مكافحة تمويل الإرهاب مسؤولية عالمية

شبكة النبأ: رغم انه يعاني التلكؤ في الأداء فان السجل الأمني الكويتي من افضل السجلات العربية بكونه هو الوحيد الذي لا يدعم الارهاب والارهابيين قياسا بمواقف بقية الدول العربية، وخاصة بعض دول الخليج التي تُعتبر ملاذا آمنا ومنطلقا ومحطة لغسيل الأموال الإرهابية ايضا، وقد جاء في تقرير لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى عن بعض الارتباكات الكويتية وان عليها المزيد الذي تفعله بهذا الاتجاه.

ففي السادس عشر من يناير الجاري اصدرت اللجنة الخاصة بالعقوبات المتعلقة بالقاعدة وطالبان في مجلس الامن الدولي قائمة صغيرة بأسماء ثلاثة مواطنين كويتيين اعتبرتهم من الارهابين بزعم تأييدهم القاعدة.

لكن بالرغم من ان اجراء الامم المتحدة هذا يمثل خطوة طيبة الى الامام، من غير المرجح ان يكون له تأثير كبير اذا لم تنفذه الكويت بقوة. بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

غير ان ثمة مجال للشك في ان تفعل الكويت ذلك اذا تذكرنا سجل حكومتها المختلط في التصدي لعمليات تمويل الارهاب، ومع هذا، بات يتعين على جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة الآن تجميد اصول هؤلاء الرجال المالية، وتقييد سفرهم وهم: حامد العلي، وجابر الجلاهمة، ومبارك البذالي، وذلك بعد ان تمت اضافة اسمائهم لقائمة الامم المتحدة رقم 1277 التي تتضمن اسماء حوالي( 500 ) شخص وكيانات مرتبطة بالقاعدة وطالبان.

تقول وزارة الخزانة الامريكية، التي كانت قد حددت اسماء المواطنين الكويتيين الثلاثة قبل اكثر من ثلاث سنوات، ان العلي جند افراداً في الكويت للمحاربة مع القاعدة في العراق، وان فتاويه ايدت التفجيرات الانتحارية، وانه تغاضى عن هجمات 11 سبتمبر بالقول ان من الممكن استخدام طائرة ركاب لتدمير موقع مهم يكبد العدو خسائر كبيرة.

كما أمّن الجلاهمة دعماً مالياً ولوجستيكياً للقاعدة في العراق، وجند عددا كبيرا من الرجال للقتال من اجلها بما في ذلك تنفيذ تفجيرات انتحارية، وكان له اتصال مباشر مع اسامة بن لادن.

اما البذالي فقد اقتصر دوره على المساعدة في جمع المال لعدد من المنظمات الارهابية منها القاعدة، (أنصار الاسلام) في العراق و(عسكر طيبة) في باكستان وذلك من خلال التحدث في المساجد.

واتهمت وزارة الخزانة الامريكية ايضا كلا من الجلاهمة والبذالي بالالتقاء مع شخص تورط في اعتداء على اثنين من المقاولين الامريكيين في الكويت عام 2003 والتحدث معه حول امكان تمويل عمليات التدريب التي يقوم بها لكن يبقى العلي هو الابرز اذ كانت الحكومة الكويتية قد قاضته وادانته عام 2005 لاساءته للذات الاميرية لكن بالرغم من تجريده من اي منصب رسمي بقى محافظا على موقفه.

ففي مستهل حرب اسرائيل - حزب الله في لبنان عام 2006 - اصدر فتوى شهيرة شجب فيها حزب الله بوصفه حركة «رافضة شيعية» وطلب من الفلسطينيين الجهاد ضد اسرائيل وكان من شأن هذه الرسالة اللاهبة ان تشكل تهديدا لسجل حكومة الكويت الجدير بالثناء في المحافظة على اللُحمة الطائفية في بلد تبلغ نسبة الشيعة فيه %30.

وفي 2007 منعت وزارة الداخلية في الكويت عقد أية ندوات حول الخلافات الطائفية او القبلية معتبرة مثل هذه النشاطات مماثلة لممارسات محظورة اخرى مثل السحر والشعوذة وبالرغم من هذا بقي صوت الشيخ العلي مسموعا.

لكن يبدو ان قائمة الامم المتحدة المشار اليها اثارت قلق هؤلاء المتطرفين فقد ابلغ البذالي احدى الصحف الكويتية انه سوف يرفع قضية ضد احد البنوك لتجميده حسابا خاصا به وكان هذا في الواقع اول مؤشر علني على ان الكويت بدأت تتخذ الخطوات القانونية المطلوبة في مكافحة الارهاب كما ابلغ البذالي صحيفة اخرى انه سوف يرفض اية قيود ناجمة عن تقرير لجنة العقوبات بأية وسيلة ممكنة.

التصدي لعمليات تمويل الإرهاب

بعد صدور قائمة لجنة العقوبات الدولية، بات يتعين على الكويت قضائياً الآن اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء الرجال الثلاثة، غير أن سجلها في هذا المجال مختلط، ففي سبتمبر 2006 على سبيل المثال، استخدمت الحكومة فرق مراقبة خلال شهر رمضان كي تتأكد أن عمليات جمع المال والتبرعات لا تتم بهدف تحويل هذه الأموال لقضايا الإرهاب.. كما منعت الحكومة التبرعات النقدية، وحظرت على الهيئات الخيرية إرسال المال للخارج دون موافقتها.

لكن بالرغم من هذه الإجراءات، ذكر تقييم صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في مارس 2007 أن إجراءات الكويت لا تزال غير فعالة في تتبع النشاطات الإرهابية بالخارج بالرغم من أنها حققت تقدماً في مراقبة العمليات الداخلية.

بل وحتى الآن لا يندرج التمويل الإرهابي بشكل واضح في قائمة الأعمال الإجرامية بالكويت، كما لم توقع الحكومة بعد على الاتفاقية الدولية لعام 1999 التي تنص على حظر تمويل الإرهاب، والمشكلة أن لا تطلب بياناً بالعملات لمن يرغب بالمغادرة مما يُسهل عملية تهريب النقد إلى العراق وأفغانستان.

أسباب تضارب مواقف الكويت

تعكس خطوات الكويت الدقيقة والمتوازنة فيما يتعلق بالأصولية الإسلامية حقيقة واضحة هي أن المجتمع لا يزال محافظاً على طابعه الإسلامي التقليدي من وجوه عدة، صحيح أنك لا تلتقي في الكويت بالمطوعين (شرطة دينية)، كما في السعودية، وصحيح أن النشاطات اليومية العامة لا تتوقف خلال فترات أداء الصلاة، إلا أن الكويتيين يؤيدون على نحو عام التقاليد الإسلامية، فمن الصعب على الكويتي أن يجد أماكن لبيع الكحول أو للمقامرة أو الرقص المختلط.

وبما ان كل المواطنين الكويتيين تقريبا مسلمون، يؤمن الاسلام لهم هوية موحدة تعزز تلاحمهم الوطني. وهذا يعني بالتالي ان أي عمل تتخذه الحكومة ضد الاسلاميين سوف ينطوي على حساسية شديدة مهما كان قانونيا.

سياسيا، نجد المعارضة الاسلامية الموالية تشكل اكبر كتلة في البرلمان حيث تحتفظ فيه بـ 17 مقعدا من اصل 50.

ومن الواضح ان هؤلاء الاسلاميين راضون الى حد كبير بالمبادرات الرمزية وبتجنب تحدي النظام، فقد اعربوا عن نبذهم العنف السياسي داخل الكويت بل وقبلوا ضمنا الوجود الامريكي هناك.

لكن على الرغم من هذا، هناك مجموعة داخل الكويت تؤيد أو تتعاطف مع آراء المتطرفين ونشاطاتهم، ففي عملية استطلاع للرأي اجرتها مؤسسة بيو عام 2007 لمعرفة اتجاهات الآراء في العالم العربي بشكل عام، اعرب حوالي %20 عن اعتقادهم بأن التفجيرات الانتحارية للدفاع عن الاسلام مبررة احيانا.

وذكر %13 ان لديهم بعض الثقة في بن لادن.

صحيح ان مثل هذه الآراء غير منتشرة في الكويت على نطاق واسع، الا انها موجودة تحت مظلة بعض المتحدثين الاسلاميين.

من ناحية اخرى، على الرغم من نجاح الشرطة وقوات الامن الداخلي في الكويت في التصدي للارهاب الداخلي خلال السنوات الماضية، الا ان التأييد الاجتماعي والسياسي الذي يتمتع به الاسلاميون جعل الحكومة تتسامح مع بعض الخطابات الدينية وعمليات جمع المال لقضايا الجهاد في الخارج ضد اسرائيل والولايات المتحدة، بل ويلاحظ احدث تقرير سنوي لوزارة الخارجية الامريكية حول الارهاب الدولي ان الكويت استمرت في التردد بمواجهة المتطرفين في الداخل، وتساهلت مع مؤيدي النشاط الارهابي في العراق وافغانستان.

دور الامم المتحدة

بيد ان المؤشرات الواعدة التي صدرت عن الكويت في الآونة الاخيرة توضح الدور الهام الذي يمكن ان تلعبه الامم المتحدة في مكافحة الارهاب، فمثلا العديد من دول المنطقة تحتاج الكويت بين فترة واخرى موافقة من الامم المتحدة لاتخاذ خطوات صعبة احيانا تطلبها واشنطن، حتى ولو كان في تنفيذ مثل هذه الخطوات مصلحة عامة.

على أي حال، من الملاحظ ان دور الامم المتحدة في مكافحة الارهاب تراجع بشكل حاد لسوء الحظ في السنوات الاخيرة.. ففي عام 2007 لم تصدر سوى قائمة واحدة تضمنت اسماء ثمانية ارهابيين مرتبطين بالقاعدة، وطالبان، وهذا يعني بالمقارنة مع ما تستطيع الولايات المتحدة انجازه في الحرب ضد القاعدة في الكويت وبقية انحاء المنطقة ان هناك حاجة لتنشيط دور الامم المتحدة في هذه المسألة باعتباره اولوية تهم جميع بلدان العالم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 6 شباط/2008 - 28/محرم/1429