شبكة النبأ: دائرة الرعاية
الاجتماعية، مكان اصبح ملاذا للعشرات من الاطفال والشباب الذين غدرت
بهم الايام، ولعل بعضهم فقد الأحبة والأهل وأصدقاء الطفولة الجميلة
وحلموا بالشوارع والأزقة التي تربوا فيها، ولكل واحد منهم ذكريات وطموح
بالحياة الا انها تحطمت بين جدران الرعاية الاجتماعية التي تعد بالنسبة
اليهم الأم والأب والصديق، وأصبح المربون فيها هم الآباء..
الحزن هو السمة الحقيقية المهيمنة على وجوه الأيتام لأنهم فقدوا أعز
شيء لكنهم لم يعقدوا الأمل الذي أوصلهم الى دار الرعاية الاجتماعية
والتي تقدم كل يوم مايلزم لهؤلاء من مأكل وملبس وغذاء ودواء، وأن صاحب
الحظ السعيد منهم مَن يجد ملاذاً آمناً في دور الرعاية الاجتماعية
ويبقى بعيداً عن التشرد والانحراف والاستغلال في الشوارع والأزقة.
وربما اليوم نفتح موضوعاً مهماً ومؤلماً لأننا نحمد الله كثيراً
الذي وهبنا عقلاً نيراً نتقي فيه عثرات الأيام الصعبة..
يقول عبد الخالق عزيز محمد، وكيل مدير الرعاية الاجتماعية في كربلاء
لـ(شبكة النبأ).. أن دائرة الرعاية الاجتماعية في كربلاء تضم أكثر من
75 مستفيدا وهم يقسمون الى ثلاثة أقسام من بسيطي ومتوسطي وشديدي العوق،
وأن هذه الدار كانت في بغداد في منطقة المنصور، ولكن بسبب ظروف الحرب
ولوجود الأمان في محافظة كربلاء المقدسة فقد أنتقلت هذه الدارالى هنا،
مع وجود دور أخرى في بغداد مثل دار الحنان ومستشفى الرشاد، والداخل الى
هذه الدار يخضع لضوابط وشروط لدخوله اليها من خلال لجان من وزارة العمل
والشؤون الاجتماعية وتقارير طبية تؤكد حاجة المستفيد واستيفاء الشروط
اللازمة. ورغم ان الأعداد في هذه الدار كبيرة مقارنة مع أعداد العاملين
فيها إلا ان جهود الجميع كانت هي السمة الأكثر بروزاً.
واضاف عبد الخالق، إن رعاية هؤلاء فيها أجر كبير لأن اكثرهم
ايتاماً، واليتيم قد أوصى به العلي القدير في كتابه العزيز (وأما
اليتيم فلا تقهر)، فهم يحصلون يومياً على ثلاثة وجبات للطعام، ويتم
أيضاً تبديل الملابس يومياً لشديدي العوق وحرق الملابس القديمة لأن
هؤلاء لا عقل لهم ويمكن أن تتصور من لا عقل له كيف يصنع.
أضافة.. ان الدار تقوم بتوزيع بدلات كاملة كل أسبوع على متوسطي
وبسيطي العوق وأحذية على قدر حاجتهم وحلاقة مستمرة لهم مع أستحمام يومي
يقوم به المربين.
وجميع هذه الأشياء يتم شراءها من السوق المحلية وبالمبالغ التي
نحصل عليها من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.
ويتابع عبد الخالق، لدينا مبلغ 2 مليون دينار كرصيد، مع تسليف مستمر
نحصل عليه من الوزارة والدعم مفتوح والحمد لله، وقد حصلنا مؤخراً على
مبلغ 7 مليون دينار من الوزارة أيضاً تم فيها شراء ما يلزم للمستفيدين
ولم تبخل علينا الوزارة في يوم والرعاية مستمرة.
وبخصوص زيارات المسؤولين قال السيد الوكيل، بعد زيارة محافظ كربلاء
الدكتور عقيل الخزعلي بدأت مراحل الاعمار في دائرة الرعاية، فقد أوعز
المحافظ بالاهتمام في هذه الدار، وتم بناء أجنحة جديدة وهي قيد الانجاز
كما تم شراء خزانات ماء وتبديل زجاج النوافذ والأبواب وبناء غرفة للحرس
واستعلامات جديدة، وهناك زيارات مستمرة لوكيل المدير العام.
كما زارت الدار لجنة من وزارة الأوقاف، وتبرعت الى الدار بمادتي
(الطحين والرز) شهرياً وهناك أيضاً عدد من المحسنين يقدممون تبرعات
للدار، ومنهم (مطحنة الهناء) التي تقدم أيضاً الطحين الى دار الرعاية.
مشاكل وهموم الدار
لم تكن دار الرعاية الأجتماعية الوحيدة التي تعاني من المشاكل فلكل
دائرة مشاكلها الخاصة إلا أن مشاكل دار الرعاية الاجتماعية بحاجة الى
الحل لأنها تخص أيتام وأطفال هم بأحوج مايكون، فوكيل مدير دار الرعاية
الاجتماعية يؤكد القول ان، الدار تعاني من نقص كبير في الكوادر فعددهم
36 فرداً، وبينهم مراقبَين فقط أحدهما يعمل في الليل والآخر في النهار،
والسبب يرجع الى قلة رواتب المنتسبين، فراتب المراقب يبلغ 100 ألف
دينار فقط وهل يكفي هذا المبلغ أمام الأسعار التي أحرقت كل شيء.
ويتابع، ورغم الحاجة المتكررة الى فتح شواغر للتعيين وبراتب جيد إلا
ان ذلك لم يحصل وليس هناك مصداقية في التعيين، ونطالب من خلالكم تغيير
نظام العقود لكي لايتساوى العامل مع خريج الكلية. وأن جميع من في الدار
هم من خارج المحافظة وأن سكنهم الدائم هو في دور الرعاية، أي ليس لديهم
معيل سوى الدائرة وان أعدادهم الكبيرة تحتم علينا أن نهتم بهم.
أُمهات ودموع
بين براءة الأطفال وآلامهم الكثير من اللحظات الحزينة والمؤلمة،
فبعض النزلاء أنقطعت بهم السبل ولم يعد يسأل عليهم احد، أما البعض
الآخر فيكتفي أهله بالسؤال عنه والاطمئنان عليه من خلال الأتصال
الهاتفي!!!!، لكن الآخرين يجدون الحضن الدافيء للأم الرفيق الدائم
معهم.
فوالدة محمد موفق محمد، هي إحدى الأمهات التي حضرت الى الدار يوم
وجودنا، وكم كانت حرارة الدموع التي سقطت على خد ولدها مؤلمة ومؤثرة،
ولكنها كانت دفئاً كبيراً له في ايام الشتاء القارص هذه الأيام، وكانت
الأمل الدائم لمحمد المعاق عقليا، لكن حضوره الى جانب أمه هو الأكثر
ألماً.
فتقول.. لم أعذر نفسي رغم مرارة الأيام وصعوبة الوصول إلا أنني لم
أنقطع عنه يوماً وأنا أسكن الآن في بغداد في منطقة الصليخ ولم يُنسنِ
الطريق ولدي، فأنا بحاجة إليه لكنني وجدت الإطمئنان عليه أكثر في هذه
الدار التي يحصل على كل شيء فيها وتعلق بها.
ولم يكن محمد الوحيد الذي تعلق في هذه الدار، فأبو علي مواليد 1943
هو الآخر قد تعلق بها ، فقد عمل فيها منذ سنين طويلة وأُحيل الى
التقاعد منها، لكنه رجع الآن الى العمل بدون أجر من أجل أن يخدم
مستفيدي الدار خدمة إنسانية. إضافة الى حثه العاملات على الإهتمام في
نزلاء الدار لأنهم بمثابة أطفالهن.
وقبل أن نختم موضوعنا، شاهدنا الكثير من الأدوية التي ملأت مخزن دار
الرعاية من دائرة صحة كربلاء وفيها أدوية مختلفة ومعقمات ومستلزمات
وأجهزة طبية لقياس ضغط الدم وفحص نسبة السكر، ولكن كل ما يملأ الدار من
احتياجات وأشياء لا تعوض عن عاطفة الحنان التي تربط الجمع بذويهم وربما
تكون قاعات الرعاية الاجتماعية تحمل بصيصاً من الأمل كي تسعد الجميع
وتعوض عن وحشة الأيام والحاجة الى الأهل وتساهم عقولهم في طرقات
الأمهات وتستعيد عنهم ضجيج القيل والقال.
وكما قال سيد البلغاء الإمام علي بن أبي طالب (ع): (العقل زين
والسكون سلامة.. فإذا نطقت فلا تكن مكثارا.. وان ندمت على سكوت مرة..
فلقد ندمت على الكلام مراراً).
ويبقى من اصبحت دار الرعاية الاجتماعية بيته وملاذه ينتظر لمن ينظر
اليه بعين العطف والمسؤولية.. وتقع نظرته الأولى على حكومته المنتخبة
والمحسنين لمد يد العون والرعاية.. |