المأساة العراقية: استيراد الموت وتصدير الحزن

اعداد/ صباح جاسم

شبكة النبأ: تتشضى حالة البؤس والشقاء العراقية لتنتج حزناً  يعبر البحار ويتجاوز كل مدى، بينما يستمر الموت بالتربص بالعراقيين في ضوء وجود 25 مليون لغم على ارض العراق، بمعدل لغم واحد لكل عراقي تقريبا.

عندما قُتل جندي مشاة البحرية الامريكية راؤول برافو الإبن في العراق العام الماضي انضمّت عائلته الى الاف الامريكيين الاخرين الذين عانوا من مأساة رؤية احبائهم يقتلون في الحرب.

وعندما يفكر والدا برافو المطلقان وشقيقاته الثلاث في لاس فيجاس في الكيفية التي سيصوتون بها في انتخابات الرئاسة التمهيدية التي تجري الاسبوع القادم في نيفادا فانهم يختلفون بشأن الدروس الناجمة عن وفاته.

فقد جاء والد راؤول برافو (68 عاما) بطريقة غير مشروعة الى الولايات المتحدة في عام 1966 من قرية صغيرة في المكسيك وتم ترحيله مرتين وحصل على اقامة قانونية بعد الزواج من امريكية. وعمل بجد وأنشأ اسرة في نيفادا.

وقرر ابنهم الوحيد راؤول الابن الانضمام الى مشاة البحرية عندما كان في المدرسة الثانوية وخدم فترتين في العراق وكتب رسائل مثيرة للعاطفة عن الوطنية على شبكة الانترنت.

وكتب الجندي برافو بشأن منتقدي الحرب في عام 2005 يقول، اذا لم تذهب الى هناك فاصمت. وقال، انت لا تعرف ما هو الوضع. انت لا تعرف ان الناس هناك يريدوننا هناك وانهم يحتاجون الينا هناك. وانت لا تعرف كيف يكون الحال عندما تكون بعيدا الاف الاميال عن الوطن وعن الاشخاص الذين تحبهم وعن كل شيء تعرفه وتهتم به.

واضاف، نحن جميعا نعلم ونحن جميعا اردنا الذهاب الى هناك ... لكي نصنع فرقا. نحن نعلم ونقبل المخاطر. ليس من اجل الشهرة أو المجد أو الاموال. لكن لاننا نريد ذلك من اعماقنا نشعر بذلك .. نريد ان نذهب.

ووالد برافو لم يشجع ابنه على الانضمام الى الجيش الامريكي لكنه أيد قراره وتحدثا مرة أو مرتين شهريا عندما كان في العراق. وكان الابن يرسل 250 دولارا شهريا من راتبه لمساعدة والده الذي تقاعد من العمل في شركة مياه ايلكو بنيفادا ووعد برعاية برافو بعد عودته من الحرب.

وقالت الاسرة انه عندما عاد جندي مشاة البحرية الى أرض الوطن كان قد اصيب بتشوهات خطيرة في انفجار تسبب في بتر اطرافه وجزء من وجهه.

وبكى برافو وهو يجلس على مائدة العشاء وهو يتذكر كيف ان ابنه في بعض الاحيان كان يتحدث اليه في احلامه بعد وفاته في الثالث من مارس اذار وهو في الواحد والعشرين من عمره في محافظة الانبار في العراق. وبينما تجري نيفادا انتخابات الرئاسة التمهيدية يوم 19 يناير كانون الثاني لاختيار المرشحين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات العامة التي ستجري في نوفمبر تشرين الثاني القادم قال الوالد ان قضية العراق هي التي ستوجه تصويته. وقال انني لا اريد ان تعاني اسرة اخرى على هذا النحو .. كل ذلك مقابل ماذا ..

وقال برافو، ما أقوله هو .. اخرجوا قبل ان يعاني كثير من الناس. مضيفا، انه يفكر في التصويت لصالح عضوة مجلس الشيوخ الديمقراطية عن نيويورك هيلاري كلينتون.

اما الابنة ايزابيلا وهي معاونة طبية مسجلة على انها مستقلة فهي تستخلص درسا مختلفا عن وفاة شقيقها وتفكر في التصويت لصالح الحزب الجمهوري. وهي تشير الى والدها كمثال لمهاجر غير شرعي سابق انتهى به المطاف بتقديم اسهام الى الولايات المتحدة.

وقالت والدموع تنساب من عينيها، تم ترحيله مرتين ثم قام بتنشئة هذا الابن الذي حارب من اجل هذا البلد ومات من اجله.

وقالت جوي ماريسكو (52 عاما) زوجة برافو السابقة انه لانهاء الحرب الان بدون انهاء المهمة الامريكية سيكون بمثابة اهانة للتضحية التي قدمها ابنها. وقالت، رغم الدموع التي اذرفها وبكائي على ابني تمر ايام كثيرة افكر فيها في الشعب العراقي وما مر به.

اما شقيقته راشيل (26 عاما) التي سجلت على انها ديمقراطية منذ ثماني سنوات وصوتت لصالح المرشحين الديقراطيين ال جور وجون كيري في المرتين السابقتين في انتخابات الرئاسة فقالت انها ربما تصوت الان لصالح الحزب الجمهوري للمرة الاولى. ويقوم راؤول برافو بزيارة قبر ابنه مرة أو مرتين اسبوعيا وهو يفكر في حرب العراق.

دوامة البحث عن المخطوفين في بغداد

طوال اكثر من عام لم يترك كريم فرج مكاناً إلا ولجأ اليه بحثا عن اخيه الذي خُطف في احد احياء بغداد عله يجد ما يرشده اليه حيا كان ام ميتا حيث لم يعد الامر يشكل له اية اهمية.

وكان علي فرج وهو متزوج ولديه ولدان اكبرهما عمره 11 سنة وبنت معاقة في الثالثة من عمرها قد خطف من احد احياء مناطق بغداد قبل اكثر من سنة.

وقال كريم فرج وهو شيعي يسكن الشعلة في غرب بغداد، لم نترك مستشفى او سجنا لوزارة الداخلية او الدفاع ومنظمات الهلال الاحمر وحتى السَحَرة الا وذهبنا اليهم...كل يوم اذهب للطب العدلي (المشرحة) لاحتمال العثور على جثته ان كان ميتا.. لكن كل هذه المحاولات فشلت...لا شيء ممكن ان يدلنا عليه سواء حيا او ميتا.

واضاف بعد هذه الفترة الطويلة التي مرت على اختفاءه، لم يعد يشكل الامر عندي اي فرق .. سواء وجدناه حيا ام ميتا المهم ان اعثر على مايساعدنا على انهاء هذه المعاناة التي نعيشها.

وتعكس قصة اختفاء شقيق فرج وعدم تمكن عائلته من العثور على اثر له حالة تحولت الى مايشبه الظاهرة في المجتمع العراقي حيث تعاني المئات من الاسر من عدم العثور على ذويها الذين تعرضوا للاختطاف في اوقات سابقة.

وكانت عمليات الخطف والخطف الطائفي والتي عرفت في البلاد بالخطف على الهوية قد ازدادت حدتها بشكل كبير وخاصة بعد حادثة تفجير مزارين شيعيين في سامراء في فبراير شباط عام 2006 حتى تحولت الى ظاهرة يومية قبل ان تنخفض بشكل كبير قبل عدة اشهر بعد ان شهدت الساحة العراقية تطورات سياسية واخرى امنية ساهمت بشكل كبير في انحسارها.

وشهدت مدينة بغداد خلال نفس الفترة ظاهرة اخرى تمثلت بالخطف الجماعي حيث تعرض العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لعمليات خطف جماعي مدبرة ومنظمة بشكل جيد عادة ماكان الافراد الذين يقومون بها يرتدون زي قوات الامن العراقية.

وقالت ام محمد من منطقة الصليخ شمال بغداد ان زوجها قاسم سويدان وهو سني يبلغ من العمر 50 سنة واثنين من اولادها هما قاسم 16 سنة وعبد الستار 15 سنة اختطفوا جميعا على يد مجموعة مسلحة كان يرتدي افرادها زي قوات الامن العراقية ويستقلون سيارات القوات الامنية بعد ان هاجمت في شهر اكتوبر تشرين الاول من عام 2006 المنزل المجاور لهم حيث يقيم الفريق عامر الهاشمي مستشار وزير الدفاع العراقي وشقيق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وقتلوه بعد مواجهة مسلحة. بحسب رويترز.

وشرحت ام محمد كيف حاول عامر الهاشمي الهرب من المسلحين، عندما قفز على سطح منزلنا ومنه الى سطح المنزل المجاور لنا محاولا الفرار منهم... لكنهم اصابوه وقتلوه على سطح جيراننا.

وقالت، عندما قتلوا الهاشمي دخل المسلحون الى منزلنا مباشرة وكان الوقت مازال مبكرا واخذوا زوجي واولادي الاثنين اضافة الى اربعة من العائلة المجاورة وهم الاب والام وولدا وبنتا.

وتحدثت ام محمد عن معاناتها في البحث على اثر لهم او من يساعد في العثور عليهم وقالت انها زارت، كل مكان من الممكن ان يتواجد فيه سجناء او محتجزون ... ومستشفيات لكني لم اعثر عليهم ابدا.

واضافت، منذ فترة طويلة تركت البحث وقررت ان اكرس وقتي لتربية ابني الصغير وابنتي في الجامعة ...انا الان شبه يائسة ان اجد زوجي مرة اخرى حيا وخاصة انه كان يعاني من جلطة في الدماغ.. لكني احاول ان اتمسك ببقايا امل في احتمال ان اعثر على اولادي احياء.

وقالت ام علي وهي شيعية متزوجة من سني من اهالي الاعظمية ان مسلحين خطفوا ولديها وهما علي جعفر (30 سنة) واخوه الاصغر محمد جعفر في يوليو تموز من العام الماضي.

وقالت، اقتحم مسلحون ملثمون المنزل وتوجهوا مباشرة الى غرفة على الذي كان يعمل باجر يومي بوزراة الدفاع واقتادوه وهو بملابسه الداخلية.. وبعدها باسبوع اختطفوا محمد الذي كان يبحث عن دليل يدله عن اخيه في الاعظمية.

واضافت، طوال سنة يئست من البحث والسؤال..لم يتصل اي احد بي سواء من الخاطفين او من اي طرف اخر يطالبني بفدية او اي شيء اخر.. ولم اسمع عنهما اي شيء منذ اختطافهما وانا في حيرة لا اعرف ماذا افعل او اين اذهب.

واعترف اللواء عبد الكريم خلف المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية بحجم هذه المشكلة وغيرها من المشاكل التي تواجه الوزارات الامنية وخاصة وزارة الداخلية.

وقال، هذه المشكلة ومشكلات اخرى مثل القتل والتهجير كانت من مخلفات فترة وقعت قبل سنتين كادت ان توصل البلاد الى الحرب الاهلية.. عمليات لم تستثن طائفة او اي شريحة من المجتمع."

الألغام الأرضية تهدد العراقيين وتعرقل التنمية

وقال مسؤولون إن ما يصل إلى 25 مليون لغم أرضي أي ما يعادل لغم لكل عراقي مازالت مدفونة في آلاف حقول الألغام في أنحاء العراق وانها تعرقل تطوير مخزونات النفط الغنية.

وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ إن الألغام تنتشر في نحو 4000 حقل ألغام تركت في أنحاء العراق بعد الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت في الفترة من عام 1980 إلى عام 1988 وحرب الخليج الأولى في عام 1991 والغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003 للاطاحة بصدام حسين.

وقال الدباغ في مؤتمر صحفي مع مسؤولي الأمم المتحدة في بغداد بشأن المشكلة إنهم مشغولون بأكبر خطر يهدد وجودهم وهو الإرهاب ولذلك فان وجود العديد من الألغام لم يجذب الانتباه الذي يستحقه. وقال الدباغ إنه يوجد لكل مواطن عراقي لغم يمكن ان يقتله في أي لحظة. بحسب رويترز.

وقالت وزيرة البيئة العراقية نرمين عثمان إن الحكومة عينتها لتقود الجهود لتطهير العراق من الألغام الأرضية.

وأضافت الوزيرة العراقية انه بسبب التلوث الناجم عن الألغام الأرضية خسر العراق الوصول إلى آلاف الأفدنة من الأرض الزراعية ولم يتمكن من الاستثمار في حقوله النفطية.

وقال ديفيد شيرار نائب الممثل الخاص للأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار والتنمية في العراق ان التلوث الشديد نتيجة للألغام الأرضية له العديد من الآثار المختلفة.

وقال، أهمية هذه المادة المتفجرة ليست في الأضرار التي يمكن ان تحدثها للاشخاص العاديين وإنما الآثار على التطوير الاقتصادي للعراق نفسه.

وقال إن تطوير احتياطيات النفط والصناعات الأخرى في جنوب العراق يصادف عراقيل نتيجة لوجود الألغام.

وقال إنه على سبيل المثال في مدينة البصرة الجنوبية محور صادرات النفط التي تدعم الاقتصاد العراقي الهش توجد أراض مساحتها 518 كيلو متر مربع غير مستخدمة بسبب وجود ألغام أرضية.

وقال، لا يمكن للناس استخدام تلك المنطقة الزراعية كما يجب أن يكون بامكانهم ... من اجل التنمية الاقتصادية.

وقال شيرار إن العراق في العام الماضي وقع معاهدة اوتاوا التي تحظر الألغام المضادة للأفراد لكنه أضاف ان الحكومة والمجتمع الدولي عليهما مسؤولية بذل مزيد من الجهود لتطهير العراق من الألغام. وقال إنها كانت خطوة مهمة أن تم تكليف نرمين عثمان بقيادة الجهود لتطهير العراق من الألغام الأرضية.

وقال، لكي تصبح عملية تطهير الألغام فعالة والتصدي لهذه القضية بطريقة مناسبة فان هناك حاجة إلى تفويض وزارة واحدة وتزويدها بالموارد والسلطة للمضي قدما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28 كانون الثاني/2008 - 19/محرم/1429