توجهات المرشحِين الديمقراطيِين في التعامل مع الأزمة النووية الايرانية

شبكة النبأ: تحتل قضايا السياسة الخارجية مكانة مهمة في الحملات الانتخابات الامريكية نظراً لإخفاقات سياسات الادارة الحالية في العديد من ملفات السياسة الخارجية، والتى لا تقل اهمية عن الملف العراقي والايراني، ولكن الأخير لم تحسمه الادارة الحالية، فهو مازال غامضا في وقت يمثل فيه الطموح النووي الايراني تهديدا للمصالح الأمريكية وحليفتها اسرائيل، وهو ما يترك مساحة للمتنافسين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لطرح مواقفهم حيال الأزمة الايرانية، وكيف سيتعامل من يصل منهم الى المكتب البيضاوي مع هذه الأزمة.

وانطلاقا من اهمية الملف النووي الايراني الذي لم يُحسم حتى الان، فإن تقرير واشنطن، التالي سوف يركز على رؤية المتنافسين الديمقراطيين للبرنامج النووي الإيراني.

باراك أوباما

ينطلق موقف أوباما من ازمة البرنامج النووي من ان هذا البرنامج يمثل تهديدا لاستقرار منطقة ذات مكانة مهمة في السياسية الخارجية الامريكية، والذي من شانه ان يساعد على قيام سباق تسلح في المنطقة. فامتلاك طهران لتكنولوجيا نووية غير سلمية سيدفع القاهرة والرياض وأنقرة إلى امتلاك مثل تلك التكنولوجيا؛ لموازنة القوى الإيرانية وهو الأمر الذي سوف يهدد توازن القوى لغير صالح إسرائيل.

فأوباما يرفض امتلاك إيران لتكنولوجيا نووية عسكرية ليس لأنه يمثل تهديدا للمصالح الأمريكية فحسب،بل لكونه يمثل تهديدا أيضا لحليفتها تل أبيب. بالإضافة إلى الهاجس من أن تقدم طهران مواد نووية إلى الجماعات الإرهابية كالقاعدة، لشن هجوما نوويا على الولايات المتحدة على غرار أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولكن نوويا.

وذكر أوباما في كلمته أمام منظمة "ايباك" (American Israel Public Affairs Committee ("AIPAC" في مارس الماضي، يجب على المجتمع الدولي العمل على وقف امتلاك إيران تكنولوجيا نووية أو تخصيب اليورانيوم، حيث أنه من الخطر امتلاك نظام ثيوقراطي أسلحة نووية، ووصف الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" في كلمته بأنه "غير مبالي" و"متهور" و"غافل" عن الحاجات اليومية للشعب الإيراني.

وعلى خلاف باقي المتنافسين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يرفض أوباما المقولة الكلاسيكية للإدارات الأمريكية القائلة إن واشنطن لا تتحاور إلا مع من يتفقون معها. فقد قال في أحد مناظراته مع نظيرته "هيلاري كلينتون"، أنه على استعداد للجلوس مع رؤساء دول محور الشر (إيران، سوريا وكوريا الشمالية). ولذا يعارض سياسة بوش ـ تشيني الرافضة لحوار مع طهران. ويعلن أنه في حال وصوله إلى البيت الأبيض سيزاوج بين كافة الخيارات في التعامل مع طهران من القوة الصلبة (Hard Power) إلى القوة الناعمة (Soft power).

ولكي تأتي الجهود الدبلوماسية بنتائجها يؤكد على أهمية فرض المزيد من العقوبات السياسية والاقتصادية على النظام الإيراني، لاسيما أن الاقتصاد الإيراني يعتمد بصورة جلية على عائدات النفط والغاز الطبيعي. وهو ما دفعه إلى طرح مشروع قانون (Iran Sanction Enabling Act) في مايو 2007 الساعي إلى فرض المزيد من العقوبات والقيود على الشركات العاملة في إيران والتى لها استثمارات أكثر من 20 مليون دولار في مجال الطاقة الإيرانية، ومن ثم الضغط عليها لإعادة النظر في علاقاتها التجارية والاقتصادية مع طهران. ويعطي هذا القانون الكونجرس الأمريكي سلطة تجميد أصول تلك الشركات. وقد أيد هذا المشروع بارني فرانك (Barney Frank) وتوم لانتوس (Tom Lantos).

هذا وقد أيد أوباما قانون (Iran Counter Proliferation) في مارس الماضي الهادف إلى حظر امتلاك إيران أسلحة نووية، وفرض عقوبات قاسية على إيران وخفض تصدير المواد الغذائية الأمريكية لإيران، والإشارة إلى الحرس الثوري الإيراني على أنه منظمة إرهابية. ولكنه لم يصوت في سبتمبر الماضي على مشروع مجلس الشيوخ الساعي إلى إعلان الحرس الثوري الإيراني على انه منظمة إرهابية.

ولا يهدف أوباما ـ عكس العديد من منافسيه ـ إلى تغير النظام الإيراني، ولكنه يهدف إلى إحداث تغيير في السلوك الإيراني، والذي يمكن إحداثه بجانب العقوبات الاقتصادية ـ الهادفة إلى عزل إيران اقتصاديا ـ بتقديم بعض المحفزات للتغير في السلوك مثل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

ويؤمن أيضا بأهمية العمل الدولي المتعدد الأطراف عند التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني فيدعو الإدارة إلى التعاون مع دول المنطقة لاسيما الخليجية، والتنسيق بينهم وتل أبيب حول التهديدات الإيرانية وكيفية التعامل معها وكذلك الدول الأوروبية والصين وروسيا.

وبينما يؤيد أوباما العمل الدبلوماسي لإثناء طهران عن طموحها النووي، يؤيد أيضا الخيار العسكري عند فشل الخيارات السلمية والدبلوماسية. فيقول في أحد مناظراته أنه في حال وصوله إلى البيت البيض قد يستخدم القوة

المسلحة لحماية المواطن الأمريكي والمصالح الأمريكية في كافة أنحاء العالم، ولكنه لا يري أن خيار القوة المسلحة هو الخيار الوحيد الذي يمكن من خلاله تحقيق الأمن والمصلحة الأمريكية.

هيلاري كلينتون

تتفق هيلاري مع منافسها أوباما في أن الطموح النووي الإيراني يشكل تهديدا للمصالح الأمريكية ولحليفتها إسرائيل، والذي يتعزز بتصريحات الرئيس الإيراني " أحمدي نجاد" المنكرة للمحرقة اليهودية، وتلك التى تنادي بمحو إسرائيل من على الخريطة، وضرورة هجرة اليهود إلى أووربا، وهو ما يثير المخاوف من السعي الإيراني إلى امتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية. بالإضافة إلى الهاجس الذي تؤكد عليه هيلاري من إمكانية تقديم طهران الدعم للجماعات الإرهابية كالقاعدة؛ لشن هجوما نوويا على الولايات المتحدة أو مصالحها في كافة أنحاء العالم. بجانب تدعيمها للمنظمات المسلحة كحماس وحزب الله اللبناني والجماعات المسلحة في العراق.

وانطلاقا من هاجس إيران النووية، أعلنت هيلاري أنها ستعمل كل ما في وسعها لمنع طهران من أن تصبح نووية، وأن الخيارات كلها على الطاولة بداية من الخيار الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية والحوار مع النظام الإيراني إلى العسكري.

ولكنها على خلاف منافسها أوباما ترفض الحوار المباشر مع القيادة الإيرانية، حيث أنها أعلنت أنها في حال وصولها إلى البيت الأبيض سترفض الحوار مع رئيس كل من فنزويلا، سوريا، إيران وكوريا الشمالية حتى يعلنوا ماذا يريدون، على عكس أوباما الذي أعلن انه على الاستعداد للجلوس مع أعداء الولايات المتحدة ـ الذين رفضت هيلاري لقائهم ـ من أجل معرفة طموحهم؛ ومن ثم كيفية التعامل معهم، ولكنها في الوقت ذاته تؤمن بالحوار على مستوي المبعوثين رفيعي المستوي من قبل الجانبين الأمريكي والإيراني.

والحوار الأمريكي ـ الإيراني سوف يبدد الغموض حيال الأهداف والطموح الإيراني من برنامجها النووي، فحاليا واشنطن لا تعرف كيف تفكر إيران إلا من مصادر خارجية ـ بعيدا عن الحوار المباشر مع النظام الإيراني ـ، وهذا في حد ذاته مضلل جدا لفهم الدوافع الإيرانية.

فمن خلال الحوار قد تتمكن واشنطن من إعادة التوجه الإيراني حيال برنامجها النووي غير السلمي- من الوجهة الأمريكية-.

ولذا دعمت العديد من القوانين الهادفة إلى فرض المزيد من العقوبات على النظام الإيراني، فقد صوتت بالموافقة في سبتمبر 2007 على مشروع القانون الذي يعلن الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، وهو القانون الذي رفض كل من أوباما وجون ادواردز التصويت عليه حيث أنهما يريان أن من شأنه دفع بوش وتشيني إلى حرب ضد النظام الإيراني تحت مسمي مكافحة الإرهاب.

كما انضمت إلى "فرانك لوتنبرج" (Frank Lautenberg) وتبنت قانون (International Emergency Economic Power) الذي يفرض قيودا على الشركات الأمريكية حيال تعاملها مع الدول التى تدعم الإرهاب. وهذا القانون من وجهة نظر هيلاري سوف يسد الثغرات التى استغلتها الشركات الأمريكية في فترات سابقة للتعامل مع دول محور الشر.

ولتصاعد الانتقادات حول تصويتها على مشروع القانون الذي يعلن الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، سارعت بالانضمام إلى القانون الذي قدمه السيناتور "جيم ويب" (Jim Webb)، الذي يمنح الكونجرس دورا فاعلا حيال التعامل الأمريكي مع الأزمة النووية الإيرانية، لاسيما عند شن حرب أمريكية على النظام الإيراني، وذلك انطلاقا من المأزق الأمريكي في العراق، حيث هناك هاجس أمريكي في الوقت الراهن من تكرار السيناريو الأمريكي. وتري هيلاري أن أي عمل عسكري ضد طهران في الوقت الراهن قد يضر بالقوات الأمريكية في العراق، وحلفائها في المنطقة؛ في ظل الاستعداد الإيراني إلى توجيه ضربات قاصمة للجنود والقواعد الأمريكية بالدول الخليجية القريبة منها، والحليف الاستراتيجي لواشنطن "تل أبيب".

ولتأكيد موقفها من رفض الخيار العسكري حيال التعنت الإيراني كتبت خطابا بالمشاركة مع 29 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ إلى الرئيس الأمريكي، تعلمه أنه غير مخول من الكونجرس لشن حرب على النظام الإيراني، ولكنها قد تقبله إذا كان مخولا من الكونجرس في ظل فشل باقي الخيارات الأخرى لاحتواء إيران.

جون ادواردز

يرى ادواردز أن طهران تمثل تهديدا للمصلحة الأمريكية فقد أعلن في كلمته في مؤتمر هرتسليا (Herzliya) المنعقد في 22 يناير 2007 أن امتلاك إيران سلاحا نوويا سوف يكون حافزا لباقي دول المنطقة للسعي إلى امتلاك تكنولوجيا نووية؛ لموازنة النفوذ الإيراني ومن ثم تهديد توازن القوي الذي هو في صالح إسرائيل حاليا.

ومن وجهة نظره لا يقتصر التهديد الإيراني على السعي إلى امتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية، وإنما يتمثل في تدعيم المنظمات الإرهابية، ولاسيما في الوقت الذي تزايد فيه النفوذ الإيراني بعد الحرب الأمريكية في العراق، حيث تسببت تلك الحرب في إحداث خلل في موازين القوى في النظام الأمني الإقليمي، مما مكن طهران من لعب دور قوي هناك بتدعيم أعداء واشنطن في بغداد.

ويرى أن أفضل وسيلة لمنع إيران من امتلاك تكنولوجيا نووية عسكرية هي القوة الذكية (Smart Power) التى نادي بها جوزيف ناي وريتشارد أرميتاج، والتى تزاوج بين القوة الناعمة (الجزرة) والقوة الصلبة (العصا).

وبعيدا عن استخدام القوة المسلحة يدعو ادواردز إلى عزل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد المحافظ عن القوى المعتدلة داخل طهران الساعية إلى تحقيق نجاحات اقتصادية بعيدة عن السياسة الإيرانية الإقليمية الفاشلة حاليا من وجهة نظره.

ويؤكد ادواردز على أهمية العمل الدولي المتعدد الأطراف، ففي مقالته المنشورة في دورية الشؤون الخارجية (Foreign Affairs) المعنونة بـ "بزوغ جيل جديد من التحديات العالمية" (Rising to a New Generation of Global Challenges) على أهمية التعاون مع الحلفاء (روسيا والصين) حيال التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني، انطلاقا من رفض موسكو وبكين امتلاك إيران تكنولوجيا نووية عسكرية والتصويت في مجلس الأمن على فرض عقوبات اقتصادية على طهران مما يعمل على عزلها دبلوماسيا واقتصادية، والذي يُعلم القيادة الإيرانية أن المجتمع الدولي رافض لامتلاك إيران تكنولوجيا نووية غير سلمية.

وعلى عكس باقي منافسيه لاسيما، هيلاري، يدعو ادواردز إلى الحوار المباشر مع طهران على المستويات الدنيا دبلوماسيا، فالحوار من وجه نظره لا يجب أن يقتصر على المستويات العليا؛ لأنه عن طريق الحوار يتضح لواشنطن ماذا تريد طهران، وكيف تستطيع التعامل معها.

وفي مقالته السابق الإشارة إليها يستبعد الخيار العسكري، ويدعو إلى تقديم حوافز اقتصادية للنظام الإيراني في وقت يمر فيه هذا الاقتصاد بالعديد من الأزمات الداخلية، والتي سيكون لها انعكاسا ايجابيا على الشعب الإيراني ومن ثم التأثير على النظام الإيراني وإحداث تغيير في السلوك والتحدي الإيراني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 10 شباط/2008 - 2/صفر/1429