكية انشائية بترو ـ دولارية متطبعة على الكبت الذاتي لا يمكن ان تزدهر الا ترجمة استهلاكية انشائية بترو ـ دولارية متطبعة على الخمول هي الاخرى، فهذه النزعة البطنية الاستهلاكية اضافة الى انعدام الحرية وطغيان الذاتية المفرطة للمثقف العربي هي الاسباب المركزية التي جعلت الترجمة الصحفية سيدة الساحة لدينا، وليس ـ قطعا ‎ـ الترجمة الفكرية.

في هذه الصفحات محاولة لتقديم تعريف موسع للترجمة، فعل إبداعي متميز، وبعض القوانين الداخلية التي تخيلنا انها تحكم هذا الفعل. إنها افكار مبعثرة، يقينا، ومشوشة ربما، لكنها واضحة في هدفها وهو انصاف الترجمة كفعل ثقافي من الدرجة الاولى، وانصاف المترجم كمبدع الى هذه الدرجة او تلك من الاصالة.

ودخولا في عمق الموضوع، نقول إن الترجمة، ومنذ ازمنة تفلت من الذاكرة، عرفت تضاربا في الاحكام حولها بين رافض لا دخالها في صنف الابداع البحت وبين مؤيد، أو إبداع في ظل الابداع، او ابداع شبحي او ثانوي.

هذا التضارب في تقييم الترجمة متولد في الاصل من خصوصيتها الجوهرية التي تميزها عن غيرها من ضروب الابداع الثقافي وتميز، بالتالي، المترجم عن نظرائه من منتجي الفعل الثقافي. ونقصد بهذه الخصوصية تركب الترجمة داخليا من عنصرين متناقصين وكل منهما ضروري، يقفان في اساس وجدها وهما الخلق والمهنية.

الاول يغري المترجم بان يكون حرا بشكل تام في رسم العلاقة بين حيوية الفكرة الاصلية موضع الترجمة وبين حيوية اللغة التي تستقبله مترجما لها. فهذا الاغراء يذهب أحيانا الى درجة تخويل المترجم حق التصرف بالفكرة الاصل وباللغة المتقبلة حتى اذا اقتضى الامر تفجيرهما، او احدهما هيكليا على اساس ان المترجم، هيكليا على اساس ان المترجم هو، هنا، السيد المطلق في تأسيس صيغة العلاقة المذكورة وفرض السلوكية النموذجية الظاهرية على كل من الفكرة واللغة المستقبلة دون المساس بروحيتهما الاصلية.

أما العنصر الثاني فيأحذ مسارا معكوسا بمعنى انه يفرض على المترجم ان يتحول الى عبد تابع لكل من الفكرة واللغة يخضع لجبرياتهما ويسهر على حماية ومراعاة خصوصيات واستعدادات كل منهما.

وهكذا، فأذا افترضنا توفر الكفاءة التقنية، الذهنية واللغوية، لدى المترجم (لان عدم توفرها يلغي عنه هذه الصفة) فان درجة نجاحه في ايجاد الموازنة النموذجية بين لحظتي حريته وعبوديته حيال كل من الفكرة واللغة المستقبلة باعتبارهما طرفي فعل الترجمة، هي المعيار الوحيد الذي نميز بمقتضاه بين مترجم سيء وآخر جيد.

المترجم السيء هو عندئذ ذلك الذي ينحاز لاحدى اللحظتين على حساب الاخرى مهما كان هذا الانحياز ضئيلا،اي انه ذلك الذي لا يفلح ان يكون حرا مطلقا وعبدا مطلقا في نفس الوقت لكل من طرف العلاقة. اما المترجم الجيد فهو الذي يفلح بتحقيق ذلك وهذا يستحق صفة المبدع بلا جدال برأينا. فكيف تبدو هاتان اللحظتان، اي الحرية والعبودية على التوالي؟

تبدو الحرية على الصعيد العملي البحت، خلال ثلاث سيرورات مختلفة يترتب على المترجم المبدع انجازها وانجاز كل منها حتى لحظتها الاخيرة وفق منهجية صارمة، لان إهمال، أو اغفال، أو عدم اكمال اي منها يترك مضاعفاته السلبية على مجمل العملية الابداعية. وهذه السيرورات الثلاث تتسلسل متوالية كما يلي:

تحرير الفكرة من براثن لغتها الاصلية وتنقيتها من كل الشوائب التي ألحقتها أو قد ألحقتها بها تلك اللغة التي ينبغي ان تقذف كالعلبة الفارغة في لحظة الترجمة الابداعية وعدم الاحتفاظ من اللغة الاصلية وروحيتها آلا ذلك الجزء الصغير الذي اختاره المبدع الاصلي كروحيته الاسلوبية.

فبدون هذا التحرير للفكرة من براثن اللغة الاصلية تقع الفكرة المترجمة في سجن مزدوج: سجن اللغة الاصلية وسجن اللغة المستقبلة، لان المترجم عندئذ يكون قد ترجم الفكرة وقيودها في نفس الوقت. ولذلك تجد ان اتعس الترجمات هي الحرفية القاموسية، سيدة الساحة في الثقافة العربية الراهنة، تليها في التعاسة تلك التي تزعم المحافظة على الاسلوب الاصلي للنص في صيغته المترجمة كما لو ان اللغات ذات اسرار وتواريخ واحدة.

السيروره الثانية، موازية، وتتمثل في تحرير اللغة المستقبلة من قوة العادة لديها، ورتاباتها الاقليمية، أو التاريخية وذلك عبر استفزاز كل مفردة فيها للوقوف على قدميها حاملة قلبها بيدها لاستقبال الفكرة المترجمة. فالحالة اللغوية التي تستقبل النص المترجم ينبغي ان تكون حالة اكثر تمردا وشبابا من تلك التي يتقمصها النص المحلي. لهذا نجد، تاريخيا وفي كل الثقافات، ان الترجمة كانت عامل ثراء وتجديد، حاسما وأساسيا في لغات تلك الثقافات.

السيرورة الثالثة هي تلك التي يتم في خضمها احلال الفكرة في الهيكل الجديد الذي تعرضه اللغة المستقبلة واحلال مفاهيم الاولى في مفردات الثانية. انها مسك الختام في فعل الترجمة كابداع.

وهنا كما في العمليتين السابقتين فان دور المترجم هو دور القائد الشعبي المحرر، هذه السيرورات الثلاث تتم في نفس اللحظة ربما لكن بشكل مستقل للواحدة منها عن الاخرى. وفي كل واحدة منها يمتلك المترجم مطلق الحرية في اتخاذ القرار وفي اصدار الاوامر والنواهي. والعجز او التردد في كل منها من استخدام الحرية بشكل كامل ينعكس سلبا على النتيجة.

اذا انتقلنا الآن الى الجانب الآخر من فعل الترجمة، اي جانب لزومية عبودية المترجم لجبريات كل من الفكرة الاصلية واللغة المستقبلة، فاننا ندخل في الجانب الاكثر تقنية ومهنية.

فالمترجم هنا كالحداد او النجار لا اكثر ولا اقل، مأخوذ بانشاء بينة لفظية هي توليفة تتعايش فيها حيويتان متصارعتان: حيوية الفكرة وحيوية المفردات الجديدة، بنية يعتمد النجاح والفشل في الابداع فيها، جماليا ووظيفيا، على الزاوية التي يتخذها المترجم في تموضعه كعبد امام كل من الحيويتين المذكورتين.

فاظهار العبودية للفكرة اكثر من العبودية للغة ينتج فعلا يتغلب الوظيفي (المعنى) فيه على الجمالي (الهيكل). في حين ان العبودية الفائضة للغة على حساب العبودية للفكرة ينتج فعلا تطغى فيه الهرطقة الانشائية على الفعل المنتج.

ان جبريات كل من الفكرة واللغة المستقبلة ليست واحدة في كل مكان وزمان، كما انها ليست متماثلة بالنسبة لجميع اللغات وجميع النصوص.

فبموازاة كل تطور لغوي (زمني ـ حضاري) ينبثق تطور في فهم الفكرة الواحدة، أو تراجع احيانا حسب الحالة. فنحن لا نفهم فكرة لكاتب أو لمفكر عربي قديم كما كان يفهمها ابناء عصره لان اللغة تقدمت، وعندما ننقلها الى لغتنا الحديثة فاننا نفهمها بشكل مغاير الى هذا الحد او ذاك عن مفهومها الاصلي.

من جانب آخر ان الجبريات المذكورة تتضاءل الى درجة الصفر أو تقريبا، عند الترجمة من والى لغتين أو ثقافتين متماثلتين في الانتماء الحضاري في حين تزداد كما ونوعا عند الترجمة منهما او اليهما من والى اللغات الاخرى.

فعلى سبيل المثال ان الصعوبة التي تواجه المترجم في نقل نص، اي نص، من الايطالية الى الفرنسية او بالعكس، ومن العربية الى الفارسية او بالعكس ومن التركية الى البلغارية هي صعوبة شبه معدومة. هذا على صعيد اللغة، اما على صعيد الافكار وموضوعات النصوص فيلاحظ ان جبرية النص الصحفي سهلة بما لا يقاس مقارنة مع جبرية النص الادبي. وهذه الاخيرة سهلة بما لا يقاس مقارنة مع مثيلتها في النص الفلسفي.

فجبرية النص الصحفي شكلية او معدومة، وجبرية النص الادبي كبيرة جدا بلا شك الا انها خارجية اي اسلوبية وانشائية عموما، في حين ان جبرية النص الفلسفي هي جبرية داخلية عميقة ووعرة رغم نعومتها او رقتها الظاهرية.

وهذا التمايز يتأتى من درجة استعانة كل صنف من الاصناف الثلاثة بالعقل البحت لانتاج تعبيراته الخاصة به.

فالنص الصحفي هو كلام خبري سردي سطحي لا يحتاج الى توظيف أية أدوات تعبير من انتاج العقل البحت.

والنص الادبي هو كلام تصويري انشائي لا يستطيع انجاز غائيته التعبيرية إلا عبر الاستعانة بتمثلات، زمنية أو مكانية أو زمنية ـ مكانية، هي من انتاج الذهن وليس العقل البحت. ولا يغير من هذا كونها ذات طابع معتمد ـ خارجيا وظاهريا فقط ـ على استعمال كثيف لعناصر توحي بانها من انتاج العقل البحت في حين انها مستمدة، فقط من تجريد للطبيعة ومنقولة للذهن عبر الحواس والمشاعر.

اما النص الفلسفي فهو كلام مفهومي يعتمد في تحقيق غائيته الخاصة على ادوات هي من انتاج العقل البحت حصرا وبشكل مستقل عن تأثيرات الذهن والحواس والمشاعر، فالفكرة الفلسفية تنزع بطبيعتها الى تجنب الادوات الخارجية التي توظفها الفكرة الصحفية والفكرة الادبية. لان الفكرة الفلسفية تبحث ليل نهار عن السمو على العناصر الزمانية والمكانية نظرا لان هذه العناصر تعكر الفكر البحت. انها هنا تشبه الى حد كبير الفكرة في العلوم البحتة. إلا انها تتجاوزها بالقدر الذي تظل فيه الفكرة العلمية، الى هذا الحد الصغير أو ذاك، اسيرة الحواس المادية المباشرة وخاضعة لمؤثرات يتدخل بها مناخ المختبر او نوعية الاجهزة او جدارة المعدات مهما كان هذا التدخل جزئيا، الرياضيات تفلت نسبيا من هذه المؤثرات مقتربة من الفلسفة ولذلك فهي تباهى بإنها اكثر العلوم عظمة ورفعة، اي فلسفية.

الفكرة الفلسفية، استنتاجا، لا ترتاح ولا تطمئن إلا ان هذه الحيوية وتلك القوى الذاتية تجعلها تأبى الانكفاء على ذاتها. فهي تمور فيها، خالقة لديها توقا هائلا للبحث عن فضاءات ارحب وشموس اشمل. اذ ان الفكرة الفلسفية شمولية كونية بطبعها وطبيعتها.

وهذا التوق للخروج من الانحباس الذاتي يضطرها الى استعمال اداة خارجية واحدة، ليست من انتاج العقل البحت، هي اللغة. وهكذا فبفضل اللغة امتلكت الفكرة الفلسفية تاريخ فتوحات وتراكم خصيب وحضور كوني. فما هو الثمن الذي تدفعه مقابل ذلك؟

هناك ثلاثة اصناف من الضرائب تتحملها الفكرة الفلسفية نتيجة استعمالها اللغة، تتمثل بما يلي:

البعد الدلالي:

ان حلول الفكرة الفلسفية في مجموعة من المفردات اللغوية يحبسها، بالضرورة في المحدودية الطبيعة للمدلولات المادية المباشرة لتلك المفردات.

ولتخفيف وطاة هذا الحبس تضطر الفكرة الفلسفية الى بذل جهود استثنائية تحث عبرها اللغة على التطور والصعود الى مستوى الفكرة الفلسفية دلاليا. فابتداع المصطلحات والمعاني المجازية والتأويلية واضافة النعوت التوضيحية هي من نتائج الجهود. لكن هذه المنجزات تظل محدوده ولا تلبي الحاجة إلا جزئيا وجزئيا فقط، فمدلولات المفردات اللغوية تظل عاجزة عن الارتفاع الى مستوى المدلولات الخاصة بالفكرة الفلسفية.

ومما يؤكد هذا الجانب ان الكثير جدا من جهد الفكر الفلسفي يذهب لحل هذه الاشكالية او ازالة ذاك اللبس المترتبين اساسا من اضطرار الفكرة الفلسفية الى الاستعانة باللغة.

ـ البعد الزماني:

تعكس اللغة والمدلولات المباشرة لمفرداتها انتماء زمنيا ضروريا يتضارب مع نزوع الفكرة الفلسفية التلقائي للسمو على الزمنية. الشيء الذي يترتب عنه تغير مستمر في المدلول نتيجة للتغيرات المستمرة في الدال (اخضاع مضمون الفكره لتطور مضمون المفردة) مما يؤدي الى اعطاء الفكرة الواحدة مضامين متباينة تباين الدلالات التي تأخذها المفردة المعبرة عنها في مختلف حلقات تاريخيتها.

ـ البعد المكاني:

في هذا الجانب تتمثل اخطر الاضرار التي تلحق بالفكرة الفلسفية نتيجة استعانتها باللغة.

وتتجسد هذه الاضرار في الهوية القومية التي تأخذها الفكرة رغما عنها، نظرا لان اللغة هي بالضرورة قومية الانتماء في حين ان الفكرة الفلسفية لا تستطيع ان تتخيل نفسها إلا كونية مطلقة في انتمائها اللامكاني.

وقد ترتبت عن هذا الربط القسري، عبر اللغة، بين الفكرة والمكان تجزئة عرقية ودمغرافية للفكرة الفلسفية تتناقض كليا مع طبيعتها الجوهرية، كما نجد ذلك في المخلوقات المشوهة التي تسمى بالمثالية الالمانية او المادية الفرنسية او ماشابه، التي ظهرت بموازاة ظهور الدولة القومية التي نجد تقليدا لها في مفهوم "العقل العربي" الفارغ المعنى. فالعقل والمادية والمثالية وماشابه توجد اما كونية انسانية مطلقة أولا توجد.

وحتى ننهي هذا المقال الذي بدأ يغري بالاطالة، نشير الى ان هذه الضرائب الثلاث التي تدفعها الفكرة لمجرد علاقتها مع اللغة تصبح مضاعفة ومريرة عند الترجمة وذلك بالتحديد لان مبرر وجود اللغات هو الاختلاف الدلالي ـ الزماني ـ المكاني فيما بينها. والترجمة هي، في أحد وجوهها، ميدان تتصادم فيه اللغات فيما بينها فتتجدد عبر التخلص من جلدها القديم واستعادة روح التمرد والمغامرة.

..........................................................................................

المصادر/

1- محمد حسن يوسف/ صيد الفوائد

 2- منتديات عربية

 3- الأخضر عزي / موقع ديوان العرب

 4- شبكة المترجمين السعوديين

 5- محمد كالو/ ملتقى اهل التفسير

 6- الدكتور عبدالحفيظ محمد حسن /  مجلة نزوى

 7- عامر العظم /   منتديات واتا الحضارية

 8- دويتشه فيلّه / موقع الاذاعة الالمانية

 9- ترجمة: د. محمد أحمد طجو - جامعة الملك سعود

 10- الباحث الحر/ ياهو

 11- موقع لوغوس

 12- دوجلاس روبنسون/  مجلة أفق الثقافية

 13- كريستينا شافنر/ الجمعية الدولية للمترجمين العرب

 14- حسين الهنداوي/ موقع جسد الثقافة

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25 شباط/2008 - 17/صفر/1429