أضواء على التاريخ الاكاديمي في مصر القديمة

شبكة النبأ:  عن الايام الخوالي والتاريخ الاكاديمي في مصر قبل مائة عام صدر كتاب يعني بمرحلة بعينها  في زمن سعد زغلول والملك فؤاد.

ويلقي الكتاب عن الجامعة المصرية أضواء عن جوانب من الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية في مصر قبل مئة عام حين شرع مثقفون ومهتمون بالعمل العام في تأسيس جامعة لا دين لها إلا العلم على حد وصف الزعيم سعد زغلول.

ويقول عبد المنعم إبراهيم الجميعي إن اللجنة الدائمة للجامعة والتي كانت برئاسة الأمير أحمد فؤاد (السلطان-الملك فيما بعد) وضعت لائحة تنظيمية تنص على أن تكون لغة التعليم هي اللغة العربية دون سواها لتكون واسطة لنشر المعارف وترقية العلوم بين الناطقين بالضاد ولكي ترتقي اللغة العربية نفسها بهذه الوسيلة.

ويضيف في كتابه (الجامعة المصرية القديمة.. 1908-1925. دراسة في الوثائق) أن ذلك يرجع إلى أن قادة الرأي وجدوا أن آثار الفرنجة الجارفة التي أصابت البلاد وصلت إلى اللغة العربية حتى أصبح أبناء الوطن لا يهتمون بلغتهم والمثقفون منهم يتفاخرون باستعمال اللغات الأجنبية للتفاهم والتعامل لكن ذلك لم يمنع استعمال لغات أجنبية وأساتذة أجانب يلقون الدروس بالانجليزية والفرنسية لإفادة الطلبة المصريين الذين سترسلهم الجامعة على نفقتها إلى معاهد العلم في أوروبا لكي يعودوا للتدريس في مصر باللغة العربية.

ويقع الكتاب في 383 صفحة كبيرة القطع وصدر عن المجلس الأعلى للثقافة بمناسبة مرور مئة عام على إنشاء أول جامعة في مصر.

وقال الجميعي لرويترز، إن هناك خطأ في الكلام المثار (في مصر) حاليا بخصوص الاحتفالات بمئوية جامعة القاهرة" لأن الجامعة المصرية افتتحت عام 1908 وتغير اسمها إلى (جامعة فؤاد الأول) عام 1940 ثم تحول الاسم إلى (جامعة القاهرة) عام 1953.

وضرب مثلا بالاحتفال عام 1969 بمرور ألف عام على إنشاء مدينة القاهرة حيث لم يبدأ التأريخ للمدينة بانشاء (الفسطاط) على يد عمرو بن العاص بعد دخوله مصر عام 640.

ويضم الكتاب صورا لوثائق منها قائمة بالمواد الدراسية والأساتذة القائمين بتدريسها ومرتبات الأساتذة واللوحة التذكارية التي وضعت في الحجر الأساسي لبناء دار الجامعة الأولى ببولاق الدكرور سنة 1914 حيث تبرعت الأميرة فاطمة اسماعيل بقطعة الأرض وحلي قيمتها 18 ألف جنيه لتمويل مبنى الجامعة (مبنى وزارة الزراعة الحالي بمنطقة الدقي).

ومن وثائق الكتاب أيضا صورة لنص دعوة مدير الجامعة العبرية بالقدس إلى إدارة الجامعة المصرية لحضور افتتاح الأبنية الأولى للجامعة الاسرائيلية والدعوة بالعبرية والعربية وهي مؤرخة في الثالث من مارس اذار 1925 حيث أقيم حفل الافتتاح أول ابريل نيسان.

وتنص الدعوة صراحة على أن الجامعة الاسرائيلية في القدس ستكون بيت القصيد لشؤون المعارف في فلسطين وليس من الضروري طبعا الاشارة هنا الى أن الجامعة تفتح أبوابها للطلبة دون فرق ولا تمييز في المذهب والعنصرية.

كما يقدم الكتاب ملامح عن هموم المثقفين والمصريين عموما في تلك الفترة وتوقهم الى الارتقاء بمعارفهم من خلال تعليم عصري.

فيقول المؤلف ان محمد عمر الموظف بمصلحة البوستة المصرية (البريد) دعا عام 1902 في كتابه (حاضر المصريين أو سر تأخرهم) الى انشاء جامعة في العاصمة كما قدم جرجي زيدان (1861-1914) في مجلة (الهلال) عام 1906 اقتراحا مماثلا تحت عنوان (المدرسة الكلية المصرية أو الجامعة المصرية).

وافتتحت الجامعة يوم 21 ديسمبر كانون الاول 1908 في حفل بحضور ساسة ومثقفين بمجلس شورى القوانين حيث ألقى كل من رئيس الجامعة وعبد الخالق ثروت وأحمد زكي خطبا في الحفل.

وينقل الجميعي عن سعد زغلول وصفه تلك الخطب قائلا ان أحسنها تلاوة والقاء ومعنى وعبارة خطبة عبد الخالق ثروت وأسوأها خطبة خطبة (فؤاد) رئيس الجامعة والخديو (عباس حلمي الثاني) وأثقلها على السمع وأبعدها عن الموضوع خطبة أحمد زكي لأنه تكلم فيها عن الإسلام ومجده بأمور متكلفة ليس من اللياقة القاؤها في افتتاح جامعة لا دين لها الا العلم.

ومن المفارقات التي يذكرها المؤلف أن زغلول كتب خطبة الخديو ثم انتقدها واتهمها بالسوء لأنها تغيرت كثيرا عما كتبه كما أن قاسم أمين (1863-1908) لم يذكر بشيء في الاحتفال رغم مجهوداته في تأسيس الجامعة.

ويضيف أن الدراسة بالجامعة بدأت في سراي الخواجة نستور جناكليس بميدان التحرير بوسط القاهرة (الجامعة الامريكية حاليا) بايجار سنوي بلغ 400 جنيه مصري ثم انتقلت الى سراي محمد صدقي عام 1915 بهدف الاقتصاد في النفقات حتى اقامة المبنى الجديد (وزارة الزراعة حاليا).

ويسجل الكتاب جانبا من الندية في علاقة رئيس الجامعة مع سعد زغلول ناظر المعارف (وزير التعليم) حيث طلب الامير فؤاد أن يستعين باسماعيل بك حسنين ناظر احدى المدارس في القاء بعض المحاضرات بالجامعة لكن زغلول - بصفته ناظرا للمعارف وصاحب الشأن- رفض لأن رئيس الجامعة لم يتصل به مباشرة.

وينقل عن زغلول قوله لست بطرطور في نظارة المعارف، اني لست ضد الجامعة ولا يمكن أن أكون ضدها لأني أحد مؤسسيها ولكن يلزم على رئيسها أن يعرف أن هناك ناظرا للمعارف وأنه اذا كانت لديه حاجة فليوجه طلبه اليه وكان فؤاد رئيس الجامعة يلقي محاضرات في الفروسية والرماية.

ويقول المؤلف ان البريطانيين "كانوا يبغضون اتصال المصريين بالتعليم الاوروبي ورغم وقوع البلاد تحت الاحتلال البريطاني منذ 1882 فان الجامعة اهتمت بايفاد الطلبة لأوروبا الاستكمال معارفهم في جامعاتها واشترطت على المبعوث أن يكون مصريا وألا يعمل بالسياسة وألا يتزوج خلال البعثة" ولكي تضمن الجامعة عودة الأموال التي تنفقها على مبعوثيها بالنفع عليها اشترطت عليهم التدريس بها لمدة عشر سنوات على الأقل بعد حصولهم على الدرجات العلمية التي أوفدوا من أجلها ومن يتراجع عن هذا الشرط يسترد منه الأموال التي صرفتها الجامعة على تعليمه كما كان على المبعوث أن يؤلف بالعربية أو يترجم اليها كتابا في العلوم التي درسها بالخارج.

ويضيف أن الجامعة أنشئ بها عام 1911 فرع نسائي أثار بعض المحافظين الذين حاولوا منع النساء أن يحضرن المحاضرات التي تنوعت بين الفلسفة وعلم النفس والتربية والاخلاق الخاصة بالنساء وشاركت في القائها نبوية موسى ناظرة مدرسة المعلمات بمدينة المنصورة ولبيبة هاشم صاحبة مجلة (فتاة الشرق) وملك حفني ناصف ورحمة صروف اضافة الى "مدموزيل كرفروير" المدرسة بمدرسة راسين بباريس.

ويقول الجميعي ان من المواظبات على حضور تلك المحاضرات هدى شعراوي وصفية زغلول وفاطمة عمر شقيقة عبد العزيز فهمي سكرتير الجامعة الذي أرسل خطابات الى نساء الطبقة الراقية يدعوهن للحضور فاعتبر بعض المحافظين كتابة أسماء نساء على أظرف الخطابات بمثابة العار حيث سيعرف رجل أجنبي هو ساعي البريد أسماءهن وأرسلوا خطابات تهديد بالقتل الى فهمي وأدت تلك المعارضات الى ايقاف التدريس بهذا الفرع في العام الدراسي 1912-1913.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 3 شباط/2008 - 25/محرم/1429