اصلاح التعليم في العالم العربي مهمة عسيرة

شبكة النبأ: التعليم في الدول العربية يحتاج الى مسار جديد للإصلاح لعلاج مشاكل عديدة يعاني منها مثل التسرب ونقص المهارات، بهدف سد الفجوة ما بين التعليم وتحفيز النمو الاقتصادي.

وجاء في تقرير للبنك الدولي أُطلق من العاصمة الاردنية عمان بعنوان "الطريق غير المسلوك...إصلاح التعليم في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا" انه بالرغم من تحقيق الكثير حيث يستفيد معظم الاطفال من التعليم الالزامي وتقلص الفجوة بين الجنسين في التعليم الا ان الدول العربية ما زالت متخلفة عن كثير من الدول الناشئة.

وأشار التقرير الى وجود "فجوات بين ما حققته الانظمة التعليمية وبين ما تحتاجه المنطقة لتحقيق أهدافها الإنمائية الحالية والمستقبلية" وذكر ان أحد أسباب ضعف العلاقة بين التعليم وضعف النمو الاقتصادي هو انخفاض مستوى التعليم بشكل كبير.

كما ان معدلات الأمية التي خفضت الى النصف خلال العشرين سنة الماضية في الدول العربية لا تزال مثلي المعدل في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.

الا ان التقرير وهو سادس تقرير يصدره البنك الدولي عن التنمية في المنطقة أشاد بتحسن في البلدان العربية من خلال انخراط أكبر للإناث في التعليم وخصوصا في المرحلة الأساسية.

وقال التقرير ان الدول العربية خصصت حوالي خمسة بالمئة من اجمالي الناتج المحلي و20 بالمئة من الانفاق الحكومي على التعليم خلال الاربعين سنة الماضية.

كما أشاد بدول عربية كالاردن ولبنان ومصر وتونس التي قال انها "أبلت بلاء حسنا بشكل خاص" في توفير التعليم للجنسين وتحسين نوعية التعليم والكفاءة في تقديمه في المراحل الثلاث بالمقارنة مع جيبوتي واليمن والعراق والمغرب.

وعلى الرغم من هذه الانجازات فان التقرير قال ان على الدول العربية ان تبذل المزيد من الجهود لتحسين نوعية التعليم.

وخلص التقرير الى ان "جميع البلدان بغض النظر عن أوضاعها المبدئية" تحتاج الى مسار جديد للاصلاح من خلال إيجاد تركيبة جديدة من الحوافز والمساءلة العامة الى جانب اتخاذ اجراءات لتحسين نتاج اسواق العمل.

التعليم في العالم العربي "دون المستوى"

وحذر البنك الدولي من أن مستوى التعليم في العالم العربي متخلف بالمقارنة بالمناطق الأخرى في العالم ويحتاج إلى إصلاحات عاجلة لمواجهة مشكلة البطالة وغيرها من التحديات الاقتصادية.

وقال تقرير للبنك بهذا الشأن إنه رغم سهولة الوصول إلى مصادر التعليم حاليا مقارنة بالماضي إلا أن المنطقة لم تشهد نفس التغير الايجابي فيما يتعلق بمكافحة الأمية ومعدل التسجيل في المدارس الثانوية ما حدث في آسيا وأمريكا اللاتينية.

وأكد مروان المعشر المسؤول البارز في البنك الدولي على ضرورة أن تضع الدول العربية مسألة التعليم على راس أولوياتها.

وقال المعشر، آن الاوان كي تركز الدول طاقاتها على تحسين مستوى التعليم وتسليح الطالب بما يحتاجه سوق العمل حاليا: القدرة على حل المشكلات، التفكير النقدي، الإبتكار فضلا عن ضرورة إعادة تدريب المدرسين.

وقال المعشر إن المنطقة العربية منطقة شابة، فستين بالمئة من سكانها دون سن الثلاثين الأمر الذي يتطلب توفير 100 مليون فرصة عمل خلال 10 أو 15 عاما. وتابع قائلا، وإذا كنا بصدد خلق فرص العمل هذه فان علينا إعداد الشباب لها والبداية هي التعليم.

واشار التقرير إلى أن الأردن والكويت يأتيان على راس الدول العربية من حيث الاصلاحات في مجال التعليم بينما تأتي جيبوتي واليمن والعراق والمغرب في القاع من حيث سهولة الوصول إلى مصادر التعليم والفاعلية والنوعية.

العولمة تحتم إصلاح التعليم

ويجب على بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تقوم بإصلاح أنظمتها التعليمية حتى يتسنى لها تلبية الطلب لعالم تتزايد فيه درجة المنافسة، والاستفادة من طاقات وإمكانات شريحة الشباب الكبيرة والمتنامية فيها.

كان ذلك أحد الاستنتاجات الأساسية التي أماط عنها اللثام تقرير جديد صادر عن البنك الدولي بعنوان: الطريق غير المسلوك: إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو عبارة عن دراسة تحليلية اقتصادية شاملة عن أثر الاستثمارات في قطاع التعليم على المنطقة، فضلاً عن التغيّرات السكانية، والعولمة، وهجرة العمالة، ودور أسواق العمل.

ويشير هذا التقرير إلى أن إصلاح التعليم وحده لا يمكنه دفع عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام. فهذه المنطقة تضم أسواقاً غير رسمية كبيرة الحجم، ولا توجد بها ـ بصفة عامة ـ قطاعات ديناميكية كبيرة تستطيع المنافسة على الصعيد الدولي ـ وهي صورة تتناقض تناقضاً حاداً مع الوضع السائد في شرق آسيا وبعض اقتصادات أمريكا اللاتينية.

ويؤكد هذا التقرير على ضرورة قيام واضعي السياسات باستخدام الحوافز، والمساءلة العامة، والمناهج الدراسية، وإصلاحات أسواق العمل لزيادة دينامية اقتصادات المنطقة.

وبعد مضي 40 عاماً من الاستثمارات في قطاع التعليم التي نجحت في سد الفجوة بين الجنسين على مستوى التعليم الابتدائي، وأدت إلى توفير التعليم للجميع تقريباً، فإن هذه المنطقة ـ على حد قول التقرير ـ تواجه الآن تحديات جديدة تفرضها مقتضيات العولمة والأهمية المتزايدة للمعرفة في عملية التنمية. و،على أنظمة التعليم أن تتغير حتى تتمكن من توفير المهارات الجديدة.

يرى هذا التقرير أن أسلوب التعليم السائد في معظم المدارس ببلدان المنطقة لا يشدد على ضرورة تمتع الطلاب بمهارات حل المشاكل، والاتصال والتواصل، والإلمام باللغات الأجنبية التي يقتضيها عالم اليوم وما يشهده من منافسة شديدة وتغييرات تكنولوجية سريعة.

ويضيف، بالنظر إلى أن التعليم هو المصدر الرئيسي لخلق المعرفة، فإن هذه المهمة واضحة جلية. ولذا، فمن اللازم تغيير أنظمة التعليم حتى يمكنها توفير المهارات والخبرات الجديدة اللازمة للتفوق في بيئة أكثر تنافسيّة.

يقول مايكل روتكوسكي، وهو مدير قطاع إدارة التنمية البشرية بمكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن بلدان هذه المنطقة لا تتمتع بنفس العائد على الاستثمار في التعليم بالنسبة لمستوى التعليم العالي كما هو الحال في بعض البلدان المتوسطة الدخل السريعة النمو في آسيا، مثل ماليزيا وجمهورية كوريا، وهو أمر لا يلبي بكل تأكيد تطلعات شعوب المنطقة، فما نشهده في المنطقة هو أن خريجي الجامعات لا يجدون فرص عمل، ومعدلات البطالة بينهم مرتفعة للغاية. ولذلك، فإن متوسط العائد الذي نشهده حالياً متدنٍ، ويشكل ذلك مشكلة خطيرة.

يقول مايكل روتكوسكي إن المشكلة الرئيسية تكمن في أسواق العمل التي يهيمن عليها القطاع العام في الكثير من بلدان المنطقة، حيث يتخلى خريجو الجامعات عن فرص العمل في القطاع الخاص مفضلين الانتظار لعامين أو ثلاثة أو حتى أربعة أعوام للحصول على فرص عمل في القطاع العام الذي يتيح توظيفاً مدى الحياة ومنافع تفوق ما تتيحه أسواق العمل.

إن ذلك الأمر لا يشكل تشوهاً كبيراً في أسواق العمل فحسب، ولكنه يخلق أيضاً وضعاً لا يرسل إشارات صحيحة إلى مؤسسات التعليم العالي من حيث احتياجات السوق من المهارات المطلوبة.

ولهذا السبب، كما تقول دانيلا جريساني، نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مقدمة التقرير، فإن التقرير يتناول بالبحث كذلك واحداً من بين أكثر الشروط المُسبقة أهمية في أي نظام تعليم يقوم بوظائفه بشكل جيد ـ وهو وجود سوق عمل تؤدي وظائفها بشكل جيد، ويوصي بأن تمضي الإصلاحات في هذا المجال جنباً إلى جنب مع إصلاحات التعليم.

ومن المُتوقع أن تكون إصلاحات قطاع التعليم باهظة التكلفة. إذ يُتوقع أن تشهد أعداد الطلاب الساعين إلى الحصول على التعليم في المرحلة التي تلي مرحلة التعليم الإلزامي زيادةً كبيرةً في العقود التالية. علاوة على ذلك، سيتعين على بلدان المنطقة، كما يقول التقرير، أن تنقل المهارات والكفاءات المهنية إلى شريحة أكبر من السكان حتى تظل قادرة على المنافسة.

وحتى الآن، فإن تركيز بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كان على بناء المدارس، وتعيين المعلمين وتدريبهم، وزيادة معدلات التحاق الأطفال بالمدارس الابتدائية، وأنها أولت جهداً خاصاً لزيادة معدلات الالتحاق بالمدارس لكل من البنات، وأبناء الريف، وأبناء جماعات عرقية معينة، وكذلك الأطفال المعاقين.

لكن مازالت المنطقة متأخرة عن منطقتي شرق آسيا وأمريكا اللاتينية من حيث معدل الإلمام بالقراءة والكتابة ومتوسط سنوات الدراسة بين الأشخاص البالغين من العمر 15 عاماً فأكثر. وفي هذا الصدد، يقول مايكل روتكوسكي إنه بالرغم من التحاق معظم الأطفال في سن الدراسة بالمدارس في المرحلة الابتدائية، يتسرب الكثيرون من الدراسة في الصفوف: الخامس، والسادس، والسابع، ولاسيما الفتيات، وذلك للعمل أو بسبب ضغوط مجتمعية أخرى.

ومن الضروري، كما يرى روتكوسكي، أن تدرس حكومات المنطقة كل استثمار تقوم به في هذا المجال من حيث مدى مساهمته في عملية التعليم، ويشمل ذلك كيفية تدريب المعلمين، وما إذا كان الغرض من تدريبهم هو تحسين أداء أسلوب التعلم القديم المستند إلى الحفظ عن ظهر قلب، أو التدرب على أسلوب التعلم الجديد الذي تمسّ الحاجة إليه المستند إلى طرح الأسئلة.

ضرورة التمتع "بالمهارات المرنة" لزيادة الإنتاجية

ويحتاج الطلاب في بلدان هذه المنطقة إلى أسلوب التعلم المستند إلى طرح الأسئلة والتمتع بمجموعة جديدة من "المهارات المرنة" المتمثلة في ـ مهارات حل المشاكل، والاتصال والتواصل، واللغات الأجنبية ـ وهي مهارات لها أهمية بالغة في النهوض بالمنطقة.

يقول روتكوسكي، حتى تصبح هذه المنطقة قادرة على المنافسة، ينبغي أن يحدث تحول من القدرة على أداء الوظائف الروتينية إلى التمتع بتلك المهارات المرنة التي تلعب دوراً أساسياً بصورة مطلقة في زيادة معدلات الإنتاجية. وهذا التحول هو جارٍ في الوقت الحالي، لكن ينبغي على بلدان المنطقة حقاً أن تسرع عجلته حتى تظل قادرة على المنافسة.

ويضيف التقرير أن كلاً من الحوافز، كالمكافآت على الأداء المتميز للطلاب والمعلمين، والمساءلة العامة، ستكونان أداتين أساسيتين في تحقيق الأهداف التعليمية. وينبغي على المسؤولين المعنيين بالتعليم أن يسعوا إلى الحصول على آراء ومساهمات عدد من الأطراف الفاعلة، ومنها المنظمات غير الحكومية، ومنظمات الدعوة والرقابة، وأولياء الأمور، والمنظمات المهنية، وغيرها. ويضيف روتكوسكي أن من الضروري ربط التمويل العام بالنواتج، والابتكار.

ويقول، من المُهم للغاية أن يصبح قطاع التعليم خاضعاً للمساءلة العامة. ويعني ذلك على الصعيدين الوطني والمحلي أن يكون أداء نظام التعليم بالفعل في بؤرة الاهتمام، وأن يكون المواطنون على دراية بمستوى ذلك الأداء، وأن يطالبوا بتحسينه، وأن يكون لأولياء الأمور تأثير على ما يحدث في المدارس، وأن يكون لأجهزة الإدارة الحكومية المحلية نفوذ على المناهج الدراسية، وأن تكتب الصحف عن الاختبارات الدولية في حينها حتى يكون الرأي العام على دراية بمستوى أداء الطلاب".

وضع التعليم اليوم في المنطقة

وخصصت بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المتوسط نسبة 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ونسبة 20 في المائة من النفقات الحكومية للتعليم ـ وهو أكثر مما خصصته البلدان النامية الأخرى التي لديها مستويات مماثلة لمتوسط دخل الفرد.

وقد بلغت بلدان المنطقة مستوى الالتحاق الكامل تقريباً في مرحلة التعليم الابتدائي وزادت معدلات الالتحاق في المدارس الثانوية ثلاثة أمثال تقريبا فيما بين عامي 1970 و2003 وخمسة أمثال في مرحلة التعليم العالي.

وأصبحت المساواة بين الجنسين كاملة بالفعل في مرحلة التعليم الأساسي. وعلى الرغم من أن المنطقة بدأت ولديها مستويات منخفضة نسبيا للمساواة بين الجنسين، فإن مؤشرات المرحلتين الثانوية والعالية لا تختلف كثيراً عنها في منطقتي أمريكا اللاتينية وشرق آسيا.

وقد انخفضت معدلات الأمية إلى النصف في العشرين سنة الماضية وانخفض بسرعة الفرق المطلق بين الذكور والإناث في معدلات محو أمية البالغين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 11 شباط/2008 - 3/صفر/1429