ازمة مزمِنة: لبنان والمضي نحو المجهول

شبكة النبأ: بعد هدوء حذِر عاد العنف ليضرب بيروت من جديد في الاسبوع الماضي حيث قتلت سيارة مفخخة ضابطا من قوات الأمن الداخلي اللبناني، كان يعمل في التحقيق الخاص باغتيال رفيق الحريري. وفي السابع والعشرين من نفس الشهر قتل الجيش اللبناني سبعة متظاهرين شيعة مناوئين للحكومة.

من الملاحظ ان هذه الاحداث تأتي بعد شهرين فقط من انتهاء فترة الرئيس اللبناني اميل لحود الموالي لسورية وما اعقبها من فراغ في السلطة منذ ذلك الوقت وحتى الان. فبالرغم من جهود التوسط الكبيرة التي بذلتها الجامعة العربية بين مختلف الاطراف المعنية بهذه الأزمة، لا تزال احتمالات انتخاب رئيس جديد تبدو كئيبة، بل ويمكن القول ان وضع الأمن سوف يتدهور اكثر على الارجح اذا لم يتم التوصل للحل المنشود.

أزمة مزمِنة

يقول الباحث ديفيد شينكر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: الواقع ان جوهر المواجهة الراهنة بين مجموعة الرابع عشر من مارس المناهضة لسورية والتي تشكل الاغلبية وبين المعارضة بقيادة حزب الله هو التوجه السياسي وميول رئيس الجمهورية في لبنان، فالرئيس اللبناني يختار تقليديا عددا من وزراء الحكومة ويصادق على اختيار رئيس الحكومة لبقية الأعضاء، كما يشرف على البيان السياسي الوزاري الذي يوجه اعمال الحكومة.

وكل هذا يعني بكلمات اخرى ان الرئيس اما سيعزز أو يضع حدا نهائيا لما يُطلق عليه »ثورة الارز لعام 2005« التي هي حركة مستقلة ميالة للغرب تمكنت من خلال المظاهرات والمسيرات الجماهيرية من وضع حد للوجود السوري الذي استمر 29 سنة في لبنان.

ومن الملاحظ ان عملية انتخاب الرئيس المستمرة منذ حوالي شهرين كانت تعثرت في مطلع سبتمبر 2007 بسبب مسائل دستورية تتعلق بعدد النواب الذين يمكن ان يشكلوا النصاب في البرلمان. فبيما أعلنت الاغلبية التي تهيمن على 68 من اصل 127 مقعدا ان نصف عدد النواب زائد واحد يمكن ان يكون كافيا لتأمين النصاب، ذكرت المعارضة ان تصويتا باجماع الثلثين لابد منه للحصول على النصاب، وهنا برزت ازمة جديدة مع تمسك الجانبين بموقفيهما ورفض التوصل لتسوية.

جهود التوسط

ويضيف الكاتب، أمام هذا وفي جهد التغلب على المأزق، انهمك امين عام الجامعة العربية عمرو موسى لاشهر في جولات دبلوماسية مكوكية مستمرة تقريبا بين بيروت ودمشق غير أن عمله الصعب هذا لم يحقق نتيجة تُذكر. والمفارقة ان التقدم الحقيقي الوحيد جاء في الثامن والعشرين من نوفمبر 2007 بعد يوم من قمة سلام انابوليس ففي الاسابيع التي سبقت انعقاد هذه القمة زار العديد من زعماء 14 مارس واشنطن وطالبوها بالضغط على سورية لتتوقف عن تدخلها بانتخاب رئيس للبنان. وعندما حضرت سورية المؤتمر رأت بيروت في ذلك مؤشرا عن توصل واشنطن لاتفاق مع دمشق بذلك الشأن. اذ تخلت 14 مارس في اليوم التالي عن مرشحيها الذين اختارتهم لمنصب الرئاسة، ووافقت على اقتراح الجامعة العربية لاختيار مرشح اجماع هو رئيس القوات المسلحة الحالي العماد ميشيل سليمان.

بعد هذا التطور، تحولت الجامعة العربية في جهودها التوسطية للوصول الى اتفاق بشأن تركيبة الحكومة، ففي لبنان يتعين ان يوافق ثلثا أعضاء الحكومة الثلاثين على القرارات الحساسة أو »الوطنية« كي تصبح نافذة. لذا اقترحت الجامعة تسوية وسط لا تسمح لاي طرف بفرض أو اعاقة اي قرار حكومي وتضمن الاقتراح ان تقوم مجموعة 14 مارس باختيار 14 وزيرا مقابل 10 للمعارضة و6 يختارهم الرئيس الجديد.

غير أن المعارضة رفضت هذا الترتيب لانها كانت تطالب بـ »الثلث المعطل« من 11 وزيرا ثم عادت واقترحت بأن يختار كل طرف 10 وزراء لاعتقادها ان هذا سيساعدها في التأثير على اختيارات الرئيس. إلا أن الحكومة الراهنة رفضت هذا المقترح بالقول ان مثل هذا الاجراء من شأنه ان يقضي على قوتها السياسية ويغير نتائج انتخابات عام 2005.

سحب التأييد عن سليمان

ويضيف الكاتب، بعد أن ايدت المعارضة الموالية لسورية طوال اشهر العماد سليمان كمرشح وسط للرئاسة غيرت نبرتها في مطلع هذا الشهر مثيرة للشكوك حول استمرار تأييدها له. ويبدو ان المعارضة اصبحت قلقة بشأن عدد المقاعد الحكومية التي سيختار وزرائها في حال انتخابه وما اذا كان بالامكان الاعتماد عليه لاختيار وزراء يصوتون لصالح المعارضة. وباختصار لا تثق دمشق وحلفاؤها اللبنانيون بالعماد سليمان.

وفي هذا الاطار يقول سليمان فرنجية وهو وزير سابق مؤيد لسورية يرأس حزب المردة: لا يستطيع العماد سليمان ان يضمن لي الثلث المعطل.

وثمة اشاعات كثيرة تقول ان السوريين تحولوا لتأييد وزير الخارجية اللبنانية السابق فارس بويز كمرشح لمنصب الرئاسة باعتباره شخصا موثوقا اكثر.

وفي غياب مثل هذه الثقة بسليمان تخلت المعارضة عن عرض التسوية السابق الذي قدمته في السابع عشر من يناير. فقد ابلغ فرنجية صحيفة »الاخبار« اللبنانية ان المعارضة لم تعد تقبل حلا لا يعطيها 11 وزيرا في الحكومة المقبلة.

ومن غير المدهش بالطبع ان نجد مثل هذا الموقف لدى حزب الله أيضا، كما أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان الحل الوحيد للازمة يكمن في قيام حكومة وحدة وطنية تعكس التمثيل وفقا لنسبة الكتل البرلمانية بيد ان هذا مطلب يذهب لابعد من الثلث المعطل الذي تطالب به المعارضة.

موسى يتعرض للهجوم

ويضيف الكاتب، لكن بالرغم من هذه الاحتجاجات العلنية، واصل موسى الضغط من اجل انتخاب العماد سليمان مما اثار انتقادا كبيرا من جانب المعارضة.. ففي مطلع هذا الشهر ابلغ فرنجية احدى الصحف الكويتية ان اعمال عمرو موسى تبين انه ليس امينا عاما للجامعة العربية بل هو وزيرا للخارجية المصرية.

وذكرت صحيفة »تشرين« السورية الرسمية ان موسى لا يستطيع اتخاذ اي موقف لا توافق عليه الادارة الامريكية مسبقا مما يعني ان مبادرته مكتوب عليها الفشل.

إلا أن صحيفة »النهار« اللبنانية اكدت ان موسى أنحى باللائمة في احدث تقرير له لمجلس الجامعة العربية على كل من سورية وايران لتخريبهما عملية التوصل لحل واطالة أمد الأزمة.

ومن جانبه توقع موسى ألا يتمكن لبنان من انتخاب العماد سليمان رئيسا خلال الجلسة البرلمانية المقرر عقدها في 11 فبراير.

الدور الامريكي  

ويختم الكاتب بالقول، في أعقاب انابوليس وانهيار موقف 14 مارس ادلى الرئيس بوش بعدد من البيانات انتقد فيها سورية وايران لتدخلهما في الانتخابات اللبنانية وانضم للاغلبية في دعم ـولو بفتورـ سليمان لمنصب الرئاسة قائلا: اذا كان هو ما يريده اللبنانيون فنحن نؤيده.

إلا أن بيانات البيت الأبيض هذه لم يكن لها تأثير على ما يبدو. فقد شهد لبنان منذ انابوليس اغتيال قائد العمليات في القوات المسلحة، وهجمات على القافلة الدبلوماسية للسفارة الامريكية وعلى الكتيبة الايرلندية في قوات الـ »يونيفيل« الدولية العاملة بجنوب لبنان.

لذا، ولتعزيز موقف حلفائها اللبنانيين على أفضل وجه يتعين على واشنطن الضغط على سورية من خلال الجامعة العربية كأن تطلب من الدول العربية المؤيدة لها مقاطعة أو على الاقل تخفيض مستوى تمثيلها في القمة العربية المقرر انعقادها في دمشق في اواخر مارس المقبل. ولعل الامر الاكثر اهمية من هذا هو ان تعمل واشنطن من اجل استمرار الاجماع الدولي المؤيد لانشاء محكمة دولية للنظر بمقتل الحريري.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9 شباط/2008 - 1/صفر/1429