إخفاقات حكومة المالكي جهل في فن السياسة

بقلم: الدكتور وليد سعيد البياتي

 شيء من وجع الماضي وجراح الاتي:

     عندما كنا نمني النفس بالخلاص من عصور الديكتاتوريات كانت هناك على الدوام بارقة امل ولمحة تطلع نحو المستقبل، وشيء من الحديث عن الامن وبحبوحة الحياة، كان هناك امل من ان يستعيد الانسان كرامتة الذي اهدرت في حروب وسياسات حققت اهداف الاخرين ولم ينل منها العراق ارض وانسانا إلا نصيب القتل والجراح والمنافي والكثير من الاجساد الممزقة التي ماتزال تبحث عن رؤوسها، كان هناك امل في ان يشهد العراق طفرة حضارية غير مسبوقة تعوض ذلك الارتداد عن النسق الحضاري الذي اسقطتنا فيه الحكومات القومية والبعثية، كان هناك امل ان يتحول العراق الى اكبر ورشة عمل في البناء السياسية والاقتصادي والعمراني، ان يعود العراق مركز الدنيا، ان يسابق حركة التاريخ ان يستعيد حضارتة المسلوبة، أن لاتصبح السياسة مناوشات حزبية وصراعات تستهدف امتلاك كراسي السلطة قبل عقول الشعب، غير ان الاخفاقات والانحطاطات جائت مبكرة منذ ان فرضت الانتخابات باسماء القوائم وليس الشخصيات حتى ان الانسان كان لايدري من هو الذي سيصل للسطة، من هو النائب الذي سيمثلة ومع هذا وقف الشعب ووقف الكتاب مع رجال السياسة عسى ان نخرج بحلول.

 وقد كشفت فترة الجعفري الكثير الكثير من نقاط الضعف والتردي، واضاف المالكي هما اكبر في ترددة وضعف ادارته الناجم عن الكثير من الجهل السياسي وفن ادارة الدولة، لقد كتبت منذ مدة عن ضرورة الحزم في تحقيق الاهداف وكلي ثقة بان هذه الحكومة ورئيسها لم يتعودوا قراءة التقارير، وهاهم بالتالي لا يدركون حقيقة الفعل والنتائج المترتبة عليه. فأية حكومة هذه التي نصف وزرائها خارج العملية السياسية؟ عجبا ما حال المواطن العراقي وما ذنبة ان تتاخر مصالحة اليومية بغياب الوزراء، ثم صراحة  أي رئيس حكومة هذا الذي لا يستطيع السيطرة على 20-30 وزيرا ثم يدعي انه قادر على حكم 25 مليون انسان؟  حقيقة انه يسخر منا!! هؤلاء لا يزالون يتصورون انه مازال بامكانهم الضحك على الامة!!

يمكن للمالكي ان يكون رئيس حزب ما لكنه ليس بالضرورة ان يكون رجل دولة ورئيس وزراء يحكم بلدا يحمل ارثا تاريخيا لاول انسان وطأ قدماه الارض، لقد ضحى المالكي بقيمة حزبة وبقيمة الشعب من اجل ارضاء بعض المكونات وبالتالي فقد ضرب بعرض الحائط كل الدماء التي اهدرت وقوض الاستحقاقات السياسية التي حصلت عليها قائمة الائتلاف العراقي مما فسح المجال لكل القوى ان تنهش حقوق المواطن الذي خرج يوما لمواجهة صناديق الاقتراع وهو لا يدري هل سيعود الى بيته سالما ام لا، لا ادري ما الذي يريده المالكي منا بعد كل هذه الجراح؟ لا ادري متى سيتم تحقيق ابسط الاحلام المشروعة التي راودت رجل الشارع البسيط في ان يعيش حلمة في ان يتحول الى انسان لايضعه الاخرون تحت احذيتهم، ان يصبح جزءا من وطن لاتستلبه جماعات سياسية لم تمارس مفاهيم السياسية بل ولم تدرس و تتطلع على ابسط مفرداتها، لا ادري من هو المسكين في هذه العملية هل هو المالكي الذي وضع نفسع في المكان والزمان غير المناسبين ام رجل الشارع الباحث عن لقمة خبز حقيقية خارج بطاقات التموين.

ملامح الاخفاقات:

1- رفض تطبيق الاستحقاقات السياسية التي افرزتها صناديق الاقتراع واللجوء المستمر الى المحاصصة وهو ما افرزه مجلس الحكم البائس ثم ما بدئه الجعفري من بعد في وزارته مما ادى الى تضييع الحقوق السياسية واضعاف كتلة الائتلاف في البرلمان والحكومة. فالائتلاف يرى انه قد تكون الاتفاقات والترتيبات التي اوصلت المالكي لسدة رئاسة الوزراء قد تصبح في مهب الرياح إذا استمر المالكي في اخفاقاته. وهذا من حق هذه الكتلة التي تمثل الاغلبية السياسية من جهة والتي وضعت المالكي على كرسيه من جهة اخرى.

2- لم تظهر حكومة المالكي ولا البرلمان اي تقدم في تحقيقة النظام الفدرالي ولهذا لم تظهر اية مؤشرات جدية في تاسيس فدرالية الوسط والجنوب اسوة بفدرالية الشمال، وفي تقارير من الداخل تكشف ان حكومة المالكي قد قررت التضحية بقضية الفدرالية لصالح المصالحة، وهذا يعني ان المالكي نقض الفدرالية وهي قضية دستورية من اجل ما يسمية بالمصالحة مما يعني انه قد اوجد خرقا دستوريا وقانونيا يحاسب عليه.

3- الضعف الواضح في الاداء السياسي وفقدان القدرة على المبادرة مما سمح لبقية الاطراف اتخاذ مبدا المبادرة من قبلها والضغط على الحكومة والبرلمان كما في قضية الـ 17% من حصة الموازنة حيث حققت الاطراف الكردية باصرارها المدهش على تحقيق اهدافها مهما كانت بسيطة او تلك المعقدة حيث فقدت الحكومة عنصر المبادرة. وكما حدث ايضا في قضية العلم حيث خضعت الحكومة لرغبة الاكراد مما يكشف مدى الضعف الحكومي تجاة سلطة الشمال ولا تزال قضية كركوك والتي يمكن ان تكون القاصمة لو تم بحثها الان ولا ادري الى متى يمكن تأجيلها وهي القضية المهمة؟

4- ضعف الاداء في وضع ميزانية الدولة لسنة 2008 – 2009 مما ادى الى التأخير حتى ان دخول الشهر الثاني من هذه السنة لم يحرك احاسيس الاطراف بقيمة الضرورة الدستورية والقانونية لوضع الميزانية مما يؤكد فكرة الجهل السياسي بقيمة الاداء الحكومي، فالاحزاب التي تحترم قيمة المجتمع الذي تمثلة عليها الاسراع بتنفيذ احتياجاته وإلا فان التعمد في هذه الحالة يعتبر جريمة يحاسب عليها الجميع ولهذا كان الاجدر بحكومة المالكي ان تقدم استقالتها اعترافا بفشلها في الاداء والتجاوب مع احتياجات الامة.

5- حتى هذه اللحظة لم تحسم الكثير من المشاكل وفي كل مرة يتم تعليق اتخاذ القرارات السياسية بخصوصها داخل البرلمان وفي اروقة ومكاتب الوزارات نظرا لعدم تقديم مصلحة الدولة على مصلحة الحزب وايضا للتنازع المستمر والمكشوف على المصالح والاموال والاستثمارات مما يعكس كم اصبح قميص الدولة مهلهلا وممزقا احتلت فيه الخروق مساحات هائلة لا يمكن ترقيعها الا بتغيير الوجوه كافة. فمثلا اعدام المجرمين علي حسن المجيد (الكيمياوي) وسلطان هاشم والاخرين الذين جعلهم المالكي جزءا من صفقة المصالحة، فهو قد ضحى بالحق الشرعي للشعب من اجل قضية خرج منها خاسرا.

6- لم تشهد هذه المرحلة حركة اعمار إلا بعض المشاريع التي لا تتفق وحجم موازنة الدولة والناتج القومي، وما ذلك إلا لضعف الاداء الحكومي وتردي الشكل الاقتصادي لبلد يفترض به احد كبار منتجي ومصدري النفط، ففي بلدان لايشكل الناتج النفطي حصة كبرى قياسا بما ينتجة العراق ومع ذلك فحركة التطور والانماء تتواصل‘ فحتى في الجمهورية الاسلامية التي اصيبت باقتصادها جراء الحرب والحصار فقد شهدت تطورا تجاوز المخططات العالمية، ومن هنا تتخوف الكثير من شركات الاستثمار من العمل في العراق إلا تلك التي وجدت لها مساحة للعمل في شمال العراق لوجود هدوء نسبي هناك من جهة، ولنشاط الاكراد في ادائهم من جهة اخرى.

7- افتقاد المالكي للتقبل من الاطراف السياسية الدولية فحتى التقارير الصادرة من مراكز البحوث الامريكية والبريطانية عندما تتحدث عن المالكي ببعض الايجابية فانه تضع تحت اسمه واداءه السياسي الكثير من الخطوط الحمراء.

8- عجز حكومة المالكي والبرلمان عن حل قضية كركوك وقد كشفت ملابسات هذه القضية قوة الاكراد وتشيثهم بمطالبهم سواء كانت دستورية ام غيرها مقابل ضعف الحكومة وتشتت موقف المالكي ووزرائة وتفضيل المصلحة الحزبية على الامة والوطن في البرلمان.

9- إن عودة التفجيرات في بغداد وغيرها وبشكل كبير يكشف ضعف اداء الاجهزة الحكومية والامنية في تحقيق الامن وهو احد اهم مطالب رجل الشارع وخاصة تلك التفجيرات التي طالت المقار الحكومية ومنها البنك المركزي لاخفاء الكثير من الوثائق التي تكشف حجم السرقات والاموال المهدرة إن هذا الحدث لهو بيان واضح يكشف حجم الارباك التي تعاني منها هذه الحكومة الهزيلة.

هل اصبح سقوط المالكي وشيكا:

     إن مجرد تفكير اكبر الاطراف السياسية تاثيرا في امكانية التبديل سيعني وجود الفكرة إن لم تكن قد اتخذت بعدا واقعيا واجرائيا يحدده فقط عامل الزمن. فالهوة في اتساع متسارع بين اكبر الكتل السياسية والمالكي على خلفية الاخفاقات المستمرة ومحاولة المالكي في ترقيع الشق بالاعتماد على اطراف لاتشكل الثقل السياسي الذي يمثلة الائتلاف إضافة الى تنازل المالكي شخصيا عن الكثير من الاستحقاقات السياسية قد آل بالعملية السياسية الى الاخافق التام، فقد عطل المالكي كل انواع العمل السياسي والاقتصادي من اجل تمرير فكرته بالمصالحة، ومع كل ذلك لم تتقبلة الاطراف التي بقي يسعى ورائها مثل جبهة التوافق والحزب الاسلامي. لاشك ان الاخفاقات السياسية التي كان للمالكي شخصيا اثرا في حدوثها والتراكمات التي افرزتها المرحلة الحالية تكشف ان الحاجة الى التغيير اصبحت ليست فقط واجبة ولكنها ضرورة ملحة  والتسريع بها قد ينقذ العملية السياسية من المزيد من الانهيارات والتردي.

ان ضعف كفاءة المالكي في الادارة السياسية سمحت للحكومة بان تصبح لعبة بيد الاحزاب فيتم سحب الوزراء واضعاف الحكومة بشكل سيء وفي كل هذه الافعال غير المنضبطة يتحمل رجل الشارع النتائج السلبية من ضعف الخدمات بل واختفائها في الكثير من الاحيان وتردي الاقتصاد الوطني، في ضوء عمليات السلب واخفاء الوثائق بحجج الحرائق التي تلتهب هنا وهناك، لقد كان يجب تغيير  الحكومة منذ اكثر من ستة اشهر ولكن المماطلات والوعود الكاذبة ادت الى ان يطول عمرها لمزيد من السلب وما توقيت حريق البنك المركزي إلا لاخفاء الوثائق ومن هنا اتحدى ان يتم الكشف الان عن حقيقة وملابسات الحدث. أن ضعف حكومة المالكي سمحت لجماعات لم يعرف عنها الاخلاص الوطني مثل اياد علاوي في البحث عن حلول وتشكيل تحالفات قد تكون اشد ضررا مما سيعني عودة البعث وانصارهم الى الساحة السياسية من جديد، وبالتأكيد فان نتائج الفعل قد تكون كارثية فيتحمل الانسان العراقي المزيد من الضغوط وهو من ضحى من اجل تشكيل الحكومة والبرلمان. فالمالكي وقبله الجعفري قد اضعفا حزب الدعوة حتى آل بالحزب الى عدد من الانشقاقات وظهور الكتل داخل تنظيم الحزب. وهنا اوجه نداء لحزب الدعوة لمحاسبة الجعفري والمالكي على الاخفاقات والنتائج السلبية والاداء السياسي الضعيف الذي اوقع العراق في الكثير من الاشكالات على مختلف الاصعدة.

 لقد فشلت حكومة المالكي في تنفيذ برامجها فقد وجدناها تتهرب من وضع خطة زمنية للتنفيذ مما يعني عدم قدرتها على العمل في اطار زمني محدد ولهذا لاتزال الميزانية تراوح في في جرارات مكاتب الوزارات، وقانون النفط لم يؤتي شيئا بعد الكثير من الخلافات، والفدرالية هي الاخرى مؤجلة كما محاكمة المجرمين، ولا ندري كم هي الصفقات التي سيقدمها المالكي على طبق المصالحة فيالها من محنة وياله من كرب عظيم، ورجل الشارع لايزال مهجرا في الخيام مرة وفي ارض اخرى مرة ثانية.

إن طرح شخصية الدكتور عادل عبد المهدي كرئيس وزراء جديد يتم تكليفه لاعادة تشكيل الوزارة ربما سيكون الحل الاكثر قبولا فالرجل قد اظهر حتى الان الكثير من الاعتدال والاتزان السياسي والحيوية، اضافة الى قبوله من قبل معظم الاطراف وخاصة الجهاز المرجعي، وكم كنت اود لو امكن للدكتور عادل عبد المهدي من التعاون مع الدكتور احمد الجلبي فهما يمكن ان يشكلا فريق عمل ممتاز سياسيا واقتصاديا، عسى ان يتمكنا من اتاحة الفرصة لاعادة النشاط الى العمل السياسية ولاخراج العراق من مستنقعات الفشل التي اوقعنا فيها المالكي وحكومته الهزيلة.

* المملكة المتحدة – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14 شباط/2008 - 6/صفر/1429