سجالات وانقسامات حول الحجاب في تركيا

إعداد:علي الطالقاني

شبكة النبأ: يثير موضوع الحجاب جدلاً كبيراً في العالم الغربي، حيث أصدرت فرنسا و تركيا على وجه الخصوص قراراً يمنع لبس الحجاب في المدارس والثانويات العامة وأماكن أخرى، ويندرج هذا القرار ضمن إطار سياسة التمييز العنصري والتعامل السلبي مع الإسلام وعدم إتاحة الفرصة لفهم الحجاب ودوره في المجتمعز

 ويبدو ان الوضع دخل في دائرة خطيرة تمس طائفة كبيرة من نفوس العالم التي تتمثل بالمسلمين، والذين يعتبرون مسألة الحجاب واجب على المرأة المسلمة على اعتبار الحجاب للمرأة بمثابة الدرع الواقي من الفتنة والافتتان، وأنه بكشف الحجاب يكشف عن عورة المرأة التي طالما أوصت التعاليم الإسلامية بصون عفتها، وجعلها عزيزة الجانب، سامية المكان.

الأسبوع المقبل ستكون تركيا على موعد مع حدث مهم، وهو تصويت البرلمان على تعديل دستوري يقضي بالسماح للمحجبات بدخول الجامعات.

وما كان لهذا التعديل أن يمر لولا المساهمة الحاسمة لحزب الحركة القومية في التعديل، بتأمينه نصاب الثلثين، إضافة إلى نواب حزب العدالة والتنمية.

وكما هو متوقع، انفتح السجال واسعا بين العلمانيين المتشددين وبقية أجزاء المجتمع التركي، حتى بدا كما لو أن التعديل أصبح قدرا، فتحول النقاش إلى ما بعده، ورفع دعوى أمام المحكمة الدستورية، لإبطاله.

ولعل ما قد يريح موقف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية هو ما أعلنه رئيس أركان الجيش ياشار بويوك انيت بأن موقف المؤسسة العسكرية معروف ولا حاجة لإعلانه.

ومع أن البعض داخل تركيا فسّر تعليق رئيس الأركان على انه معارضة لارتداء الحجاب في الجامعات، إلا انه لم يشبع رغبة العلمانيين المتشددين في موقف أكثر وضوحا. فرئيس الأركان لم يقل انه لا يوافق على السماح بارتداء الحجاب، وإن فُسِّر كلامه على انه «لا غض للنظر» عن التعديل.

فلو أعلن الجيش معارضته لارتداء الحجاب، وأصرّ حزبا «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» على تعديل الدستور، فما الذي سيحصل؟

ويبدو أن الجيش لا يريد أن يكرر «خطأ» 27 نيسان ,2007 عندما اعلن معارضته لوصول إسلامي زوجته محجبة إلى البرلمان. فكان أن تحدّاه حزب «العدالة والتنمية»، بالذهاب إلى الشعب وتحقيق انتصار كاسح أوصل عبد الله غول ـ وزوجته محجبة ـ إلى رئاسة الجمهورية.

اليوم يحاذر الجيش من الوقوع في الخطأ ذاته. فلدى حزبي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، ومعهما حزب «المجتمع الديموقراطي» الكردي، نحو 70 في المئة من الأصوات، ولديهم أكثر من 430 من اصل 550 نائبا في البرلمان. فكيف سيقف الجيش موقفا معارضا لهذه الأكثرية الساحقة من المجتمع، مجتمعة؟ وكيف له أن يظهر أمام الرأي العام بمظهر من يعارض القوانين التي تصدر عن ممثلي الشعب؟

لذا، يمكن للجيش أن يمنع دخول المحجبات إلى المراكز العسكرية ليس أكثر. أما وظيفته في حماية العلمانية، التي ينص عليها قانون الجيش، فلتوكل هذه المرة إلى القوى غير المسلحة. وبالتالي فإن تمرير القانون في البرلمان بات شبه مؤكد ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان.

ويتساءل حسن جمال في صحيفة «ميللييت»، «أما آن لتركيا أن تنتهي من عهود الممنوعات التي لم تنفعها منذ ثمانين عاما؟ وهل ساهم قانون منع الحجاب في الجامعات في حل هذه القضية؟»، مضيفاً أنه «رغم الملاحظات (التي يبديها) على القانون المقترح، لكنه يعتبر الحل المعقول الوحيد القادر على إنقاذ تركيا من قانون الحظر المعيب للديموقراطية التركية».

ويقول مراد يتكين في صحيفة «راديكال» «يجب ألا ينتظر احد موقفاً من الجيش، يحوّل قضية التعديل الدستوري إلى أزمة»، وهذا الموقف يضاعف من مسؤولية رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في هذا الموضوع.

ويرى الكاتب طه اقيول أن أفكار العلمانيين المسبقة، والداعية إلى استمرار حظر الحجاب، لا تؤدي سوى إلى استمرار حرمان الفتيات المحجبات من التعلم في الجامعات، وهذا مناقض لمفهوم الحداثة وعلى أصحاب الأفكار المسبقة أن يختاروا بينها وبين العلم، فيما لا يستبعد الكاتب فكرت بيلا أن تنشأ المشكلة مجددا، في حال رفعت دعوى أمام المحكمة الدستورية، التي قد تقول بمخالفة التعديل للبند الثاني من الدستور، حول عدم جواز إجراء تعديل عليه.

وطالت النقاشات حتى تفاصيل الحجاب، كأن يبدأ حجاب الطالبة من تحت الذقن بحيث يكشف كامل الوجه، وهي دخول في التفاصيل اعتبرته العديد من المحجبات «تدخلاً في مجال الحرية الدينية» وليس من حق المشترع خوضها، فكما يحق للبعض ارتداء تنانير قصيرة، وللشباب أو يكونوا ملتحين، فللمحجبة أن تختار طريقة ارتدائها للحجاب.

لكن فتيات أخريات ذكرن أنهن سيلتزمن بما سيقرره القانون الجديد، الذي اعتبرنه خطوة مهمة على طريق تعزيز الحريات.

وفي الواقع، حتى في صفوف الإسلاميين فقد انقسموا في ما بينهم على مشروع التعديل، بعدما خرجت أصوات تنادي بتعميم الحجاب على المدارس والدوائر الرسمية.

فصحيفة «زمان» المؤيدة لرجل الدين فتح الله غولين، الموجود في الولايات المتحدة منذ سنوات للعلاج، اعتبرت صيغة التعديل حلا وسطا، فيما عنونت صحيفة «وقت» الإسلامية المتشددة صفحتها الأولى، احتفالاً: «الحظر سيلغى»، بينما وصفت صحيفة «مللي غازيتيه»، المؤيدة لنجم الدين اربكان التعديل بـ«الحرية المحدودة» وبأنه غير كاف، في حين أيّدت صحيفة «يني شفق» المؤيدة لـ«العدالة والتنمية» التعديل، لكن كتاّبها انقسموا حول تقويمه.

إذا دخل الحجاب فسنخرج!!

وهدد عدد كبير من الاساتذة الاتراك بترك الجامعات اذا اقر البرلمان التعديلات الدستورية التي ستلغي الحظر المفروض على الحجاب في الكليات.

وخلال اجتماع طارئ للهيئة العليا لرؤساء الجامعات التركية في انقرة، هدد رئيس المجلس الاعلى للتعليم العالي يوسف اوزجان رؤساء الجامعات، مشددا على انه ليس من صلاحياتهم مناقشة التعديلات الدستورية.

واشار الاساتذة في بيان لهم الى ان حكومة حزب العدالة والتنمية تسعى الى تغيير النظام العلماني الديموقراطي القائم في تركيا من خلال السماح للحجاب في جميع المؤسسات الرسمية. وهدد الاساتذة بالتصدي لسياسات الحكومة بالوسائل المختلفة، مهما كان حجم التهديدات. وجاء الرفض الثاني للحجاب في بيان مشترك لـ26 نقابة مهنية منها الاطباء والمهندسين والمحامين، اعتبروا فيه مساعي الحكومة بانها محاولة لجعل تركيا دولة اسلامية. في المقابل، وجه عدد من عمداء جامعات تركيا،انتقادات شديدة الى الحكومة التركية بسبب خططها لإصدار قرار يسمح بارتداء الحجاب في الجامعات التركية. واجتمع حوالي 100 اكاديمي في انقرة والتقوا بأعضاء «حزب الشعب الجمهوري» المعارض من أجل الاتفاق على طرق لمنع اصدار القرار الذي يسعى الى تغيير عقود من الحظر على الحجاب في مؤسسات التعليم العالي في البلاد. ويتهم المعارضون للحجاب الحكومة التي يرأسها حزب «العدالة والتنمية» ذات الجذور الاسلامية بأنها تسعى الى توسيع هذا القرار ليشمل الدوائر الحكومية والمدارس. وبينما بدأت لجنة برلمانية ببحث مسودة القرار الذي من المتوقع التصويت عليه الاسبوع المقبل، اصدر الاكاديميون بياناً جاء فيه: «لا يمكن السماح للمصالح السياسية، المخبأة بأنها حرية دينية، بأن تهدد الحرية العملية في الجامعات». وأضاف البيان الذي صدر في نهاية الاجتماع الطارئ أمس: «نحن قلقون من غرق الجامعات بالفوضى». وقال رئيس مجلس جامعات تركيا مصطفى اكيدين ان قرار السماح بالحجاب «سينهي النظام العلماني». وحذر الاكاديميون من ان القانون الجديد، في حال تم اقراره من قبل الغالبية من «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة الوطنية» في البرلمان، سيؤدي الى تظاهرات في شوارع تركيا وفوضى تهدد استقرار البلاد. ومن المتوقع ان تسير تظاهرة من العلمانيين في أنقرة للتظاهر ضد السماح لارتداء الحجاب في الجامعات.

تسوية لتخفيف الحظر

من جانبه كشف حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، ذو الجذور الاسلامية، والقوميون عن تسوية لتخفيف الحظر على ارتداء الحجاب في الجامعات. ويعارض علمانيون أتراك؛ وبينهم جنرالات بالجيش وقضاة منذ فترة طويلة أي تخفيف للحظر. ويقولون ان ذلك قد يضر بانفصال الدولة عن الدين. وأدت القضية الى اجراء انتخابات مبكرة العام الماضي بعد اجتماعات حاشدة للعلمانيين وتحذيرات للجيش. وقال مسؤول برلماني لرويترز «ان الاقتراح أرسل الى البرلمان وعليه توقيع 348 نائبا من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية». وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للمشرعين من حزبه (العدالة والتنمية) في تصريحات بثت تلفزيونياً «هدفنا هو إنهاء الظلم الواقع على طالباتنا وليس هناك هدف آخر». ويتحتم على أردوغان الذي ترتدي زوجته وبناته الحجاب التحرك بحذر خشية اثارة رد فعل قوي من جنرالات الجيش. وكان الجيش قد أطاح حكومة رئيس الوزراء السابق نجم الدين اربكان التي اعتبرها بسبب جذورها الاسلامية، تهدد مبادئ الجمهورية التركية عام 1997. وسيرفع الاقتراح الجديد الحظر المفروض فقط على ارتداء النساء لغطاء الرأس يغطي حتى أسفل الذقن في حين أن الحجاب الذي يغطي الرأس ويدور حول منطقة الصدر بالكامل سيظل محظورا داخل الحرم الجامعي.

والبرقع الذي يغطي الجسم بأكمله والاشكال الاخرى للزي الاٍسلامي ستظل محظورة كما ستمنع النساء اللائي يقمن بالتدريس في الجامعات والموظفات من ارتداء الحجاب. وقال دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية اليميني لاعضاء حزبه في البرلمان في تصريحات بثها التلفزيون، «بمقتضى خطتنا يجب أن يظل وجه النساء مكشوفا». وتتابع أسواق المال عن كثب الخلاف خشية أن يتجدد التوتر في الدولة التي تسعى للانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي بين حزب العدالة والتنمية والكيان العلماني. ومما يسلط الضوء على حساسية قضية الحجاب، بدأ حزب العدالة والتنمية تحقيقا الاثنين مع أحد نوابه الذي قال ان الهدف في نهاية الامر هو رفع الحظر المفروض على الحجاب تماماً. وقد يواجه عضو البرلمان اجراءات تأديبية من الحزب. وانتقد بالفعل أعضاء بالسلطة القضائية في تركيا ورؤساء جامعات الخطوات المتعلقة بالحجاب. ووصفوها بأنها غير دستورية، وتضر بـ«السلم الاجتماعي»، ولكن الجيش الذي يعتبر نفسه الضامن الأساسي للنظام العلماني يلتزم الصمت.

............................................................

المصادر/

القبس الكويتي + جريدة الشرق الأوسط + جريدة السفير 

*المركز الوثائقي والمعلوماتي

مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام

www.annabaa.org

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4 شباط/2008 - 26/محرم/1429