حداثوية أفكارنا

مازن مرسول محمد

لعلنا مازلنا لهذهِ اللحظة نخشى ونخاف من سيل مفهوماتٍ جارف، جرف أفكارنا كثيراً وأبتعد بها إلى قيعان العزلة والانغلاق والجمود والتحجر.

فما وقع الأمر علينا عندما نسمع بـ ( الحداثة وما بعد الحداثة والعولمة والعصرنة والمعلوماتية.....الخ ) ؟

حقيقةً أن ما يمتلكنا من جراء سماع هذهِ المفاهيم الضخمة في المعنى والتصرف، هو خوفٍ شديد قد تأتى من عدم مساهمتنا في صنع أسس هذهِ المفاهيم والتعاطي مع المفيد منها، أي من باب ( لا بالعير ولا بالنفير )، والشيء الآخر هو الخوف من عدم معرفتنا لكنهها وحقيقتها وهل ستجرفنا وتهدّم أُسسنا أم سترفعنا إلى مصافِ الدول المتقدمة ؟

فما كان منا إلا التحذلق والتخندق لصياغة إستراتيجية دفاع تقوم على خلق المبررات، من قبيل مثلاً أن كل تطور يأتي من الغرب لا يصلح لنا ولا ينفعنا، وأن كل تيارات الحداثة بعيدة كل البعد عن تراثنا وأسسنا ومبادئنا، فاستحالة الوصول إلى تأطير أسس ثابتة تتعاطى مع كل حديث ومتقدم قد دفع بنا إلى التشبث بالذرائع التي ستبقينا ( كُسالى ) وربما ستحيلنا إلى مجتمعات أكل عليها الدهر وشرب.

على الرغم من أن المفاهيم التي طرحها الغرب قد أبتغى من أغلبها أدلجة العالم وفق ما يريد ويرغب، ولكن الأمر يتوقف على التمحيص الدقيق الذي يجعل الكفة راجحة.

فمن لم يفكك رموز هذهِ المفاهيم لا يستطيع الاستفادة من خيراتها، ومن يبقى بعيداً عنها خوفاً منها سيزداد تهالكاً وتراجعاً.

فكيف نتعاطى وبشيءٍ من العقلانية والمرونة مع رياح الغرب المفاهيماتية؟ 

لقد انقسمت وجهات النظر حول ذلك إلى من يرى بأن الحل يكمن بأخذ هذهِ المفاهيم ووضعها على طاولة التشريح لمعرفة منهجها وما ميزاتها ورصد المفيد والضار منها، بغية البقاء في دورة حياة العالم، تفادياً للخروج منها والسقوط صرعى.

وآخرون يرون أن العكس هو الصحيح، فالتعاطي معها معناه نسف تراثنا وغربنة أفكارنا، ولكن النتيجة هي انحسار وعزلة وتخلف.

فهل نستطيع أن ننتج مفاهيماً تسير على التضاد من المفاهيم الغربية نحقق فيها ذواتنا ؟ فأن تمكنا من ذلك ففي تلك الحالة لا نصبح بحاجة لان نرتبط بكل أطر ونتاجات الغرب، وسنعزل أنفسنا عنهم ونجعلهم هم من يحاولون الوثوب للحاق بنا والأخذ بمعطياتنا، أما خلاف ذلك ستتحجر أفكارنا وحياتنا وكل ما يعتريها.

فعلينا أن نرتفع بأفكارنا إلى نظرةٍ حداثوية عقلانية قائمة على المنطق العقلاني الذي يبتغي التطور دون خسائر مادية محسوسة ولا مادية تمس كل مقدس وراسخ من قيم وأرثٍ ثقافي واجتماعي.

إن الغرب لم يخطط لصنع فجوةٍ بيننا وبينه، وإنما وجدنا كلينا الأمر كذلك، فقد تقدم الغرب كثيراً وواكب العصر بل هو من أعطى روحاً للعصر بمخترعاتهِ وتطوراتهِ، وعلى العكس بقيت مجتمعاتنا تراوح في مكانها، فأبتعد الغرب عنا كثيراً وبقينا نُحدّق بأنظارنا لا نعرف ماذا نفعل، وربما نعرف ولكننا لا نريد، أو أن لنا مبرراتٍ أخرى، فتكونت الفجوة رغماً عن الاثنين، إلا أن هناك رابح وخاسر، فلا الغرب يتمكن من منعنا أذا قمنا بالتطور والتقدم وتحطيم هذهِ الفجوة بيننا، ولا يمنعنا أيضاً أن بقينا في مكاننا دون حراك وتتكون فجوة هائلة بيننا وبينه.

إننا بحاجةٍ إلى رص أفكارنا نحو العقلانية لنعرف أين ستوجهنا وكيف ستكون نتاجات هذهِ الافكار علينا. فأن فشلنا فلنا الحق بالعودة إلى القهقرى وان نجحنا فلا ضير في مزيدٍ من التقدم.

أما وقوفنا عاجزون عن عمل أية شيء سيعرضنا إلى انجرافٍ من شيءٍ اسمه الدينامية الهادفة، التي ستقضي على استاتيكية جامدة لا تبغي التقدم والتحرك.

 وعليه فأفكارنا يجب أن تُقولب إلى موجاتٍ انفتاحية عقلانية لا تنسف الأصيل وتُبقي على الثابت، مع الأخذ بكل عصري ومتطور لمواكبة العالم والدخول في دورة حياتهِ، وعندها سيزول خوفنا من هكذا مفاهيم وستكون لنا القدرة على صنع ما هو أمضى وأقوى فاعلية منها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7 شباط/2008 - 29/محرم/1429