تركيا: الديمقراطية الإسلامية تنتصر على التشدد العلماني

شبكة النبأ: اقر البرلمان التركي مؤخرا  تعديلا دستوريا يجيز ارتداء الحجاب في الجامعات وهو موضوع  يثير الجدل والانقسام في تركيا البلد الاسلامي الذي يعتمد النظام العلماني منذ تاسيس تركيا الحديثة على انقاض الدولة العثمانية معتمدا على تأييد الجيش ومؤسسات القضاء والتعليم العالي.

فقد جرت سلسلة عمليات تصويت على تعديلات مقترحة حصلت بشكل واسع على غالبية ثلثي الاصوات المطلوبة لتعديل الدستور. والبند الاساسي في مشروع القانون ينص خصوصا على انه "لا يجوز ان يحرم احد من حقه في التعليم العالي"، في تلميح الى الشابات المحجبات.

وهذا المشروع اثار موجة عارمة من الاستنكار في اوساط العلمانيين والمعارضة الاشتراكية الديمقراطية التي تعتبر انه ينال من المبادىء العلمانية لتركيا ومن شأنه ان يؤدي الى تشريع ارتداء الحجاب في اماكن عامة اخرى مثل الادارات العامة والمدارس وغيرها الامر الذي لم يكن جائزا حتى الان.

وتؤكد حكومة حزب العدالة والتنمية من جهتها الدفاع عن الحرية الفردية للطالبات المسلمات وتعتبر ان هذا التعديل يندرج في اطار عملية انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. ويفترض ان يضع التعديل الدستوري حدا للاجتهاد الذي يفرض على الطالبات نزع الحجاب. بحسب رويترز.

ويرى المعسكر المتمسك بالعلمانية لا سيما الجيش والقضاء والادارة الجامعية في ارتداء الحجاب رمزا للاسلام السياسي في هذا البلد الذي يعتمد النظام العلماني لكن 99 في المئة من سكانه من المسلمين.

وحرص رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على تبديد المخاوف بتأكيده ان المشروع لا يهدف سوى الى السماح "للفتيات بعدم الانتظار امام ابواب الجامعات".

وشدد المسؤولون في حزبه اثناء المحادثات على ان المشروع لا يخرج عن الطابع العلماني للنظام لانه يخفف من التمييز الذي تتعرض له بحسب قولهم الطالبات اللواتي يرتدين الحجاب.يشار الى ان زوجات وفتيات معظم قادة حزب العدالة والتنمية محجبات.

ويفترض ان يحظى التعديل ايضا بموافقة رئيس الدولة عبدالله غول المعروف بانه كان من ابرز قادة حزب العدالة والتنمية وبذل مساعي كبيرة من اجل الغاء حظر الحجاب والذي لا تظهر زوجته مطلقا حاسرة الرأس.

واعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي يعتبر ان "المشروع يتحدى الجمهورية العلمانية" انه سيلجأ الى المحكمة الدستورية لوقفه بعد ان يصادق غول عليه.

وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري كمال اناضول امام النواب "ان الهدف هو النيل من العلمانية".

ويعتبر مناصرو العلمانية ان السماح بارتداء الحجاب في الجامعات قد يؤدي الى اشتداد ضغوط الدينيين على النساء كما يخشون ايضا من ان يدفع "ضغط الشارع" الطالبات غير المحجبات الى تغطية رؤوسهن.

واتهمت النائبة نور سرتر التي تنتمي الى حزب الشعب الجمهوري حزب العدالة والتنمية "باستغلال" المشاعر الدينية لمطامح سياسية انتخابية لا سيما اثناء الانتخابات البلدية المرتقبة في العام 2009 بهدف جعل تركيا "دولة اسلامية". وقالت "ان الحجاب يقسم البلاد (...) ويجعل النساء مواطنات من الدرجة الثانية".

وقد جرت السبت تظاهرة كبيرة في انقرة ضد التعديل الدستوري. كذلك علت اصوات الاحتجاج على المشروع في اوساط عمداء الجامعات.

الى ذلك فان المشروع لا يرضي ايضا اوساط المتشددين دينيا لان المعايير التي يعتمدها بشأن نوع الحجاب المسموح به (وهو الحجاب التقليدي المعقود تحت الذقن لا الحجاب الكامل الذي يلف الراس باحكام ويغطي الرقبة) تستبعد النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب الذي حددت مواصفاته.

معارضو الحجاب يبذرون بذور الشقاق

واتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان معارضي الحجاب بالسعي لبذر بذور الشقاق في تركيا.

وتعرضت الحكومة ذات الجذور الاسلامية لضغوط شديدة من جانب معارضيها العلمانيين ومن بينهم كبار قادة الجيش بسبب خططها لرفع حظر ارتداء الحجاب في الجامعة الذي فرض قبل عشرات السنين.

ونقلت وكالة الاناضول للانباء عن أردوغان قوله في كلمة في اسطنبول "لدي كلمات قليلة لمن يزعمون أن العلمانية ستدمر وأن تركيا ستصبح دولة دينية وأن القيم الأساسية للجمهورية ستهدم وأن من لا يرتدين الحجاب سيتعرضن لضغوط."

وأضاف "ألستم أنتم من يثير الانقسام المجتمع باتهامكم كل من لا يفكر كما تفكرون أو يلبس ما تلبسون بأنه عدو للعلمانية أو للنظام."

وشارك أكثر من 120 ألف علماني تركي يوم السبت في مسيرات في العاصمة أنقرة وغيرها من المدن احتجاجا على الخطط الخاصة بالحجاب التي يقولون انها تمهد لشكل أكثر تشددا للاسلام في تركيا.

وتنظر المؤسسة العلمانية التركية التي تضم قادة الجيش والقضاة ورؤساء الجامعات الى الحجاب باعتباره رمزا للتشدد الاٍسلامي وتعتقد أن رفع الحظر من شأنه أن يُقَوِض الفصل بين الدين والدولة وهو أحد المبادئ الأساسية التي قامت عليها الجمهورية التركية الحديثة.

وأسست الجمهورية التركية كدولة علمانية على يدي كمال أتاتورك عام 1923 على أنقاض الامبراطورية العثمانية.

وفي عام 1997 أقدمت مجموعة من قادة الجيش تحظى بتأييد الرأي العام على الاطاحة بالحكومة القائمة انذاك لانهم اعتبروها اسلامية أكثر مما ينبغي.

وقال جان أتيسال وهو طالب يدرس العلاقات الدولية في جامعة بيلكنت في أنقرة " أتاتورك أعطانا الديمقراطية. لا نريد إعادة عقارب الساعة الى الوراء ونصبح مثل جيراننا العرب الذين لا يزالون دولا نامية".

ويعد التعديل الخاص بالحجاب أكثر التحركات جرأة لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ترجع جذوره لحركة اسلامية محظورة لتخفيف القيود على الاسلام منذ تولى السلطة عام 2002.

وفي العام الماضي أدت مظاهرات علمانية تعترض على إقدام حزب العدالة والتنمية على ترشيح الاسلامي السابق عبد الله جول لمنصب الرئيس الى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وفاز الحزب بسهولة في الانتخابات.

وتعهد حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي وله صلات وثيقة بالجيش بتقديم استئناف أمام المحكمة العليا اذا أقر البرلمان الذي يسيطر عليه حزب العدالة والتنمية التعديل.

وكتب فكرت بيلا المعلق التركي البارز في صحيفة ميليت الليبرالية "أيا كان ما ستقرره المحكمة الدستورية من الواضح أن جوا من الصراع سينشأ في الجامعة وفي المجتمع."

وقال أردوغان وهو مسلم محافظ ترتدي زوجته وبناته الحجاب ان التعديل الدستوري لا يتعلق سوى بالحرية في اختيار الملبس في مؤسسات التعليم العالي. وتابع أن القضية مسألة حريات دينية وشخصية. وسيظل الحظر ساريا بالنسبة للمعلمات والموظفات.

وأصدر رؤساء وعمداء الجامعات التركية الاسبوع الماضي بيانا حذروا فيه من أن السماح للطالبات بارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم العالي سيؤدي الى فوضى في الحرم الجامعي وعنف في الشوارع وسينتهي بتدمير الدولة العلمانية.

كما هدد الاساتذة العلمانيون بعدم السماح للطالبات بدخول الفصول اذا ارتدين الحجاب. وطرد الاف من الطالبات على مدى السنين لمحاولتهن ارتداء الحجاب في الجامعة ولطالما طالبت النساء المتدينات بحق ارتداء الحجاب في الحرم الجامعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12 شباط/2008 - 4/صفر/1429