حُلم مارتن لوثر يتحقق: السود في امريكا يفرضون رؤيتهم الانتخابية

شبكة النبأ: رغم كون الامريكيين ذوي الاصول الافريقية من الداعمين والمؤيدين للحزب الديمقراطي على مدى عقود طويلة، إلا ان الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة قد طرحت التساؤل بقوة حول المرشح الذي سيدعمه الامريكيون الأفارقة، خاصةً من الحزب الديمقراطي. فسعي كل من أوباما وهيلارى كلينتون إلى الحصول على ترشيح حزبهما في الانتخابات الرئاسية المقبلة قد ألقى الضوء على الامريكيين الأفارقة والدور الذي من الممكن ان يقوموا به في هذا الإطار، وهو ما يحاول تقرير واشنطن تناوله في هذا التقرير:

الأمريكييون الأفارقة ودعم الديمقراطيين

بدأ الأمريكيون الأفارقة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ بداية الستينيات عندما وقع الرئيس ليندون جونسون القانون المتعلق بالحقوق المدنية عام 1964 نتيجة لجهود كبيرة قام بها الناشطون والمدافعون عن الحريات المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية والتى أسفرت عن منح السود حقوق التصويت.

ونتيجة لانخراطهم في العمل السياسي، فقد انتمى معظم السود إلى الحزب الديمقراطي منذ نهاية الخمسينات. وانتمت نسبة قليلة جداً منهم إلى الحزب الجمهوري، ويرجع رون والترز Ron Waltrs هذا- في كتابه "الحرية وحدها لا تكفى" "Freedom Isn't enough"- إلى تبني الحزب الجمهوري لسياسات تقلص من "الوظيفة الاجتماعية" للدولة، وذلك عن طريق تبنيهم لشعار "الحكومة الصغيرة" small government والتى تكتفي بحد أدنى من التدخل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إمرار الجمهوريون لتشريعات تهدف إلى الحد من النفقات المخصصة للأبعاد الاجتماعية في الموازنة العامة. فقد كان لجوء الأمريكيين الأفارقة- حسب "والترز" – إلى دعم الحزب الديمقراطي أهون الأمرين، بالإضافة إلى تبنى الديمقراطيون لسياسات تشتمل على دعم الفئات الاجتماعية "المهشمة" ومراعاة البعد الاجتماعي.

ويشير كل من "ايرل بلاك" Earl Black و"ميرل بلاك"Black Merle ، في كتابهما " أمريكا المنقسمة :الصراع العنيف من أجل القوة في الحياة السياسية الأمريكية" "Divided America, The ferocious power struggle in American politics" إلى أن تأييد السود للحزب الديمقراطي قد وصل، منذ عام 1968، إلى نسب مرتفعة واستقر على ذلك نتيجة للإدارة المجتمعية الجديدة للرئيس جونسون، ففي الفترة من 1984 وحتى 2004 بلغ تأييد السود للديمقراطيين حوالي 78%، بزيادة 44 نقطة عن نظرائهم "البيض" المؤيدين للحزب الديمقراطي خلال نفس الفترة.

وتؤكد نتائج الانتخابات الرئاسية منذ عام 1976 ما أشار إليه كل من "ايرل" و"ميرل". فبالنظر إلى هذه النتائج يتضح حجم تأييد الأمريكيين الأفارقة للحزب الديمقراطي. فطبقاً لبيانات مجلة نيويورك تايمز لم يقل تأييد الأمريكيين الأفارقة للمرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1976 وحتى عام 2004 عن 83%، في حين لم يتجاوز تأييدهم للمرشحين الجمهوريين 16%.

وبالنظر إلى هذه النتائج يمكن القول أن الأمريكيين الأفارقة –وكعادتهم- سيؤيدون الحزب الديمقراطي،إلا أن المفارقة هذه المرة تتمثل في أن الأمريكيين الأفارقة لا يواجهون مشكلة المفاضلة بين مرشح ديمقراطي وآخر جمهوري بل يواجهون مشكلة المفاضلة بين مرشحين كلاهما ديمقراطي وكلاهما أيضا يحظيان بشعبية كبيرة لدى الأمريكيين الأفارقة.

سباق أوباما وهيلارى حول أصوات السود

 لم يكن متوقعاٌ أن تواجه السناتور هيلارى كلينتون أي مشكلات في الحصول على أصوات الأمريكيين الأفارقة، وذلك لعدة اعتبارات يتمثل أهمها في شعبية زوجها بيل كلينتون الرئيس الأمريكي السابق، باعتباره الرئيس الأكثر شعبية على الإطلاق وسط الأمريكيين الأفارقة إلي درجة اعتبارهم إياه أول رئيس "أسود" للولايات المتحدة، إلي جانب تاريخ هيلاري نفسها كناشطة في مجال الحريات المدنية ذو الأهمية الكبرى لدي السود، إلا أن صعود نجم السيناتور باراك أوباما Barack Obama فرض على هيلارى أن تعيد حساباتها جيداً بل وفرض عليها أيضا الدخول في منافسة "صعبة" للحصول على أصوات الأمريكيين الأفارقة.

فهناك العديد من المؤشرات التى ترجح تصويت غالبية الأمريكيين الأفارقة لصالح أوباما، أولها يتمثل في رؤية الأمريكيين السود لـ"أوباما" باعتباره "حلماً على وشك التحقق"، ففي حالة فوز أوباما في الانتخابات الرئاسية سيصبح أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية، وبالتالي يمثل دعم أوباما فرصة كبري لا ينبغي تفويتها، أو كما عبر ديفيد جرينبرج David Greenberg، في مقال له بصحيفة الواشنطن بوست، بالقول إن الملفت في أوباما ليس الذي قام بفعله ولكن في كونه "أمريكيا من أصول افريقية". وعزز من هذا الشعور نجاح أوباما في الفوز في ولاية أيوا Iowa ذات الأغلبية البيضاء ويعبر عن ذلك تصريحات ميشيل زوجة السيناتور أوباما في أحد الحملات الانتخابية التى قامت بها لصالح زوجها في اطلنطا والتى أشارت فيها إلى أن بعض السود ربما يتشككون في أن البيض سيصوتون لصالح زوجها، لذلك دعتهم إلى تأمل ما حدث في أيوا، وقالت ميشيل «لا يوجد سود في أيوا.هناك أمر مهم، أمر جديد يحدث الآن. لذلك دعونا نبني المستقبل الذي نعرف جميعاً أنه ممكناً، دعونا نبين لأطفالنا أن الأميركيين مستعدون الآن لقبول باراك أوباما رئيسا».

كما أن أوباما سيكون أكثر من هيلارى إحساساً بمشكلات الأمريكيين الأفارقة أو حسب قول كليفلاند سيلرز Cleveland Sellers رئيس قسم دراسات الأمريكيين الأفارقة في جامعة سوث كارولينا South Carolina ، في حوار مع مجلة نيوزويك، فان أوباما سيوفر بيئة مناسبة للفئات "المهمشة" للتعبير عن نفسها .

أما المؤشر الثاني فيتمثل في الأجندة الانتخابية للسيناتور أوباما والتى تركز على القضايا الداخلية التى يهتم بها الأمريكيون الأفارقة وخاصةً قضايا التعليم والرعاية الصحية .

مارتن لوثر محور المواجهة

 وثالث هذه المؤشرات يتمثل في تصريحات هيلارى كلينتون، والتي قالت فيها إن «حلم الدكتور كينغ بدأ يتحقق عندما وقع الرئيس ليندون جونسون القانون المتعلق بالحقوق المدنية عام 1964»، وأن الأمر احتاج إلى مدة رئاسية كاملة لكي تتحقق أحلام مارتن لوثر، مما أثار حفيظة الكثير من الأمريكيين الأفارقة وعلي رأسهم أوباما، والذي وصف التصريحات حول مارتن لوثر كنغ بأنها "معالجة سيئة"، وقال «أعتقد أنها أضرت بمشاعر بعض الناس الذين يرون أنها قلصت من دور كنغ حول الحقوق المدنية». وأضاف «هي حرة أن تقول ذلك، ولكن أن نتصور أن هذا ما حدث سيبدو سخيفاً».

ورغم محاولات هيلاري التخفيف من حدة الأمر- عن طريق تركيزها في لقاءات لاحقة على ذكر التضحيات التى قدمها لوثر، وحضورها إلى جانب زوجها بيل كلينتون، الذي يعتبر أكثر الرؤساء الأميركيين شعبية وسط الأميركيين الأفارقة، تجمعاً لتخليد تراث مارت لوثر كنغ في مدينة نيويورك، التي تمثلها في مجلس الشيوخ، وتصريحاتها لبرنامج «واجه الصحافة» في شبكة « NBS» بالقول «لا أظن أن هذه الحملة الانتخابية حول الجنس (ذكر أو أنثى) وبالتأكيد هي ليست حول الأعراق»،واتهامها لحملة أوباما "بالتشويه المتعمد" لتصريحاتها - فإن الأمور لم يتم حسمها ببساطة بل اكتسبت المنافسة، طبقاً للكثير من المحللين، طابعاً "عرقياً" وذلك للمكانة التى يحظي بها مارتن لوثر لدى الأمريكيين الأفارقة باعتباره "بطلاً قومياً". فلقد نظر الكثير من الأفارقة لتصريحات هيلارى باعتبارها محاولة للتقليل من دور كل من مارتن لوثر والرئيس كينيدي وغيرهما من رموز "السود" الذين قدموا تضحيات كبرى للحصول على الحرية .

ويمثل تأييد الكثير من الشخصيات الأمريكية ذات الأصول الإفريقية لأوباما مصدر قوة آخر، وأبرز هذه الشخصيات هي المذيعة الشهيرة أوبرا وينفرى صاحبة الشعبية الكبيرة في الولايات المتحدة. فقد أعلنت وينفرى عن دعمها لحملة أوباما في مايو2007، ورعت في شهر سبتمبر حفلا لجمع التبرعات لحملته حقق ريعا قدره ثلاثة ملايين دولار. وقد مثل هذا التأييد دفعة كبيرة للسيناتور أوباما، فقد أشار استطلاع رأى أجراه مركز أبحاث "بيو" إلى أن 15 % من الأميركيين، ذكروا أن إقرار ودعم أوبرا وينفري سيجعلهم أكثر ترجيحا للتصويت لأوباما، بينما ذكر 15 في المائة، أنهم أقل ترجيحا، كما عبر60 % من الذين شاركوا في الاستطلاع عن اعتقادهم بان دعم وينفري سيساعد أوباما كما أشارت نتائج الاستطلاع إلى أن تأييد أوبرا وينفري أعطى دفعة لأوباما وسط النساء والأميركيين السود. كما أعرب إميل جونز Emil Jones رئيس الكونجرس المحلي لولاية الينوى عن دعمه المطلق لأوباما ليصل إلى البيت الأبيض؛ لأنه على دراية جيدة بمشاكل "السود"، كما تعتبر هذه من وجهة نظره فرصة لا تتكرر كثيراً.

هيلاري لم تفقد كل أوراقها بعد

 ورغم كل المؤشرات السابقة التى تشير إلى التأييد الكبير الذي يحظى به أوباما لدى "السود"، فأن الأمر لم يحسم بشكل كامل لصالحه. فالسيناتور هيلاري كلينتون تتمتع بشعبية لا بأس بها لدى السود، فقد أشارت استطلاعات رأى أجريت في أواخر عام 2006 بواسطة صحيفة الواشنطن بوست وشبكة ABC إلى حصول هيلاري على 60% من أصوات السود مقابل 25% لباراك أوباما، إلى جانب الشعبية الكبيرة التى يحظى بها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون لدى الأمريكيين السود، بالإضافة إلى دعم بعض الشخصيات الأمريكية من أصول أفريقية لهيلارى في الانتخابات، حيث انتقد بوب جونسون، أحد أغنى الأمريكيين الأفارقة والذي يمتلك شبكة تلفزيون ترفيهية، أوباما لصالح هيلاري، وقال جونسون «بالنسبة لي كأحد الأميركيين الأفارقة، شعرت بالإهانة عندما اعتقد فريق أوباما بأننا من البلادة إلى حد يمكننا الشك في اهتمام هيلاري وكلينتون بقضايا السود". كما تحظى هيلارى بدعم كبير من الأمريكيات ذوات الأصول الإفريقية . هذا إلى جانب الاتهامات التى توجه لباراك أوباما بكونه ليس "أسوداً" بالدرجة الكافية.

وأيا كان الأمر فانه من الملاحظ وجود حالة من "الانقسام" في صفوف الأمريكيين الأفارقة حول التصويت لأياً من أوباما أو هيلاري، والذي يعود في جانب منه إلى أن الطرفين يحظيان بشعبية كبيرة داخل صفوف السود، الأمر الذي وضعهم أمام مشكلة الاختيار، هذا الاختيار الذي قد تتضح بعض ملامحه مع إعلان الفائز في ولاية ساوث كارولينا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12 شباط/2008 - 4/صفر/1429