نشرت صحيفة الجريدة الكويتية اليوم ( 11-2- 2008 ) تقريراً خبرياً
مطولاً من القاهرة، وذلك بعنوان:
(( وزراء الإعلام العرب يتفقون غداً على وثيقة تُقيِّد حريات
الفضائيات ))
والتقرير من القاهرة التي شرعت فيها الإذاعة المصرية نشاطها عام
1934م كإذاعة أهلية حرة ولم يكن فيها يومئذ الكثير من التوجيه السياسي
لخدمة الحاكم، والتي احتنضنت فيما بعد كغيرها من العواصم دراسات
وسجالات طويلة عريضة ونشاطات كبيرة حول خصخصة الإعلام والقنوات
الفضائية، وللخروج من أسر عصر الفكر الواحد والرأي الواحد المشلول عن
التصحيح والذي أبدع وأبتدع سبلا للإنتكاسات المترابطة المتتالية.
في الأيام السالفة القريبة كان النقاش ساخناً وبصوت عال لتحرير
الإعلام من نظام الإشراف الحكومي المطلق , أوالنظام الإحتكاري،
أوالنظام المختلط للإنطلاق نحو ما يسمى إصطلاحاً بالنظام التجاري الحر.
ما هو السر إذنْ في هذا التراجع، وفي هذا التوقيت الحساس الخطير
الذي يملي المزيد من التكريس لحرية وإستقلال الإعلام بإنواعه؟
لاشك في وجود بعض الخروقات، وهو أمر طبيعي لأن للحرية ثمن، ولأن
البث الفضائي عندنا فتي، وفي بداية الطريق، ومرحلة التأسيس تختلف عن
مرحلة الإستمرار لكن محاولة خنق اوتقييد الفضائيـــات بإسم تنظيمها
يشبه منْ يفكر في جمع الأوكسجين من الكون والذي نتنفس به لنبقى
أحيـــاء بحجة أنه يتسبب أيضاً في إشتعال الحرائق !!
مـا هـو العمل؟
للجمع بين الإيجابيات الكبيرة الكثيرة لحرية وإستقلال الإعلام، ومنه
الفضائي من جهة، وللحد من الخروقات والسلبيات المرافقة:
هناك مقترحات منها:
1- تأسيس مركز بإسم "المركز العالمي ضد الرقابة على الفضائيات".
لضمان الحرية الملتزمة المسؤولة، والعمل الجاد على تكريس حرية الرأي
والتعبير، وحرية الفضائيات تأسيساً وبثاً، وبضمانات ثابتة وواضحة.
2- العمل الإعلامي والحقوقي والبرلماني:
أ- لإلغاء أي قانون يفرض مطالبة أية دولة أي شكل من أشكال الموافقة
الحكومية لتأسيس الفضائيات التي تلتزم بالحرية الملتزمة المسؤولة.
ب- لإلغاء القيود على مناطق وحدود تغطية البث الفضائي.
وذلك لإعفاء الفضائيات من الحصول على رخصة تجارية للتأسيس، وكذلك
للبث، وكما هو الحال في الصحافة في الكثير من الدول على صعيد تأسيس
الصحــف ونشرها، وذلك لايعني عدم التسجيل التجاري بل يسلب رفض طلب
التسجيل لأي سبب.
مثال: في استراليا والسويد وبعض الولايات في ألمانيا إصدار الصحف لا
يتطلب أي شكل من أشكال الموافقة الحكومية. وتصل الحرية مداها في النمسا
التي تعفي الصحف والدوريات من الحصول على رخصة تجارية, ولكن نشر الكتب
وطباعتها يحتاج هذه الرخصة.
ت- لإلغاء تهمة وعقوبات ما يسمى بالتشهير أوالإزدراء، وذلك عندما
يكون النقد موثقاً أميناً مستنداً ويهدف التوعية أوخدمة الصالح العام.
ألا يقود ذلك الى الفوضى؟
منْ يقضي في: تفسير وتطبيق النصوص الموجزة المقتضبة المتقدمة
ومحاسبة الفضائيات المتخلفة؟
نختصر الجواب فيما هو أت:
بموازاة ما تقدم من تأصيل لحرية وإستقلال الفضائيات لأصالة الحرية
في الإسلام، وقاعدة: الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم لابد من التنظيم
الذاتي الإختياري الحر وغير الحكومي لذلك عبر:
1- قانون موحد غير حكومي للفضائيات يضعه الإعلاميون والحقوقيون
والفقهاء والأخصائيون الأخرون بواسطة هيئة تأسيسة تـُنتخب لذلك.
مثال: يوجد قانون موحد للصحافة في استراليا والسويد وبعض الولايات
في ألمانيا.
2- مجالس منتخبة للفضائيات، وهي غير حكومية، ولتلقي الشكاوى ضد
الفضائيات , والحكم في تلك الشكاوى بما يعزز إستقلال الفضائيات وحريتها
الملتزمة المسؤولة من جهة، وحقوق المواطنين من جهة ثانية.
3- دعم إستقلال ودور نقابة الفضائيين في الإرتقاء بالأداء المهني
والدفاع عن مصالح أعضاءها.
مثال: توجد في 8 دول بأميركا وأوروبا نوع من التنظيم الذاتي
الإختياري للصحافة.
4- ميثاق شرف غير حكومي يتحكم في عمل الفضائيات، ويشمل مبادئ مثل:
- توخي الأمانة والعدل والإنصاف والموضوعية شكلاً ومضموناً، والدقة
في النقد مع الإبتعاد من التعميم والإطلاق.
- الإلتزام بتصحيح المعلومات المغلوطة , وبعدم تزييف الصور
أوالأفلام أو إستخدامها بطريقة مضللة.
- إحترام وإعطاء فرصة التصحيح والرد ( مع الدليل أو حتى بدونه ) على
الآراء أوالتحقيقات النقدية التي تبثها الفضائيات.
مثال: حق الرد أو التصحيح في الصحافة محترم في النمسا وفرنسا, بل إن
حق الرد ممكن دون تقديم دليل كما في ألمانيا وهولندا والنرويج وأسبانيا.
- التمييز بين الوقائع والآراء والمعلومات البحتة , وإحترام حرمة
الحياة الخاصة للناس.
- عدم إشعال الكراهية على أساس العنصر أو القومية أو الدين أو
النوع.
-عدم الحكم مسبقا بإدانة متهم , ونشر نفي التهم عن أي شخص أو إعلان
براءته حين ما تكون الفضائية قد سبق لها أن نشرت أنه أتهم أو حوكم
بالفعل.
إذن البديل موجود بل البدائل موجودة، وهي في غاية الوفرة، والإعذار
للتراجع الى عصر الأحادية والنظام الإعلامي المختلط الإحتكاري لايليق
بنا، وأمتنا تستحق أكثر وأفضل من ذلك، ومن الغريب أن تحمل جامعة الدول
العربية هذه الراية في المكان الصعب والزمن الصعب مضافاً الى أن خطوة
كهذه ستتسبب في هجرة الفضائيات العربية من الدول العربية مما يعني
خسارة فرص للعمل وهجرة للأموال والأدمغة والمزيد من التحرر من الرقابة
الذاتية التي تمارسها الفضائيات على نفسها بنفسها
لوجودها على الأراضي العربية، وسينجذب المشاهدون الى الفضائيات
الأجنبية باللغة العربية الكثيرة المتنامية بسرعة كبيرة.
كما أن ذلك يتناقض من جهة مع حاجتنا الى المزيد من المراجعة والنقد
والدراسة لإوضاعنا الشائكة، ومع الحقوق المدنية والسياسية والحريات
الدينية وممارسة الشعائر الدينية بالنسبة للقنوات الدينية.
كيف ذلك؟
بمراجعة إعلان القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على
أساس الدين أوالمعتقد الذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية
العامة للأمم المتحدة 36-55، و \المؤرخ في 25 تشرين الثاني- نوفمبر
1981 ينص:
في المادة 1:
1. لكل إنسان الحق في حرية التفكير والوجدان والدين. ويشمل هذا الحق
حرية الإيمان بدين أو بأي معتقد يختاره، وحرية إظهار دينه أو معتقده عن
طريق العبادة وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، سواء بمفرده أو مع
جماعة، وجهرا أو سرا.
وفي المادة 6:
وفقا للمادة 1 من هذا الإعلان، ورهنا بأحكام الفقرة 3 من المادة
المذكورة، يشمل الحق في حرية الفكر أو والوجدان أو الدين أو المعتقد،
فيما يشمل، الحريات التالي ة:
(أ) حرية ممارسة العبادة أو عقد الاجتماعات المتصلة بدين أو معتقد
ما، وإقامة وصيانة أماكن لهذه الإغراض؛
(ج) حرية صنع واقتناء واستعمال القدر الكافي من المواد والأشياء
الضرورية المتصلة بطقوس أو عادات دين أو معتقد ما؛
(د) حرية كتابة وإصدار وتوزيع منشورات حول هذه المجالات؛
(ح) حرية مراعاة أيام الراحة والاحتفال بالأعياد وإقامة الشعائر
وفقا لتعاليم دين الشخص أو معتقده؛
(ط) حرية إقامة وإدامة الاتصالات بالأفراد والجماعات بشأن أمور
الدين أو المعتقد على المستويين القومي والدولي.
وفي المادة 7:
تكفل الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان، في تشريع كل
بلد، على نحو يجعل في مقدور كل فرد أن يتمتع بهذه الحقوق والحريات
بصورة عملية.
أمثلة من الموارد الخطيرة في الوثيقة:
ومن الموارد الخطيرة في الوثيقة ( وفقاً لما تمَّ تسريبه، ومنه ما
جاء في تقرير الجريدة المذكورة ) الموضوعة أمام الوزراء في إجتماعهم
حول الحريات الفضائية:
1- محاصرة القنوات الفضائية بقيود محكمة من ناحية الجزاءات، وفضفاضة
من ناحية الصياغات التي تقبل أكثر من تفسير من ناحية أخرى، وهذا يضع
وسائل الإعلام تحت الرحمة الحكومية بشكل كامل.
2- التشديد على الإمتناع عن وصف الجرائم بكل أشكالها وصورها.
3- تشترط الوثيقة صراحة من أجل الحصول على ترخيص البث من أي حكومة
عربية، أن تتم الموافقة على أسماء المساهمين في ملكية المحطات.
4- تحدد الوثيقة إجراءات ضد المخالفين تتضمن مصادرة المعدات
والأجهزة المستخدمة، وفرض غرامات مالية كبيرة وصولاً إلى إلغاء
التراخيص.
5- تغفل الوثيقة معالجة ( قائمة على أساس إستقلال الإعلام والحرية
الملتزمة المسؤولة ) مشكلات الفضائيات المفتضحة أخلاقياً والتي باتت
تحطم أقدس وحدة إجتماعية وهي الأسرة وتدفع نحو الإنحلال الخلقي والفساد
والعبثية والضياع وتمزيق الهوية، لأن الهدم لا ينحصر في عرض الأفلام
الإباحية فقط كما هو معلوم. |