اللاجئين العراقيين بين فرحة العودة ومرارة الواقع المتردّي

شبكة النبأ: خففَ فرحة العودة التي غمرت العراقيين اللاجئين عدم اليقين بشأن المستقبل الذي يواجهه كثيرون منهم وخاصة في بغداد حيث يصعب العثور على عمل اضافة الى تردي الخدمات بشكل كبير، كما لا يزال تهديد أعمال العنف قائما.

ولدى مغادرته حي الدورة الذي تسكنه أغلبية سنّية الى مدينة الناصرية ذات الاغلبية الشيعية في جنوب العراق ترك ناصر الساعدي وهو شيعي يبلغ من العمر 52 عاما ويعمل بوزارة الصناعة منزله لصديق. وعندما عاد رفض الصديق الخروج من المنزل.

وقال الساعدي الذي يعيش في منزل استأجره من أسرة مسيحية "لجأت الى اقاربه وطلبت منهم ان يضغطوا عليه بترك المنزل واخبرهم انه سيغادر الشهر المقبل."

وكان حيدر راضي (29 عاما) وهو شيعي قد فر من منزله بحي الدورة الى مدينة الديوانية الجنوبية التي تسكنها أغلبية شيعية بعدما وصلت الى عائلته أربع رصاصات في ظرف تعادل عدد الرجال في الاسرة. وعندما عاد اكتشف أن منزله تعرض للنهب غير أن المساعدة جاءته من جيرانه.

وقال "عندما كنا نقوم باعادة تأثيث المنزل أعطانا جيراننا بعض الاثاث.. كان الموقف مؤثرا جدا.. فنحن شيعة وهم سنة."بحسب رويترز.

أبو معتز، عندما عاد الى العاصمة العراقية بغداد بعد فراره من العنف الطائفي ببلده الى سوريا وجد أنها تختلف تماما عن ساحة المعارك التي كان قد غادرها.

كان أبو معتز قد فر من حي العامرية الذي تسكنه أغلبية من العرب السنة بغرب العاصمة العراقية بعدما جعلت التفجيرات والمواجهات بين القاعدة والقوات الأمنية المدينة "أسوأ من الجحيم". وقال لدى عودته "عندما وصلت رأيت المدينة على صورة جديدة ورأيت عمال التنظيف يعملون مثل خلية نحل وكانت معظم المتاجر مفتوحة".

وابو معتز واحد من بين الاف اللاجئين الذين عادوا الى العراق خلال الشهور الماضية والذين شجعهم على ذلك تحسن الامن فضلا عن ضيقهم بالمصاعب التي واجهوها في الخارج.

وخففت الى حين على الأقل فرحة العودة التي غمرتهم عدم اليقين بشأن المستقبل الذي يواجهه كثيرون منهم في مدينة يصعب العثور فيها على عمل كما لا يزال تهديد أعمال العنف قائما.

ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 اضطر قرابة أربعة ملايين عراقي للنزوح عن منازلهم بسبب هجمات المقاتلين الشرسة ثم الصراع بين السنة والشيعة الذي أودى بحياة عشرات الالاف.

وتقدر منظمات اغاثة أن نحو مليوني شخص فروا من البلاد وتوجهوا بشكل رئيسي الى سوريا والاردن.

غير أنه قرب نهاية العام بدأت أعداد قليلة من العراقيين في العودة بعد عملية أمنية واسعة في بغداد تحل الذكرى الاولى لها في 14 فبراير شباط الحالي.

وبدلا من الجثث الملقاة بالشوارع وجدوا المتاجر جاري اصلاحها وانها تشهد نشاطا مزدهرا بل عاد عمال النظافة الى جمع القمامة.

وقالت عذراء هادي التي عادت من سوريا مع أطفالها الثلاثة في نوفمبر تشرين الثاني بعدما سافر زوجها ويعمل فني سيارات قبلهم ليتأكد من سلامة الرحلة "اتصل بنا الجيران وشجعونا على العودة وقالوا لنا ان الوضع الأمني قد تحسن في بغداد. واضافت، "عدنا الى منزلنا وعاد زوجي الى عمله مرة اخرى .. نحن نشعر ان حالنا افضل الآن."

وقال عصام العاني (37 عاما) وهو مهندس معماري فر بعدما قتل والده بالرصاص خلال معركة بالاسلحة في اواخر عام 2005 "الحياة هناك صعبة جدا ومهينة لقد قررت عائلتي ان الموت في بغداد افضل من العيش هناك كلاجئين."

المفوضية الأممية: المغادرين اكثر من العائدين الى وطنهم

من جانبها اعلنت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة ان اعداد العراقيين المغادرين الى سوريا اصبحت اكثر من العائدين الى وطنهم رغم تراجع اعمال العنف.

واوضحت المنظمة التي اعدت تقريرها وفقا لمعلومات من دائرة الهجرة في سوريا ان "معدل العراقيين المتوجهين الى سوريا حتى اواخر كانون الثاني/يناير الماضي بلغ 1200 شخص يوميا مقارنة ب 700 شخص يعودون الى بلدهم".

واكد التقرير الذي تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه في بغداد، ان اسباب عودة غالبية العراقيين من سوريا تراوحت بين انتهاء مدة اقامتهم ونفاد اموالهم فضلا عن تحسن الوضع الامني في بلادهم.

واوضح ان "عودة العراقيين الى بلادهم تأتي في اعقاب فرض السلطات السورية قيودا على الاقامة هناك". واكد ان "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تلاحظ بعض التباطوء كما يبدو في حركة العودة الى العراق بعدما كانت تسارعت اثر فرض سوريا اجراءات دخول جديدة".

ومنذ تشرين الاول/اكتوبر الماضي لم يعد يسمح بدخول سوريا الا للعراقيين الذين يملكون تأشيرة ممنوحة من السفارة السورية في بغداد ولا تمنح الا للتجار والصناعيين والزراعيين والمعلمين والاطباء. وفرض تأشيرات دخول هو خطوة بين اجراءات اتخذتها دمشق للحد من تدفق اللاجئين العراقيين.

لكن هذه المعلومات تثير غضب المسؤولين العراقيين الذين يشيرون الى عودة قوافل كثيرة العدد للاجئين كدليل على استتباب الامن.

ورغم عدم صدور اي رد فعل رسمي من الحكومة العراقية لكن مسؤولا في وزارة المهاجرين والمهجرين نفى ما يتضمنه التقرير. وقال المسؤول مفضلا عدم الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس ان "سوريا اصلا تمنع دخول العراقيين الى اراضيها بعدما فرضت اجراءات صارمة بالاضافة الى فرض الضرائب على المقيمين". وتابع متسائلا "من اين حصلت المفوضية على ارقام كهذه"؟

وكان الهلال الاحمر العراقي اعلن مطلع كانون الثاني/يناير الماضي عودة نحو 46 الف لاجئ الى ديارهم من سوريا منذ منتصف ايلول/سبتمبر في حين تقدر الحكومة عدد العائدين بنحو 60 الفا.

وقد اظهر استطلاع اجرته المفوضية العليا في سوريا ان 46% من الذين يريدون العودة الى العراق قالوا ان دافعهم الاساسي هو عدم قدرتهم على البقاء في سوريا لاسباب اقتصادية في حين اكد 25% انتهاء مدة اقامتهم.

ووفقا للمفوضية فان "غالبية اللاجئين الذين شملهم الاستطلاع لم يوافقوا على استتباب الامن في العراق انما اكدوا ان الضغوط المالية تملي عليهم فكرة العودة". 

من جهتها تقول مجدولين وهي مسيحية عراقية قامت بزيارة سوريا اخيرا ان الاوضاع المزرية للعراقيين هناك تشكل دافعا اساسيا وراء عودتهم الى بلادهم. وتضيف في هذا الصدد ان "اوضاع العراقيين في سوريا حاليا مزرية للغاية" مشيرة الى الغلاء والحملات الامنية على الاقامات المزورة التي يحصل عليها عراقيون في مقابل الف ليرة سورية (13 يورو) فقط.

وتقدر المفوضية اعداد العراقيين في سوريا بنحو 1,4 مليون قام 154 الفا تقريبا منهم بتسجيل انفسهم كلاجئين. وقد حذرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في السابع من كانون الاول/ديسمبر الماضي من مغبة عودة عشرات الاف العراقيين الى بلادهم بسبب الظروف المعيشية السيئة والاوضاع الامنية المتردية.

لكن المسؤولين الاميركيين والعراقيين في بغداد يؤكدون ان عمليات العنف الطائفي التي اندلعت مطلع شباط/فبراير 2006 تراجعت بشكل كبير نتيجة العمليات العسكرية التي تنفذها قوات مشتركة لاعادة الاستقرار منذ شباط/فبراير الماضي في اطار خطة "فرض القانون" بالاضافة الى مجالس الصحوة السنية.

وزير: أعداد اللاجئين العائدين للعراق غير واضحة

وقال وزير الهجرة العراقي ان اللاجئين العراقيين الذين أجبروا على الفرار من ديارهم بسبب العنف الطائفي بدأوا يعودون مع تحسن الوضع الامني ولكن من الصعب تحديد إجمالي عدد العائدين.

ويسعى العراق جاهدا للترويج لعودة اللاجئين كدلالة على نجاح الاجراءات الامنية المشددة في أنحاء البلاد.

وقال عبد الصمد سلطان وزير الهجرة والمهجرين العام الماضي ان نحو 1600 شخص يعودون للعراق يوميا وهو رقم شككت فيه منظمات الاغاثة. ويقر سلطان الآن بأن الوضع ليس واضحا.

وقال سلطان في مقابلة مع رويترز، ان هناك مؤشرات كبيرة على عودة الاسر الى العراق وان هناك حركة كبيرة في المطارات وفي النقاط الحدودية.

ولكنه قال انه ليس لديهم أعداد دقيقة للنازحين ومن عادوا للعراق مضيفا أن هناك مسحا مزمعا اجراؤه بالتعاون مع منظمة الفيالق الطبية الدولية للتوصل الى احصائيات تفصيلية.

وقال سلطان انه منذ أكتوبر تشرين الاول الماضي لم يظهر نازحون جدد تقريبا باستثناء مناطق محدودة مثل المنطقة الواقعة الى الجنوب من بغداد وفي محافظة ديالى الى الشمال من العاصمة حيث تجري عمليات عسكرية.

وأغلب العائدين يأتون من سوريا ولكن تدفق العراقيين من الاردن توقف تقريبا وثبطت حركة العائدين رسوم يفرضها الاردن على من تجاوزوا تصاريح الاقامة. وقال سلطان انه يعتزم اجراء محادثات مع السلطات الاردنية لاعفاء العراقيين من هذه الرسوم.

وقال سلطان ان الحكومة بدأت اتخاذ اجراءات وان هناك ألف حالة من هذه النوعية مسجلة لدى السلطات.

ومضى يقول انهم يعملون على اخلاء تلك المنازل دون استخدام القوة مضيفا أنها عملية صعبة لأن المسؤولين لا يرغبون في الاضرار بخطوات المصالحة. وقال ان السلطات تحاول التوصل الى حل سلمي لتلك المشكلات.

وأردف سلطان قائلا ان المشكلة الان هي اعادة دمج الاسر مع بعضهم بعضا. وأضاف أنهم يعملون مع المجالس البلدية لتكوين مجتمع واحد واعادة الوضع لما كان عليه قبل أزمة النزوح والعنف الطائفي.

ورغم تحسن الوضع الأمني حذرت منظمات الاغاثة من أن من السابق لأوانه تشجيع اللاجئين على العودة.

وقال سلطان ان وزارته لديها المتاعب المالية الخاصة بها. ولم تصدر الموافقة على ميزانيتها مما أعاق مشاريع وعطل بعض المدفوعات الخاصة بتقديم مبلغ 800 دولار للاسر العائدة. وأضاف أن بعض الناس يحتاجون للمال لاصلاح منازلهم أو على الاقل لاستئجار منزل آخر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12 شباط/2008 - 4/صفر/1429